|
جمان
بسمة الصباح
الحوار المتمدن-العدد: 8039 - 2024 / 7 / 15 - 02:59
المحور:
الادب والفن
تجاوزت من العمر الثانية والأربعين بقليل ،ويتكور في بطنها جنين كان يكفي أن تتلمسه لتشعر بالطمأنينة وتجدّد شبابها.. تود أن تقول لكل الناس أنها لم تعد عانس و أصبحت تملك مكانة إجتماعية ولديها زوج وبيت خاص بها. منظر صفاء يوحي بأنها من النوع الإنفعالي وسريع الغضب بشعرها المصبوغ بالأشقر الفاتح ولون بشرتها الحنطي وحاجبيها المخططين بعناية فائقة وفمها الكبير ذي الشفتين الغليظتين والمنفرجتين على شبه ابتسامة ماكرة وباردة وعينان واسعتان لهما نظرة متعالية وحادة . هي إمرأة عانت الغيرة والمرارة زمنا" طويلا" لتأخر زواجها فأبت إلاّ أن ترد الصاع صاعين للجميع عندما تسحق بنظراتها وبكلماتها المسمومة صبر وحزن الآخرين الذين كسرهم القدر وفتت عنفوانهم. كان زوجها ناجي طيب القلب يتحاشى مناقشتها لحدة طباعها ويراها إمرأة احترقت بنيران النكد واللؤم ؛وكانت هي تراه رجلا" متسلطا" يحاول تهشيمها دائما" . بالواقع لم يكن ناجي كذلك لكن طبع زوجته دفعه للابتعاد عنها؛ فقد كان في بداية زواجهما يحار في اختلاق الأعذار لها أمام معارفه وأقاربه كي يضمّد جروحا" فتحتها بنصل لسانها اللاذع أو بكلماتها المستفزة .. وفي نهاية الأمر أخذ يتجاهل كل مايصدر عنها من أخطاء ،وفضّل الصبر على كل أفعالها معللا" نفسه بأن تعود كما عهدها قبل زواجهما منذ ثلاث سنوات هادئة ورصينة. وكان هذا الزواج الثالث له فالزوجة الأولى قد انفصل عنها بعد سنوات طويلة لعدم قدرتها على الانجاب والثانية تركته وحيدا" وطلبت الانفصال عنه بعد أربع سنوات من زواجهما لعدم الانسجام بينهما وخلافاتهما المستمرة لأنها كانت صغيرة بالسن كثيرا" بالنسبة له. وهو قد بلغ الثامنة والخمسين من العمر وأراد أن يمضي بقية أيامه برفقة زوجة ناضجة ومتفهمة . كانت تنتظر طفلتها بفارغ الصبر وتعتبرها تعويضا" لها عن كل سنوات الحرمان والتي ستغيظ بها بنات خالاتها التي كانت تظن بأنهنّ يتهامسن عليها بكل مناسبة تجمعها بهنّ. حان موعد الولادة وبعد استيقاظها من عمليتها القيصرية طلبت أن ترى ابنتها ولكن وجوه من حولها بدت شاحبة وباردة . وكم كانت صدمتها كبيرة عندما رأت ذلك الكائن الصغير المشوه خلقيا" بعيون واسعة ورأس صغير . أحست بأن روحها مجزأة ومفتتة تتناثر رمادا" يذروه الإضطراب والرفض.. وأن فرحتها بانتظار طفلتها والتي اختارت لها اسم جمان قد تبخرت . وأحست بأن عقوبة السماء لـها قد حان موعدها. كيف ستعيش طفلة معاقة في مجتمع يضجّ بالمتناقضات الغريبة أوَ ليس الموت لـها أرحم من مجابهة نصال شماتة المحيطين بها؟!. كيف لم يكتشف طبيبها وجود التشوه فـي جنينها فربما اختارت الإجهاض رحمة بنفسها وبإبنتها. وصوت يهمس بداخلها: إن لم تحبين ابنتك وتتقبلينها كما هي فمن سيحبها ويمنحها الرعاية التي تستحق؟! وبدأ تيار من الحنان فجأة يتدفق منها نحو طفلتها المشوهة صبغيا" بشكل عجيب. وصوت آخر بداخلها يقول لـها: (خذيها إلى ملجأ الأيتام وارفعي عنك هذا العبء الثقيل) . عادت إلى البيت بعـد يومين في المستشفى وكأنها شخص آخر . تحمل طفلتها المسكينة وتنظر إليها بحنو وتخاطبها: -سامحيني ياابنتي لن أتخلى عنك أبدا" مهما حصل . تمد الطفلة يدها الصغيرة لتلامس وجه أمها ويفيض من بين أصابعها طاقة غريبة أخذ يمحو رويدا" رويدا" تلك الظلمة من فلك تتخبط فيه صفاء كنجم ضل مداره سنوات طويلة. قد تكون ابنتها غير طبيعية كباقي الأطفال ولكنها أصبحت تراها قمرا" جميلا" طاهرا"وبريئا"يضمّد روحها الكسيرة الاجنحة ويمنحها شكلا" للحب جديد. أشرقت ابنتها في نفسها كشمسٍ جديدة تنهي بها كل الصراعات والعواصف المحتدمة في داخلها لتقشع سحب الكراهية والمرارة وتعلن في قلبها بداية ربيع طلق يستعد لاستقبال كل طيور المحبة والفرح الحقيقي. كيف تمكنت هذه الطفلة الصغيرة من أن تجلو كل الحقد الدفين في قلب والدتها وأن تمنح روحها الشفاء. وكنسمة عذبة تبوح للزهور بسرّ الحياة المقدّس وتحرك مشاعر المحبة الخالصة اللامتناهية تبدأ جمان بالمناغاة لأول مرة ؛فيعزف قلب صفاء لحن الأمومة بكل صدق وطيبة وترى في ابتسامة ابنتها إشراقة فجر لحياة جديدة بكل مافيها من صعوبات..
#بسمة_الصباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من أنا
-
مأساتي الكبرى
-
الجاحظ وفن السخرية
-
قارئة الفنجان
-
الشاعر العربي بين الماضي والحاضر
-
صهيل قصيدة
-
دعاء
-
نون النسوة
-
النقد والعمل الأدبي
-
حنين
-
حلم
-
احتضار الثواني
-
التيه
-
عرب
-
الطفل المدلل
-
أفياء المعاني
-
بزوغ قصيدة
-
ذات حلم
-
ابتسامة
-
أنت عيدي
المزيد.....
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|