أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - سُكَّانُ بَلْدَتِنَا آلطَّيِّبُونَ














المزيد.....


سُكَّانُ بَلْدَتِنَا آلطَّيِّبُونَ


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 8043 - 2024 / 7 / 19 - 16:21
المحور: الادب والفن
    


لَمْ أهجعْ بقيةَ الليل .. لقد أحزنني أيّمَا حزن ما سمعتُ وما لم أسمع .. ظللتُ أغرقُ في سُدف هواجسي المُعتمة في غرفة عمتي الكالحة .. تكومتِ المسكينةُ في ركنها هناك في أقصى إحدى الزوايا مفترشة هيدورة صوف فوق حصير دوم من أعشاب (آرِي) آلبراري متآكل الجنبات .. تصطنع نوما بشخير مسموع تحاول إيهامي بآستغراقها في سُبات عميق ... نعم، لقد كانتْ تفكر، بل تناهى إلى مسمعي في لحظات عابرة من ليلة ليلاء وقعَ نحيبها الهامس الخافت النابس يختلس عَبَرَات خاطفة تجود بها حناياها المفجوعة لمقلتيْهاالمَقروحتيْن .. حتى البكاء .. آه .. كانت تحرص أنْ لا تُثيرَ به حفيظةَ الآخرين أو تقلقهم أو تشغلهم ... من أي طينة عمتي من أي طينة هؤلاء الناس ؟؟ أهلونا، أحبابنا، عوائلنا .. سكان بلدتنا الطيبون .. حتى في أعْـتَا الصدمات قساوة، يعيشونها فُرادَى حَيَارى في إصرار مبالغ فيه على الكتمان ودفن كل شيء تحت هالة كُبرى من الصمت والأنفة والكبرياء .. لا يشتكون، لا يئنون أمام الناس .. يعملون فقط، يكدون يتعبون يمرضون يحتضرون ببطء بسرعة، سيان يموتون أو لا يموتون .. يشقون دائما في أزمنة تُبيدُ ولا تُبَادُ .. يترادفون يتتابعون يتواترون المعاناة الأزلية .. تطبع قسماتهم عيشة الضنك والخَصاصة، فتتصَلّبُ نَسَماتهم، تقْسُو مَسامهم، تتحجر الترائبُ والأصلابُ، يحترقون تحت وهج حَـمّارة آب .. يصعدون ينحدرون في آلشعاب في المسالك الوعرة في آلفجاج بين بطاح ذُرَا آلأعالي وحَفَافي الأودية في عناء لا ينتهي سَعْيُهُ وراء لُقَيْمَات محسوبة تجود بها أرضٌ جبلية قاسية شَحيحة مُعاندة مُكابرة تُوغلُ فيهم تعذيبا وتنكيلا، فيقاومون يناورون يصارعون صَلَفَ الليالي الضّابحات بالرعود والبروق والثلوج .. لا ربيعَ في حياتهم، لا راحةَ في حربهم المسترسلة الغارقة والمُغرِقة .. حتى أعراسهم والحَفَلاَت تستحيل شقاءً مَلسوعا يصدح بمواويل صارخة ساحقة .. تَـشُقُّ أكبادَ الأرضينَ والسّماواتِ بَحّاتُ لْغَـا إرَدّادَنْ .. يخبو وهجُ تِلَغْويين نتمورت .. تثور فورةُ مَوّاااال أمْـنَاااااي (١) العجائز المَوْشومات في ثورة عارمة لحظية تموت بالسرعة التي تَعِـنُّ بها كَحُبَيْبَات نْوَامَانْ (٢) تلقي بها شلالاتٌ فائرةٌ، تظهر سافرةً متلألئةً نَضّاخَةً، يخبو آتقادُها في وَميضٍ لافتٍ ثم في هدوء ينحسرُ ... كل ذلك في كتمان مطبق .. لا شيء يُحْكَى في الجبال .. لا عِبَرَ تُستخلص .. لا تواريخَ حياة عيشتْ أو تُعَاش تهم لا شيء يهم .. يولدون ينتهون .. وبين البدء والختام طوفااان مزمن من الحركة المزمنة، من السعي والشقاء اللذين لا ينتهيان ... والنتيجة، لا نتيجةَ تُحسَبُ أو تُحْصَى .. لا مجالَ للبحث عن أشياء ليست توجد أصلا .. لقد رحل الأولون كما رحل الذين قبلهم وقبلهم طيلة أزمنة تناسلَ فيها الرحيلُ تلو الرحيلِ، وما ترك الراحلون غير بصمات حائرة بالكاد يمكن آستنطاقها لمعرفة بعضا من تفاصيلها وتفاصيلهم .. حتى قبورهم التي يمكن أنْ تكون شاهدةً على شيء ما تظل عجفاءَ مُخْتَصَرَةً في حيز مُحاصَر بين تمَاسٍ وتَنَاس ونسيان .. هذا آختيار جماعي، عاشوه ولازالوا يعيشونه في صمت لا يبالي بأي شيء .. إنهم يعيشون وكفى .. فكيف تُراهم يَبوحون بلَواعجهمُ الحَرّى ؟؟ كيف يتنفسون تحث ثقل هذه الأكوام من المَستورات والمحظورات ؟؟ كيف يُنَفِّسُون عن ضغط نفوسهم الثكلى ؟؟ أخالُهم قد ألفوا ما لا يألفه الناس عادةً .. إنه ليس مجرد صبر في الملمات والشدائد .. ليستْ رباطةَ جَـأش، بل أكثر من ذلك .. لقد أضحتِ السمت المتوارث عادةً طبيعيةً لا يجدون فيها ضيرا ولا ضررَ ولا مشقة أو عَنَت، ولا يبذلون كبير مجهود في مكابدتها .. إنهم يعيشون هكذا بها معها راضين بالمكاتيب تفرض سيطرتها عليهم في آستبداد لا يُقاوَمُ مستسلمين غير متبرمين أو متذمرين .. لقد آنخرطوا في دوامة الرضى الجماعي بالأقدار التي توزعها الوقائعُ والمشيئة عليهم في كرم وسخاء .. غرقوا فيها حتى أضحى عنف فواجهم ومصائرهم أمرا مسلما به عاديا جدا، لذلك لا بأس أنْ تسقط والدة جدي ( ميمونة أولْتْ عَيّادْ ) سقطتها المهولة في حافة حفرة الأتربة اللازبة ..لا رادّ لقضاء الله .. هكذا تنبس ألسنتهم هكذا تقكر قلوبهم .. ولا غرابةَ أن تعيشَ خالتي مريمُ موتَها الدائم أبدا في معزلها السرمدي .. لا قلقَ في حرائقها المترادفة يشوي شُواظُها وجهَها، أطرافَها، مَرافقَهَـا؛ والبدنَ المُتزلزِلَ التّالفَ بين الزوايا لا ضيرَ إذْ يهوي مرارا متخبطا في أفران لا تُبقي جمراتُ عذابها ولا تَذَرُ .. لا مشكلةَ أنْ تعيشَ حَيَوَات عدة على هامش الجماعة بين حِظارٍ وكِنَاس وَ وِجَار مدفونةً محجورةً في معازل (إيسوانس) وأجران (تيسولال) و(تيفراسين) بعيدة عن الأعين والأسماع، فلا هي حية كالأحياء أو ميتة فَتُقْبَرُ، حتى إذا حان حَيْنها النهائي وماتتْ وحيدةً معزولةً محبوسةً نكرةً مُنَكّرَة عُـومِلَ رحيلُها الأبديُّ بلا طقوس أو عزاء ...

☆ترجمات :
١_لْغَـا إرَدّادَنْ : لازمة بإقاع صوتي موزون ترددها جوقة المرددين
_تِلَغْويين نتمورت : أغاني البلاد والأرض
_أمْـنَاااااي : نوع من الترديد الصوتي تصدح به حناجر الحداة في الجبال
٢_حُبَيْبَات نْوَامَانْ : حَباب الماء
٣_الفحص : اسم بلدة في الجبل



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كَباز خرافةٍ معْقوف القامةِ والمنقار
- أرَانِي أَغْرَقُ في زُلالٍ مِنْ خَيالٍ سَسَّغْ أمَانْ نْتْمَ ...
- يا أيّها آلطّفلُ آلجَميلُ آلعَالِقُ
- سُعَار (4)
- سُعَار (3)
- سُعَار (2)
- سُعُار (1)
- من تغريبة غضبان الموغربان
- أَهْلُ آلْمَكَانِ
- The Big Boss
- اُوووووو ... هْ ... اُووووووو ...
- صَرْخَةُ آلْجُبِّ
- مَا لَمْ تَنْبِسْ بِهِ آلشِّفَاهُ
- شكاوي آلمُفَقَّرِ آلجريح
- ألَمْ يَانِ لِحِصَانِ نيتشه أَنْ ...
- اَلسَّمَاءُ تَهْمي وآلشَّذَا لَا يَفُوحُ
- لَقَدْ حَانَ حَيْنُكَ يَاااااا
- تَازَا أَرْضُ آلْمِيعَاد
- غَرْفَاسْتْ كُودْ أُرَشْتِيْغْرِيفْ
- اَلْحُفْرَة


المزيد.....




- دور غير متوقع للموسيقى في نمو الجنين!
- الممثلة السعودية ميلا الزهراني بمسلسل -فضة- في رمضان
- منظمة -الرواية اليهودية الجديدة- تندد بشكل لا لبس فيه خطة تر ...
- أفراد يحتجون.. إطلالة على علم النفس الاجتماعي للاحتجاج
- الشرطة تناشد الشهود لتزويدها بأفلام وصور إطلاق النار في المد ...
- المشهور الغامض.. وفاة الفنان المصري صالح العويل
- جسد شخصيته في فيلم -الشبكة الاجتماعية-.. جيسي أيزنبرغ لا يري ...
- مع ختام معرض الكتاب.. متى يعلن وزير الثقافة واتحاد الناشرين ...
- لوحات 18 فنانا مصريا تشارك في معرض لوحة في كل بيت بأتيليه جد ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صالح العويل


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - سُكَّانُ بَلْدَتِنَا آلطَّيِّبُونَ