أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ماجد ع محمد - الامتثال لأوامر المعتدي















المزيد.....

الامتثال لأوامر المعتدي


ماجد ع محمد

الحوار المتمدن-العدد: 8037 - 2024 / 7 / 13 - 22:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إبان العِراك أو المشاجرات أو الصدامات الجسدية في شوارع أي بلدٍ من بلدان الشرق الأوسط، عادةً ما يتدخل الجمهور لفض الاِشتباك أو لتقليل الأذى قدر المستطاع؛ وفي الحالة العادية، إذا ما تعرضتَ كفرد بدون مبرِّر، وبدون وجه حق، للاعتداء من قبل شخص أو مجموعة أشخاص، قد تجد في الحال مَن يحاول منع المعتدي أو إيقافه أو الوقوف بجانبك أو على الأقل التضامن معك كضحية، وحتى في البلدان الغربية التي لا وجود لموضوع المروءة أو الحمية أو التعاطف فيها، فإذا ما تعرضتَ لهجومٍ ما، فحتى إن لم يأت أحدهم ويقف بوجه المعتدي أو يقف بجانبك أو يُحاول تخليصك من بين مخالب المنقضِّ عليك، فعلى الأقل لن يكون المعتدي مدعوماً من الحشدِ أو ممثلاً عن جماعةٍ بكاملها أو حزبٍ بتمامه أو عددٍ كبيرٍ من أبناء الملة!
بينما في تركيا، وكمراقِبٍ لما يجري أو كفردٍ مهيَّأ ليكون الضحية التالية في يومٍ من الأيام، تشعر بأن المتطاوِل عليكَ وعلى كل مَن هم في حكمكَ لا يُمثل نفسه فقط، إنما يعِّبر عن الضمير العام، ويُخال إليك وكأنّ هناك توافق ضمني وتأييّد للمهاجِم مِن قبل المتفرجين على الهجوم، وكأن لسان حال صمتهم يقول لكَ: نحن معه في التطاول عليك، في إزعاجك، في الاِستخفاف بك، في طردك، في ضربك وإهانتك، إذ أنَّ متعة الفرجة على الاعتداءات لديهم تذكّرك بالكولسيوم الروماني، وكيف كان الأباطرة يقيمون مباريات دموية لإلهاء الشعب بها، حيث المباراة تحقَّق أكثر من فائدة للسلطة الحاكمة، فهي في المقام الأوَّل كانت تلهي الشعب عما يعاني منه، وثاني شيء أنَّ الفرجة على الهجمات الدموية تقوم مقام الفعل بالنسبة لكل المتفرجين عليها، بما أنها تفرّغ طاقة المجتمع العدوانية في تلك المباريات من خلال التفاعل مع ما يشاهدونه، كما أن القاتِل ينوب عن المشاهدين في التكفل بعملية التصفية للضحية المقترحة، إذ بدلاً من المشاركة في الصراع الدموي الذي يتوقون لخوضه يقوم السيَّاف بالفعل نيابةً عنهم.
والأمر الذي يحدث في تركيا منذ سنوات قريب من حال المشاهدين في الكولسيوم، إذ في كل اعتداء على أيّ سوري أو على أيِّ أجنبي يشعر الغريب عن هذه الديار بأن مَن يُشاهدون عمليات الضرب أو القتل أو الاعتداءات الهمجية لا يُحركونَ أيَّ ساكنٍ يشير إلى أنهم ضد العدوان على الآمنين، لذا ينتاب الأجنبي إحساس متكرّر، وهو أنَّ الفاعل ليس لوحده، إنما لعلّهُ يُعبِّر عن هوى جماعي من خلال إعادة نفس الأفعال من حينٍ لآخر، وأن الفاعل يرتقي لدى الكثير من المتفرجين إلى مستوى المناضل الذي يقوم بالأعمال النضالية ضد الأجانب عوضاً عنهم، وبالتالي يشعر المعتدي بأن ما يقوم به هو محط شكرٍ وارتياحٍ ضمني لدى الآلاف من البشر الذين ينظرون إليه بعين الامتنان.
وحيال أحداث الفترة الأخيرة في مدينة قيصري التركية، لعل الضغوط اليومية على مدار السنوات المنصرمة في شوارع البلد الذي رحّب بدايةً بكل فارٍ من بلده لم تؤثر على نفسية ومواقف العامة فحسب، إنما تركت أثرها البالغ حتى في نفسية النخبة العلمية والدينية والثقافية للذين قصدوا هذه الديار يوماً خوفاً من بطش الأجهزة الأمنية في بلادهم، وإلاَّ لما وصلت الحالة مع شخصٍ من نخبة المجتمع السوري بأن يبكي على الهواء مباشرةً عقب الهجمات العدوانية على السوريين وممتلكاتهم في ولاية قيصري، بالرغم من أنه معروفٌ عن الرجال، وخاصةً الشرقيين، أنهم نادراً ما يعبّرون عما يجيش بصدورهم من خلال البكاء.
حقيقةً إن تلك الدموع لم تنهمر على الهواء إلاَّ نتيجة حرقةٍ عظيمةٍ كامنة، وهي اختزلت بحق حالة الاختناق العام ومعاني العسف والإكراه التي يستشعر طعمهما كل سوري لديه شيء من الحس والوعي والوجدان، وبتصورنا أن الرجل لو لم يبلغ معه التضييق والخسف حالة الانفجار لما عبّر بتلك الطريقة التي تدل على الفقدان العظيم، إذ أن الضيم الذي بلغ الذروة يُشير إلى أن حال المقهور بات يوازي ما قيل في هذا الخصوص سابقاً، أي :"ﺇﺫﺍ ﺑﻜﺖ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ فاعلم ﺃﻧﻬـﺎ فقدت شيئاً ما أو أنها ﺗﺮﻳﺪ كل ﺷﻲﺀ، ﻭﻟﻜﻦ ﺇﺫﺍ ﺑﻜﻰ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻓﺎﻋﻠﻢ أﻧﻪ ﻓﻘﺪ ﻛﻞ ﺷﻲء"، إذ أن انسكاب المشاعر الجياشة من غير تحفُّظ، وتدفق عبرات المتحدث باسم المجلس الإسلامي السوري "مطيع البطين" في مقابلةٍ على تلفزيون سوريا بتاريخ الثالث من تموز (يوليو) 2024، كانت إشارة واضحة إلى أن ذلك التصريح جاء عقب شهورٍ طويلة من الضغط النفسي والقهر والكتمان، والبطين عبّر لاشعورياً في تلك اللحظة عن وجع مئات الآلاف من السوريين، ونطق بكامل الصراحة عما كان يُراد منه الاحتفاظ به، أو ابتلاعه، وعدم الإفصاح عنه، خاصةً عندما تحدّث عن إستلاب الإرادة، ومصادرة القرار، والتحكم به، واستخدام أصحاب القضية في مسائل لا تمت لقضيتهم بصلة، بقوله: "لا توجد معارضات، توجد منصات وكل دولة أنشأت معارضة على هواها الذي يختلف عن قضية السوريين".
إذ أنَّ لسان حاله وحال كل من عايش مشاعره في اللحظات المؤلمة راح يقول: لا نريد إطلاق مصطلحات مثل المهاجرين والأنصار على وسائل الإعلام، أو إطلاق تصريحات تأتي في ذات الإطار، مثل: "شرف لنا أن نكون أنصاراً لإخواننا السوريين الذين لجؤوا إلينا، من لجأ إلينا وطلب حمايتنا لن نسمح لأي كان أن يتعرض له"، فلا نريد أن (يأكلوا بعقلنا حلاوة) كل مرة، إنما نريد أن نُعامل كأوادم، وألا نُضرب في الشوارع بلا أي سبب، حيث سُلبت منا كل وسائل الصون الذاتي وسط قطعانٍ مهاجمة، فلا قدرة لنا على الدفاع عن أنفسنا بما أننا منزوعي القدرات الدفاعية، وليس لنا الحق في الدفاع عن أنفسنا وعن نسائنا وعن أطفالنا بخلاف المهاجرين أو الزوار أو السواح أو اللاجئين في كل دول العالم التي لا يُحرم الإنسان فيها من حق الدفاع عن الذات إذا ما تعرّض لعدوانٍ أو هجومٍ أو اعتداءٍ غاشم من قِبل العصابات أو القطعان الهوجاء.
بينما في تركيا، فإن ضربكَ أحدهم أو هجم عليكَ بعضهم، فما عليك سوى الإمتثال لأوامر المُعتدي، والقبول بحُكمه الجائر وأنت صاغر، والخضوع أمامه بما أن الدولة جعلت الفرد السوري رهينة وملطشة لكل المنفلتين من أوباش البلد، إذ كأن ما جرى كان بمثابة رسالة للكل وينبغي أن يفهمها الأجنبي عامةً والسوري بوجهٍ خاص، مفادها: بأن من حق أي مواطن تركي العبث معه كونه غريب، ومن حق ابن البلد إفراغ سمومه العنصرية في وجه المغاير، والاعتداء عليه خاصةً ذلك الكائن السوري المستهدف راهناً بالدرجة الأولى طالما كان وجوده برمته غير قانوني، وليس له أي حق ككائن بشري، وفحوى الرسالة الموجهة للسوري أنه إذا ما تجرأ وقاوم ودافع عن كرامته حين التعرض للاعتداء أو الهجوم من قِبل الهمج من الحشود العنصرية فبدلاً من أن يأتي مَن يُخلصه من بين أنيابهم ستأتي المؤازرة من المجتمع التركي للمهاجم، والتضامن سيكون مع المعتدي وليس مع الضحية، ومن ثم عليه أن يفهم بأنه حتى إن لم يتضامن الجمهور مع المعتدي سيشاهدون الحادثة وكأنهم في ميدان مصارعة الثيران، وسيأخذون دور المزهرية ويستمتعون بالفُرجة على المشهد العدواني الآثم، وذلك باعتبار أن ذهنية الجماهير المحقونة بخطاب الكراهية عبر وسائل الإعلام المرئي والمسموع باتت تشرعّن الاعتداء على الغرباء عامةً وعلى السوريين بوجهٍ خاص، عموماً إذا كان هذا هو الحال في الوقت الراهن بتركيا بسبب إيديولوجية حزبٍ أو حزبين معارضين للسلطة الحالية إضافةً إلى مؤيديهم الموجودين في معظم دوائر الدولة، فكيف سيكون الحال إذا ما تسلّمت تلك الأحزاب السلطة كاملةً يوماً ما في هذا البلد؟
ختاماً، السوري في هذا البلد كائن أعزل ومكشوف الظهر ولا سند له، وهو ليس محمياً من أيَّ طرفٍ كان، بالرغم من حمله بطاقة "الحماية المؤقتة" التي ينبغي أن يتمتع بموجبها بمختلف الحقوق التي يتمتع بها طالبو اللجوء في دول العالم وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والسوري لا يُعامل معاملة اللاجئ طالما أنه غير مصان، بالرغم من أنَّ الدولة التي تستضيف اللاجئين عليها أن تضمن حمايتهم وفق اتفاقية اللاجئين ومعاهدات حقوق الإنسان، إنما يُعامل السوري كضيف، أي كشخص طارئ، عابر، ومصطلح الضيف فضفاض، هلامي، ولا يخضع لأي قانون، مثله مثل مصطلح المهاجرين والأنصار، ويبقى إصدار قانون يمنع العنصرية ويحاسب عليها كل مَن يقترفها سواءً أكان مواطناً أم سائحاً أم زائراً مع أيّ فردٍ من أفراد ملةٍ من الملل هو الحل الأنجع لإنقاذ البلد من الوباء السرطاني (فيروس العنصرية) الذي قد يفتك يوماً بالشعب التركي نفسه إن لم يجد المصابون بعدواه في طريقهم سورياً أو أفغانياً أو عربياً ينفثون سمومهم فيه.



#ماجد_ع_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسارُ القطعانِ في السماء
- فعاليتكَ تُغيظ المتكلسين
- صفاقة المجلوب
- كونوا رحماء كالسيّاف
- الاستعراض الإيراني الناجح
- زاهدي وعملية زوال إسرائيل
- طهران من الفعل إلى المحاكاة
- اللاجئ ومخاوفه المستقبلية
- المغتصبة عندنا وعندهم
- الفُرجة على مباريات الذيول
- عفن النظام خارج مناطق سيطرته
- طهران بين التمادي والتملص
- متى تلدغ طهران نفسها؟
- غطرسة الوضيع
- حرية قمع الآخرين
- شناعة المُندَلق
- أسطوانة البديل المفترض
- عندما يُخنقك مدّعي إنقاذك
- لماذا لم تفر مثلنا؟
- أيقطع القطبُ صلته بالأقطاب؟


المزيد.....




- تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
- ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما ...
- الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي ...
- غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال ...
- مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت ...
- بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع ...
- مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا ...
- كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا ...
- مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في ...
- مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ماجد ع محمد - الامتثال لأوامر المعتدي