أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل صوما - مبادئ مخفية في إنقلاب يوليو 1952















المزيد.....



مبادئ مخفية في إنقلاب يوليو 1952


عادل صوما

الحوار المتمدن-العدد: 8044 - 2024 / 7 / 20 - 08:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان اللواء محمد نجيب قائد حركة الضباط الأحرار سنة 1952، وقد اُختير ليكون ظاهرياً واجهة للانقلاب المزمع أن ينفذوه، لسمعته الممتازة داخل الجيش، التي سببت انضمام الكثير من ضباط الجيش للضباط الأحرار، لكن بعد نجاح الانقلاب الذي أطلق عليه طه حسين "ثورة"، انقلب جمال عبد الناصر سنة 1954 على اللواء نجيب أول رئيس لمصر، وحكم البلد حتى وفاته سنة 1970 واستمد شرعية حكمه من "الثورة على الطغيان" كما ورد في كتب التاريخ.
المبادئ التي أعلنها قادة الانقلاب على حكم أسرة محمد علي كانت: القضاء على الإقطاع، والقضاء على الاستعمار، والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم، وإقامة جيش وطني قوي، وإقامة عدالة اجتماعية، وإقامة حياة ديموقراطية سليمة.
لكن حسب كل الوقائع والأدلة كان هناك خمسة مبادئ غير معلنة، ربما حتى لمحمد نجيب، هي القضاء على التعددية في مصر، وتهجير الجاليات المتمصرة، وتهميش دور مسيحيي مصر في المجتمع، وانهاء دور مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص ذي المؤسسات الضخمة.
خطأ تاريخي
هناك خطأ تاريخي حين يُقال أن الثورات الإسلامية في القرن العشرين بدأت بالخوميني، فالوقائع تقول انها بدأت بانقلاب يوليو 1952 أولا، ثم ترسخت بانقلاب وزير الداخلية (آنذاك) عبد الناصر على الرئيس محمد نجيب بمباركة خارجية. محمد نجيب الذي طمأن فئات وجاليات الشعب المصري كافة بحيادية الانقلاب العسكري تجاه كل عناصر المجتمع بمن فيهم الاجانب المتمصرين، كما قال حرفيا: "أما الاجانب في مصر.. استغفر الله.. الاخوة الاجانب فهم جزء من البلد ده".
وردت هذه العبارة في كلمة مقتضبة في حفل بالنادي السوري* في الاسكندرية على شرف الرئيس نجيب، وكان أعضاؤه نخبة المجتمع من المصريين والمتمصرين، خصوصاً الإسكندريين، سواء كانوا أوروبيين أو لبنانيين ( الشوام كما كان المجتمع المصري يطلق عليهم)
كان الرئيس محمد نجيب يدرك كوزموبوليتية مصر، ويعلم أن الجاليات الاجنبية تمصّرت وشيّدت مؤسساتها أعمدة اقتصاد مصر وإعلامها وثقافتها، وكان يبث الطمأنينة دائما بينها كلما سنحت الفرصة له، وفي هذا الإطار زار اليهود القرائين في معبدهم، كبرهان ملموس على أنهم جزء من نسيج الشعب المصري.
بدأت تختفي التعددية الثقافية للمجتمع المصري بعد اعتقال الرئيس محمد نجيب وتولي عبد الناصر، الذي كان يدرك تماماً تركيبة العقلية المصرية العَلمانية آنذاك، ويعلم كيفية التآمر عليها، فاستخدم فبركة اتصال الرئيس محمد نجيب بالإخوان ليثير فورة غضب حوله، بينما السبب الحقيقي كان مطالبة محمد نجيب بعودة الجيش إلى الثكنات وترك الحياة المدنية للمدنيين.
لم يذهب محمد نجيب إلى قبر حسن البنا ليقف وقفة تأمل وخشوع بعد نجاح الانقلاب، كما فعل عبد الناصر وصلاح سالم كدليل على عضويتهما للإخوان المسلمين، لكن التهمة ابتلعها المجتمع المصري وتقبّل اعتقال محمد نجيب على مضض أولا ثم كأمر واقع ثانياً.
تجلت مظاهر الاختفاء العلني لتعددية المجتمع المصري في هجرة أصحاب رؤوس الاموال الأجانب واليهود والمسيحيين في الجاليات المتمصرة، وحتى المسلمين المصريين المتنورين الذين كانوا على علم بخلفيات عبد الناصر ونواياه.
أمّا الاختفاء السري الذي لم يشاهده العالم لمحدودية وسائل الاعلام آنذاك، فكان هجرة أفراد الجاليات العاديين أنفسهم يوماً بعد يوم، بمن فيهم اللبنانيين، الذين أخذ الخناق يضيق على ثقافتهم وأرزاقهم، وأحد الذين عبّروا عن ذلك الكاتب أمين معلوف في كتابه "غرق الحضارات"، عندما ذكر أن عائلته اللبنانية المتمصرة تركت مصر بسبب عبد الناصر وشعاراته.
أفرّغت هذه الهجرة مصر من قوتها الناعمة أيضاً، فقد هاجر فنانون كانوا في بدايات حياتهم الفنية مثل داليدا وديميس روسس وجورج موستاكي، وبدأت أسماء المتمصرين تختفي تدريجياً من العاملين خلف الكاميرا في أي فيلم والاعمال الفنية بشكل عام، والممثلون الذين ظلوا لم يكن يُقدم لهم سوى دور الجاسوس أو البارمان أو الخواجة الذي لا يُحسن العربية، ثم لحقت المضايقات حتى الفنانيّن الكبيريّن فريد الاطرش وصباح اللذين شعرا بأن لا مكان لهما في مصر فذهبا إلى لبنان، ناهيك عن أسماء فنية وأدبية كثيرة غير مشهورة.
خلفيات الانقلاب
الانقلابات لا تقوم فجأة، بل أن توقيتها معروف في مطابخ السياسة العالمية، ويصعُب فهم خلفيات انقلاب يوليو 1952 بدون فهم علاقة الولايات المتحدة بالإخوان المسلمين. الولايات المتحدة التي بدأت ترسم سياسات العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وكان الاستعانة بالإسلام لوقف مدّ الشيوعية أحد ستراتيجياتها.
ليس صدفة أن يُشاهد عبد الناصر وهو يتردد على سفارة الولايات المتحدة في القاهرة قبل الانقلاب، أو يقول الملك فاروق: “حيبقى خمسة ملوك فقط في العالم، أربعة منهم في الكوتشينة"؛ ورق اللعب باللهجة المصرية.
تدّخل أميركا لرحيل الملك فاروق بسلام من القاهرة، ألغي فكرة محاكمته وإعدامه كما قرر بعض الضباط الشرسين الحاقدين ومنهم صلاح سالم. والتدّخل يؤكد العلاقة بين قائد الانقلاب الحقيقي والبيت الأبيض ومدى تأثير الرئيس الأميركي آنذاك على مجريات انقلاب حاصر ملك دستوري في قصره بالدبابات، بينما سبعون ألف جندي بريطاني في مصر لم يتحركوا لحماية السلطة الشرعية القائمة منذ سنة 1805!
لقاء الرئيس أيزنهاور بسعيد رمضان لم يكن صدفة، إذ بدأت العلاقات الخاصة بين الولايات المتحدة الأميركية وتنظيم الإخوان في عهد الرئيس الأمريكي أيزنهاور، الذي التقى في واشنطن سنة 1953 سعيد رمضان زوج الابنة الصغرى لحسن البنا مؤسس تنظيم جماعة الإخوان، وفق ما أظهرت وثائق خاصة بالاجتماع موجودة في مكتبة الرئيس أيزنهاور في أبيلين بولاية كنساس.
لعبت المخابرات المركزية الأميركية وفق الوثائق الدور الكبير في تجنيد سعيد رمضان، الذي وُصف آنذاك "وزير خارجية تنظيم الإخوان". وبناء على هذه العلاقة، تأسس بعد ذلك ما سُمي "بالتنظيم الدولي للإخوان"، الذي اتخذ في البداية "مسجد ميونخ" مقراً له، ومن يقرأ وثيقة "THEORY APPOINTMERNT BOOK" سيدرك أن جماعة الإخوان منذ سنة 1953 كانت "جماعة وظيفية" لتحقيق كل الأهداف الأميركية في الشرق الأوسط والدول الإسلامية، ثم امتدت إلى أوروبا وروسيا، والآن في الصين.
كما كشفت الوثائق، التي نُشر جزء منها كتاب "روبرت دريفوس"، كيف ساعدت الولايات المتحدة تنظيم الإخوان على الانتشار وكسب الأعضاء والتمويل بغرض الوقوف أمام مدّ شيوعية الاتحاد السوڤياتي في ذلك الوقت.
أغرب ما في هذه الوثائق والعلاقة بين الدولة العظمى والتنظيم، أنّ الذي نصح إدارة الرئيس أيزنهاور بالانفتاح على تنظيم الإخوان هو المؤرخ اليهودي المتخصص في شؤون المشرق العربي "برنارد لويس" صاحب "خرائط تقسيم وتفتيت المنطقة والمشرق العربي" على أسس طائفية وعرقية، ولويس هو الذي أوعز إلى المخابرات الأميركية وضع خطط طويلة المدى لدعم تنظيم الإخوان في المنطقة، وقد عمل مع برنارد لويس كل من جون فوستر دالاس وزير الخارجية الأميركي، وشقيقه ألان دالاس مدير وكالة المخابرات المركزية آنذاك، وأعدّ دالاس بالاتفاق مع الرئيس أيزنهاور مؤتمراً بجامعة برينستون حضره أعضاء من تنظيم الإخوان المسلمين برئاسة سعيد رمضان.
أما غير المعقول في العلاقة بين أميركا والاخوان فهو نشر كراهية أميركا في الشارع الإسلامي بواسطة الإخوان المسلمين، وإشاعة تعاون الماسونية والإمبريالية الأميركية-العالمية ضد الإسلام والمسلمين، والتعاون مع الإمبريالية سراً للوصول والبقاء في الحكم بحماية منها.
هذه الازدواجية (التقية بالمفهوم الإسلامي) تتفق تماماً مع ما كتبه عبد الناصر في رسالة لكيندي طلب منه غض النظر عن الهجوم الرسمي والإعلامي على إسرائيل وأميركا في وسائل الاعلام العربية، لأن ذلك الهجوم العلني إرضاءً للشارع العربي فقط.
تنظيم ونظام
أسس عبد الناصر قبل انقلاب يوليو "تنظيم الضباط الاحرار" على غرار "النظام الخاص" للإخوان المسلمين تماماً، ولم يكن فيه ضابط مسيحي مصري واحد، بل كان على الأقل ثلاثة من أعضائه ينتمون عقائدياً للإخوان المسلمين، ناهيك عن عبد الناصر شخصياً، فقد كان إخوانيا من "النظام الخاص"، أقسم على القرآن والسيف للطاعة والولاء كما ورد في عدة كتب، وعدم اختياره لضابط مسيحي واحد يعكس ولاءه الشخصي الذي يعكس رؤيته لمسيحيي مصر، الذين وصل بعضهم في دولة محمد على وابنائه إلى منصب رئيس وزراء، وشكلوا نصف ثورة 1919 ضد الإنكليز.
حسب شهادات زوجة عبد الناصر وخالد محيي الدين وأنور السادات، لم يكن أحد خارج تنظيم "الضباط الاحرار" يعلم بموعد انقلاب يوليو المُعد على النظام الملكي سوى حسن الهضيبي مرشد عام الاخوان المسلمين، الذي أبلغه عبد الناصر بنفسه بما سيحدث، ويستحيل في السياسة والدين أن يكون الولاء وكشف الأسرار لغير المؤمنين أو الأعضاء الموالين الذين يثقون في بعضهم بعضاً ثقة تامة، خصوصاً بشأن إنقلاب عسكري قد تكون نتيجة فشله الاعدام.
في خطاب 5 سبتمبر/أيلول سنة 1981 قال أنور السادات حرفياً ضمن هجومه على الاخوان المسلمين بعدما انقلبوا عليه: "إحنا دعينا الاخوان يشتركوا معانا .. في ثورتنا.. فجبنوا ورفضوا".
اتفق عبد الناصر مع الاخوان على فكرة التغيير في مصر، خصوصاً ما كان غير معلن في مبادئ الثورة الستة، وهي بنود تتوافق تماماً مع هجوم وحرق الإخوان المسلمين لمحلات المصريين اليهود في الإسكندرية بعد حرب سنة 1948، ثم التضييق على المصريين اليهود ليهاجروا بعد تسلّم عبد الناصر للحكم، واجبارهم على توقيع أوراق عند مغادرتهم تفيد بعدم رجوعهم إلي مصر.
وبما أن الأطماع السياسية والشخصية تفسد أي انقلاب نجح أو ثورة نُفذت، وقع الخلاف الكبير بين الإخوان المسلمين وعبد الناصر على تقسيم تركة أسرة محمد علي، ونصيب الإخوان كتنظيم من الحكم وعدد الوزارات التي سيتولونها والاقرار بالمرشد كمرجعية أولى وأخيرة (كما في إيران/الخوميني تماماً).
الخلاف سمح بظهور نيات ديكتاتورية عبد الناصر الذي لم يسمح بالمشاركة، ولم يقبل بالمرشد كمرجعية، لأن عبد الناصر اعتبر نفسه مرجعية شاملة نهائية كما أظهرت الأيام، وكحاكم سني طمح إلى أن يكون خليفة المسلمين لكن بشكل وحدة قومية إسلامية أو عربية، فسّن قانون الأزهر وجعله جامعة، وهكذا أصبح الأزهر مرجعاً دينياً موالياً له، عوضاً عن الإخوان المسلمين الذين ردوا على انقلاب عبد الناصر عليهم بإطلاق الرصاص عليه في منشية الإسكندرية في أكتوبر سنة 1954، لكنه لم يُقتل أو يصب.
البند المخفي الآخر في انقلاب يوليو تمثل في تهميش مسيحيي مصر الذين كانوا قبل عبد الناصر في وزرات سيادية، ثم أصبحوا بعد ذلك في وزارت غير مؤثرة ولا قيمة لها في القرار السياسي، الذي كان على كل حال للزعيم والمرجع الأوحد "المُلهَم"، وظلت بعض الشخصيات غير المؤثرة في وزاراته مثل كمال رمزي ستينو موجودة كديكور، إلى أن اختفى العنصر المسيحي تماما في الوزارات بعد ذلك. كما لم يُسلِّم عبد الناصر أي قيادة عُليا لمسيحي في الجيش المصري أو في المصالح الحكومية أو الشركات التي أممها وتسلمها ضباط مسلمين.
الشرع والقانون
بدأت أولى مظاهر الدولة الدينية في مصر، بعدما استطاع الإخوان المسلمون الاعضاء في مجلس قيادة الانقلاب اقناع الاخرين بعدم جدوي وجود الأحزاب السياسية، وكونوا أغلبية تؤمن بقناعة ضرورة حلها، بدعوى أنها غير قادرة علي تحقيق أهداف الثورة الستة، ما جعل مجلس قيادة الانقلاب بعد أربعة أشهر من مغادرة الملك فاروق وتنازله عن العرش لابنه، يصدر قانون حل الأحزاب السياسية وتم إلغاء كافة الأحزاب ما عدا الاخوان المسلمين باعتبارهم حزب دعوة وليس حزباً سياسياً، ما يمهد الطريق أمامهم للحلول محل مؤسسات المجتمع المدني، ومساندة الزعيم لضمان بقائه في السلطة بدون مشاكل مدنية، لأن ولاء الجيش كان مؤكداً بوجود عبد الحكيم عامر صديقه المخلص.
بعد ذلك بدأت الدولة الدينية/الناصرية تراقب الناس اخلاقياً بالتدريج، لاستحالة تحويل مصر فجأة آنذاك إلى دولة دينية، فصدر قانون تحريم القمار ومنعه قانونياً وتجريم من يمارسه، وأُغلقت المحافل الماسونية ونوادي الروتاري والمحافل البهائية، وتم إلغاء تراخيص العمل الممنوحة لبائعات الهوى واغلاق أماكنهن، ما يعني أن دولة عبد الناصر أصبحت قيّمة على أحكام الدين، وليست الجهة العَلمانية التي تطبق أو تحاسب على انتهاك القانون المدني.
كما تم أثناء رئاسة عبد الناصر الرقابة على الفنون كافة، ومصادرة الكتب ومنها كتب الباحثة العظيمة أبكار السقاف، الأم الروحية لكل التوعويين المسلمين على وسائل التواصل الاجتماعي الذين يفندون أخطاء كتب التراث الديني اليوم، واتُهمت أبكار السقاف بالكفر، وصدر حكماً سياسياً بتحديد إقامتها في بيتها، وهذا الحكم يستحيل أن تصدره جهة غير سيادية عُليا.
ذكر عبد الناصر في بدايات حكمه في خطاب علني رفضه فرض الحجاب أو الطرحة، التي طلب مرشد الاخوان المسلمين منه فرضها على نساء مصر، لأن عبد الناصر يعلم تماماً استحالة تطبيق أمر لا يطبقه المرشد على ابنته أو شيخ الأزهر على زوجته، بسبب الاجواء العامة في البلد آنذاك. كان الطرح خبيثاً لإثارة الرأي العام، غير المؤهل لقبول غطاء الرأس، على الاخوان المسلمين.
ورغم عَلمانية عبد الناصر الظاهرة للعيان، بوشر في رئاسته تبني الحكومة ترجمة القرآن إلى لغات العالم المهمة، وقد سبق عبد الناصر الملك خالد بهذه الترجمة بثلاثة عقود، وتم إنشاء "إذاعة القرآن الكريم الحكومية" التي تذيعه مع برامج دينية على مدار الساعة، وزاد عدد المساجد في مصر من أحد عشرة ألف مسجداً حكومياً قبل الثورة إلى واحد وعشرين ألف مسجداً سنة 1970 وهي السنة التي مات عبد الناصر فيها، والفارق بين العددين يساوي عدد المساجد التي بُنيت في مصر تقريباً منذ غزو عمرو بن العاص حتى سنة وفاة عبد الناصر، الذي جعل مادة "التربية الدينية الاسلامية" إجبارية في المدارس العادية يتوقف عليها نجاح أو رسوب الطالب المسلم كباقي المواد العلمية والتاريخية، لأول مرة في تاريخ مصر والدول العربية.
جامعة دينية
استهل عبد الناصر قرار تأميم شركة قناة السويس بقوله: "باسم الامة.. قرار رئيس الجمهورية". مصر ليست أمة، بل شعب، ما يعني أنه يؤمن أن مصر مقاطعة جغرافية تقع داخل أمة، ومعروف تماماً ماذا تعني كلمة "أمة" في الاسلام.
وعندما بدأ العدوان الثلاثي سنة 1956 بسبب تأميم شركة قناة السويس، ذهب عبد الناصر إلى الازهر وألقى خطبة لحشد الناس خلفه ولم يذهب إلى مجلس الشعب. واجه اعتداء عسكري محض بحشد الناس دينياً.
طوّر عبد الناصر ما كان يُطلق عليه منذ تأسيسه سنة 972 الجامع الأزهر، وحوله لجامعة تدرّس فيها العلوم الطبيعية والطبية بمنظور معلومات القرآن، وبنى آلاف المعاهد الأزهرية والدينية في مصر، وأنشأ مدينة البعوث الإسلامية وضمّت الطلاب المسلمين من مصر والدول الأخرى، الذين يتعلمون ويقيمون في القاهرة إقامة كاملة مجانية، وأرسل بعثات الأزهر إلى الدول الاسلامية، وتم افتتاح معاهد أزهرية للفتيات فقط رغم أن التعليم الجامعي كان مختلطاً في مصر منذ نشأته، وأوعز بتنظيم مسابقات تحفيظ القرآن على مستوى الجمهورية والعالم العربي والإسلامي، وكان يوزع بنفسه الجوائز على حفظة القرآن، وليس شيخ جامعة الازهر، وأسس موسوعة جمال عبد الناصر للفقه الإسلامي، التي ضمت كل فقه الدين وأحكامه في عشرات المجلدات وتم توزيعها مجاناً في العالم.
في سنة 1967 وعقب هزيمة يونيو بدأ أئمة مساجد مصر تلقين المسلمين أن الهزيمة حدثت بسبب قلة ايمانهم واهمالهم شأن دينهم، وأن الهزيمة أمر إلهي في اللوح المحفوظ، إذ لن تقوم الساعة حتى يدخل اليهود بيت المقدس، وكان تواطؤ المنابر مع السلطان واضحاً إذ يتلقى شيوخها رواتبهم الشهرية من وزارة الاوقاف، بينما كانت الهزيمة بسبب عشوائية الرئيس شخصياً وعدم الاخذ بتقارير قيادات جيشه الذين أكدوا له عدم صحة المعلومات الواردة من الجبهة السورية عن حشود إسرائيلية، ومن ثمة لا داعي في التمادي في الحشد العسكري الذي يصّر عليه، بينما الجيش المصري يعاني من سوء التسليح وتراجع معداته تقنياً بعدما أُنهك في حرب اليمن، وكان غير قادر على خوض حرب أعدت إسرائيل جيشها لها.
اعتقد عبد الناصر ان "المظاهرة العسكرية"، وهو المصطلح الذي ردده وزير حربيته آنذاك المشير عبد الحكيم عامر ليطمئن قيادات الجيش التي كانت مندهشة من قرار عبد الرئيس، ضد إسرائيل ستعيد له هيبته بعد هزيمته في اليمن، ولم يقدّر أبدا أن الأجواء الأقليمة والدولية لم تعد كما كانت سنة 1956 وأن الدول العربية الفاعلة تتمنى هزيمته فعلا بسبب استخفافه بهذه الدول خصوصاً المَلكية منها، ومن عباراته اللاذعة:"حتنف دقن ملك السعودية شعرة شعرة" وعن ملك الأردن كان يقول:"حسين إبن زين".
كانت هذه المَلكيات تخشى محاولات نشر الثورة فيها بواسطة عبد الناصر كما حدث في ليبيا، وأميركا تلك المرة لم تغفر له شعاراته غير الديبلوماسية التي كان يقولها امام الميكروفونات ومنها على سبيل المثال: "طظ في اميركا" و"أللي مش عاجبه يشرب من البحر الأحمر، يشرب من البحر المتوسط" و"حنهزم إسرائيل ومن هم وراء إسرائيل".
الشريعة هي الدستور
مات عبد الناصر موتاً سريرياً سياسياً سنة 1967، وبعد وفاته سنة 1970 جاء الرئيس أنور السادات بعده، وافتتح خطاباته السياسية "باسم الله"، وكان يختمها بترديد آيات من القرآن، وطلب في بداية حكمه ملفات "الاخوان المسلمون" الذين أطلقوا الرصاص على عبد الناصر في منشية الاسكندرية ولم يصيبوه، وقرر الإفراج عنهم وألمح إلى الأجهزة الأمنية أنه لا مانع في عودة الهاربين منهم إلى مصر مرة ثانية.
كانت صفقة سياسية بدون مقابل منهم أو تعهّد بموالاته على الأقل، ومن طرف واحد فرض هذه الصفقة على أجهزة الدولة هو الرئيس السادات، رغم تحذير جميع الأجهزة الأمنية بخطورة الإفراج عن قادتهم وعودة الهاربين منهم، فقد كانوا جميعا مصنفين "خطر جدا".
في سنة 1971 صدرت طبعة جديدة لدستور مصر العلماني، بدلاً من دستور 1955 الذي لم يُطبق أبداً، نصت مادته الثانية على أن الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر التشريع. ما يعني أن الرئيس السادات نقل مصر رسمياً من دولة مدنية إلى دولة دينية، وقد مهدت تغيرات مصر الاجتماعية والسياسية والثقافية لمدة ثمانية عشرة سنة بعد الانقلاب لتلك الخطوة.
هذه النقلة الهائلة التي فعلها الرئيس السادات، لم تُقابل بالامتنان ممن أعادهم إلى الحياة السياسية ويطلقون على أنفسهم حماة الاسلام، لأن اللعبة هي كرسي الحكم والاسلام وحكم الله مجرد شعارين للشارع، فقد جنّد يحيى هاشم وكيل نيابة سوهاج سنة 1972 جماعة "التكفير والهجرة" ووضع خطة للقيام بتفجيرات وهجوم مسلح في القاهرة واغتيال أنور السادات حين تحين الفرصة، وأوهم أتباعه أنه سوف يهاجر كما هاجر الرسول إلى يثرب، ثم سيدخل مكة وكان يعني القاهرة، لكن أجهزه الأمن المصرية حاصرته في منطقة جبلية بين محافظتي قنا وسوهاج أثناء إجراء تدريب عسكري لمجموعته، وقُتل اثناء تبادل إطلاق النار.
وجاء من بعده شكري مصطفى الذي كان في سجون عبد الناصر لأنه من الاخوان المسلمين، وأعلن نفسه أميراً للجماعة نفسها، وخطط لإقامه دولة إسلامية بعد تجهيز جهادييه، لتُطهر مصر من الفساد والكفر، وانتشر أتباعه في عدة محافظات خصوصاً في محافظتي إلمنيا وأسيوط، وتدربوا على الأعمال العسكرية في مناطق نائية جبلية، لكن نهاية شكري مصطفى كانت شنقاً بعد اغتيال جماعته للشيخ الذهبي وزير الأوقاف.
الرئيس المؤمن
رفع الرئيس السادات، رغم خطورة هذه التحركات على الدولة وعليه شخصياً، شعار "دولة العلم والإيمان"، وأطلق على نفسه "الرئيس المؤمن" عوضاً عن لقب عبد الناصر "المُلهَم"، وبدأ الارسال التلفزيوني الحكومي يُقطع لبث الآذان حتى في مباريات كرة القدم على الهواء، ورغم ذلك حدثت مذبحة الكلية الفنية العسكرية، وكُشفت خطة صالح سرية للاستيلاء على أسلحة ثقيلة من الجيش بتخدير أفراده واغتيال السادات وكبار رجال الدولة الذين كانوا مجتمعين في وقت واحد في مبنى اللجنة المركزية بكورنيش النيل.
كان ردة فعل الرئيس هي ما أطلق عليه "حركة الإحياء الإسلامي"، فقد كانت الدولة تريد حصار التيار الشيوعي وجذب التيار الديني وضمه إلى صفوفها عقب هزيمة يونيو 1967، وفي تلك الأجواء اقترح المحافظ محمد حسن عثمان والمهندس عثمان أحمد عثمان وآخرون، بناء على رؤية الرئيس، إنشاء "تنظيم الجماعات الإسلامية" ليقفوا ضد التيارات اليسارية في الجامعات المصرية، ويسيطروا على اتحادات الطلبة بالفوز في الانتخابات على التيارات الناصرية واليسارية، وتبرعوا بالمال للجماعات الإسلامية المقترحة وأنشئت فعلاً، لكنها تحولت عن أهدافها إلى الوقوف ضد المسيحيين المصريين وبث الفتنة الطائفية، وراحوا ينتقدون سياسة الحكومة بعد انتصار سنة 1973 واعادة فتح قناة السويس، واستعملوا ضد سياسية الانفتاح الاقتصادي كلمات دينية مثل: الربا والفساد والحرام، لنقد الميل للاستهلاك والاحتكار والسوق السوداء، والمناخ الذى أفرز اللصوص والمرتشيين وتجار المخدرات، وكان السبب في رأيهم هو الابتعاد عن شرع الله وطريقه.
تلاشى في حقبة الرئيس السادات تماماً الوجود المسيحي الخجول في الوزرات، حتى بطرس غالي مهندس كامب ديڤيد وصاحب ثورة الأرشفة العلمية في وزارة الخارجية لم يرّفَع لرتبة وزير، وحلّ تنظيم الإخوان المسلمون محل بقايا مؤسسات المجتمع المدني (القائمة منذ أيام الملكية) بتشجيع من الرئيس، وجلس متولي الشعراوي على دكته ليلّقن المصريين أصول التزمت والكراهية المقدسة من تلفزيون الدولة، وظهر مصطفى محمود على الشاشة نفسها ليربط العلم بالإيمان بشكل غير علمي ولا ايمان فيه.
على مستوى الإدارات قال الرئيس أنور السادات حرفياً في اجتماع مع المحافظين: "انا مش عايز يوصل قبطي واحد إلى درجة مدير"، وعندما انتبه لوجود فؤاد عزيز غالي قائد الجيش الميداني الثاني في حرب أكتوبر بين المحافظين لأنه أصبح محافظاً، ضحك السادات وقال له: "معلشي يا فؤاد دي سياسة زي ما انت عارف"، فرد غالي كرجل عسكري وقال: "مفهوم ياريس".
وبدلا من استفادة مصر من نصرها والسلام مع إسرائيل والانفتاح على دول العالم، عانى البلد من زيادة التوترات الطائفية، واتُهم السادات بأنه خرج من "ساحة الجهاد" بعد اتفاقيات السلام، وبدا واضحاً أن نهاية مأساوية تنتظر الرئيس الذي أطلقت عليه الجماعات الإسلامية "الطاغوت"، وشاءت الظروف انتهاء رئاسة السادات في أكتوبر سنة 1981 باغتياله من الإسلاميين الذين فشلوا في أكتوبر سنة 1954 حتى في إصابة عبد الناصر برصاصهم.
توظيف الدين
رغم أن حسني مبارك نجا بأعجوبة من رصاص وقنابل المتشددين في المنصة، استمر نظامه الذي ورثه في توظيف الدين، من أجل ترسيخ قبول سلطة الدولة وقبوله هو شخصياً رئيساً، رغم انه وصل للحكم بشرعية شعبية بدون تحفيز وبرلمانية كاملة، ما أسهم في أسلمة المجال العام تماماً، وأدى إلى خلق بيئة دينية/سياسية ، خضع فيها الأقباط والمفكرون العلمانيون وذوو الآراء الدينية المخالفة لإجماع الأغلبية، للاضطهاد المنظم ومصادرة الكتب احياناً بتواطؤ الدولة، التي كانت من مفارقاتها استُخدام مصطلح "الأصولية الإسلامية" كخيال مآته يخيف الناس من أي تطور ديموقراطي سريع يأتي بالإسلاميين للحكم، وللتصدي لدعوات الإصلاح والقضاء على الليبراليين، والمنادين بأنشاء دولة المؤسسات وليس الفرد.
تولى الإسلاميون المتزمتون مفاصل السلطة في الوزارات، واستمر إقصاء الدولة لغير المقربين عن العملية السياسية، وتجاهلها لأشكال المعارضة العلمانية المشروعة التي لا تريد أذى السلطة أو الدولة بل الاصلاح.
ورغم التخويف من خطورة "خيال المآته" تجلت سلطة وقبضة الدولة الدينية العميقة السرطانية في عدم خضوع جامعة الازهر لرؤية وخطط وزارة التربية والتعليم التربوية في مصر، وخضوع الوزارة لرؤية الازهر.
في عهد حسني مبارك جرت لعبة سياسية غريبة، ساعدت ظروف دولية وعربية على استفحالها، هي قبول الطرفين؛ الرئيس والاخوان، توظيف الاخوان المسلمين كخصم رسمي سياسي يدخل إلى مجلس الشعب، وقبول كل ما يقوله الاخوان على حسني مبارك شرط عدم المساس به كرئيس أو الاعتراض في ما بعد على ابنه كوريث، ولم يبال حسني مبارك بمحاولات اغتياله من الخصم داخل مصر وخارجها، بل أدار ظهره لدول أفريقيا لأن إحدى محاولات اغتياله تمت في أديس أبابا سنة 1995 على يد متشددين مسلمين، ولم يكن لأفريقيا أو إثيوبيا أي دور فيها.
لم يطلب مرشد الاخوان المسلمين من حسني مبارك فرض الحجاب أو الطرحة على نساء مصر كما حدث في رئاسة عبد الناصر، لأنه لم يكن بحاجة لمثل ذلك المطلب، فقد فُرض الحجاب العقلي وغيّر ثقافة مصر وشخصيتها وهويتها وأصابها بمرض التوحد.
انا مسلم بس
ركب قاتلو السادات عربة عسكرية لاغتياله في العرض العسكري، ولم يدر في خلد حسني مبارك أن يركب المتأسلمون ثورة 2011 الشعبية التي طالبت الإصلاح أولا للإطاحة به، وجاء رئيس من الاخوان المسلمين "خيال مآته/حليف انقلاب 23 يوليو وامتداده الإخواني"، لكن محمد مرسي ومكتب الإرشاد لم يقدّروا تماماً معنى عدم موالاة قيادات الجيش والاستخبارات لهم تماماً، واُختير له من مكتب الارشاد الاخواني الفريق عبد الفتاح السيسي ليكون وزير الدفاع، وأشيع وقتها أنه من الاخوان المسلمين.
نظرة واحدة إلى صورة أعضاء الحكومة بلحاهم مع محمد مرسي كافية لشرح سيطرة الاخوان المسلمين على الحكم، وبناءً على هذه السيطرة استهان مكتب الارشاد بعدم موالاة قيادات الجيش والاستخبارات على أساس أن الشارع الاسلامي والشرعية معهم والحكومة في يدهم، ناهيك عن مساندة دول العالم لهم خصوصاً الجالس في البيت الأبيض، ما جعل وغد مثل خيرت الشاطر يهدد وزير القوات المسلحة ورئيس المخابرات بألفاظ سوقية ليخيفهما، وانتهت لعبة السلطة بين المستفيدين من الاسلام سياسياً والجيش باستيلاء الجيش على الحكم مرة ثانية، بعدما وقف الناس في الشارع حاملين شعارات تندد بحكم الاخوان، وجاء الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي نفى تماما الانتماء للإخوان المسلمين أو السلفيين وقال "انا مسلم بس".
يوحي السيسي بأنه رئيس كل المصريين لكنه يفتتح خطاباته السياسية بعبارة "بسم الله الرحمن الرحيم"، رغم أن السياسة هي فن الخداع والكذب والمصلحة والدين هو العبادة.
يقول السيسي دائما عن أي عمل مدني أو مؤسساتي يفعله: "ديني يحثني على فعل هذا"، وليس منطق الدولة أو ستراتيجيتها أو الاقتصاد أو التعايش.
حتى آخر سبعينات القرن الماضي كان يُقال أثناء تدريب أي ضابط أو مجند جديد: "ضع كرامتك ودينك خارج المعسكر، لأن كرامتك هي كرامة الجيش ودينك هو مصر". ثم تحولت تدريجياً عقيدة الجيش المصري إلى الاسلام.
في رئاسة السيسي الذي ينادي بالمواطنة، تم تغيير قَسَمْ كليات الطب من قسم أبقراط المعروف إلى قسم إسلامي وقت التخرج؛ “أقسم بالله العظيم أن أراقب الله في مهنتي وأن أصون حياة الإنسان في كافة أدوراها".
ارتفعت بشكل ملحوظ قضايا خدش الحياء العام وإهانة الذات الإلهية وازدراء الاديان وغيرها، وأصبحت تُرفع ضد علمانيين وفنانين وراقصات ومطربات، ما يعني أن الدولة الدينية المصرية العميقة متأصلة ومستمرة منذ زمن عبد الناصر سنة 1954 وتستمد شرعيتها من الدين، كأي خلافة إسلامية في التاريخ، وهي قيّمة على تنفيذ أحكام الدين الأخلاقية، وليس تنفيذ أو معاقبة من ينتهك القانون المدني بطريقة عادلة متساوية على جميع المواطنين.
يا رب يا ستّار
كنتيجة لكل ما سبق، ليس غريباً أن يعتبر شيخ الأزهر نفسه انه مؤسسة سيادية، وغير معني بأي بروتوكول، ويحرج رئيس الجمهورية على الهواء أمام الناس ما زالت الحاكمية لله والأرض له، ويزور الدول كأنه رئيس جمهورية، ويُصدَرُ بيان أزهري رسمي عن زياراته، التي كان آخرها لتهنئة الجنرال برابوو سوبيانتو، بفوزه في انتخابات الرئاسة الإندونيسية، وتم استقباله بتشريفات رئيس جمهورية، ودعا المولى عز وجل، أن يؤازر الجنرال بالسداد والتوفيق في قيادة بلاده ودعم قضايا أمته.
ثم تجاوز التمنيات كرجل دين، ودخل شيخ الأزهر على المسار الدولي كأي رئيس جمهورية وأكّد ضرورة حشد الجهود الدولية من أجل الوقف الفوري للعدوان على غزة، وتسيير دخول المساعدات الإنسانية والطبية والإغاثية إلى القطاع المعزول، وتوفير كل أوجه الدعم اللازم من أجل وقف شلالات الدماء التي تُسالُ لأكثر من ثمانية أشهر دون رادعٍ دولي، أو قانوني، أو إنساني، أو أخلاقي.
لم يتطرق فضيلة الشيخ مطلقاً لا إلى سبب شلالات الدم الرئيسي، الذي أعطى إسرائيل الذريعة والدعم الدولي لما تفعله، أو سرقة المساعدات الإنسانية اليومية التي تُباع في غزة بالشيكل الإسرائيلي، ولا إلى إعلان "حماس" صراحة أن مسؤولية حماية أهالي غزة تقع على إسرائيل والأمم المتحدة، لأن "حماس" حسب فضيلة الإمام الأكبر، من أهل القِبلة تماماً كما "داعش"، ومن ثمة لا يجرّم الأزهر الشريف أفعالهم، ما زال "إذا حَكَمَ الحَاكم فَاجْتَهَدَ ثم أَصاب فله أَجرَان، وإذا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثم أَخْطأَ فله أَجْرٌ".
هل يمكن أن يخرج من مصر حاكم مستنير بحجم محمد على باشا بعد مرور قرن على محاولات وأد النهضة والدولة المدنية؟ حاكم يخرجها من الوقوف في منتصف الطريق ما بين الإخوانية التي جندها وساندها الغرب لأكثر من سبعين سنة لصد الشيوعية، والصوفية الصاعدة التي تحاول دول الغرب الاستثمار فيها لتخفف من عنف الإسلام السياسي وجروحه الدامية في مجتمعات الشرق والغرب على السواء؟
هل يستطيع التوعويون المصريون اخراج مصر من سبات الجرعة الدينية القاتلة التي هوت بها إلى مستوى أسوأ من الذي واجه به المماليك مدافع بونابرت قائلين: "يارب يا ستّار نجنا مما نخاف"؟ كما ذكر المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي.


*كان أبي يعمل في النادي السوري وسمع بنفسه كلمة محمد نجيب، وقال لنا هذه العبارة، وحفظتها في ذاكرتي منذ طفولتي. كان النادي السوري نادياً اجتماعيا للطبقة الراقية ومن ثمار وجود الجاليات في مصر قبل انقلاب يوليو، وكان يضم سياسيين مصريين، ومتمصرين ورجال أعمال وصحافيين وضباط شرطة وعسكريين، منهم على سبيل المثال رئيس الوزراء إسماعيل صدقي باشا، وأحمد فرغلي باشا، ولواء الشرطة عبد المنصف محمود مؤلف أغنية "مين زيك عندي يا خضرة" التي غناها عبد الوهاب، واللواء العسكري جلال صبري والد سمير صبري الفنان المعروف، وأحمد عبود باشا الاقتصادي المعروف، وغيرهم من رجال أعمال وجرّاحين.



#عادل_صوما (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفرار من عدالة المؤمنين
- خدعة إرهابية وخدع بصرية
- فواجع الافراط في التسامح
- -حديث وتعليق- و-حقوق الحب-
- صكوك غفران سياسية
- إدارة الصراعات بالأدعية والغيبيات
- أسماء سقطت من لائحة المتصهينين العرب
- تجربة طوفان أستاذية العالم (2)
- تجربة طوفان أستاذية العالم
- صراع ديني أم تلاعب بالقرارات؟
- اليمين القومي ودور البابا
- موجة طلب اعتذارات من الغرب
- شيكات عربية بدون رصيد
- لماذا لم يفز زغلول النجار بنوبل؟
- تعقيب على كشف المستور في -الفكر الحر-
- بانوراما مختصرة لنكبة لبنان
- بروڤة انفصال عن الجمهورية
- الولايات المتحدة الإخوانية
- ضائع بين القانون والشريعة
- الفضاء بعد المونديال


المزيد.....




- من هو المعماري يحيي جان الذي يبنى أطول فندق في العالم بدبي؟ ...
- في كوبنهاغن.. ماذا يتلقّى السيّاح مقابل اعتماد سلوك صديق للم ...
- بسبب ظروف الجفاف.. إعلان -كارثة طبيعية- بولاية كارولينا الشم ...
- -لو كنت خُيرت لما اخترت-.. الرئيس التونسي يعلن رسميا ترشحه ل ...
- حياة جديدة من بين الركام: إنقاذ جنين من رحم أم قُتلت في غارة ...
- في الذكرى 66 لثورة 14 تموز.. احتفالات في استوكهولم وبراغ ولا ...
- ألمانيا تحيي الذكرى الـ80 لمحاولة اغتيال هتلر الفاشلة
- الجيش التركي يعلن القضاء على 19 مسلحا كرديا شمالي العراق وسو ...
- سيناتور ديمقراطي رابع يطالب بايدن بالانسحاب من الانتخابات
- بعد أسيوط.. رقص طالبة مصرية أخرى بحفل تخرجها يثير الجدل (فيد ...


المزيد.....

- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل صوما - مبادئ مخفية في إنقلاب يوليو 1952