أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريان علوش - لقد خدعني ذلك الوغد














المزيد.....

لقد خدعني ذلك الوغد


ريان علوش
(Rayan Alloush)


الحوار المتمدن-العدد: 8037 - 2024 / 7 / 13 - 13:22
المحور: الادب والفن
    


بعد أن انتقلت إلى منزلي الجديد قيل لي بأن من كان يسكن قبلي يدعى فيكتور، وقد توفي قبل شهرين.
منذ ذلك الحين بات فيكتور رفيقي في السكن أتحدث معه عندما لا أجد رفيقا لي, وأسأله بعض الأسئلة عندما لا أجد أجوبة معقولة لدى الآخرين.
كان فيكتور مخلصا جداً للمنزل الذي شغله عدة سنين، ولساكنه أيضا لدرجة أنه كثيرا ما نبهني عندما أهم بارتكاب خطأ ما.
ذات يوم سألته حول كيفية سماحهم له بالمغادرة؟
نظر نحوي فيكتور بتعجب، ثم سألني: من تقصد؟! ومن الذي سيسمح لي بالمغادرة، ومن أين ؟!
وكي أوضح قصدي سألته بشكل مباشر: أقصد ألم يحاكموك بعد؟ وهل أنت من أهل الجنة، أم من حطب جهنم؟!
ضحك فيكتور لدرجة أنه كاد أن يسقط عن الكرسي، ثم قال: أي جنة، وأي جهنم؟! وتابع قائلا: هل ما زلت تؤمن بهذه الترهات!! غداً عندما تموت ستكتشف أن كل ما قيل لك عما سيحدث لك بعد الموت هو هراء بهراء.
ما حيرني خلال تلك الفترة هو البعض ممن كان يأتي ليسأل عنه
فقد كنت في كل مرة يطرق بابي، ويكون الطارق قاصدا فيكتور أتصنع الحزن، وأنتظر من السائل أن ينهار او أن تدمع عيناه, أو أن يبدي قليلا من الاسف عندما أبلغه بأن فيكتور مات، لكنه للأسف يتلقف الخبر بوجه شمعي ثم يغادر دون أدنى تأثٌُر.
في أحد الأيام، وبعد ان تكررت هذه الحادثة للمرة الألف أمسكت فيكتور من تلابيبه وهززته بعنف، وسألته:
من كنته يا فيكتور؟!
ولماذا لم يُحدث موتك فرقا لدى الآخرين؟!
بعدها فترت علاقتي بفيكتور، بسبب ما توصلت له من قناعة بأنه لم يكن رجلاً صالحاً إبان حياته، ولا بد أنه كان سيئ الخلق، لأن غيابه لم يحدث فرقاً لدى معارفه، لدرجة أنني طردته من منزلي ذات يوم.
استيقظت هذا الصباح والضجر قد تملَّك روحي.
جلست على المقعد زائغ النظرات، دون اهتمام بشيئ، وكأن ما كان يشغل بالي يوم أمس لم يعد له وجود.
فجأة ظهر أمامي فيكتور، أجفلني، فسألته بنزق:
ماالذي تفعله هنا يا فيكتور؟!
أجابني: وهل نسيت بأن هذا المنزل كان منزلي قبل أن تشغله أنت!!!
علقت قائلا: نعم انت قلتها، كان منزلك، والآن لم يعد كذلك.
جلس فيكتور على المقعد المقابل لمقعدي ثم قال:
أعذرك يا صاحبي، فأنت تتعامل معي بقوانين لم أعد أعترف بها ولا تشملني حتى، ثم تابع قائلا: الأرواح تطير وتحط حيث تحب
استغربت مما قاله, فسألته:
هل تستطيع الروح مقابلة أرواح من غادروا؟ وهل تستطيع زيارة الأماكن التي اشتاقتها ولم تستطع عندما كانت مكبلة بجسد؟!
بدأ فيكتور يزين لي عالم الأرواح، وبأن الحرية الحقيقية لن نحصل عليها سوى بعد الموت.
صراحة أغراني ما قاله, و حلقت بالخيال إلى حيث لم أستطع الوصول إليه حال حياتي.
سألني: ماالذي تفكر فيه يا عزيزي؟!
أجبته بعد أن اغرورقت عيني بالدموع قائلاً: لقد اشتقت لمن غادرني، اشتقت لملاعب الصبا، اشتقت لأهلي وخلاني.
ربت فيكتور على كتفي مواسيا، ثم سألته: ما رأيك يا صديقي لو نتبادل الأدوار ؟
سألني مستفهما :
نتبادل الأدوار؟! ماالذي تقصده؟!
أجبته مستخدما أسلوب الإقناع الذي يستخدمه عادة من يروج لبضاعته الفاسدة كي يقبل الطرف الآخر عرضه فقلت:
أقصد بأن تحتل روحك جسدي، و أغادر أنا كي اعرف كيف تقضي الروح اوقاتها بعد الموت، ثم أخذت بتعداد مزايا جسدي، من ناحية السلامة، ومن ناحية بأنه مطواع لن يجد صعوبة بالتعامل معه.
ابتسم فيكتور بمكر، لم أفهم وقتها سبب ذلك، لكنه بعد وقت قصير من التمنع قال:
موافق لكن بشرط. شرطي هو أن تعود إلى هنا قبل مغيب الشمس، وإن لم تفعل قضي الأمر وحكمت عليَّ بالحبس في جسدك إلى أجل غير معلوم.
بعد أن وافقت على شرطه هذا خرجت من جسدي، وحل مكاني.
كانت اللحظات الأولى مربكة، وقد احتجت لعدة دقائق كي أستوعب وضعي الجديد.
الوقت يمر سريعا، وأريد ان أستغل كل دقيقة فيه، لذلك حلقت فورا إلى أهم الأماكن التي حلمت بزيارتها يوم كنت جسد وروح، برلين, كولن, باريس, فيينا.
عندما وصلت لم أشعر بأي متعة، فهي لم تبدو لي سوى أمكنة باهتة لا معنى لها، فعلى ما يبدو أن المشاعر والأذواق تختلف عندما تصبح الأرواح حرة.
هنا تذكرت فورا ما قاله لي فيكتور، بأن الأرواح لا تسعد إلا في الأمكنة التي أحبتها، فحلقت سريعا متجها نحو الشرق.
كان الفضاء يعج بالأرواح، وكأن يوم الحشر قد آن أوانه.
بحثت عمن أحببتهم، أبي, أمي, أصدقائي أقربائي, جيراني, فلم أجدهم, أو بالأحرى لم أستطع تمييزهم، فأنا كما تعلمون لم يسبق لي أن مت، ولا أعرف كيف تبدو الأرواح بعد الموت.
بكيت عندما رأيت الخراب في الأمكنة التي أحببتها, وحزنت على حال الأحياء، أو من يصنفون كذلك.
شعرت بالغربة فلم أستطع الإستمرار, ليس غربة الأرواح التي لم تعرفني ولم أعرفها, ولكن أيضا غربة الأمكنة التي لم تعد تشبه نفسها.
حلقت عائدا نحو منزلي بعد أن تبين لي بأن ما فعلته كان خاطئا. كان يجب أن تبقى تلك الأمكنة وناسها في ذاكرتي كما رسمتها او كما أحببت ان تبقى.
عندما وصلت إلى المنزل، كان جسدي يرتدي ثيابا غريبة لم أرتديها يوما، وقد غير الكثير من ديكور البيت لدرجة اني بالكاد عرفته.
صرخت: ما الذي فعلته يا فيكتور؟!
أجابني: إنه منزلي, أم نسيت؟!
قلت له: ولكن يا فيكتور بيننا اتفاق، وهاقد عدت قبل غياب الشمس.
ضحك فيكتور لدرجة القهقهةثم قال:
لقد قضي الأمر.
منذ ساعات أهيم في الفضاء كتائه لا ينتمي إلى أي مكان، لا ينتمي لا لعالم الأرواح ولا لعالم الأحياء.



#ريان_علوش (هاشتاغ)       Rayan_Alloush#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكريات من الحارة
- شرقي سلمية نصب( من مآسي الحرب في سوريا)
- قصص قصيرة
- القاتل المتسلسل
- حمولاتنا الثقيلة
- الحرب العالمية الثالثة
- لقد فات الآوان
- نباح قبل النوم
- مجتمعات اخرطي
- أصحاب العمامات
- السوريون مرتزقة
- حمير الشرق
- نبوغ مبكر
- الماركسيون لا يمثلون الماركسية!!
- الضحية
- أمارجي


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريان علوش - لقد خدعني ذلك الوغد