الجدال حول -لا إنسانية- عقوبة الإعدام لم ينضج بعد

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

الحوار المتمدن-العدد: 1769 - 2006 / 12 / 19 - 10:40
المحور: الغاء عقوبة الاعدام
    

يصادف يوم 10 أكتوبر اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، الذي بدأ الاحتفاء به منذ سنة 2003. ويعتبر المغرب من الموقعين على العهدين الدوليين المتعلقين بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلا أنه مازال لم يصادق بعد على البروتوكول الاختياري الثاني المتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام باعتبارها عقوبة "لا إنسانية". وحسب إحصائيات وزارة العدل، أصدرت المحاكم المغربية منذ الاستقلال إلى سنة 1994، 198 حكما بالإعدام، وفي سنة 1994 استفاد 13 معتقلا من تحويل عقوبة الإعدام إلى عقوبات سجنية، وعموما لم يتم تطبيق هذه العقوبة منذ سنة 1982، ما عدا استثناءا في غشت 1993 (الكوميسير ثابت). وحسب جهات رسمية، احتضن المغرب سنة 1999، 57 محكوما بالإعدام من ضمنهم امرأة واحدة. لكن في 30 دجبنر 2003، تم الإعلان عن وجود 149 شخصا لازالوا قابعين في "ممرات الإعدام" في بعض السجون المغربية، وحاليا حسب آخر الإحصائيات المعلن عنها، يوجد بالمغرب 127 محكوما بالإعدام من ضمنهم 7 نساء. وفي هذه السنة (2006) أصدرت العدالة المغربية حكمين بالإعدام. وبالرجوع إلى الواقع المعيش، نلاحظ أن القانون المغربي لازال يعمل بعقوبة الإعدام
رغم أن هناك إرجاء شبه دائم لتطبيقها منذ منتصف الثمانينات. لكن لوحظ كذلك أنه بعد أحداث 16 ماي 2003 الدامية بالدار البيضاء، عمدت العدالة إلى تفعيل هذه العقوبة. لازال القانون الجنائي المغربي يقر بعقوبة الإعدام بخصوص العديد من الأفعال الجرمية، يفوق عددها 560. هذا بالإضافة للأفعال الجرمية المنصوص عليها في القانون الجنائي العسكري المغربي، وما تضمنه قانون الإرهاب آخر عنقود المنظومة الجنائية المغربية. وبذلك يصبح إجمالي عدد الأفعال الجرمية المعاقب عليها بالمغرب حاليا يناهز 1180 فعل جرمي، وهذا يتنافى ويتناقض مع فحوى المعاهدات الدولية التي تنص على تقليص عدد الأفعال الجرمية المستوجبة للإعدام في أفق إلغائها نهائيا.
للعلم فقط، المغرب احتضن في يونيو 2006 الجمعية العامة الثانية للائتلاف العالمي من أجل مناهضة عقوبة الإعدام، كما سبق أن استضاف مناظرة دولية بهذا الخصوص بالدار البيضاء في غضون شهر أكتوبر سنة 2003. ويبدو أن الجدال والحوار بخصوص إلغاء عقوبة الإعدام بالمغرب مازال لم يتضح بعد سياسيا بما فيه الكفاية. هذا بالرغم من أن المناظرة الأخيرة الخاصة بالسياسة الجنائية المنعقدة بمكناس قد أقرت بشجاعة بضرورة السير نحو الإلغاء النهائي لعقوبة الإعدام بالمغرب. ولازال المجتمع السياسي المغربي لم ينخرط بعد لا في الجدال ولا في التحرك من أجل مناهضة هذه العقوبة سعيا وراء إلغائها. أما الائتلاف المغربي من أجل مناهضتها فإنه لا يتكون حاليا إلا من 6 جمعيات وهيئات حقوقية إضافة لجمعية هيئات المحامين بالمغرب. ولحد الآن فإن هذا الائتلاف يهدف إلى حمل الدولة المغربية على المصادقة على البروتوكول الاختياري الثاني، المتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام باعتبارها عقوبة "لا إنسانية" وحذفها من كافة القوانين المغربية. لكن لازال المجتمع المغربي عموما غير معني بهذه الحركة والتي تظل محدودة في جزء من النخبة، لاسيما الحقوقية منها. لكن الذي لا يجب أن يغيب عن الذهن هو كون إشكالية عقوبة الإعدام بالمغرب، كما هو الحال بأغلب الدول العربية والإسلامية، لازالت تثير جملة من التداعيات التي يراها البعض عويصة، لاسيما بخصوص علاقتها بمبدإ "الحدود والقصاص" المنصوص عليها في القرآن والمكرسة انطلاقا من المنظور الإسلامي. علما أن الترسانة القانونية في أغلب تلك الدول مرتكزة على منظومة وضعية أغلبها استثنت عمليا من مراجعها مبدأ "الحدود والقصاص". وتكمن الإشكالية في علاقة إلغاء عقوبة الإعدام، التي تعتبر عقوبة "لا إنسانية" في نظر الحقوقيين، بالتعاليم الإسلامية. وربما هذا ما أدى إلى تفضيل القائمين على الأمور ببلادنا عدم تفعيل الجدال والحوار بخصوص إلغاء عقوبة الإعدام بالمغرب، والاكتفاء بالحفاظ بها كعقوبة ساري بها العمل لكن مع تعليق تنفيذها، وهذا بحثا على إرضاء الطرفين المنادين بإلغائها والرافضين.
إدريس ولد القابلة

#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)       Driss_Ould_El_Kabla#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات