رائد عبيس
الحوار المتمدن-العدد: 8048 - 2024 / 7 / 24 - 23:53
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الفلسفة والذكاء الاصطناعي
من وجهة نظر هوبرت دريفوس
مع تطور العلم التطبيقي الحديث والمعاصر, بدأت تساؤلات فلسفية كثيرة عن مصير العقل, وأهمية , وموضوعاته , لا سيما بعد أن بدأ التفكير الآلي يقدم نتائج أكثر واقعية للبشر. مثل: سهولة حركته, وعمله , وجني الارباح. وبدأ مع بذلك تغيير تدريجي عن شكله حياته, وأساليبها, وأنماط عيشه .
وأخذ مع ذلك يقارن بينها , وبين مباحث العقل التي شغلت وقته, وقضيت حياته, من دون إجابات ذات جدوى, لكثير من تساؤلاته عن كيفية تغيير حياته للأحسن, والعيش بسعادة. وهنا بدا التوجه في اختلاف مفهوم السعادة من البعد الاعتباري إلى البعد المادي نتيجة ما قاساه الأنسان من حرمان, وفقر, وبؤس. وظهرت النظريات والفلسفة التي تربط بين بؤس الانسان, وأساليب تفكيره, وبين تحديات الواقع.
فكانت تقتصر نظريات هذه المرحلة التاريخية من تاريخ الفلسفة والعلم ,على معالجة مشكلات الانسان المتفاعلة مع الواقع الاجتماعي لا الانطولوجي- الميتافيزيقي , فكانت تتجه الى اقرب تشخيص من مشاكل الإنسان الا وهو العوز المادي والتنظيمي.
فكانت فلسفة الإنسان الحديث, تصارع اقدم فكرتين للإنسان, وهما الدين والأخلاق مع العلم المتطور الذي بدأ يتحدث عن استغنائه لكليهما. وحقيقة هذا الاستغناء هو استغناء إجرائي فني لا سلوكي؛ لأن واقع المصنع , والمعمل, والورشة, وتجاربهما تفرض على العاملين نمط من الحياة العملية التي تجعله يرفض ما سواهما. وفي المقابل بدأت المجتمعات المتلقية لهذه المنفعة تتفاعل مع ما يشغلها منها من دون الاكتراث لفكرتي الدين والأخلاق التي فيما يقومون به , وظهر مع تلك العملية أخلاق خاصة تسمى " أخلاق المنفعة " أو "أخلاق المصلحة" التي يتصنع بها المنتج والمستهلك.
وبناء على ذلك ظهرت في الفلسفة المعاصرة تساؤلات لا حدود لها نتيجة تعقيد الحياة , وتنوع تطبيقاتها العلمية , بصيغتها الالكترونية, أو الميكانيكية, الأوتوماتيكية. ومع التطور الكبير لتقنيات الرقمنة الالكترونية, بدأ تحدي جديد يواجه العقل البشري الراهن والمستقبل , مقابل العقول الالكترونية التي بدأت تتنوع بعدد تطبيقاتها.
حيث بدأ العقل البشري يبرمج , والعقل الآلي يطبق, ومن نتائج هذا التطبيق أنه أستغنى عن الآلاف من العقول المناظرة للعقل المنتج والمبرمج. فأصبحت برامج العقل الآلي تنسخ, وتباع, وتتداول بالمجان بين البشر عبر الشبكات العنكبوتية وغيرها.
ومع قلق الفلسفة عن مصيرها في عالم الاختزال هذا, الا أن التساؤلات عن مصيرها مع عالم الذكاء الاصطناعي يعد فلسفي ايضاً, بمعنى أنها بدأت تنتج نفسها على وفق ما تؤول إليه المعارف البشرية بين التقليدية والاصطناعية, ولكن بمزيد من الأسئلة المعقدة.
فالذكاء الاصطناعي كمجال بحثي ظهر في عام 1956 وهو يهتم بالسلوك الذكي في الآلات الحاسوبية, وهو يبحث في خمس فئات :1- الأنظمة التي تفكر مثل البشر, 2- والأنظمة التي تفكر بعقلانية, 3- والأنظمة التي تتصرف مثل البشر, 4- والأنظمة التي تتصرف بعقلانية 5- والانظمة التي تتحكم بالعمل.
وبعد سنوات من التفاؤل الكبير بإمكانية تحقيق هذه المهام، ظهرت مشاكل في الواقع، تتعلق بكيفية تمثيل الذكاء الذي يمكن أن يكون مفيدًا في التطبيقات. وشمل ذلك الافتقار إلى المعرفة الأساسية، واستعصاء العمليات الحسابية، والقيود في هياكل تمثيل المعرفة لكن المشاكل لم تأت فقط من مجتمعات المعرفة , كما بدأ الفلاسفة، الذين شغلهم الذكاء والتفكير منذ أفلاطون، بالتذمر أيضًا. وباستخدام الاعتراضات الرياضية ,استنادًا إلى تورينج وجودل, والمزيد من الحجج الفلسفية حول طبيعة الذكاء البشري، حاولوا إظهار القيود المتأصلة في مشروع الذكاء الاصطناعي. وأشهرهم هوبرت دريفوس.
دريفوس :
رأى دريفوس في أهداف وأساليب الذكاء الاصطناعي رؤية عقلانية واضحة للذكاء. لقد دافع العديد من الفلاسفة العقلانيين عبر التاريخ عن هذا الأمر، لكن دريفوس نفسه كان أكثر ميلًا إلى فلسفة القرن العشرين المناهضة للعقلانية، كما رأينا في أعمال هايدجر, وميرلو بونتي, وفيتجنشتاين. وفقًا لدريفوس، فإن الطريقة الأساسية للمعرفة هي الحدسية, وليست العقلانية ,عند الحصول على الخبرة في مجال ما، لا يلتزم المرء بالقواعد الرسمية إلا عند تعلم المنطق لأول مرة, بعد ذلك، يصبح الذكاء حاضرًا كقواعد أساسية وقرارات بديهية.
إن النهج العقلاني للذكاء الاصطناعي واضح في أسس ما يسمى بالذكاء الاصطناعي الرمزي.
يُنظر إلى العمليات الذكية على أنها شكل من أشكال معالجة المعلومات، ويكون تمثيل هذه المعلومات رمزيًا. وبعد ذلك يتم تقليل الذكاء بشكل أو بآخر إلى التلاعب بالرموز. قام دريفوس بتحليل هذا على أنه مزيج من ثلاثة افتراضات أساسية :
1- الافتراض النفسي الذي ينص على أن الذكاء البشري يعتمد على قواعد التلاعب بالرمز.
2- الافتراض المعرفي، الذي ينص على أن كل المعرفة قابلة للشكل.
3- الافتراض الوجودي، الذي ينص على أن الواقع له بنية يمكن إضفاء الطابع الرسمي عليها.
لم ينتقد دريفوس هذه الافتراضات فحسب، بل قدم أيضًا بعض المفاهيم التي يراها ضرورية للذكاء. وفقا لدريفوس، فإن الذكاء يتجسد ويوضع من الصعب تفسير التجسيد؛ لأنه من غير الواضح ما إذا كان هذا يعني أن الذكاء يتطلب جسدًا أو أن الذكاء لا يمكن أن يتطور إلا بمساعدة الجسد. لكن على الأقل من الواضح أن الذكاء بالنسبة لدريفوس يعتمد على الموقف الذي يجد فيه العميل الذكي نفسه، والذي تكون فيه العناصر في علاقة ذات معنى مع سياقها. وهذا يجعل من المستحيل اختزال الواقع إلى كيانات يمكن إضفاء الطابع الرسمي عليها, وجهة نظر دريفوس تجعل من المستحيل على آلات معالجة الرموز أن تعمل خارج نطاق رسمي محدد جيدًا.
يعتبر دريفوس أكثر إيجابية بشأن النهج الاتصالي للذكاء الاصطناعي. في هذا النهج، ينشأ السلوك الذكي من هياكل محاكاة تشبه الخلايا العصبية, واتصالاتها في الدماغ البشري. لكنه يشكك فيما إذا كان تعقيد الدماغ البشري ممكنًا في مثل هذه الآلات.
حدود دريفوس وجهة نظره بهذه الطريقة، وفتح النقاش حول جدوى أهداف الذكاء الاصطناعي. حظي عمله بإهتمام كبير, وكان موضع نقاش حاد, حتى أنه تمكن من إقناع بعض الباحثين بتغيير وجهة نظرهم , والبدء في تنفيذ أنظمة أكثر توافقًا مع وجهة نظره. لقد أظهر دريفوس الافتراضات التي وضعها الذكاء الاصطناعي الرمزي, وأوضح أنه ليس من الواضح بأي حال من الأحوال أن هذه الافتراضات ستؤدي إلى آلات ذكية حقيقية.
ومع ذلك، هناك تحفظان يجب إبداءهما. أولاً، بنى دريفوس نقده على مقاربات رمزية صارمة للذكاء الاصطناعي. في العقود الأخيرة، جرت عدة محاولات لأنظمة ذكية أكثر هجينة، وإدخال أساليب غير قائمة على القواعد في الذكاء الاصطناعي الرمزي. تطرح هذه الأنظمة وجهة نظر مختلفة حول الاستخبارات، والتي لا يمكن تفسيرها بالكامل من خلال تحليل دريفوس. ثانيا، يبدو أن نقد دريفوس يستند إلى وجهة نظر متشككة بشأن الذكاء الاصطناعي، ويرجع ذلك جزئيا إلى خلفيته الفلسفية الخاصة، وجزئيا لأن الأساسيات بنيت في وقت كان الحماس فيه غير محدود تقريباً.
1-Russell & Norvig, 1995, pp. 20-21
2- http://www.apaonline.org/news/341800/In-Memoriam-Hubert-Dreyfus.htm. -1
#رائد_عبيس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟