عبد الله خطوري
الحوار المتمدن-العدد: 8049 - 2024 / 7 / 25 - 05:54
المحور:
الادب والفن
وجدتُ نفسي في كوخ من تراب خرب أترنح خائفا مهموما ومرتبكا .. مندلق اللسان، جعلتُ أشرب من الزجاجة التي بجانبي .. عاينتُ المكان بتوجس تفحصت بحيطة وآرتياب معالمه .. نظرتُ مليا هنا هناك .. تثاءبَ كسلي، وآستسلمتُ لسنة من غفوة لشدة الإرهاق والتعب .. وما بين تلابيب رُؤايَ كنت أسمع جلبة حول الحشر والنشر والحساب والصراط والميزان والحوض الزلال والجنة والزبانية والنار والسعير وبيس المصير، حول الحور وبطون أوراك العذارى ذوات الثغر الشفيف والعجز الرجيف .. رأيت صبيانا موردي الوجنات كالملائكة يبتسمون سارحين بأجنحة صغار مثنى ثلاث رباع تساع ينشدون رغد نعمة كالشمس لما بزغت نَوَّرَ الإشراق في كل مكان (١) .. كانوا عرايا يقطفون قطاف تموز وآب وغدق الشهور العِذاب مهللين يعمقون غور حُفر غامقة مبتسمين لا يرهقهم نصب لا يثني عزائمهم برم أو ملل .. قال أحدهم يخاطبني ...
_لِمَ يشبه هذا المعتوه النعمة بالشمس ؟
ولأني قلتُ " مَا نَعْرْفْ " (٢) أجاب آخر يحدجني بنظرات كالرصاص ...
_لأن الشمس تُسَوي ما لا يُسويه أحد أفهمتَ يا ...
وقال كلمة نابية تهينيي .. لَمْ أبالِ سألتُ ...
_لكن، أنتم ما تفعلون هنا في مثل هذا المكان الخالي ؟
_نحن نرتع ونلعب
_لِمَ تحفرون ما تحفرون ؟
_ألا ترى ألا تبصر ألا تفهم ألا تميز يا ...
ضحكوا كلهم وضحكت معهم، وفي لحظة، التحق مَا كان في العنان بمَن كان في غيابات حافات الحُفر دخلوا جميعا وسط حتفهم الوشيك بسخاء دلقوا على أنفسهم التراب .. صرختُ ...
_ويحكم، ماذا تفعلون اخرجوا من هنا...
_اتركنا وشأننا إننا نمرح ونمزح يا أهوك ...
_إنكم ستموتون تقتلون أنفسكم تنتحرون ...
_إنها تسليتنا الأبدية المفضلة من بين كل تلاهي الأزل ...
_ويحكم كيف تهزلون ؟؟
_إنها الغميضة لعبة القط والفأر أتذكر الأبواب الموصدة أتذكر الجرس إياه أتذكر الخوف والشك والتردد والريبة التي عقلت إرادتنا فلم نجرؤ اكتفينا بلغو الثرثرات ولم نفعل أتذكر موتنا في حياتنا أتذكر هوننا أم تراك نسيت ؟
_ماذا أنسى ماذا أتذَكر ماذا تقولون .. ؟؟ ..
لم يجيبوا .. غطسوا في لمح البصر في فوهة ضحكهم المتصاعد وفي غبش أتربة ثقيلة غطتهم وآختفوا كأنهم لم يكونوا أبدا ...
☆إضاءات :
١_مما ينسب إلى العباس بن الأحنف قوله :
نعمة كالشمس لما طلعت
ثبت الإشراق في كل بلد
٢_مَا نَعْرْفْ : لستُ أدري
#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟