عماد نوير
الحوار المتمدن-العدد: 8037 - 2024 / 7 / 13 - 19:44
المحور:
الادب والفن
الجلسة تسعمئة وثلاثة
_________________
ابتعد عنه قليلا، أدار وجهه نحو الطاولة يبحث فيها عن شيء ما، أغلب الظن أنه يتفادى تصادما مباشرا، يحاول أن يجعل صوته صادرا من قرار بعيد، لا يسع المرء إلّا أن يجيبه طوعا.
يخلق جوا من الروحية العالية، يحاول أن يتوارى رغم وجوده، يضفي على الجو هيبة تُحلل عقد اللسان، و تضيء نفق العتمة، و تلبس حلة الأمان.
ماذا ترى؟.... قالها بحزم كأنه صوت الربّ الذي يُنطق الأشياء دون مقاومة، ليس لها خيارا إلّا أن تنهض و تجيب.
أرى النفق يتسع شيئا فشيئا، وضوحه الآخر يتجلى على درجات في تصاعد، أصلُ إلى الباب نفسه الذي أطرقه منذ عشرات السنين، و قبل أن ينفتح أرى نفسي أعدو بكل سرعتي أتلمس طريق العودة، لكنني الآن أقف منتظرا لا أبالي بالهلع الذي يعتريني، أطرق الباب بقوة، عكس تلك المرات السابقة حين كنت أطرقه بتردد.
هاأنا أرى الباب يفتح، أحدهم يكلمني، لا أدري ماذا يقول، كأني في حالة صدمة، ذهول، خوف، شيء لا أعرفه، أعرف فقط أنني واقف بلا حراك و لا كلام، يبدو أنه يستفسر و يتساءل عن مرامي، أطال في السؤال و أطلت في السّكوت، لم يبد عليه التذمر الذي يرافق هذه الحالات المزعجة، أشعر بأنه ذكي جدا، ولفرط ذكائه يستطيع أن يلج بواطن الأمور، أشعره الآن يتجول بداخلي، يقلّب أوراقي الدّفينة، يقلّبها برفق و تأن، كأنه يبدد الخوف بداخلي، أنه يشبهك كثيرا يا دكتور، فهو دائما يروّض الجموح بهدوء و رجاحة عقل.
يربت على كتفي و يبتسم كأم رؤوم تداعب طفلها الصغير، كأنه يقول: لا عليك اهدأ فقط...
سرتْ في جسمي رغبة في التحدّث، بدأت أتحرر من قيد مدمٍ، أو كأنه أعطاني جرعة جرأة مؤقتة، و المهم أنني تكلمت، ولا يهم فيمٕ تكلمت، سألته عن جيرانه، عن أشياء متفرقة غير مترابطة، لا يجمعها موضوع واحد، استقبل الأمر بارتياح كبير، لم يحرجني، لم يضيّق عليّ، تحدثنا و تحدثنا، أحسست باسترخاء وخدر، زالت مظاهر التوتر التي تسيطر عليّ في زياراتي السابقة.
أغلق بابه و تمنى لي يوما جميلا، عدّت تزفني الأمنيات على أمل لقاء آخر.
اقترب منه الطبيب و نظر في عينيه، وجدها تبتسم بدموع بلورية جميلة، قال له: هل كان في جعبتك كلاما لم تقله.
نظر إلى عيني الطبيب و قال: نعم.. لكنني لن أفعل...
قال الطبيب بلطف: لماذا؟
قال: حتى أعاود طرق الباب كل مرة.
عماد نوير ...
#عماد_نوير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟