أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آرام كربيت - هواجس وتأملات 239















المزيد.....


هواجس وتأملات 239


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 8048 - 2024 / 7 / 24 - 18:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أعرف أن الكثير من الأصدقاء يتكلمون بالهمس، وأحيانًا بالصوت العالي، أنني قاسي في ردودي، وفي كتاباتي، ومنفعل كثيرا جدًا.
هذا الكلام صح لا غبار عليه، ربما الأخر يضع رجلًا على رجل ويضحك ولا يمهمه، وهذا حقه.
الواقع قاسي جدًا، ما يحدث في الواقع مخيف جدًا، ويهدد وجود البشر كلهم، هناك الحروب التي تدمر كل جميل على هذا الكوكب، التصحر الجوع والعطش وخراب التربة والأرض والسماء.
على الصعيد الشخصي أنا في أفضل حال، لا أعاني من مشكلة شخصية أو مالية أو خوف من المستقبل وأشعر بالأمان الشخصي في هذا البلد، السويد

الخوف الأكبر أن يلجأ هؤلاء البرابرة إلى طمس جلجامش، وتاريخ جلجامش وحضارة جلجامش، باني مدينة أور، ذاك البطل الأسطوري الجالس بيننا إلى يومنا هذا بملحمته وهيبته وشجاعته وحكمته، ويستعاد بدلا عنه ذاك الديوث الدخيل على الحضارة، المملوء بالحقد والكراهية والدونية والجهل والأمية الثقافية والإنسانية.
سابقًا قتلوا الملوك الأشوريون، قطعوهم بالمنشار قبل ثمانية أعوام، واليوم يعملوا على جلب ذاك البائس الوهمي ويضعوه بيننا بصحبة أقرانه من البدو المعاصرين.
جلجامش يجب أن يبقى، يجب أن يرفع المشعل، ويجب أن يبقى منارة للأجيال القادمة والراحلة.
لا لذلك القاتل وإلهه القاتل.

لا أنكر ولم أنكر على الأطلاق أن أفضل إنتاج سياسي عبر التاريخ هو النظام الديمقراطي، وأولهم هو في أوروبا وخاصة السويد، وعندما أحلل بنية الديمقراطية أو أحاول تفكيك هذه البنية عبر الفكر هو لاستخلاص أفضل السبل لإدارة الدولة.
عندما كتبت ولا زلت أكتب عن ما يدور في عالمنا اليوم أجد نفسي أمام صراع بين أطراف متعددة، صراع دول على المكانة العالمية والثروة وحيازة القوة، ولا علاقة للديمقراطية في هذا الصراع.
في هذه الحالة أقف على مبعدة وأحلل كقارئ وباحث دون عواطف ودون انتماء إلى هذا الطرف أو ذاك.
كتبت هذا النص ردًا على تعليق الصديق فوز حوا، قلت مكملًا:
الدولة أداة سيطرة، بيدها القوة العليا المتحكمة بالدولة والمجتمع، وأن النظام الديمقراطي أقل سوء من الأنظمة الديكتاتورية، لديها القدرة بل تستطيع ضبط العنف بالقانون وتروضه.

المثقف كائن غريب عن مجتمعه وعالمه، كغربة الوجود عن الوجود.
إنه يتوجع في صومعته لعدم فهم الناس له.
إنه يرى الحياة ليس كما يراها العامة، ويدرك على غير ما يدركون.
إن صلة الوصل بينه وبينهم، شبه معدومة، لعطالة هذه العامة، لعزلتهم عن وجودهم.
إنه متقدم على زمانه، وفي انتظاره لهم، حتى يصلوا إليه، يكون الزمن قد طوى جسده بين جناحيه وغاب.
من الذي يجالس المثقف أو يهتم بالفكر أو فكره؟ من يحبه؟
الناس يحبون ما يقع تحت أيديهم وأعينهم المباشرة ولا يهتمون بما يحدث في قاع الحياة، أو في الأماكن المخفية عن العين.
أغلب الناس عميان.
هنا نتكلم عن المثقف الذي يحمل الهم الإنساني والوجودي، وليس ذلك الذي يركض وراء مصالحه الخاصة كالمال والشهرة.
الثقافة حالة غربة، والمثقف إنسان غريب، نتاجه يبرز بعد أن يأكل العمر جسده.
الثقافة بحد ذاتها غربة، وحامل همها كائن غريب.


في العام 1973 كنت في الصف التاسع، عمري خمسة عشرة سنة، وناشط سياسي متحمس جدًا، وصادق مع نفسي.
فتحت علاقات كثيرة مع شبان في مثل عمري، أعطيهم الجرائد أو الكتب أو الروايات، وأنشط لجذبهم للتنظيم.
صديق لي اسمه منير يوسف، كان في الصف الحادي عشر علمي، ربما كان أكبر مني بسنة، كنت أعطيه الكتب، وأمشي معه، وأحدثه في السياسة والمبادئ، وفي قضايا البلد حسب قدراتي كطفل صغير في ذلك الوقت.
إحدى المرات كنت متفقًا معه أن نمشي صباحًا، والتقينا قبلها بيوم، أخذ مني بعض الكتب ليقرأها ويعيدها لي.
وكان الموعد معه في العاشرة صباحًا.
بيت أهله واسع وكبير، وفيه حوش عربي، وبركة ماء جميلة جدًا فيها الكثير من السمك، وعلى طول الجدار كان هناك لوحات فنية جميلة، خطها فنان ما، يعرف عمله بدقة شديدة.
وجلست مرات كثيرة في الحوش، نشرب الشاي أو نتحدث أو نضحك بحضور أمه، بمعنى أصبحت واحدًا مهمًا من أصدقاء البيت
في الموعد المحدد، رننت الجرس، وكنت في غاية السعادة، مبتسم، ولدي رغبة شديدة في تقديم حوار مع منير من أجل كسبه لمنظمة اتحاد الشباب الديمقراطي الشيوعي.
فتح الباب، وإذ بأم منير في الباب، بينما منير جالس في الحوش مطأطأ الرأس، وفي حالة خجل وموقف يند له الجبين.
قالت لي:
ـ هذه كتبك يا آرام لا نريدها، دع أبني بحاله، لا نريد أبننا يعتقل، أنت تعرف تجربة عبد الناصر في سوريا، ولا نريد أن تمشي معه بعد اليوم.
في الحقيقة كنت أضحك، لأن هكذا موقف كنّا نعرفه، وجاهزين له، ومقدرين، أن يخاف الأهل الأشاوس على أطفالهم.
قلت لها:
ـ لماذا تتكلمين باسمه، بالنيابة عنه، دعي أبنك يتكلم، لماذا تصادرين حقه في الدفاع عن نفسه؟
ـ دع أبني بحاله، لا تقترب منه، أنه صغير في السن.
ـ أبنك رجل، أنه أكبر مني، لماذا تخصيه وهو في مثل هذا العمر.
ناديت منير:
ـ منير يا منير، هل تقبل ما تقوله أمك، أريد أن أسمع منك. أمك تريد أن نقطع علاقتنا يا جبان، هل أنت موافق على ما تقوله والدتك؟
منير لم يرفع رأسه، كان ذليلًا خاضعًا لا يقوى على الكلام، لم يتكلم.
أتذكر نظرات تلك الأم، قسوة الضعيف عندما يشعر أن مكانه الطبيعي هو الخنوع، أن يبقى أبنها خانعًا ذليلًا، تريده ان يعيش في الأمان الكاذب المزيف.
منير اليوم مهندس زراعي، كما سمعت من البعض، لكني لا أعرف عنه أي شيء، وعندما أتذكره أقول لنفسي:
عالم كامل من الجبناء يشبهون منير، في مواقع عالية من الحياة، من بايدن إلى بوتين، أردوغان، صدام، حافظ الأسد، عبد الناصر والقذافي وبشار، وأغلب أقوياء العالم من الخارج، مكسورين، مهزومين من الدخل.
عالم الكذب والنفاق يأتي من الجبناء، بيد أن السؤال يقول:
ـ هل هناك عالم خارج هذا الخنوع والنفاق والهزيمة؟
كان منير في صف الحادي عشر وأنا كنت في التاسع، قبل يوم واحد كنت معه، وكنا نتحدث في السياسة والرواية. بعد سنة من الحادثة، دخلت في مشكلة وكان أكثر واحد مفترس ضدي. خليه يعرف أسمه واسم ابوه وأمه. عم أحكي عن تجربة في بلادنا، وكيف كان تفكيرنا في ذلك الوقت وكيف كنا سابقين عصرنا. كنت احاور الاساتذة في أغلب الدروس وكنت جريئًا قويًا، مؤمنا ومقتنعا. بعدين ليش تحكي هيك كأنك أمه، كنت أصغر منه بكثير، وتصرفت كطفل ولكني كنت واعيًا جدًا أمشي مع اصدقائي في عمر الثلاثين والاربعين ونشرب الشاي في المقهى. هذا جيلنا، وعلى هذه الصفحة يوجد عشرات الأصدقاء الذين كانوا معي وفي صفي ويعرفون ماذا كنت. كان عليه أن ينسحب من العلاقة معي منذ البداية، لا أن يورطني هذا الجبان مع أمه الجبانة

قبل بضعة أيام قام شاب إيراني بحرق التوراة والأنجيل في الدنمارك، وأحرق إلى جانبهما العلم الدنماركي والسويدي والإسرائيلي.
لم يهتم الشعب الدنماركي لهذا الحادث ولم يصرخوا لحرق علم بلادهم ولم يخرجوا بالمظاهرات، ولم يكسروا أو يحرقوا أو يضربوا الشرطة.
يعتبرون هذا الحدث يقع تحت بند الحرية الشخصية، وعلى الجميع الالتزام بالقانون.
علينا أن نتعلم كيف نفكر مثل هؤلاء بدلًا من الصراخ والضجيج والانفعال الصابوني الهائل، والصراخ والبكاء، والقيام بحرق السفارات.
وإن لا نستجيب لتدخل الحكومات العربية والإسلامية الفاسدة والعاجزة في الأمر، حتى لا يحولوا القرآن إلى رافعة لهم ولمصالحهم والمتاجرة بالعواطف.
لم يسمع بهذا الحدث إلا القلة القليلة، على الأرجح أن المسلمين مثلهم مثل المسيحيين واليهود وغيرهم من الأديان، يريدون أن يبقوا المظلومين الوحيدين في الساحة، فهذه ميزة يجب أن تبقى خاصة بهم، عقدة الاضطهاد الديني هي جزء من التكوين النفسي للمؤمن ويجب أن يتاجر بها، لأنها تمنحه المتعة النفسية، ولأن الذل أيضًا متعة بالنسبة له، لإرضاء الله وأنبياءه.

سألني أحد الاصدقاء فيما إذا لم ندمت لأنني سجنت في الفترة السابقة؟
قلت:
أصبت بخيبة أمل بعد العام 2011 من الجميع، مجتمع وقوى سياسية، خاصة المعارضة، وخاصة الذين دفعوا أجمل أعمارهم في السجون، وانقلبوا على أفكارهم بطريقة درامتيكية.
لا اريد أن اتصرف بفوقية في حديثي عن نفسي، أنا ظروفي بعد السجن مقبولة، هذا منحني حصانة أن أبقى في موقعي.
ولا يوجد في أعماقي شيء يجعلني التفت الى الوراء.
أرى أن موضوع تغيير بلادنا نحو الأفضل، بعيد بعد الأرض عن الشمس.
السجن علمني وثقفني، ومنحني القدرة على فهم عالممنا وكيف يدار، لهذا وصلت لقناعة تامة أن التغيير يجب أن يكون موضوعيا، بمعنى أن الواقع، سينضج نفسه بنفسه عبر تحولات داخل الواقع الاجتماعي الاقتصادي السياسي العالمي.
لم أعد أعول على النضالات الفردية أو الحزبية، فهذا العالم السياسي العالمي منظم بطريقة محكمة، وأن تغييره يحتاج إلى انقلاب كامل في كل المجالات، في كل المفاهيم، يعقبها تحولات كاملة.
هذه التحولات ستكون انتقالات في أعمق الأعماق.

تكوين الإنسان النفسي والسلوكي والعقلي يقول لنا أنه لن يتغير أبدًا، حب الذات لديه بنية كاملة، البنية الهائمة الراغبة، البنية التي لديه لا يتسعها هذا الكون كله.
إنه مغرق في حبه لذاته، مغرم بنفسه، أناني جدًا، ينظر إلى نفسه على أنه خالد ولد قبل الكون وسيستمر بعده، أنه الكون كله، سلوكه يشير إلى هذا.
لا يمكنه الهروب من تكوينه مهما حاول، كالحب والكره، الغيرة والتذلل، الحسد والود، السيطرة والخضوع، التملك، عدم الانضباط في أي سلوك مهما كان، سريع التبدل.
لا يوجد ناموس أو مقياس أو حقل يضبط السلوك الإنساني، أنه مثل الزئبق لا يمكن المسك به وبتصرفاته.
إنه كائن عاجز عن السيطرة على نزعاته الداخلية ورغباته الوحشية وشهواته.
اعتقد أن الشهوة الجنسية، وراء دوافعه القاتلة كلها، إحساسه بعدم امتلاكه لهذه الشهوة، الهاربة منه، محاولة اللحاق بها والقبض عليها هي وراء أنانيته وسلوكه المنحرف.
الشهوة الهاربة تجعله قلقًا، متذمرًا، متأففًا، لا يشبع من أي شيء يقدم عليه، متطلب، دائم الشكوى.


الثقافة موضوع بينما المثقف ذات.
الثقافة لها طريقين، أحدهما مع الحقيقة والأخر مع الزيف.
الأنظمة أيضًا لها مثقفين يدافعون عنها، انتهازيون وصوليين، ناس مبتذلين. وأيضًا هناك، مع الثورة، وهناك ضد الثورة، وعلينا التمييز بينهما، بين المثقف الذي يحمل الهم الإنساني، والأخر الذي يبحث عن همه الشخصي.
كذلك الموقف من الثورة، لها ناس معها، وناس ضدها.
إن تعريف المفهوم وتحديده بدقة أكثر من ضروري.

الثقافة فعل متحرك، حيوي نشيط، يتحرك مع حركة الحياة وصعودها.
الثقافة خط سيرها هو الإنسان، بينما النص الثابت جاء لحماية الهوية والذات الضيقة من الذوبان.
الثقافة لا تخاف على نفسها، أنها متجددة، متصاعدة، تخاف على الأخر، تبحث عن أفضل السبل لحمايته، تدخل أدق جزئيات الحياة لاكتشاف الوسائل اللأزمة والحقيقية لحمايتها.
النص يخاف على ذاته، لهذا يتقوقع على ذاته، ينفصل عن زمانه، ليدافع عن زمن ولى وذاب.
الثقافة ابنة الحياة، طفلة الحياة، تنبعث من الحياة لتدافع عن قيم الحياة للوصول الى الحقيقة من أجل التطابق بين الذات مع الموضوع.

المثقف كائن غريب عن مجتمعه وعالمه.
إنه يتوجع في صومعته لعدم فهم الناس له. إنه يرى الحياة ليس كما يراها العامة. ويدرك على غير ما يدركون. وصلة الوصل بينه وبينهم شبه معدومة.
إنه متقدم على زمانه، وفي انتظاره لهم ليصلوا إليه يكون الزمن قد طوى جسده بين جناحيه وغاب.
من الذي يجالس المثقف أو يهتم بالفكر أو فكره؟ من يحبه؟
الناس يحبون ما يقع تحت أيديهم وأعينهم المباشرة ولا يهتمون بما يحدث في قاع الحياة أو في الأماكن المخفية عن العين.
هنا نتكلم عن المثقف الذي يحمل الهم الإنساني والوجودي وليس من يركض وراء مصالحه الخاصة كالمال والشهرة.
الثقافة حالة غربة والمثقف إنسان غريب، نتاجه يبرز بعد أن يأكل العمر جسده

إن التحولات الهائلة التي حدثت في أوروبا القرون الوسطى، وانطلاقها نحو النهضة على كل الصعد، أزاح الدين المسيحي من التداول بعد نضوج الواقع العقلاني، وجملة من العوامل التي فرضتها حركته وتفاعلاته.
والحدث الأهم والجذري هو التحول العميق في مفهوم السلعة، والانتقال من الإنتاج البسيط القائم على الاستهلاك الذاتي إلى الإنتاج المعد للتصدير الذي اسس اللبنة الأولى للدولة والمجتمع الجديدان، والذي أدى إلى اهتزاز العالم القديم كله، وانهيار مقوماته وقيمه وقناعاته وأفكاره.
إن السلعة المعدة للتصدير، كان نتاج صراع طويل في بنية المجتمع، في القاع والسطح، ونتاج آليات تفاعل البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية الصاعدة مع بعضها، وإعادة قراءة الدولة والمجتمع وفق مفاهيم جديدة، منها السيادة والعقل السياسي، والموقف من الدين. وبروز كتاب وفلاسفة من رحم الواقع الجديد، ونتاج له، وفاعلين فيه، مما أدى إلى طرح مفاهيم جديدة تتعلق بالدولة والمجتمع والفكر والفلسفة والعلم.
إن إقصاء الدين عن السياسة، كان اللبنة الأولى لتحرر الدولة من القيود، وإفساح المجال لتنظم علاقتها بالمجتمع وفق اسس جديدة قائم على تأمين مصالح النخب الجديدة الناهضة، لها رؤيتها ومصالحها وأهدافها البعيدة والقريبة، فاسحًا المجال للصراع بين الدولة والمجتمع دون حمولات سياسية خارج عنها، كالدين والمذهب، وشاقًا طريقه نحو تأكيد ذاته.
وبروز مفهوم المجتمع المدني كميدان هاضم للعمليات السياسية والاجتماعية.
يجدر بنا الإشارة أن المجتمع المدني بنيان هش وضعيف، أي أنه تحت السياسي، يتغذى بقاءه على السياسي الرئيسي، ويتلقى الدعم السياسي والمادي والمعنوي منه.
ونستطيع القول أن المجتمع المدني مطلبي لا يستطيع الاستمرار إلا في ظل الدولة العلمانية الديمقراطية.
بمعنى أنه يحتاج إلى داعم له من خارجه، ليفسح المجال له أن يتحرك ويؤدي وظائفه:
أي أنه يأخذ القبول من الدولة ليستمر نشاطه وبقاءه.
إنه بنية متكاملة أو حزمة واحدة ولد نتاج واقع اجتماعي سياسي يعتمد على قواعد فكرية وثقافية يعترف بالآخر المختلف، يسمح بمزاولة السياسة والتحت سياسة، في عدة دول كالدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا واستراليا ونيوزلندا واليابان. أي في دولة المواطنة.
إن قواعد الثقافة والفكر، يحددان قواعد اللعبة السياسية والواقع الاجتماعي السياسي، وقدرته على التفاعل وهضم كل ما يقع تحت السياسي، أي المجتمع المدني. ويدفعه ليكون عونًا للسياسي الرئيسي ورديف قوي لاعطاء المجتمع التحت سياسي التوازن السياسي والاجتماعي، ودفعه نحو تطوير قدراته وتفاعله الإيجابي، ورفده بالطاقات الإيجابية الكاملة ليكون صلة وصل بين الدولة والمجتمع، وركيزة أو طبقة يستند عليها الطرفان في تطوير قدرات المجتمع وربطه ببعضه وبالمجتمع وبالمؤسسات المنبثق عنه.
إن دور المجتمع المدني كرافعة مهمة وضرورية لم يأت من فراغ. ونستطيع القول أنه تكثيف ثقافي أو حامل لحمولات المجتمع والدولة ومدخل وعون للتعددية الفكرية والسياسية وتناغم متناسق مع السياسي.
إنه مجموعة من الفعاليات المتعددة كالنقابات والأندية الرياضية والمنظمات الحقوقية والإنسانية والنشاطات الثقافية والفنية والفكرية والجمعيات التي تدافع عن حقوق المستأجر والمرأة والطفل والحيوان كالكلاب والقطط والذئاب والدببة وغيرهم.
وأحد إفرازات الحداثة الرأسمالية منذ نشأتها وإلى هذه الساعة، وتعتمد على مجموعة قواعد يصونها الدستور والقوانين الناظمة له في فضاء الدولة الديمقراطية العلمانية. أي أنه نتاج واقعنا المعاصر الذي لا غنى عنه، بله أنه حاجة ضرورية لتفعيل السياسة وإدارة الدولة والمجتمع، ليتناغما ويرفدا الواقع بفاعلية حقيقية.
إن المجتمع المدني أضحى أكثر من ضرورة في هذا العصر، لأن الدولة المعاصرة لم تعد قادرة وحدها على إدارة ملفات كبيرة وخطيرة كالسياسة الداخلية والخارجية معًا والمهمات المعقدة التي تقع على عاتقها، وعليها أن تحلها وتنظمها وحدها بالمؤسسات التقليدية القديمة.
كما هو معروف، كانت مهمة الدولة هو التحكم في المجال العام لها، بيد أنها في البلدان المركزية تعمل على إدارة الكثير من الملفات الخارجية المعقدة، وتوزيع بقية مهامها على الداخل.
وقلت سابقًا أن الدولة في بلدان صانعة القرار السياسي الدولي، سياسية على الصعيد الخارجي، ومطلبية ومتناغمة مع متطلبات الداخل لتقترب كثيرًا من مهام المجتمع المدني لحد التطابق مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الأخيرة ليس لها قدرة على سن القوانين والتشريعات إلا بما يخصها تحديدًا
إنه ضرورة لا بد منه، اشبه بالطبقة الوسطى، أو صلة وصل، بين النخبة السياسية والمالية والنفوذ وبين الشرائح المهمشة أو الفقيرة. أي كالاسفنجة يعمل على امتصاص التناقضات بين الدولة والمجتمع، ويعري الاختلافات الفكرية والسياسية ويعيد التوازن لهما، ويعمق الرؤية ويفتح الطريق.
وإنه في آلية حركية ونشاط مستمر، لحيوية السياسة والدولة والمجتمع، الذي يبني نفسه بنفسه، بمرونة السياسي، ورفده ودعمه، وبناء إنسان حضاري مؤمن بالقيم المدنية كالمساواة والعدالة ونبذ العنصرية والكراهية.
إن وجود المجتمع المتطور يحتاج إلى عقل وبنية نفسية متطورة قادرة على إدارة ملفات صعبة، ونشاط منضبط وله سقف يتفاعل فيه مع آلية حركة الدولة والمجتمع، ويتبادل الخدمات معهما في المجال الثقافي وتقديم العون والمشاركة والمساعدة.
وهناك قطاعات تطوعية تحمل أعباء هائلة على عاتقها خاصة أثناء الكوارث الطبيعية أو الأزمات السياسية والاجتماعية.
تعمل في الظل كالجندي المجهول في المعارك المصيرية. وأغلبنا رأى مساهمات المجتمع المدني:
كيف قدم مساعدات هائلة للدولة على احتواء مجيء اللاجئين السوريين ومساعدتهم وتقديم العون لهم في المانيا والسويد وفرنسا وغيرعم.
لهذا نقول أن له فلسفة ثقافية وعلمية ومنهجية وفنية، أي أنه ثقافة أفقية منتشر على المستوى الأفقي للدولة والمجتمع. أي إنه نشاط متعدد الاتجاهات ولا يرتبط بمركز واحد بالرغم من أنه تحت سياسي.
إن غياب المجتمع المدني الحر في البلدان الاستبدادية هو نتاج غياب الدولة الديمقراطية العلمانية، كما هو الحال في بلادنا، القائم على التكوين الهرمي للدولة التي تعتمد على تراتبية القوة.
إن الدولة الهرمية، هي نتاج ثقافي أو تكثيف ثقافي قائم على منظومة أحادية التفكير والممارسة، ومنتجة لأشكال كثيرة من الدكتاتورية كالملكية أو الجمهورية الشكلانية التي تستبيح كل ما يقع تحت يديها سواء أكان إنسانًا أو حيوانًا أو نبات.
لهذا فإن المجتمع كله يكون بيد رأس الهرم السياسي وملتصق بشكل مباشر بقدرة الحاكم وتكوينه النفسي والعقلي وإمكاناته الشخصية ومزاجيته ومزاجه في توجيه ودفع الحكم بالاتجاه الذي يريد سواء سلبًا أو إيجابًا مع تعطيل المجتمع المدني بالكامل وتهميش المجتمع لإخضاعه.

تصالح مع جرحك العميق. لا تتذمر. فتجارب الحياة قاسية جدًا. وسترى الكثير من الهزائم والنكسات والدمار الذاتي في القادم من الأيام.
سجن تدمر علمني أن الثانية لها ثمن.
إن هذه الثانية بين يديك لا تضيعها. إنها مهمة للغاية وأكثر مما تتصور. أنت لا تعرف قيمتها إلا إذا فقدتها. استثمرها بالفرح. وأرم كل شيء بعيدًا. ما مضى مضى، ولا تتذمر فهذه الثانية مهمة جدًا جدًا.
عندما تحاصر ويكتم عليك أنفاسك، تتحسر فيها عليها لأنك ضيعتها من يديك:
لإنك لم تر فيها حبيبتك أو وجه القمر أو الشمس أو النبع أو وجه أمك الحنون أو أبوك وأخوتك أو شارع بيتك، رصيفه، ابتسامة عامل النظافة وجمال قلبه الحلو.
وتتمنى أن تشرب كأس الماء أو القهوة أو المتة خوفًا من فقدانها.
فجر ما في داخلك من جمال وعشق وحرية في البحث عن الجمال والعشق والحرية. لا تتوقف عند الماضي فقد خسرته بجماله وبشاعته، ومضى دون رجعة.
أنظر إلى الحياة من زاوية حلوة. إنها بين يديك ويجب استعادتها. أنت في الحياة. أذهب إلى الطبيعة بعيدًا عن الأبنية والناس واملأ قلبك بمنظر الأشجار والتراب والسماء.
كن مع نفسك ولو للحظات.
فالتاريخ كان ظالمًا وما زال وسيستمر

الإسلام في بلادنا لم يكن متشددا, لم يكن منكمشًا على نفسه كما نراه اليوم. جاءت زناخة السياسة, وحجبته, وقزمت المرأة, وحنطت الرجل وحولته إلى أسير, مقيد بيد من أراد تشويه هذا الدين.
حاكموا السياسة, المشاريع الايديولوجية, أهداف النخبة المالية والسلطة في الدول العربية والأقليمية والدولية. هيك بنكون مسكنا رأس الخيط.
في البدء, يدفعون المال من أجل تشويه الدين عبر الاعلام والمجانين من المشايخ, ثم يدعمون المنظمات المسلحة المتشددة, ثم يحاربونها.
هذه الحروب الوهمية إلى أين ستأخذنا؟

لم يعش خضات الحياة وقسوتها.
بل عاش حياته كلها على إيقاع واحد دون هزات، حياة مطمئنة مستقرة هادئة. وتعود على الآخذ دون العطاء.
وعندما تغيرت الظروف بان على حقيقته، بان خواءه وبانت قدرته على كل الصعد. وفراغه وضعف شخصيته.
وبانت هشاشته وعدم القدرة على التحمل، بل مضى بالصراخ والمطالبة بالمساعدة وكأنه حالة فريدة من نوعها في هذا العالم.
أغلب الذين من هذا النوع لديهم عقد الاضطهاد الذي يضخم من آلامه وعذاباته، لأن شخصيته كلها مضخمة. ولا يرى آلام غيره وما حدث ويحدث له.
هذا النوع لا يصلح لبناء أي شيء سوى الثرثرة.



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب آرام كرابيت 238
- تأملات ثقافية وسياسية 237
- تأملات في الثقافة ــ 236 ــ
- هواجس وتأملات في الشأن العالمي ـ 235 ـ
- هواجس الديمقراطية 234
- هواجس فكرية وأدبية 233
- هواجس ثقافية وفكرية ـ 232 ـ
- هواجس ثقافية وسياسية ــ 231 ــ
- هواجس ثقافية ـ 230 ـ
- هواجس ثقافية ـ 229 ـ
- هواجس ثقافية وسياسية ـ 228 ـ
- هواجس ثقافية ـ 227 ـ
- هواجس ثقافية 226
- هواجس ثقافية وفكرية وسياسية 225
- هواجس ثقافية ـ 224 ـ
- هواجس ثقافية أدبية فكرية 223
- هواجس ثقافية ـ 222 ـ
- هواجس ثقافية 221
- هواجس ثقافية ـ 220 ـ
- هواجس ثقافية ـ 219 ـ


المزيد.....




- الإعلام الحكومي بغزة: العدوان الإسرائيلي على خان يونس أودى ب ...
- الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد يتعرض لمحاولة اغتيال ...
- بوحفص فضلاوي .. حكاية طالب بكالوريا ألهم بمثابرته الجزائريين ...
- الألعاب الأولمبية: رجال أمن مغاربة وقطريون لحماية الألعاب وف ...
- فيديو يوثق لحظة قتل أمريكية سوداء على يد شرطي وبايدن يعلق
- الشرطة المالية الإيطالية تضبط 121 مليون يورو من أمازون بتهمة ...
- المعارضة الجزائرية تندد بـ -المناخ الاستبدادي- المحيط بالانت ...
- المستشار شولتس ينوي الترشح لولاية ثانية رغم تراجع شعبيته
- بعد موجة الانقلابات.. هل اقتربت نهاية مجموعة -إيكواس-؟
- ليبيا.. طائرة روسية تحمل شحنة جديدة من المساعدات الإنسانية ت ...


المزيد.....

- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آرام كربيت - هواجس وتأملات 239