أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرضا المادح - لقاء في المزبلة...!














المزيد.....

لقاء في المزبلة...!


عبد الرضا المادح
قاص وكاتب - ماجستير تكنلوجيا المكائن


الحوار المتمدن-العدد: 8042 - 2024 / 7 / 18 - 01:36
المحور: الادب والفن
    


مرت ايام ولم تهدأ عاصفة المشاعر التي أثارها لقاؤه بأهله والذي اصبح حدث المنطقة الابرز، بعد غياب دام اربعة وعشرين عاماً.
قرر في صباح يوم من آب في عام السقوط ، ان يحمل ذكرياته المدفونة تحت لهيب الصيف، نحو مدرسته الاولى. وضع اللمسات الاخيرة على المرآة المعلقة في وسط باحة الدار، كانت رائحة العطر التي تحوم حوله وأناقة ملابسه تفضح سنين الغربة على الطرق المتربة الممتدة ما بين جدران الحارة المنخورة. بين الفينة والاخرى كان يقفز ليتحاشى حفر مليئة بماء تسلل من خزانات البيوت الصدئة القاحلة. لم يمهله الطقس طويلا لتنساب قطرات العرق على صدغيه وترسم خطاً متعرجاً بارداً على ظهره، كلمات التحية الودودة يتردد صداها بين الخطوات المتقاربة، فتتسارع الوجوه الى ذاكرته والتي ألفها حين كان يلعب ايام طفولته، تحت النخلات واشجار السدر واليوكالبتوس الوافرة الخضرة.
اجتاز إسفلت شارع " الجزائر" ليدلف في الفرع الاول على يساره، تعالت في ذاكرته أصوات لاعبي الكرة من الصبيان ، ليميز صوته وحركة قدميه الحافيتين وهي تصارع الكرة الجلدية، في الساحة التي اختفت خلف جدار طوّقها، لتتحول الى مكبّ للازبال، تغزوها شجيرات العاقول المتناثرة حول أعمدة كونكريتية أهملها النسيان. مرّ شريط أسماء الزملاء مرسوماً على الجدران والأبواب الحديدية التي تشوّه طلاؤها. في نهاية الطريق والى اليمين منه، بدت ملامح دار طويلة انهار نصفها الشرقي.
ـ آه ... إنها أطلال "مدرسة القبس الابتدائية للبنات"...!
عند دَكّة الباب كانت تقف عاملة المدرسة ( الخالة أم عمران ) بطولها الفارع الاسمر، تنفث دخان صدرها بين رنين جرس الاستراحة المبحوح، تنهر الصبيان العائدين لبيوتهم من المدرسة حينما يحاولون التلصص عبر بوابة المدرسة ليخطفوا نظرة على فراشاتها، ذوات الزيّ الازرق الموحد والياقات البيضاء.
انفتحت امامه وعلى امتداد المدرسة باحة واسعة تكدست فيها تلال الفضلات، لاتزال رائحة البارود تنبعث منها رغم مرور السنين، حينها هبط صاروخ من السماء فحوّل جزء من المدرسة والدار المجاورة الى ركام، إندثر تحته انين اجساد عائلة بكاملها. لم يستطع إستعارة مشهد الدار من ذاكرة الزمن. كانت رائحة القاذورات تجعل الهواء الرطب أكثر كثافة، اختلطت ألوان المزبلة بأشعة الشمس لترسم مشهدا هلامياً. بين الاطلال والتلال استفزّت عينيه حركة مفاجئة.
ـ ربما كلاب سائبة تعبث هناك...!
اقترب المشهد مع حركة قدميه، جسد منحنٍ يشبه الانسان، غابت تفاصيله مع تشوه المكان.
استقام الجسد قليلاً فبان رأسه من الخلف، واستدار مع حركة البحث في اللاشيء.
ـ انــه .... انـــه.. انسان...!
بدأت الملامح تزيح عن نفسها تعرّجات المشهد المضطرب في زاوية النسيان.
ـ أهـــ ...من هذا...!؟
ـ مستحيل...أنا في كابوس...!
اقترب منه اكثر، لتنجلي صورة وجهه خلف غمامة ذباب كثيفة.
ـ نعم انـه... هو... صا...!!
لم يستطع ان يستذكر اسمه كاملا ولكنه تيقن من شخصه، فبادره بالتحية ومشاعر الصدمة اربكت كلماته.
ـ السلام.. عليكم ..اخي...!
ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته...!
رد التحية مبتسماً، بعينين مندهشتين و بطيبة تفوح من وجهٍ غارت فيه تجاعيد قساوة العيش.
ـ أخي ..ألا تذكرني...؟
حاولت العيون الغائرة ان تتفحص وجه السائل الغريب، لتخرج الكلمات محتارة من بين اسنان صفراء متدلية هنا او هناك.
ـ لا والله اخي لا أتذكرك...!
ـ انا اتذكرك جيداً ... ألم تكن أحد تلاميذ مدرستي تلك " صفي الدين الحلّي ".. واسمك...؟
اشرقت ابتسامة حائرة اكبر واجاب :
ـ نعم...نعم... أنــا... صا...
ـ وأنــا...عبد...
تعانقت الاكف لتعيد مرح الطفولة وعنفوان رقتها فتزيل للحظات بعض من تراكمات الهموم المستعصية.
ـ كيف حالك يا اخي...؟
ـ بخير...
ـ ماذا تشتغل...؟
ـ كما ترى عامل تنظيف...
ـ الله يساعدك... ويحفظك...
دفعه شعور الفزع الى الصمت لكي لايثقل هموم صديق طفولته. لعن تلك المصادفة وجرجر قدميه مطأطئ الرأس، ليبتعد عن ذلك المتسمّر في مملكته وسط الطنين اللامتناهي.
مرّ أمام مدرسته فرفع عينيه الى الطابق الثاني، لتلتقي بالشبابيك المتراصفة كمقطورات خشبية مهملة. هناك في الصفّ الرابع حيث كانوا يرفعون أصابعهم بأتجاه المعلم ( غازي ) و يصرخون:
ـ أستاذ...أستاذ...استاذ...

ستوكهولم
10/01/2007



#عبد_الرضا_المادح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فراغ في النفق
- صرخةٌ من غزة ...!
- عبـــاس الفــَــوْري
- درب التبـّــانه
- الوهم / عاشقة طيور الحب / قصتان قصيرتان
- زقاق في الحيدرخانه
- الجورنيكا تُكتبُ من جديد ...!
- جرّافـة الموتى ...!
- حَصارُ الأحلام ...!
- وجع السنين ...!
- لقمة عيش ...!!
- الدفان والحرب
- الخبـزُ وعبـدُالله *
- في وداع عباس رَش
- حرق القرآن عمل مُدان !!
- صائد - البازنينو -
- الرسالة السادسة – صراحة شيوعي ، أزمة الحزب الشيوعي العراقي ! ...
- عَطشْ ...!
- وداع في الغربة !
- خليجي 25 ...


المزيد.....




- خالد زهراو: ورش صناعة الصورة والأفلام تهدف لتطوير مهارات الش ...
- «ثبتها الان» استمتع الآن بمشاهدة الأفلام الحصرية تردد روتانا ...
- القصة الكاملة لوفاة الفنان تامر ضيائي بعد صفعة من فرد أمن.. ...
- من يوبا الأول إلى السلطان إسماعيل العلوي.. عاطفة الأمس تثري ...
- فيضانات تورنتو تُغرق منزل مغني الراب دريك
- أديل تخطط لـ-استراحة كبيرة- من الموسيقى: -خزانتي فارغة تمامً ...
- وفاة فنان مصري شهير بعد صراع مع المرض
- جامعة كوفنتري تمنح الفنان ضياء العزاوي الدكتوراه الفخرية 
- بعد مشادة عنيفة.. وفاة الممثل المصري تامر ضيائي في مستشفى لع ...
- فنان مصري: ندمت على ارتداء قميص نوم في مسلسل بطله محمد رمضان ...


المزيد.....

- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرضا المادح - لقاء في المزبلة...!