أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - بين تيهين: هجرة أم تهجير















المزيد.....

بين تيهين: هجرة أم تهجير


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 8050 - 2024 / 7 / 26 - 04:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بين تيهين: هجرة ام تهجير
تتابع عدة مراكز أبحاث ووسائل اعلام اسرائيلية مسألة هجرة بعض العائلات اليهودية من اسرائيل وقطع صلاتها بها نهائيا؛ وتختلف معطيات التقارير المنشورة حول اعداد المواطنين اليهود الذين غادروا الدولة بنية عدم العودة اليها والاسباب التي دفعتهم الى ذلك. وعلى الرغم من الفوارق والتقييمات حول حجم واسباب هذه الظاهرة، تبقى الهجرة اليهودية المعاكسة من اسرائيل حدثا لافتا؛ فهي، من جهة، تسبب القلق داخل اروقة الحركة الصهيونية وتياراتها المتعددة وشاهدا على حدوث تصدع ما في الاجماع الصهيوني، بينما تنظر اليها، من جهة أخرى، عدة أطراف عربية بعين الرضا والاستحسان إذ يعتبرها البعض كأحد أوجه النصر على الدولة العبرية وكعلامة فارقة على تفكك مجتمعها الآيل حتما إلى السقوط والهزيمة بحسب هؤلاء.
لم تبدأ ظاهرة هجرة المواطنين اليهود المعاكسة بعد السابع من اكتوبر، كما يظن البعض، وبعد تداعياته على جميع جبهات النار ، مع ان وتائرها قد ازدادت طبعا بسب هذه الحرب؛ فأوساط واسعة من بين المواطنين اليهود بدأت في السنوات الأخيرة تشعر بأن استفحال قوة التيارات اليمينية الصهيونية العنصرية وهيمنة التيارات المتدينة الصهيونية على فضاءات الدولة وعلى مؤسساتها السيادية ونجاحها بفرض عقائدها وأجنداتها السياسية والاجتماعية على مراكز السلطات الثلاث، أدّى الى ولادة إسرائيل جديدة ومغايرة، بحيث غدت كيانا لا يشبه اسرائيلهم ولا يتطابق مع ظروف المعيشة والهوامش الثقافية والحريات الاساسية وسلامة وأمن المواطنين كما كانوا يريدونها ويحلمون بتحقيقها. لقد وصلت تلك المجموعات الى قناعتها وقرارها بالهجرة بعد انتهاء انتخابات الكنيست الاخيرة وتشكيل حكومة نتنياهو الحالية والشروع بتنفيذ ما سمي بخطة "الاصلاح القضائي" والتي لم تكن إلا عملية انقلاب شامل على جميع مؤسسات الدولة وعلى طبيعة نظام الحكم فيها، وتأسيس كيان جديد سيكون أقرب إلى "مملكة إسرائيل" التوراتية، على ما تستوجبه هذه الحالة من خطوات لضمان السيادة على أرض اسرائيل الكبرى، وأساليب معاملة من تعتبرهم التوراة "أغيارا".
لا يعرف أحد كيف ستتطور هذه الظاهرة ولا من ستشمل في المستقبل وكم ستبلغ اعداد اليهود المهاجرين من اسرائيل إلى غير عودة؛ بيد أني على يقين بأن أولئك العرب الذين أبدوا فرحهم بها وقناعتهم بأننا نقف ازاء علامات ربانية أو آدمية، ونشهد نهاية اسرائيل، يستعجلون النهايات المرغوبة لديهم، من دون أن يتعمقوا في معالم ومعطيات الواقع ولا أن يتحققوا من حقيقة ما يجري؛ وهو، في معظمه، كارثيًا على جميع الفلسطينيين.
فوفقا لبعض الدراسات الاسرائيلية الاخيرة يتبيّن بأن ما يسم معظم الشرائح اليهودية المهاجرة أو المرشحة للهجرة من إسرائيل هو أنها تنحدر من خلفيات علمانية كانت وما زالت ترفض فرض سياسات الاكراه الديني، المتوقع أن يحصل في اسرائيل في السنوات القادمة. بينما تنتمي أجزاء أخرى منها إلى الطبقة الوسطى القادرة ماديا على الهجرة مع عائلاتها، والمؤهلة أكاديميًا ومهنيا للانخراط في المجتمعات الرأسمالية الغربية والشروع ببناء حياتها العائلية هناك. وفي الوقت نفسه تبيّن هذه الدراسات أن اكثرية الشرائح اليهودية المتدينة أو المحافظة وتلك التي تنضوي تحت أطر أيديولوجية عنصرية متزمتة ومثلها افراد الطبقات اليهودية الفقيرة والمسحوقة، لا تفكر بالهجرة من اسرائيل ولا بأي ظرف من الظروف، وهم بطبيعة الحال الاكثرية الساحقة.
لقد تطرقت بعض تلك الدراسات للاوضاع القائمة داخل التجمعات العربية في اسرائيل؛ وعلى الرغم من فقر المعطيات العلمية حول وجود او عدم وجود ظاهرة الهجرة وانماط التفكير حولها بين المواطنين الفلسطينيين في اسرائيل، نلاحظ أن أوساطا معينة من داخل هذه التجمعات بدأت تهجس بالفكرة وتتحدث عنها علنًا كمخرج طبيعي وحتمي للخلاص من آفات واقعها المأزوم حتى اليأس، وكوسيلة للنجاة من سياسات الحكومة، لا سيما في غياب دور القيادة المؤهلة والقادرة على المواجهة.
لم يغب شبح التهجير عن عقول وعن احلام المواطنين الفلسطينيين الباقين في وطنهم منذ عام النكبة وحتى أيامنا الحاضرة. ولقد دفعهم هذا الخوف، طيلة العقود الماضية، الى التشبث بهويتهم الجامعة، والى اصرارهم على التجذر في مواقعهم ومواجهة سياسات القمع والاضطهاد والتفرقة العنصرية التي مارستها حكومات اسرائيل المتعاقبة بحقهم. لقد حولت الجماهير العربية وقياداتها موقفها في مواجهة مخططات التهجير القسري أو الهجرة الطوعية من برنامج نضالي الى حالة عيش بديهية والى قناعات فكرية راسخة يتلفع بها كل طفل فلسطيني منذ ساعة ميلاده، ويكبر بهديها ويكفّن بها عند مماته.
من الصعب في هذه الأيام أن نتحدث عن استمرار وجود تلك المسلّمة بدون أن نذكر ما أصابها من تصدّعات وشروخ نراها آخذة في الاتساع يوما بعد يوم. ومن لا يريد أن يقر بهذه الحقيقة ، إما عن جهل أو مكابرة أو عن مزايدة، يساعد على تفاقم الأزمة وعلى الابتعاد عن امكانيات فهمها وسبر مسبباتها ومواجهتها؛ فنحن لسنا بحاجة الى قراءة الدراسات التي تنتجها معاهد الابحاث الاسرائيلية كي نعي أن الحديث عن الهجرة بين المواطنين العرب في اسرائيل آخذ بالانتشار، وأن الفكرة لم تعد بمثابة "التابو" المحظور ولا تقع تحت باب الكبائر. فالكثيرون بدأوا يشعرون أن "وطنًا" غير قادر على تأمين سلامة أرواح أبنائه وضمان مستقبلهم، لم يعد وطنا كالذي بناه السلف، بل أصبح مجرد "مكان هباء" غير مؤهل للعيش فيه أو للموت من أجله؛ وأن عيشة مغمّسة بالدم وبقلق حياتي وجودي أمست عبئًا على حامليها، وأن مجتمعا فقد جميع كوابحه الاجتماعية الاخلاقية وبوصلاته السياسية، وصار عاجزا عن مواجهة ما يخطط من أجله، يجبر أبناءه على أن يفتشوا عن قوارب النجاة وعن موانىء آمنه حتى لو كانت بعيدة وباردة.
نحن نعيش بين فكي المفارقات والاحتمالات العبثية، فاسرائيل تنحدر بسرعة جنونية نحو هاويات مظلمة، وجميع مؤسساتها غير معنية بايقاف شلالات الدم النازف في شوارع قرانا ومدننا، لا بل هناك ما يشي بانها معنية بها وبل متورطة فيها؛ وحالنا مبكٍ وموجع لكن بعضنا يقسم أن إسرائيل، صارت قاب قوس من التهلكة وبراهينهم تحت آباطهم ومن بينها هجرة بضعة عشرات آلاف من مواطنيها الهاربين من حمّى الفاشية ومن دولة الشريعة التوراتية. يقسم هؤلاء ويهيمون بقسمهم ولا يهتمّون ولا يقلقهم أن ملايين اليهود الباقين فيها، حولنا وعلينا وبيننا، هم عصارات الفئات الأكثر تزمتًا دينيا والأشرس عنصرية والأصلب عقائديا والأكثر هشاشة واستعدادا، كفقراء وكضحايا لنظام ساداتهم، للانقضاض على المواطنين العرب، لانهم يؤمنون، كما علموهم، بأننا، نحن العرب، اعداؤهم واننا التهديد الحقيقي لمصيرهم ووراء جميع مصائبهم وفقرهم. يقسمون وهم على ضفة المفارقة الأخرى، ولا يهمهم أن مجتمعاتهم قد تخلت عن معظم تابوهاتها التاريخية ومن بينها أجملها وأنبلها، حين مضت فئات مختلفة ترى بالهجرة حلا وملاذا، أو على الاقل تفكر فيها. لم تكُ خيارات تلك الفئات نزوات عارضة أو مقامرات عابرة، فمنذ سنين طويلة ونحن نواجه أحلك الظروف وأشدّها خطرًا على مستقبل مجتمعاتنا؛ اذ كنا نشعر بها ونستسلم لعجزنا، حتى فقدنا حواضننا السياسية والاجتماعية ومعظم الأطر المهنية والنقابية والهيئات النخبوية المسؤولة والشجاعة، ونكتفي بتأثيم اسرائيل، الآثمة طبعا، ونردد ثغاءات الضحايا، مؤمنين أن ما "ستلقيه السماء سوف تتلقفه الأرض" ونمضي نحو ماضينا ولا نسمع أصداءه وهي تلقننا: هكذا أنت يا دنيا، ترمينا بتيهين وتتركينا: هجرة إلى وهجرة من؛ أو تهجير من وهجرة إلى.
نمضي ويبقى القوي فاجرًا، والسذج أيتاما على طاولات الواهمين.



#جواد_بولس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تسعة شهور مضت والغدُ بظهر الغيب
- توفيق زياد قائد ومثقف مختلف
- جامعة حيفا كمسرح متخيّل لمشهد اليوم التالي
- وقفة تفكر على عتبات محاكم الاحتلال العسكرية
- في الأضحى فلسطين هي الضحية
- يا غافلا وله في الدهر موعظة
- كل شيء قد تغيّر ، حتى الاحتلال صار وحشيًا
- نادي الأمل الفلسطيني
- فلسطين بين اسرائيل الصهيونية واسرائيل التوراتية
- الوحدة والمسؤولية قبل غزة وبعدها
- ما بعد بعد مدرسة مار متري..الطريق الى البطريركية
- محاولة اغلاق مدرسة -مار متري- منبه على صراع مستمر
- -يوم الاسير- قبل وبعد أكتوبر، يوم الوجع الفلسطيني
- حين كذّبت غزة شعار -معا سننتصر- واحترقت وحدها
- العرب في اسرائيل، بين محنة حاضرة ونعمة مشتهاة
- جنازة للعدل في حيفا
- لو أردنا وعملنا لنجونا
- من تراتيل اذار ، نار الحرية خالدة
- انتخابات المجالس المحلية في اسرائيل بين حربين: غزة وصناديق ا ...
- عندما خسرت القدس -شرقها-


المزيد.....




- كيف تتصرف كالفرنسيين في باريس خلال أولمبياد 2024؟
- كنز غير حياته.. عامل هندي يحفر الأرض ويصدم مما عثر عليه
- فيديو يرصد أسدي بحر خلال موسم التزاوج يندفعان بسرعة إلى شاطئ ...
- كيف تم تجنيده وكم دفعوا له؟.. الاعترافات الكاملة لمنفذ تفجير ...
- بوتين يعرب عن قلقه إزاء التوترات في الشرق الأوسط أثناء لقائه ...
- فيضانات غير مسبوقة تجتاح شمال اليابان ورئيس الوزراء يدعو للح ...
- بشروط.. حملة ترامب ترفض مبدئيا نقاش عقد المناظرة مع هاريس
- بحارة عالقون في الحديدة ‎اليمنية بسبب الغارات الإسرائيلية
- سياسي ألماني يحذر من نشوب موجة احتجاجات على نشر الصواريخ الأ ...
- تقرير: هجوم فانس على هاريس -غير المنجبة- يتحول إلى صرخة نسائ ...


المزيد.....

- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - بين تيهين: هجرة أم تهجير