أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يحيى نوح مجذاب - هاوية اللارجعة














المزيد.....


هاوية اللارجعة


يحيى نوح مجذاب

الحوار المتمدن-العدد: 8046 - 2024 / 7 / 22 - 19:47
المحور: الادب والفن
    


قد يتداعــــى الهيـــكل من جديـــد.
فالشك إذا تسلل إلى الكيان المهلهل لابد أن يعقبه السقــوط الأكيــد في هاوية اللارجعة إلاّ إذا اكتنفه بعض تصميم. لكن إذا تكرر السقوط فإن من المستحيل أن تكون للبناة القدرة على رفع البنيان من جديد.
إن المشاعر قد تخطيء أحياناً إذا كان سريانها يصب في وادٍ آخر بعيداً عن دنيا المتعة والواقع المحسوس. وقد نصاب بالخيبة تماماً إذا فاجأتنا الأحداث بكل ما هو معكوس لمخيلاتنا. والتجارب التي تنمي قابلياتنا في اكتساب المناعة والحصانة تقلل في ذات الوقت من قدراتنا على الاستشعار السريع لنتحول بالتالي إلى أجهزة ومكائن قوية تفتقر إلى الحسّ المرهف، لذا فالحصول على كسب استثنائي لابد أن يوازيه حتماً فقدان في جانب آخر.
لقد كان يحثُّ الخطى نحوها في ذلك الظهر القائظ، توقفت قليلاً عندما أحست بوقع أقدامه، واستدارت نحوه لكن الحظ لم يحالفه فوقفت بينهما عربة حمل طويلة ذات ست عجلات، ولأنه لا يعرف أين يتجه في نهاية عمله إلاّ إلى حيث ينتظره زملاؤه قريباً من الوحش الذي سيقله إلى منزله فقد ضاعت من بين يديه، وانخرطت مع الهياكل الآدمية بأحاديث مبعثرة وبنبرة عالية الصوت مستخدمة يديها الرشيقتين في التعبير، حرّكتهما بكل اتجاه متوافقة مع لفتات شعرها الأسود الفاحم وهي تدير وجهها إلى حيث تتوقع خروجه من البوابة الكبيرة. لقد أحس أنه قد فقد شيئاً ما وأن المرأة التي وعدته بغدق الحب ربما لم تكن صادقة حتى لو جمعهما سقف واحد فما أسهل الكلام وما أرخص الوعود. إنه يقلقه علاقاتها الغريبة بهؤلاء. يقلقه أيضاً طول الألسنة التي كثيراً ما تتحدث وتطرق كل الآذان دون استحياء أو تمييز. إنه يخشى اندفاعه نحوها بكل هذا الصدق فرغم أنه اكتسب مناعة فريدة طوال سني حياته إلاّ أن حصول انتكاسة أكيدة غير بعيدة عنه أبداً.


وعندما كان يطل برأسه من نافذة المركبة التي كانت تسابق الشارع في عدو معاكس. هناك في الغرب حشرة كبيرة أشبه ما تكون بالجرادة كانت تحرك جناحيها حركة دائرية وتحاول الهبوط على صفحة الأرض الخضراء.
صور متزاحمة من أجساد ضخمة خضراء داكنة تهزّ رؤوسها مع ضربات الريح المنتفضة، وفي أقصى الغرب حيث تطل نوافذ السماء امتد جناح أسود ضخم معتم الريش انتفخت شرايينه والتفت على نفسها كعروق شجرة جبارة. الريح لم تكن غادرة بل كانت طيبة جميلة فقد رافقتها حزم منتشرة من برد هادئ منعش.
لم يكن في رأسه وهو يعبر في هذه الدمية الحديدية الطريق الطويل أي شيء من الرعب أو الاندحار لكن كانت صوراً من الاستكانة والاستسلام المؤقت تفرض نفسها على دواخله بحرية مؤلمة.
لن يخطو خطوة أفضل وهو يودع الأيام الأخيرة في هذه الأرض الممتدة المقفلة، مدينة النساء والرجال والعلم والأدب، مدينة التجربة والبحث عن الشيء الجديد، مدينة الرعب والقلق والسعادة والنشوة. إن ما حققه في السنوات الماضية لا يمكن أن يسجله تأريخه كعلامة نصر أو كصورة خارقة من تقدم جيد. ربما يمكنه القول بأنه عرف ماهي البداية؟ كيف يبدأ؟ وكيف يستكشف بواطن الحق، لكنه يبقى دائماً أسيراً لمعميات الآتي في خضم المشاعر وتحولات الإنسان. إنه يتوق لتحقيق شيء صارخ، شيء يعيد له طمأنينة النفس والثقة، لكن الأيام تسرع بقوة، ومعركة كبيرة مُنتظرة سوف تضغط بفكيها على عنقه وأحشائه، معركة قريبة يتمنى لو يُبعد شوحها عنه كثيراً حتى يجرّ نفسه من جديد ويبدأ من جديد. لكن الأماني تضمحل دائماً في متاهات العالم، ويبقى الواقع فقط بلونه المعتم أو ربما تخالطه ومضات ضياء كاشفة ستبرق في كل ضربة حظ*.
*(ملاحظة: صفحة من مشروع رواية الجناح الأسود قبل الطبع)



#يحيى_نوح_مجذاب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بدون استئذان
- اندفاع الأحداث
- جرعة الحب الأخيرة
- لسعة المرض
- غطسة العدم
- السماء الأولى
- صراع البقاء ومعركة الفناء
- الجدران الأربع
- صانع الرموز
- الأماني الضالة
- انكفاء الثعابين
- عتمة الغيب
- في (ملتقى الزمن) تلتقي الأفكار
- الوعي المطلق
- نافورة الحياة
- موظفة الاستقبال
- عاصف1 كيركو3 (فانتازيا الأحلام)
- فانتازيا الزمن
- انحدار المنحنيات
- محرك الكون ووحدة الوجود


المزيد.....




- تمشريط تقليد معزز للتكافل يحافظ عليه الشباب في القرى الجزائر ...
- تعقيدات الملكية الفكرية.. وريثا -تانتان- يحتجان على إتاحتها ...
- مخرج فرنسي إيراني يُحرم من تصوير فيلم في فرنسا بسبب رفض تأشي ...
- السعودية.. الحزن يعم الوسط الفني على رحيل الفنان القدير محم ...
- إلغاء حفلة فنية للفنانين الراحلين الشاب عقيل والشاب حسني بال ...
- اللغة الأم لا تضر بالاندماج، وفقا لتحقيق حكومي
- عبد الله تايه: ما حدث في غزة أكبر من وصفه بأية لغة
- موسكو تحتضن المهرجان الدولي الثالث للأفلام الوثائقية -RT زمن ...
- زيادة الإقبال على تعلم اللغة العربية في أفغانستان
- أحمد أعمدة الدراما السعودية.. وفاة الفنان السعودي محمد الطوي ...


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يحيى نوح مجذاب - هاوية اللارجعة