|
الحرية والامل في نصوص فلونا عبد الوهاب ( عمى مؤقت)
جاسم الفارس
الحوار المتمدن-العدد: 8041 - 2024 / 7 / 17 - 16:20
المحور:
الادب والفن
يتجلى الجمال في نصوص فلونا عبد الوهاب في مشاهد متعددة تتبادل الحضور مع الحرية ثوب نصوص فلونا في عمى مؤقت. نصوصها متمردة حرة صاعدة كاللهب، هادئة كإغفاءة، متوثبة تكتشف الأنوثة في فعل الحياة، فالأنوثة عندها ليست (قيمة استعمالية) انما هي (قيمه تبادلية) خلاقة. تخرج نصوصها من اطار المألوف لغة وبلاغة، إلى اللامألوف لتصبح قاعدة جمالية في حضرة الادب، جنسا أدبياً في صوره وموضوعاته. صمت انوثته تمرد على الضجيج. كما في ندبة اللَّعنات: (كان جسدُها مرصَّعًا بياقوتتين وفيروزة؛ إلَّا أنَّ الرَّبَّ جرَّدها من الفيروزة الَّتي تُزيِّن بطنَها المسطَّح حين وطئت قدماها الأرض جزاءً لعصيانها. أشعرها ذلك بادئ الأمر بالنّقص، وفي محاولات يائسة راحت تملأ الفراغ الَّذي استحال إلى ندبةٍ بماء البحر؛ تصبُّ الشَّمع الحارّ، الخمر تارةً والعسل تارةً أخرى، ولم يُضنِها فشلُ تكرارِ المحاولات عن سرقةِ نجمةِ الصّبح لتغرسَها في نقرة بطنها المسطَّح الَّتي صارت مع الأيَّام تتكوَّر، وتتكوَّر بينما الياقوتتان صارتا تُدِرَّان اللَّبن عجبًا! وعقب كلِّ مخاضٍ صارت تلدُ الذَّكر والأنثى، ولكليهما ياقوتتا السَّماء وندبة الأرض! تلك النَّدبة الشَّهيَّة صارت إرثَ اللَّعنات.) تسعى فلونا.. الى تحرير الروح الأنثوية من أسر الاضطهاد النفسي والفكري عبر اللغة، و تواصل زعزعة العمى الذي حرم الأنوثة من الجمال، وتبشر بعوده الضياء الى عيون الأنوثة، ولهذا هذا العمى عندها عمىً مؤقتاً. تعيد عبر اللغة اعادة الرؤية واعادة بناء الواقع بمواد الجمال وهندسته الشعرية. إن تعبير فلونا الشعري، اداة الأنوثة في بناء معرفتها وانجاز ابداعها، هو زورق احلامها في بحر الغموض، يحركه عنفوانها الروحي الذي يواجه الحب/ القضية، و الحب/الابداع، والحب الخلاق الذي يعيد تشكيل الروح والجسد على مقاييس الوجد. ترنيمة إنليل السومرية في المساء يسير نحو الوادي يجمع النجوم في جيوبه المثقوبة وهو يعانق يدها الشبحية وجسدها الذي يرافقه دون ظل، تسبقه بخطوات إلى الغرفة تخبئ تحت الوسادة ترنيمة إنليل السومرية وينتهي الحلم ويبدأ الحلم الغرفة...! لم تكن لها نافذة لا يُفتَح لها باب إذًا، هي ليست غرفة هو ثقب أسود يبتلع أحلامه؛ جدرانه من المرايا، الكثير من المرايا... ولأنَّ لندوبه عيونًا واسعة كان يتعرى خلف المرايا يستتر عنها في العتمة يصمُّ أذنيه عن ضجيج أخرس له مطرقة كبيرة تحطم كل منبهات اليقظة... باللغة تعيد فلونا.. الحياة للحلم، وتتبدل المواقع الحياتية بينها و بين الانثى الاخرى، و بينها وبين الرجل الاخر، لتكشف مواقف الجمال والقبح في الممارسات الإنسانية. فتعمق الإدانة وتعمق الرضا. استوعبت فلونا.. انثى الزمن الحاضر، و لبعث الامل في روح الأنوثة عنونت كتابها عمى مؤقت، اي ان العمى حدث طارئ وسيزول فكانت لغتها وتعبيراتها جراحة تجميلية لعيون الواقع، من أجل ان تنفتح على عالم جميل. بنته بصور شعرية خلاقة تتجسد بسهولة في لوحات فنية متألقة. كما في طقوس: عطرٌ، مدوَّنةٌ، طريقٌ طويلةٌ، وضجيجٌ نفسيٌّ في صمت الكون؛ هذا كلُّ ما أحتاج إليه لكتابة قصيدة... و لنجاح ثورتها الأنثوية اختارت لغة ودودة، تكسب بها رضا النساء وتقود الرجال الى هدفها، ازالة العمى عن العيون لترى الجمال والحق والحقيقة وتمتزج الارواح في نبض الحياة من أجل كرامة الانسان. تؤكد نصوص فلونا.. على الحرية فهي طريقها الى رفع العمى عن الجمال والحقيقة ولهذا كانت المشاهد الروحية عندها مشحونة بالحرية، هذا الامتلاء بالحرية ساعد فلونا.. على ادارة التحولات في نصوصها من حالة الى اخرى لتعكس قدرتها على الانتقالات في مركب اللغة في بحر الابداع، من الهدوء الى الثورة و من السكون الى الحركة و من التمرد الى الرضا، فجاءت انساق نصوصها خيمات حب نسيجها جمال الكلمة ورقتها، يسكنها وعي شعري في ممارسة حياتية خلاقة ، (سحابة داخل الغرفة ) حوار بين الانوثة والكون على سرير الحياة: منذ أيام تتجمع في سقف الغرفة سحابة رمادية، كلما استلقيت فوق السرير شاكستني بزخات خفيفة؛ فأصحو عند الصباح وقد نما فوق جسدي العديد من الزنابق، وفوق بطني تجمعت طبقة رقيقة من الطحالب البنية وضفدع يقفز بين نهديّ بعد أن قال لي صباح الخير..! في الحمام كنت أتتبع وريقات الزنابق وهي تتساقط مع سيل الماء لجُرف قدميّ ثم تعود بشغف تتسلق ساقيّ وانحناءات الجسد لتغرسَ نفسَها بين غابات شعري الكثيف حاولت مرارًا قطفها بأنامل المشط ثم تركتها تنمو أكثر... بعد ذلك استحالت الغيمة إلى اللون الأحمر الزنابق صارت تغرس خصلات الشعر في الوسادة الضفدع يلعق جسدي بالكامل وفوق قدميّ هناك ضفدعان آخران في سبات شتوي. عند الفجر بدأت السحابة تدمع حبات من الياقوت فنبتت زهرة الأوركيد فوق فمي يمين الرقبة النهد الأيسر فوق السرة تمد أوراقها مثل ملاءة تلفني مثل مهد... السرير كان يتقعر ببطء مثل قارب والغرفة استحالت فجأة نهرًا! وأنا في حضن القارب... كلانا في حضن النهر... وزهرة الأوركيد تبتلع فمي تشبك جذورها مع حبالي الصوتية تُعطِّل نداءاتي الخرساء... بهدوء... أغمض عيني... لأراك... تتميز نصوصها بكثرة التماثلات في الاسماء والصفات والافعال والقضايا، وتعبر عن نشوة تحقيق الذات، فهي مثابرة كالقلب، يضيق الوجود عن فرحها بولادة كتاب جديد، تتجاوز المألوف بفرح وحيوية لتجسد الحياة في ارقى اشكالها، همسة القبلة ووهج الجسد، صوت العنف وصراخ الروح، والتنافر، ولهذا نصوصها ثرية الحياة انيقة التعامل مع الزمن، و لهذا الفعل المضارع اكثر حضوراً. كما في غيمة : وحدي أسير، أتلاشى، أتجزَّأ، أتبخر، عجبًا أجمع.. ثم.. أضرب، أخنق، أعصر، أبكي دون مطر... لغتها الشعرية من القلب الى القلب، تتألق الاشياء في لغتها والروائح والاصوات والالوان، الامر الذي يجعل من طبيعة الصور والاستعارات اكثر غنى وعمقاً. جميلةٌ هي أمي مُنِحَتِ الفيروزُ لونَ عينيها.. ،، جميلةٌ هي أمي أُعْطِيَتِ الطيورُ صوتَها.. ،، جميلةٌ هي أمي كُسِيَتِ الغيومُ من جسدها.. ،، جميلةٌ هي أمي استُلَّتْ خيوطُ الشَّمس من ضفائرها ،، مميَّزةٌ هي أمي خُلِقَتِ الأنثى من رحمها..
نصوص فلونا.. تؤكد على حقيقة مهمة وهي :ان قصيده النثر قصيدة الحرية والجمال وقصيدة التحدي.
#جاسم_الفارس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الامل والحرية في (عمى مؤقت) للأديبة فلونا عبد الوهاب.
-
تحولات ( فالح الخضير) في ازمنة الحرب. قراءة في رواية (السير
...
-
قراءة في ادب محمد سامي عبد الكريم -رؤية في الخصائص العامة
-
التكامل بين الثقافة والاقتصاد ضرورة حضارية
-
الإنسان والتاريخ في (حارس المنارة). رواية الأديب فخري أمين
-
عن التنوير والتنويرين
-
وقفةعلى عتبات الظما للشاعر ماجد الحسيني
-
نشوة التحول الحضاري - قراءة في فلسفة داريوش شايغان
-
العراق الذي نستحقه
-
النهضة والثقافة والتاريخ -قراءة في مشروع مالك بن نبي الحضاري
-
قراءة في كتاب (جدلية نهج التنمية البشرية المستدامة ..منابع ا
...
المزيد.....
-
هل أجبرها على التعري كما ولدتها أمها أمام الكاميرات؟.. أوامر
...
-
شباب كوبا يحتشدون في هافانا للاحتفال بثقافة الغرب المتوحش
-
لندن تحتفي برأس السنة القمرية بعروض راقصة وموسيقية حاشدة
-
وفاة بطلة مسلسل -لعبة الحبار- Squid Game بعد معاناة مع المرض
...
-
الفلسفة في خدمة الدراما.. استلهام أسطورة سيزيف بين كامو والس
...
-
رابطة المؤلفين الأميركية تطلق مبادرة لحماية الأصالة الأدبية
...
-
توجه حكومي لإطلاق مشروع المدينة الثقافية في عكركوف التاريخية
...
-
السينما والأدب.. فضاءات العلاقة والتأثير والتلقي
-
ملك بريطانيا يتعاون مع -أمازون- لإنتاج فيلم وثائقي
-
مسقط.. برنامج المواسم الثقافية الروسية
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|