أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليم النجار - لعبة التأملات بوصفها رواية في -تراب الماس-















المزيد.....

لعبة التأملات بوصفها رواية في -تراب الماس-


سليم النجار

الحوار المتمدن-العدد: 8035 - 2024 / 7 / 11 - 12:26
المحور: الادب والفن
    


"لعبة التأملات بوصفها رواية
في "تراب الماس"
لـ "أحمد مراد"
دار الشروق - 2010 - القاهرة
سليم النجّار

ليس تسريد المستقبل للرواية بالظاهرة الجديدة في فكرتها العامة، فقد شُغل بها الروائيون منذ مدّة ليست بالقصيرة٠ ولكنّها أخذت تثير هواجسهم على نحو متصاعد في السنوات الأخيرة.
وراحت تشحذ أخليتهم موضوعياً وفنيا، عرباً وأجانب على حدّ سواء، ففي السنوات العشر الأخيرة صدرت عدّة روايات عربية وعالمية عمدت إلى صناعة ذاكرة للماضي، بجعله حاضرا في اللحظة الراهنة (لحظة الكتابة) أو بتسريده حدثا ماضيا تجري استعادته في تداخل زمني يذيب الفواصل ويعيد بناءها من جديد.
ومن الروايات العربية التي اشتغلت بهاجس المستقبل وعملت على (تسريده) بأكثر من مستوى رواية" تراب الماس" للروائي العربي المصري أحمد مراد٠
أول ما يواجه هذا النوع من التسريد هو ما أسماه ميلان كونديرا بكسر القواعد، لأنّ الراوي يحكي ما جرى، لكنّ كلّ حدث صغير، بعد أنْ يمسي ماضيا، يفقد طابعه الملموس ويستحيل إلى صورة شبحية السرد هو ذكرى، إذن اختصار وتبسيط وتجريد.
ولعلّ السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان: ما هي الأسباب التي تحمل الروائيين على تحويل الماضي إلى نص سردي؟ وما هي آفاق التخييل التي تنطلق في أساسها على المحتمل والممكن لا على الحاصل والمنجز؟ هذا إذا ما افترضنا أنّ تسريد الماضي ينهض برمّته على الواقع المحض، وبما يحتمله من نبوءات يغذيها الواقع بأشكال عدّة، ( - الله!! ولمَا كُلّ الناس تِطلّع عيالها على الميري، مين يزرع بقه؟
- ال.. الفلاحين ياجدع!! ص18).
هذا الواقع الذي انسحب إلى أدنى مستوياته إنْ لم ينعدم تماما، الأمر الذي يجعل من التناول النقدي باعثا على الكشف عن ملامح جديدة للفن الروائي وإمكاناته التي ما انفكت تثبت على الدوام أنّها غير محدودة٠
وإلى ذلك فإنّ الشعور تجاه الزمن على نحو جذري مثلما تغيّر في واقعنا الحالي، وإنْ كانت حالة التسريد التي قام بها الروائي أحمد مراد قاربت واقعنا الحالي من خلال تسريد الماضي الذي جاء على الشكل الآتي: (في عام 1962 التحق " حسين" بالتجنيد بعدما حصل على لسانس الآداب قسم تاريخ، لم يستطيع تحقيق حِلم أبيه بدخول الكلية الحربية لعدم وجود واسطة، بعدما تكالبت جميع طبقات المجتمع على الجيش كأمل لا يضارعه أمل ص٣٧)٠
ما دمنا نتحدث عن الماضي كما مراد من خلال توظيف التاريخ كشخصية ناطقة وشاهدة على عصر محدد، فلماذا نستدعي الذاكرة الروائية بما هي ماض حسب تعبير أرسطو؟ في الواقع، إنّ ربطاً كهذا ليس مرده ما ذهب إليه بول ريكور من أنّه "يجب علينا أنْ نمتلك إدراكاً لمعنى الماضي لو أننا أردنا لخططنا المستقبلية ألّا تتحوّل إلى مجرّد " يوتوبيا" فارغة، كما جاء في كتاب الذاكرة والسرد، ترجمة جورج عيتاني، دار كنوز المعرفة عمّان 2016، ص65 - 66 ، وحسب، وليس فقط لأنّ الماضي يفسر المستقبل، من خلال محاولة إضفاء نظام دلالي روائي على ماضينا بواسطة إعادة تسريده وإعادة ما حدث روائياً، (فيدفن نفسه في جدول عمل مزدحِم لتلهية الحياة وتحصيل لقمة العيش عن التفكير ص69).
اشتبكت رواية "تراب الماس" بشكل أساسي مع المكان، أي الفضاء الذي دارت فيه أحداثها وتفاصليها وصراعاتها المتعدّدة، وقد تجلّى هذا بشكل واضح في العديد من الزوايا٠ من بينها الموسيقى: (شقّة "لبيتو" كانت متواضعة، تفضح ذوق عاشق للموسيقى، صُورة كبيرة "ليلى مراد" تتصدر الصالون، ص15).
اعتمدت الرواية على منطق "الثنائية"، وهو منطق يولد مفهومي الخير والموقف، ومن ثمّ خلق" الفعل ورد الفعل" الذي يدفع بالرواية في العديد من الجهات، وفي هذا الإطار تمّ خلق قطبين أساسيين تناسلت منها مواقف الروائي "أحمد مراد"، وقد انعكس القطبان في شخصية "لبيتو" وحبّه للموسيقى، إذ تمثِّل الأولى أفعال الخير والتصرّف المعقول والسلوك الإنساني، أمّا الثانية لنفس الشخصية "لبيتو" الموقف العقدي، (بجانب مَكتبة تتوسّطها لوحة مُستطيلة مَكتوب فيها "فليتمجّد ويتقدّس اسم الربّ العظيم في العالم الذي خلقه حَسب مشيئته، وليلتحق ملكه خلال أيّامكم وأثناء حياة كلّ بني إسرائيل" ص15).
هنا لا بدّ من سؤال؛ أوّلاً: هل أراد الكاتب تجاوز الجغرافيا اللاهوتية للأرض الموعودة، وهي لحظة متجاوزة، خاصّة وجود صورة ليلى مراد، والمعروف إنّها أصرّت على البقاء في مصر وطنها ولم تذهب إلى فلسطين، أي أنّها رفضت المشروع الصهيوني؟ هذا الفهم لليهود، هو إدراك يؤسِّس لفكرة أنّ الإنسان مرتبط بأرضه التي يحيا فيها واقعاً ومعاشاً وتاريخاً، بعيداً عن اليوتوبيا، خاصّة أنّ التوظيف جاء عبر صورة فنية موسيقية، أي خاطب اليوتوبيا بلغة الحياة – الموسيقى.
اعتمد الروائي احمد مراد على مقاربة ثقافية جمع من خلالها مستويين مختلفين، تعلّق الأول بمستوى المعالجة التي اعتمد فيها على تقديم المشاهد الروائية السريعة المشبعة بالأحداث، ومن جهة ثانية على إبراز المعالم الاجتماعية المصرية، ومنطلقاتها الثقافيَّة التي تأخذ المشاهد صوب احتفال طقوسي.
وكلّ هذا جاء من منطلق فنّي جمالي، أي لا تحسّ بأنّه عمل تلقيني ومباشر، بل استطاع أنْ يصوغ لغة روائية ناضجة ومعبّرة ومفهومه في الوقت نفسه، (- أنا مش عارِف خِدمة مُجتمع إيه اللي أنتي شغالة فيها!!
- عارِف البرّاد اللي بتشرب فيه شايك الصبح؟ تخيّل لو من غير فتحة تنفيس.. ينفجر.. اهه ده اللي هيحصل لو المُجتمع ما فيهوش واحدة زيّي ص٢١٧.)
تتميّز رواية "تراب الماس" بعقوباتها المغلظّة، تتشكل الحكاية معلنة عن بداية الخطوط الدراميَّة للصراع بين الخوف والرجاء والتقية من جهة أخرى، وبين حيرة الشخصيات الروائية إزاء ظهور آرائها في النص الروائي، (كان السُّؤال مُباغتًا كضربة سَوط سوداني على وَجهه ص356)، التي شكّلت جزءاً من الثقافة والمزاج العام للشعب، بل قامت على هواش الحياة اليومية للمصريين، التي عناصرها: (الحكواتي، الرواة، روّاد الحارات الشعبية، جمهور الحكايات)، وجلّها فئات متضررة من التقلبات السياسية التي حصلت في مصر منذ الخمسينات من القرن الماضي.
نجد أنّ نص "تراب الماس" على الرغم من حرصه على اجتراح رواية مغايرة داخل الرواية نفسها، في المخيال الشعبي حول حكايا الرواية المغايرة التي بدت تظهر على شكل "ألف ليلة وليلة"، إلّا إنّه الروائي "أحمد مراد" استطاع بصفته روائياً أن يستعيد البانوراما الاجتماعيَّة لمشاهد وصور "ألف ليلة وليلة" كما هي في السرد التاريخي مستفيدًا من هذه التقنية التي جاءت على الشكل التالي، (جلس "طه" ليلته في السرير، يضمّ إلى صدره قدمين وجرج جديد إلى جروحه التي لا تنوي الاندمال، ينتزعه الألَم من غياهِب الحِلم كطرقات مِعول تهشّم جفنيه لتحليها ترابًا ص370). وشملت تلك المشاهد البانوراميَّة: الحارات، سبل كسب العيش، المقاهي الخ.. مع إضافة حالة التجريد التي تجعل للنص عابراً للزمان، وقادراً على التكيّف مع المعطيات الراهنة في الوقت نفسه، (هزّ رأسه وابتسم قبل أنْ يضمّ أناملها بكفّه ويرجعا للمرقص لينصهرا بين الناس... ص446).
قدّمت رواية "تراب الماس" للروائي "أحمد مراد" مفهوم الحريَّة يتجاوز الذات إلى الآخر، فهي حالة إنسانيَّة كونيَّة تتجاوز الذات إلى محيطها الاجتماعي الأشمل، نظرة تفيض بالحيَّوية. وهو شأن الدراما الروائية أنّى عالجت قضيَّة إنسانيَّة إلّا فيها سرٌّ من أسرار الفكر الدرامي، فالرواية كانت وما زالت نافذة للوعي الدرامي والاستنارة.



#سليم_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاستيطان الإسرائيلي- تقويض لحقّ تقرير المصير للشعب الفلسطين ...
- الشخصية الفلسطينية المعاصرة -٧
- كسرةٌ من روح -قصص من قلب الغربة
- فالس الغراب - للقاص يوسف ضمرة
- رواية باب رزق
- شارع سقف السيل
- إدوارد سعيد.. إشكالية المكان وصراع الهوية
- الطبل أول جريدة ساخرة في الوطن العربي
- مجموعة قصصية / الجمل الإنجليزي
- رواية فارس وبيسان
- حياة أخرى للنساء وروايتان قصيرتان
- رواية شجرة العروس
- يتيم أسرة تشاو
- رواية همسات من خلف الأسوار
- جريدة الطبل الفلسطينية كابوش في جوف الهاوية
- معبد الغريب
- حكايات لياوتشاي
- الطبل أول مجلة ساخرة في فلسطين
- رواية أين أنت يا أبي
- أوراق اقتصادية على طريق الحرير


المزيد.....




- أديل تخطط لـ-استراحة كبيرة- من الموسيقى: -خزانتي فارغة تمامً ...
- وفاة فنان مصري شهير بعد صراع مع المرض
- جامعة كوفنتري تمنح الفنان ضياء العزاوي الدكتوراه الفخرية 
- بعد مشادة عنيفة.. وفاة الممثل المصري تامر ضيائي في مستشفى لع ...
- فنان مصري: ندمت على ارتداء قميص نوم في مسلسل بطله محمد رمضان ...
- بعد -مشاجرة وصفعة-.. وفاة الممثل المصري تامر ضيائي أمام مستش ...
- جبّانة طيبة القديمة.. مستودع أسرار الحياة اليومية لقدماء الم ...
- بعد 6 سنوات من وفاة زوجته.. رحيل سيناريست مصري شهير بأزمة قل ...
- بعد -فيلم نتفليكس المرعب- عمدة باريس تسبح لتبديد الخوف
- أسبوع النشر بموسكو يستقطب اهتمام كتاب وناشرين مصريين (فيديو) ...


المزيد.....

- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليم النجار - لعبة التأملات بوصفها رواية في -تراب الماس-