أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - سيمون فايل، من الماركسية إلى التصوف: تحولات فيلسوفة أناركية (1-2)..















المزيد.....

سيمون فايل، من الماركسية إلى التصوف: تحولات فيلسوفة أناركية (1-2)..


حكمت الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 8046 - 2024 / 7 / 22 - 08:07
المحور: الادب والفن
    


أخيرا، يظهر في السويد كتاب الفيلسوفة والناشطة الفرنسية سيمون فايل بعنوان "القمع والحرية" من ترجمة وتقديم غوستاف خويبيرغ، عن دار نشر هيستروم 2023، بواقع 234 صفحة، وبذلك يكون قد سد فراغا واسعا لهذا الكتاب الذي طال انتظاره هنا لما يوليه المفكرون السويديون من أهمية لكل ما يتعلق بالفلسفة السياسية عموما، ولفكر وفلسفة سيمون فايل تحديدا. وكانت الطبعة الفرنسية الأصلية من الكتاب قد نُشرت بعد وفاة فايل عام 1955، وجمعت عددًا من نصوص سيمون فايل حول القضايا الاجتماعية والسياسية. تمت كتابة النصوص خلال المرحلة السياسية الأكثر دراماتيكية في القرن العشرين، ما بين عامي 1933 و 1943.
وكتب الدكتور غوستاف خويبيرغ في مقدمته للطبعة السويدية من الكتاب انه لا يمكن لقارئ مقالات فايل الواضحة بلا هوادة أن يتجنب ملاحظة أنها للأسف لم تفقد شيئًا من موضوعيتها. وهذا لا ينطبق فقط على الموضوع العام للكتاب -آلية الاضطهاد وطبيعته- ولكن أيضًا على الأشكال المحددة التي يتخذها هذا الاضطهاد في مجتمعاتنا.
سيمون فايل (1909-1943) فيلسوفة فرنسية وصوفية وناشطة سياسية. قامت بتدريس الفلسفة وعملت في المصانع وكانت ناشطة في الحركة النقابية. وفي الحرب الأهلية الإسبانية، انضمت إلى تنظيم "دوروتي" الأناركي الفوضوي. وعندما احتل النازيون فرنسا، هربت إلى الولايات المتحدة وعادت بعد ذلك بوقت قصير إلى أوروبا. توفيت بسبب مرض السل في لندن عن عمر يناهز 34 عامًا.
كتاب "القمع والحرية" بالسويدية Förtryck och frihet وبالفرنسية Oppression et liberté هو مجموعة من المقالات التي كتبتها سيمون فايل، والتي تتعمق في طبيعة الاضطهاد، وديناميات السلطة، والنضال من أجل الحرية. نُشرت هذه الكتابات بعد وفاتها في عام 1955، بتحرير من ألبير كامو، الفيلسوف والزميل الذي كان معجبًا بعمل فايل. كُتبت المقالات في الأصل خلال ثلاثينيات وأوائل أربعينيات القرن الماضي، وهي فترة مضطربة تميزت بظهور الأنظمة الشمولية واندلاع الحرب العالمية الثانية.
كانت سيمون فايل تنتمي إلى نوع نادر للغاية من البشر. فقد قامت هذه الفيلسوفة والصوفية الفرنسية الغريبة الأطوار بتشخيص الأمراض واللعنات في عصرها ومكانها –أوروبا في النصف الأول الذي مزقته الحرب من القرن العشرين– وقدمت توصيات حول كيفية منع تكرار مظالمها: الشمولية، وعدم المساواة في الدخل، والقيود. حرية التعبير، والاستقطاب السياسي، واغتراب الذات الحديثة، والمزيد. إن مزيجها من سعة الاطلاع والحماس السياسي والروحي والالتزام بمثلها العليا يضيف وزناً إلى التشخيص المميز الذي تقدمه للحداثة. لقد ماتت فايل منذ 75 عامًا، لكنها لا تزال قادرة على إخبارنا بالكثير عن أنفسنا.
تقدم سيمون فايل نقدًا عميقًا للهياكل الاجتماعية والسياسية في عملها "القمع والحرية". هذا الكتاب، الذي نُشر بعد وفاتها، يجسد أفكارها حول طبيعة السلطة والاضطهاد وإمكانيات التحرر البشري. يتميز تحليل فايل بالتزامها العميق بالعدالة ومزجها الفريد بين الفلسفة والرؤى اللاهوتية وتجاربها الشخصية في النشاط السياسي.
تبدأ فايل رؤاها بتفكيك طبيعة القمع أو الاضطهاد. وهي ترى بأن القمع هو جانب أساسي من المجتمعات البشرية، متأصل بعمق في الهياكل والمؤسسات التي تحكمها. وفقًا لفايل، القمع ليس مجرد حالة عرضية أو مؤقتة، بل هو مشكلة نظامية تنشأ من طبيعة السلطة ذاتها. هذا الرأي يتحدى الفهم التقليدي الذي يرى القمع كخلل أو مشكلة يمكن حلها من خلال الإصلاحات. يتكون تصور فايل للقمع والاضطهاد من جوانب متعددة تحددها الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، التي ترتبط جميعها ببعضها البعض. تجارب فايل الشخصية في العمل في المصانع والحقول أثرت على فهمها لكيف يمكن للنظم الاقتصادية أن تنزع كرامة الأفراد واستقلالهم. تتعمق فايل في الآليات التي تعمل من خلالها السلطة وتكرس الاضطهاد. تهتم بشكل خاص بكيفية تجميع السلطة لنفسها والحفاظ عليها. تجادل فايل بأن السلطة بطبيعتها تميل إلى الحفاظ على نفسها؛ فالذين يمارسون السلطة يكونون مدفوعين للحفاظ عليها وتوسيعها، وغالبًا على حساب الآخرين. هذا يؤدي إلى دورة من الاضطهاد، حيث تولد السلطة المزيد من السلطة، والاضطهاد يولد المزيد من الاضطهاد. يتأثر تحليل فايل بشدة بفهمها للسياق التاريخي والاجتماعي لعصرها. تستعين بأمثلة من السياسة المعاصرة، بما في ذلك صعود الأنظمة الشمولية وإخفاقات المؤسسات الديمقراطية، لتوضيح كيف يمكن للسلطة أن تفسد وتضطهد. تنتقد فايل كل من الرأسمالية والاشتراكية، مشيرة إلى أن كلا النظامين يفشلان أو قد فشلا في معالجة الأسباب الجذرية للاضطهاد. بدلاً من ذلك، تدعو إلى إعادة التفكير جذريًا في البنى السياسية والاقتصادية.
ولاشك ان جزءا أساسيا من تحليل فايل هو نقدها للإيديولوجيا. تؤكد أن الإيديولوجيات، سواء كانت سياسية أو دينية أو ثقافية، غالبًا ما تخدم لتبرير وتكريس الاضطهاد. هنا تخلق الإيديولوجيات سرديات تبرر السلطة القائمة وتحجب الحقائق القاسية للاضطهاد. بالنسبة لفايل، يتطلب التحرر الحقيقي التحرر من هذه القيود الإيديولوجية ورؤية العالم كما هو.
إن نقد فايل للإيديولوجيا مرتبط بشكل وثيق بتأكيدها على أهمية الانتباه والإدراك. تعتقد أن المرء يجب أن يطور رؤية واضحة وغير مشوشة للواقع لكي يدرك ويكافح الاضطهاد. يتطلب ذلك نوعًا من الانضباط الفكري والأخلاقي الذي تصفه فايل بـ"الانتباه"، وهو وعي عميق ومركز للعالم والمعاناة الموجودة فيه.
ورغم تقييمها الكئيب لطبيعة وآليات الاضطهاد، لا تستسلم فايل لليأس. هكذا يرى في الأقل مترجم هذا الكتاب، "القمع والحرية"، الى اللغة السويدية وواضع مقدمته الباحث غوستاف خويبيرغ. فبالنسبة لفايل، التحرر ليس فقط غياب القمع و الاضطهاد، بل هو أيضا حضور العدالة والحرية والكرامة الإنسانية. وتعتقد فايل أن التحرر الحقيقي يتطلب تحولًا للأفراد والمجتمع. هذا التحول متجذر في الالتزام بالعدالة والرحمة والخير العام. تستعين فايل بمعتقداتها الدينية والفلسفية، خاصة فهمها للمسيحية، للتعبير عن هذه الرؤية. ترى التحرر كشكل من أشكال الاستيقاظ الروحي، حيث يدرك الأفراد قيمتهم الذاتية وقيمة الآخرين. ولطالما دعت فايل إلى إجراءات ملموسة لمعالجة الاضطهاد، بما في ذلك الإصلاحات السياسية والاقتصادية، لكنها تؤكد على أن هذه الإجراءات يجب أن يوجهها فهم واضح لطبيعة السلطة والاضطهاد. تجارب فايل كناشطة عمالية ومشاركتها في المقاومة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية تؤكد إيمانها بأهمية المشاركة العملية. علاوة على ذلك، تؤكد فايل على الحاجة إلى التعليم والتطوير الفكري كعنصرين أساسيين للتحرر. تجادل سيمون فايل بأن الأفراد يجب أن يكونوا مجهزين بالمعرفة ومهارات التفكير النقدي اللازمة لفهم ومواجهة الاضطهاد. يتضمن ذلك ليس فقط التعليم الرسمي بل أيضًا تنمية الفضائل الأخلاقية والروحية.
لقد تم الاحتفاء بكتاب "القمع والحرية" لسيمون فايل وانتقاده من قبل الفلاسفة والناشطين على حد السواء. يثني البعض عليها بسبب رؤاها العميقة في طبيعة الاضطهاد والتزامها الذي لا يتزعزع بالعدالة. بينما ينتقدها آخرون لكونها مثالية بشكل مفرط أو لعدم تقديمها حلولًا ملموسة للمشاكل التي تحددها. ومع ذلك، يبقى عمل فايل مساهمة هامة في الفلسفة السياسية ويستمر في إلهام النقاشات حول السلطة والعدالة والتحرر البشري. إن "القمع والحرية" هو مزيج بين الدقة الفلسفية والخبرة الشخصية والالتزام الأخلاقي ما يجعل تحليلها مقنعًا ومتحديًا في آن واحد. كما ان نقدها للسلطة والإيديولوجيا، ورؤيتها لمجتمع عادل ومتحرر، وتأكيدها على الأبعاد الأخلاقية والروحية للتحرر تبقى ذات تأثير مستمر في الفلسفة السياسية المعاصرة. ومع مواجهة المجتمعات المعاصرة لقضايا السلطة والقهر واللاعدالة، توفر رؤى فايل إلهامًا لأولئك الملتزمين بخلق عالم أكثر عدلاً وإنسانية. وفي القسم الثاني من هذه المقالة سنرى كيف واجهت سيمون فايل الماركسية ونقدتها ومن ثم عبرتها الى آماد أخرى لم تنسها أبدا دفاعها المستميت عن الحرية والعدالة والحق في الحياة.



#حكمت_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليلة في قصر الحلوف..
- بيانات، وحديث البدايات والنهايات..
- القصة القصيرة حديث المصعد، أو القصة في دقيقة..
- رواية عن الشعر والكورونا والجريمة ودونالد ترامب.. ستيفن كينغ ...
- ريلكه والفلاسفة: في العلاقة العضوية الملتبسة ما بين الشعر وا ...
- فيني، فيدي، أمافي
- ريلكه والفلاسفة: في العلاقة العضوية الملتبسة ما بين الشعر وا ...
- شوكولاتة
- سكين سلمان رشدي وتقسيم العوالم.. (2-2)
- هكذا حديث النجوم
- سكين سلمان رشدي وتقسيم العوالم.. (1-2)
- راي Raye
- إنسلال
- ثلاث عشرة قصيدة من فن الهايكو..
- اعذروا لكنتي الفرنسية
- أين ذهب ذلك -الزمن الجميل-، ومن أين أتى؟ جوليان بارنز، باريس ...
- موت مدفعي
- أغاني زرادشت
- ناقدات من تونس
- سبع قصائد من برد أبريل


المزيد.....




- شاهد الأفلام الوثائقية الشيقة.. أضبط الآن تردد قناة ناشيونال ...
- مصر.. وفاة -أشهر طفل في السينما المصرية-
- -كريستيز- تعرض منحوتات أحد أهم الفنانين المعاصرين في العالم ...
- “هٌـــنا” مؤشرات تنسيق الدبلومات الفنية 2024 – 2025 لنظام ال ...
- موسم أصيلة الثقافي يستعيد أوضاع الفن والفنانين في سياق -الرب ...
- “شوف هتدخل كلية إيه!” مؤشرات تنسيق الدبلومات الفنية 2024 الم ...
- كان نجما وعمره 9 سنوات.. وفاة الممثل المصري أحمد فرحات
- جورج وسوف يعلم حفيدته العزف في صورة.. وماذا بعد -ليلة السلطا ...
- اتحاد الأدباء والكتاب العرب يدين الغارات الإسرائيلية على مين ...
- بفيديو من المستشفى.. الفنان المصري محمد رحيم يطمئن جمهوره عل ...


المزيد.....

- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - سيمون فايل، من الماركسية إلى التصوف: تحولات فيلسوفة أناركية (1-2)..