|
فريق الجيل الجديد
علي دريوسي
الحوار المتمدن-العدد: 8046 - 2024 / 7 / 22 - 19:47
المحور:
الادب والفن
لم يكن نبيل قد تجاوز السابعة عشر من عمره حين صار من الحَلاَّقين المعروفين في المدينة.
إطلالته، قامته الرشيقة، ملابسه الأنيقة وكذلك شعره الأسود الجميل بتسريحته التي طالما تمنّاها لشعره كل مراهق في الضيعة ... سماته هذه كلها كانت توحي بمهنته وحبه لها. كل من ترك شعره بين يديه ليُقّص تكلّم عن مهارته في الإمساك بالمقص. مع الأيام أنعم الله عليه كما يقولون فصارت سجائره من ماركة "كنت"، اشترى خاتماً ذهبياً لبِنصِره وراح يتنقل من بيته إلى صالون الحلاقة مستخدماً تكاسي الأجرة الصفراء.
حالما وقف على رجليه بالمعنى الضيق للكلمة اقترح على صبيان الحارة فكرة تشكيل فريق الناشئين لكرة القدم وكان الاسم حاضراً في ذهنه، فريق الجيل الجديد. ولأنه يعرف سلفاً أن الأولاد في عمر العاشرة حتى الخامسة عشر ليس في مقدورهم المشاركة المباشرة بثمن شراء البلوز التي ستميّز الفريق من خلال لونها الأحمر وأرقامها وطباعة اسم الفريق عليها، لذا بادر لشراء إثني عشر بلوزة، واحدة له بصفته مدرب الفريق ورئيسه، واحدة لحارس المرمى حسن والبقية للاعبين: سوّار وثائر ونادر ونوفل ويونس وطارق وعمار وعبد وعلي وجمال. كان معظم اللاعبين من عظام الرقبة، من عائلته الكبيرة، إخوته، أولاد عمه، أولاد خالته، أبناء عمته وأولاد الجيران.
اشترط المدرب اليافع نبيل على أعضاء فريقه تسديد رسوم البلوز بالتقسيط، حوالي عشرين ليرة سورية للبلوزة الواحدة، بعد أن وعدهم بشراء الشورتات والجرابات لهم إذا ما أظهروا مهاراتهم أثناء المنافسات مع الفرق الأخرى في القرية نفسها أو في القرى المجاورة.
كان العنف الأبيض غالباً ما يرافق تلك المباريات التي كانت تجري للفوز بالمراهنة على مبلغ من المال لم يتجاوز خمسين ليرة سورية، أي ما يعادل أقل من دولارين آنذاك، يتم جمع الرهان من أعضاء كل فريق، وبحسب ما تمكّن كل لاعب من توفيره أو إحضاره معه دون علم أهله، ثم يقوم مدرب كل فريق بتسليم المبلغ المُتنافَس عليه لحكم المباراة الشاب ع. ال. أو ي. ص.، وهكذا يصير الحكم مؤتمناً على النقود، يقدّمها عند انتهاء المنافسة لمدرب الفريق الفائز.
كان يحدث أحياناً أن يتشاجر اللاعبون خلال سيرورة المباراة وقد يتهم بعضهم الحكم بالتواطؤ مع الفريق الآخر، الشيء الذي يدفع بالحكم للغضب فيرمي النقود الحجرية إلى الهواء ليتصارع الأولاد عليها، وخلال انشغالهم بلملمة النقود والاقتتال بين بعضهم قد يستغل الحكم الفرصة ليُنهي المباراة بثلاث نفخات من صفارته ويمضي في طريقه محتفظاً لنفسه بالنقود الورقية.
بعد انتهاء كل مباراة اعتاد المدرب نبيل أن يجمع البلوز، يضعها في حقيبة سامسونايت سوداء ويأخذها معه إلى المنزل لغسلها وتجفيفها وبهذا ضَمن عدم استخدامها لأغراض التسكع، لا سيما أن الأولاد لم يسدّدوا ثمنها بعد.
كانت الملاعب المتوفرة عبارة عن قطعة أرض معدة للبناء لكنها مزروعة ببضع شجرات زيتون، أو ساحة للمدرسة الإبتدائية بأرضية إسمنتية، أو عبارة عن ساحة بأرضية إسفلتية كانت تُستخدم للاستعراضات العسكرية أثناء دفن الشهداء حصراً، والتي عُرفت مع الأيام باسم ملعب مقبرة الشهداء.
ولأن مساحة الملاعب صغيرة جداً وبدون مرام نظامية لذا لم يتجاوز عدد اللاعبين في كل فريق عن السبعة، بينما جلس الآخرون بصفة احتياط وكنت أنا من بينهم. لم يستمر وجودي في الفريق الاحتياطي أكثر من لعبتين، ففي المرة الثالثة أُصيب ـ لحسن حظي ـ أحد اللاعبين فطلب مني المدرب أن ألعب محله في موقع الدفاع، فرحت جداً وأنا في الحادية عشر من عمري، دخلت إلى ملعب المقبرة للمرة الأولى في حياتي وأنا أحلم بإحراز هدف وسماع تصفيق الجمهور لي.
لم تمض أكثر من عشرين دقيقة حتى تسبَّبت بهدف في مرمى فريقنا، حينها بدأ النباح عليّ من كل حدب وصوب، حينها اِكتشف المدرب بأن لا علاقة لي بما يسمونه كرة قدم، كان مكفهراً وعابساً، صرخ بي أن أغادر الملعب على الفور، في الوقت نفسه كان يتفاوض مع أحد الأولاد، الذي كان قد غادر أحد الفرق المنافسة لنا عازماً على الانضمام إلينا، ثم صاح بي مرة ثانية كي أخلع بلوزتي ذات الرقم 15 بأسرع وقت وتقديمها للاعب الجديد محمد ابن خالته، الذي حل محلي بلمح البصر، وقبل انتهاء اللعبة طردني المدرب نبيل من فريقه نهائياً.
منذ ذلك اليوم لم ألعب كرة القد ولم أهتم لمشاهدتها أبداً أبداً. ***
#علي_دريوسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ذيل السنونو
-
العمل -أربعة- في ألمانيا
-
حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 8 والأخيرة
-
حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 7
-
حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 6
-
حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 5
-
حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 4
-
حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 3
-
حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 2
-
حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 1
-
البروفيسور في ضيافة الشيخ قليعة كاملة
-
البروفيسور في ضيافة الشيخ قليعة 5
-
البروفيسور في ضيافة الشيخ قليعة 4
-
البروفيسور في ضيافة الشيخ قليعة 3
-
البروفيسور في ضيافة الشيخ قليعة 2
-
البروفيسور في ضيافة الشيخ قليعة ـ 1 ـ
-
كيف ضيّع البروفيسور مكتبته
-
لا أوراق في مكتب البروفيسور
-
ليس للبروفيسور من يواسيه
-
البروفيسور في متاهته ـ كاملة
المزيد.....
-
تركي آل الشيخ يشوق متابعيه بالمزيد من كواليس فيلم -Seven Dog
...
-
وفاة فنانة سورية شابة بعد تعرضها لأزمة صحية (صورة)
-
وفاة فنانة سورية.. أدركت موتها قبل أيام بمنشور على فيسبوك
-
هآرتس: مدينة -تل أبيب- التوراتية لم توجد قط
-
تمتلك أسرار ثروة ضخمة.. الممثلة السعودية ريم الحبيب بمسلسل -
...
-
طهران.. مهرجان فجر السينمائي منصة فنية مهمة في المنطقة
-
سقوط -شمس الأغنية- على المسرح وحملها علم الثورة السوري يثير
...
-
أزياء وفنون شعبية وثقافة في درب الساعي
-
رحيل أسامة منزلجي.. رحلة حياة في ترجمة الأدب العالمي
-
مصر.. مفاجأة في قضية طلاق الفنان الراحل محمود عبد العزيز وبو
...
المزيد.....
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|