|
قراءة في كتاب: أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حريّة - محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن (مقاربة)، (6- 15)
بدر موسى
الحوار المتمدن-العدد: 8037 - 2024 / 7 / 13 - 13:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقاء العقول الكبيرة تحت العنوان أعلاه يقول عبدالله إن العقول الكبيرة، المشغولة بالإنسان وكرامته، والساعية في سبيل إقامة السلام، وأنسنة الحياة وتعميرها، تلتقي في أطروحاتها أو بعضها، حتى ولو اختلفت المنطلقات والمناهج والمرجعيات الثقافية والفكرية. وأضاف، قائلاً: إن اللقاء بين العقول الكبيرة هو الوضع الطبيعي، طالما ظلت الإنسانية هي هويتها ومرجعيتها وغايتها، ويكون من غير الطبيعي ألا تلتقي. ولكن ليس شرطاً أن يكون الاتفاق التام. فلقد التقى طه وسن في رؤيتهما تجاه التنمية، مع اختلاف المناهج والمرجعية الثقافية والفكرية، وفي ظل اتفاق على الغاية، وهي الإنسان وكرامته. ومثل هذا اللقاء، في تقديري، يجب أن يكون موضعاً للشراكة في الاحتفاء والاهتمام. كون اللقاء بين العقول الكبيرة في ساحة الإنسانية، يُرفع من مستوى الحوار، ويُخصّب الحياة، ويثري التراث الإنساني، من خلال اتاحته لفرص التعارف بين العقول، والتلاقح بين الثقافات، والتصاهل بين الأفكار والأطروحات، إلى جانب أنه يُهيئ للناس أن يجتمعوا على الأصول الإنسانية، فضلاً عن تنمية الوعي بوحدة المصير المشترك. ويذكر عبدالله، قائلاً: هنا لابد من الإشارة إلى الدعوة النبيلة التي قدمها سن للتداول الصريح حول كتابه. ففي مقدمة كتابته أكد على أهمية دور المناقشات العامة كونها أداة التغيير الاجتماعي والتقدم الاقتصادي، وأوضح، قائلاً: واتساقاً مع هذه النظرة، فإنني "أقدم كتابي هذا أساساً للتداول الصريح في الرأي وللدراسة النقدية الفاحصة". وعن شعوره إذا ما أثارت دراسته هذه أي اهتمام، وأفضت إلى المزيد من النقاش العام، أعرب، قائلاً: "فإنني هنا يكون لي كل الحق بأن أشعر بأنني كوفئت بخير الجزاء". ولهذا فإن هذه المقاربة تجيء استجابة لدعوة سن هذه، على الرغم من اختلاف المنطلقات والمناهج والمرجعيات بين سن، الذي يتقفى أثر العلم المادي التجريبي، وطه الذي يقدم الفهم الجديد للإسلام.
الفهم الجديد للإسلام: مستوى ما بعد العقيدة حيث يبدأ العلم
إنطلق سن، كما يقول عبدالله تحت العنوان أعلاه، في رؤيته تجاه التنمية من تخصصه العلمي وخبرته الطويلة التي تمتد لأكثر من ستة عقود، في مجال الاقتصاد والتنمية والفلسفة، والعمل في المؤسسات الدولية، مستخدماً المناهج العلمية الحديثة، بينما أنطلق طه في رؤيته من مرجعية الفهم الجديد للإسلام، الذي طرحه عام 1951، وهي القرآن في مستوى آيات الأصول (الآيات المكية)، وقد وسمه بـ الرسالة الثانية من الإسلام. وأوضح عبدالله بإن الفهم الجديد للإسلام يقوم، كما بيَّن طه، على ما بعد العقيدة، حيث يبدأ العلم، بينما يقوم الفهم السائد للإسلام، على مستوى العقيدة. وفي هذا أورد عبدالله حديث الأستاذ محمود، حيث كتب، قائلاً: يقول الأستاذ محمود: "حين كانت معجزة الرسالة الأولى من الإسلام هي بلاغة القرآن، فإن معجزة الرسالة الثانية من الإسلام هي (علمية) القرآن". وأوضح عبدالله، قائلاً: إن ما خرجنا به في هذا الكتاب يؤكد ويثبت علمية طرح الرسالة الثانية من الإسلام تجاه التنمية، إذ جاء الطرح متوافقاً مع آخر أطروحات الفكر التنموي في العالم، بل زاد عليه. فقلد كانت التنمية موضوعاً مركزياً في مشروع طه، وقد تناولها في العديد من كتبه، منها: قل هذه سبيلي (1952)، وأسس دستور السودان لقيام حكومة جمهورية فدرالية ديمقراطية اشتراكية (1955)، والإسلام (1960)، ورسالة الصلاة (1966)، والرسالة الثانية من الإسلام (1967)، وتطوير شريعة الأحوال الشخصية (1971)، والثورة الثقافية (1972)، وتعلموا كيف تصلون (1972)، والدين والتنمية الاجتماعية، (1974)، وغيرها، إلى جانب أحاديثه ومحاضراته، فضلاً عن العديد من المقالات التي نُشرت في الدوريات (الصحف والمجلات) خلال عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي. يُذكر أن آخر مقال نشره طه كان في مجلة صوت المرأة، يناير 1969، وتناول فيه موضوع المرأة في حلقتين.
"الحرية هي روح الحياة.. فحياة بلا حرية إنما هي جسد بلا روح"
يقول عبدالله إن الشرط المركزي لنجاح عملية التنمية، عند الأستاذ محمود، هو الحرية. كون الحرية، عنده، هي روح الحياة، فحياة بلا حرية، كما يقول، إنما هي جسد بلا روح، كما أن الحرية هي الفيصل بين حياة الحيوان، وحياة الإنسان. ويرى بأن هدف التنمية هو تحرير الإنسان ونهضة المجتمع، وغايتها الإنسان. وأي تنمية بدون إعطاء العناية بالفرد وكرامته واحترام خياراته وضمان مشاركته بفعالية، مكان الصدارة، منخذلة، ومنهزمة، لأن الفرد هو الثروة الحقيقية. فالأصل، عنده، الفردية، ولكي ما يحقق كل فرد فرديته لا بد من الحرية. كما أن الحرية الفردية تتطلب الحرية من الخوف الموروث، وهو ما لم يرد عند سن، والمترسب في أغوار النفس بسبب البيئة الطبيعية. وتقوم على الحرية من الخوف، كما يرى طه، حريتان اثنتان هما: الحرية من الفقر، والحرية من الجهل. والخوف، من حيث، هـو، كما يرى طه، هو الأب الشرعي لكل آفات الأخلاق ومعايب السلوك، فهو رأس كل الرذائل، وسبب الفتك، والعنف، عند القوي، وهو سبب الخديعة، والغش، عند الضعيف. ولا سبيل إلى التحرير من الخوف، كما يقول، إلا بالعلم. فالخوف، عنده، جهل والجهل لا يحارب إلا بالعلم. العلم بحقيقة البيئة الطبيعية التي عاش، ويعيش فيها، والتي عن الجهل بها، نشأ الخوف في صدور الرجال والنساء، أول الأمر. ولا يكون التحرير من الخوف إلا بالعلم الذي يقود إلى اكتمال التـواؤم بين البيئـة الطبيعية، وبيـن الحيـاة البشرية. إن تحرير الفرد من جميع صور الخوف الموروث، عبر العلم بدقائق حقيقة البيئة الطبيعية، يحقق للفرد الاتساق والتواؤم والتكيف مع البيئة، فينتفي الجهل. كما يستطيع أن يعيش في سلام من العداوات، والمجاعات والكوارث البيئية. ولذلك وجب، كما يرى طه، الاهتمام بإعطاء الفرد صورة كاملة، وصحيحة، عن علاقته بالمجتمع والكون. إن العلاقة بين الإنسان والكون، كما يقول طه، ظلت مادة التعليم والتعلم، من لدن فجر الحياة البشرية وإلى يوم الناس هذا. ولا ينفصل التعليم وفائدته ووظيفته عن البيئة وعناصرها. فالتعليم هو تمليك الحي للقدرة، وتَكمُن فائدته، كما يرى، في مقدرة المتعلم أن يوائم بين نفسه وبين بيئته، كما أن وظيفة التعليم هي أن يأخذ المتعلم صورة كاملة وصحيحة عن البيئة التي يعيش فيها. ولكن من هو المعلم عند طه؟ هو المعلم الواحد، الله، الله هو المعلم الأصلي، بينما المعلـم المباشر هو العناصر المتعددة في البيئة. والمادة التي يعلمها المعلم الواحد، الله، عند طه، هـي المقدرة على التواؤم بين الحي وبيئته. ويرى طه بأن كل عناصر البيئة حية، ولكنها حياة فوق إدراك العقول، ولا تصبح حيـاة في إدراك العقول حتى تخرج، من المادة غـير العضوية، المادة العضوية، وهـي ما تسمي، اصطلاحـاً، بالحياة. ولهذا فهو يقول: “الحياة أصدق من العلم".
#بدر_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في كتاب: أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حر
...
-
قراءة في كتاب: أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حر
...
-
قراءة في كتاب: أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حر
...
-
قراءة في كتاب: أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حر
...
-
قراءة في كتاب: أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حر
...
المزيد.....
-
الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
-
بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند
...
-
لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
-
قتلى وجرحى في استهداف مسيّرة إسرائيلية مجموعة صيادين في جنوب
...
-
3 أسماء جديدة تنضم لفريق دونالد ترامب
-
إيطاليا.. اتهام صحفي بالتجسس لصالح روسيا بعد كشفه حقيقة وأسب
...
-
مراسلتنا: غارات جديدة على الضاحية الجنوبية
-
كوب 29: تمديد المفاوضات بعد خلافات بشأن المساعدات المالية لل
...
-
تركيا: نتابع عمليات نقل جماعي للأكراد إلى كركوك
-
السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|