|
الرفيق عبد الله السِّرياني: مناضلٌ مِنْ مادبا أبعده الاحتلال عن فلسطين..
سالم قبيلات
الحوار المتمدن-العدد: 8046 - 2024 / 7 / 22 - 12:40
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
نافذةٌ على النِّضال والثَّبات عبد الله السِّرياني: مناضلٌ مِنْ مادبا أبعده الاحتلال عن فلسطين..
صاحبُ هذه البطاقة مناضل شجاع، نشأَ ليكونَ شيوعياً حقيقياً، بصفاتٍ إنسانية رفيعة اجتمعت في إنسانٍ استثنائي؛ أنسان تميز بنكران الذات، وبالالتزام الحزبي العالي، والإتقانِ في تنفيذِ المهمات الحزبية، والقدرة على نشر سياسة الحزب بأسلوب مبسط بين الفئات الاجتماعية الكادحة؛ لقد كان قريباً من الفئات الشعبية، ويعرف همومها جيداً ويشعر بها بعمق؛ ولذلك، كان يمتلكُ قدرةً كبيرةً على مخاطبتها بلغة واضحة لها، تعبر عن همومها بدقة، وتتجاوب مع مشاعرها بعمق، وتتحسس واقعها الطبقي، وتنسجم مع مستوى وعيها. الرفيقُ خالد الذكر عبد الله السرياني (أبو سليمان) من أسرة عمالية من طائفة السريان الأردنية، التي تعود أصولُها إلى الحضارات العظيمة في بلاد ما بين النهرين وسوريا الطبيعية القديمة. وقد اختار جزءٌ من هذه الطائفة الاستقرارَ النهائي في مدينة مادبا، منذ سنواتٍ بعيدةٍ. ومن المفيد الإشارةُ إلى أن لهذه الطائفة الكريمة مشاركاتٍ ملموسةً في تطوير الحياة الثقافية والمدنية في المدينة، قدمتها من خلال اندماجها الواسع وتفاعلها الإيجابي مع مختلف أوساط المجتمع المحلي لمدينة مادبا. ولد الرفيق عبد الله السرياني في مدينة مادبا في العام 1934، وأنهى مرحلة الدراسة الإلزامية في مدارسها، ثم أكمل المرحلة الثانوية في مدرسة السلط. وفي العام 1954، تم انتخابه في مجلس اتحاد الطلبة، ممثلاً للطلاب الشيوعيين. وبالتزامن مع الدراسة، وبهدف مساعدة عائلته، اضطر الرفيق أبو سليمان لأن يبدأ حياته العملية مبكراً، بوظيفة مساح أراض في مكتب شركة خاصة. ومن خلال هذا السياق العملي، تلمس الرفيق السرياني بوعي ثوري مبكر هموم الكادحين وآمالهم في العيش الكريم، متجاوزاً واقعه المعيشي الصعب، ومتطلعاً نحو حل ثوري يحقق طموحات الفئات الشعبية الكادحة، ومن ضمنها طموحاته هو نفسه. ولذلك، جذبته الحياة السياسية بقوة، وما لبث أن عمّق تجربته في هذا المجال عبر انخراطه في صفوف الحزب الشيوعي الأردني في العام 1954، باذلاً كل أنواع التضحية الذاتية من دون انتظار للمكاسب المادية أو المعنوية. ولم يكن هناك ما يثير حنق الرفيق «أبو سليمان» أكثر من أسلوب تعامل سلطات الاستبداد العربية القمعي مع شعوبها، لتحول هذه الشعوب من مواطنين إلى مجرد رعايا بانتماءات ومصالح فئوية متنافرة. كما كان يشعر بالأسى لواقع المناطق الأردنية الفقيرة المهمشة والمحرومة من ثمار العملية الاقتصادية. والرفيق عبد الله السرياني قضى سنوات طويلة في النضال الوطني والاجتماعي في صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية في ستينيات القرن الماضي؛ حيث إنه كان مقيمًا في مدينة القدس، بسبب ظروف عمله الوظيفي. ومن الجدير بالذكر أن «أبو سليمان» كان لا يزال مقيماً في القدس عندما وقعت هزيمة حزيران 1967. وكان، آنذاك، قد أصبح أحد الكوادر القيادية في الحزب الشيوعي الأردني. ويشهد له العديد من الشخصيات الفلسطينية المعروفة، بأنه، بعد الاحتلال الغاشم مباشرة، خاض نشاطاً جماهيرياً شجاعاً، ركز جله على التعبئة الشعبية للجماهير الفلسطينية، لتكون حاضنة فاعلة لمقاومة الاحتلال؛ وهو الأسلوب النضالي الذي اتبعه الحزب الشيوعي، آنذاك، في مواجهة الاحتلال الصهيوني. وفي نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، ساهم «أبو سليمان» في تشكيل مجموعات مسلحة لمقاومة المحتلين تحت اسم "المقاومة الشعبية الفلسطينية"؛ ونتيجة لذلك، تعرض للملاحقة من قبل سلطات الاحتلال. وفي العام 1969؛ وتحديداً بعد التظاهرة الحاشدة التي نظمها الحزب الشيوعي الأردني في مدينة القدس ضد الاحتلال الصهيوني، حاولت قوات الاحتلال اعتقاله؛ غير أنه أفلت من الاعتقال، واختفى في مدينة نابلس لمدة خمس سنوات كاملة، واصل خلالها نشاطه الحزبي السري مع الجماهير الفلسطينية بجسارة وإخلاص. أفشلت عملية الإخفاء الناجحة، هذه، للرفيق «أبو سليمان» وقادة شيوعيين آخرين كانوا ملاحقين، خطط الاحتلال، الذي كان يسعى لوأد المقاومة في مهدها عن طريق اعتقال مجموعات كبيرة من القيادات الشيوعية والوطنية الفلسطينية، خصوصاً القادة الذين كانوا يضطلعون بمهمات أساسية في المقاومة الشعبية الفلسطينية؛ فبفضل نجاح عملية الإخفاء، تمكن هؤلاء القادة من مواصلة نشاطهم المقاوم لسنوات إضافية، كما تمكنوا من تأهيل قيادات بديلة لهم، لتحل في أماكنهم في قيادة التنظيم بعد غيابهم، فتضمن استمرارية العمل الحزبي المقاوم للاحتلال. لم تتمكن سلطات الاحتلال من اعتقال الرفيق «أبو سليمان»، إلا في العام 1974؛ حيث شنت حملة اعتقالات واسعة ضد قيادة الحزب الشيوعي الأردني وكوادره ممن شغلوا مواقع قيادية في الجبهة الوطنية الفلسطينية التي كان الحزب قد قام بدور مرموق في تأسيسها. أمضي الرفيق عبد الله السرياني عشرة أشهر في سجون الاحتلال الصهيوني، ثم تم إبعاده مع عدد من الرفاق من قادة الحزب الشيوعي الأردني إلى الحدود اللبنانية. وكان من هؤلاء القادة المبعدين، الرفيق القيادي سليمان النجاب، والأديب المعروف الرفيق محمود شقير، والرفيقان حسن صالحة وتوفيق بني حسن. بعد فترة من نفيه إلى لبنان، تمكن الرفيق عبد الله السرياني من العودة إلى بيته وعائلته في مدينة مأدبا، بعد سنوات طويلة من غيابه عنهما، ليواصل هناك دوره الكفاحي في صفوف حزبه، الحزب الشيوعي الأردني؛ وظل، كما عرفه رفاقه، مناضلاً شيوعياً شجاعاً، يكافح، بلا كلل أو جزع، من أجل الحرية والديمقراطية والتحرر الوطني. وهذا بينما هو يعمل من أجل تامين فرصة العيش الكريم له ولأسرته من خلال عمله في بعض شركات القطاع الخاص. لقد كان الرفيق عبد الله السرياني واحداً من رموز الوعي والعمل من أجل الحرية والديمقراطية والاشتراكية، في زمن الأحكام العرفية والقمع الأعمى. وكان فاعلاً ومتفاعلاً مع محيطه الشعبي والمهني، مؤمناً بالدور الطليعي للجماهير الشعبية الكادحة وحزبها الشيوعي. كان الرفيق «أبو سليمان» يدرك الحاجة الملحة إلى بناء الإنسان المناضل الواعي، من أجل تحقيق نهضة البلاد، التي لا تتحقق إلا عبر إنجاز حلم الحرية والتحرر الوطني والتقدم الاجتماعي، وبناء الدولة الديمقراطية المستقلة، التي تنتهج طريق التنمية الوطنية، وتوفر لمواطنيها حقوقهم السياسية والإنسانية وحقهم في العيش الكريم. ولقد سعى بكل جهده للقيام بالدور المطلوب منه في هذا المجال. بمبادئه الراسخة، ومشاعره الإنسانية الراقية، كان الرفيق الراحل يضع الشأن العام في مقدمة أولوياته. وعندما كان يتحدث في القضية الوطنية، كانت كلماته تجذب المستمعين وتقربهم من طروحاته المعززة بالتضحية والإقدام. وكانت آراؤه المعارضة للسياسات الاقتصادية للسلطة، خصوصاً في القطاع الزراعي، تحظى باحترام كبير من الأوساط الاجتماعية والمهنية. ولقد تميز الرفيق «أبو سليمان»، مع طيبة قلبه ورزانة انفعالاته، بصراحته المبدئية مع رفاقه وأصدقائه؛ فكان لا يتردد في توجيه النقد لسلوكياتهم ومواقفهم وطروحاتهم، كلما لزم الأمر، وبشكل حاد أحيانًا؛ إزاء ما كان يعتقد أنه انحراف عن الخطّ الصحيح للحزب وعن الالتزام بالمبادئ. وكان «أبو سليمان» قائداً سياسياً ونقابياً من طراز مختلف، لم يسمح لأي ظرف ضاغط أو مغر بأن يحرفه عن مواقفه الوطنية والطبقية المبدئية الواضحة؛ وعدا عن ذلك، فقد كان منظِّما حزبياً من الدرجة الأولى. وعندما تم الدفع بأشخاص غير مؤهلين إلى مواقع صنع القرار في الحزب.. أشخاص لم يكونوا قادرين على إحداث فرق ايجابي في عمل الحزب، شقّ عليه، بالتأكيد، هذا الترهل التنظيمي، وهذا الانحراف عن المبادئ؛ لكنه لم يُحبط، ولم تضعف عزيمته، ولم يتلكأ عن متابعة مسيرته النضالية؛ بل ظل نموذجاً وقدوة في التمسك بالمبادئ والحرص على تماسك الرفاق. لقد كان الرفيق أبو سليمان شديد الإيمان بعدالة القضية التي نذر نفسه لها، متفائلاً بحتمية انتصارها في النهاية؛ ولم يتراجع منسوب إيمانه هذا، رغم الملاحقات والسجون والمعتقلات والأثمان الباهظة التي اضطر إلى دفعها منذ انتمائه لحزبه الشيوعي الأردني في وقت مبكر من حياته. في تاريخ 26/ تموز/ من العام 2020، في يوم صيفي حار، يوم حزين، يوم ثقيل الوطء على نفوس رفاقه وأصدقائه ومحبيه، غادر الرفيق عبد الله السرياني هذه الحياة، وأصبح في ذمة الخلود، مخلفاً وراءه سيرة كفاحية يعتد بها، وإرثاً نضالياً سيظل بوصلة للأجيال القادمة، ويساهم في تعزيز الإيمان بقدرة الطبقة العاملة على قيادة المجتمع نحو عالم العدل والمساواة والحرية والاشتراكية. في الختام، لا يسعنا إلا أن نقف وقفة إجلال وتقدير للدور النضالي الكبير للرفيق عبد الله السرياني، الذي ترك بصمة لا تنمحي في ذاكرة المناضلين الشيوعيين واليسارين في الأردن وفلسطين، وفي مسيرة النضال الثوري التي سار فيها مع الآلاف من الرفاق. وستظل ذكرى رفيقنا «أبو سليمان» خالدة في نفوسنا، وسنظل نستلهم من شجاعته وتفانيه القوة والعزيمة لمواصلة السير على الطريق نفسه، وستبقى رايته مرفوعة ما دام هناك من يؤمن بالحرية والتحرر الوطني والاشتراكية. لذكرى رفيقنا المناضل الصلب الراحل، عبد الله السرياني (أبو سليمان)، المجد والخلود.
#سالم_قبيلات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرَّفيق أحمد جرادات.. ستِّ اعتقالات تكلِّل جبينه وتضحيات أخ
...
-
عدنان الأسمر.. قَهَرَ الظَّلامَ بنور عقله.. وواجه الاستبدادَ
...
-
نافذة على الثبات والنضال «أبو موسى» وأثره الجميل الرَّاسخ في
...
-
خالد الذكر عماد القسوس.. مناضل ومثقف ثوري ملتزم
-
البطاقة الثانية: الرفيق فايز السحيمات.. شغف كفاحي وروح ثورية
...
-
الرَّفيق نبيل الجعنيني.. نموذج كفاحي مميَّز..
-
إطلاق مبادرة -نافذة على النضال والثبات-
-
لا لسياسات الاقصاء والاعدام الاقتصادي
-
هل من هزة لكبير الطغاة
-
اصلاحات الاردن غرق في التفاصيل
-
الثورات الشعبية توقظ الحماس في النفوس
-
بداية ركيكة لمجلس نواب الدوائر الوهمية في الاردن؟
-
الاكثرية فشلت في ايصال ممثليها السياسيين للبرلمان الاردني
-
التأزيم والتقزيم يسبق الانتخابات في الاردن
-
الانتخابات النيابية الاردنية ، المشاهدة ام المراقبة
-
تعديلات قانون الانتخاب الاردني
-
انتهاكات حقوق انسان في الاردن
المزيد.....
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
-
شولتس أم بيستوريوس ـ من سيكون مرشح -الاشتراكي- للمستشارية؟
-
الأكراد يواصلون التظاهر في ألمانيا للمطالبة بالإفراج عن أوجل
...
-
العدد 580 من جريدة النهج الديمقراطي
-
الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تُعلِن استعدادها
...
-
روسيا تعيد دفن رفات أكثر من 700 ضحية قتلوا في معسكر اعتقال ن
...
-
بيان المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي
-
بلاغ صحفي حول الاجتماع الدوري للمكتب السياسي لحزب التقدم وال
...
-
لحظة القبض على مواطن ألماني متورط بتفجير محطة غاز في كالينين
...
-
الأمن الروسي يعتقل مواطنا ألمانيا قام بتفجير محطة لتوزيع الغ
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|