أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد كشكولي - فرانز كافكا نبيّ العصر البرجوازي















المزيد.....

فرانز كافكا نبيّ العصر البرجوازي


حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)


الحوار المتمدن-العدد: 8029 - 2024 / 7 / 5 - 00:13
المحور: الادب والفن
    


مرّت في الثالث من حزيران مائة عام على رحيل الأديب التشيكي العظيم فرانز كافكا، تاركًا وراءه إرثًا أدبيًا ثريًا أثار جدلًا واسعًا واستلهم مخيلة القراء عبر الأجيال.
في الثالث من حزيران، تذكرنا ذكرى غيابه الجسدي، بينما تبقى أفكاره حيةً أكثر من أي وقت مضى، تنبض بالحقيقة في عالمنا المعاصر المُهيمن عليه الرأسمالية المتوحشة.
تُعدّ رواية "المسخ" لكافكا أيقونةً أدبيةً خالدةً، تجسّد صراع الإنسان في ظلّ آلة الرأسمالية المُقحِمة. يستيقظ بطل الرواية، جريجور سامسا، ليجد نفسه وقد تحول إلى حشرة ضخمة، في رمزية صارخة لِفقدان الهوية والاغتراب في بيئةٍ تسحق الفرد وتُحوّله إلى مجرد ترسٍ في عجلة الإنتاج.
لم تكن رؤية كافكا قاتمةً فحسب، بل تنبؤيةً أيضًا. ففي عالمنا اليوم، حيث تُهيمن العولمة والنظام العالمي الجديد، نرى بوضوح تحول البشر تدريجيًا إلى "حشرات" في نظر النظام.
يُجسّد جريجور سامسا معاناة الإنسان المُستَلب في ظلّ العلاقات اللاإنسانية للرأسمالية. ففي عمله المُملّ، يشعر باليأس والإحباط، بينما يعاني من ظروف معيشية قاسية تُفقده إنسانيته.
يُمثل تحول جريجور إلى حشرة استعارةً لِفقدان السيطرة على الحياة، وتحول الإنسان إلى مجرد آلةٍ طيعة بلا إرادة. وقد نبدو مختلفين عن جريجور شكلاً، لكنّنا نعيش نسخًا من معاناته في حياتنا اليومية. فمن خلال عملنا ونشاطاتنا، وحتى في أوقات فراغنا، نُصبح مُكرّرين مُستنسخين، مُحاصرين في روتين مُملّ يُفقدنا هويتنا حيث تُصبح "ماكينة الزمن" في عالمنا الرأسمالي آلة استنساخ لِجريجور سامسا، تُنتج ملايين النسخ التي تُعاني من الاغتراب والذعر.
يُعدّ فرانز كافكا نبيًّا للزمن الحالي، حذّر من مخاطر الرأسمالية المتوحشة وتأثيرها المُدمر على الإنسان. ففي عالمنا اليوم، حيث تُسحق الفردانية وتُضيّق المساحات الحرة، تُصبح رواية "المسخ" أكثر أهميةً من أي وقت مضى، مُذكرةً إيانا بِضرورة مقاومة الاغتراب والبحث عن معنىً حقيقيّ للحياة.
"الكفاح يملؤني سعادة تفوق قدرتي على فعل أي شيء، ويبدو لي أنني لن أسقط في النهاية تحت وطأة الكفاح، بل تحت وطأة الفرح."
تُجسّد هذه العبارة الشهيرة لفرانز كافكا تناقضًا عميقًا في شخصية هذا الكاتب العظيم. فبينما تُشير إلى شعوره بالسعادة المُتفوقة خلال الكفاح، تُخفي وراءها ألمًا عميقًا ورؤية ثاقبة لمعاناة الإنسان في ظلّ ظلم العالم.
يُحاول البعض حصر موقف كافكا من تغيير الواقع المزري في خانة السلبية المُطلقة. لكنّ قراءة متعمقة لأعماله تُظهر عكس ذلك تمامًا. ففي رواية "المسخ" على سبيل المثال، لا يكتفي كافكا بتصوير معاناة جريجور سامسا، بل يُقدم نقدًا لاذعًا للنظام الرأسمالي المُستغلّ الذي يُحوّل البشر إلى مجرد آلات.
ويشدّد كافكا على مسؤولية الفرد في تغيير واقعه، ففي رواية "القضية" يُظهر كيف أنّ بطل الرواية، جوزيف ك، يُدمّر نفسه تدريجيًا بسبب استسلامه لِشعوره بالعجز واللامبالاة.
أوجه الشبه بيننا وبين جريجور:
يُجسّد جريجور سامسا معاناة ملايين البشر المُستَلبين في ظلّ أنظمةٍ قمعيةٍ وظالمة. ففي عالمنا اليوم، حيث تُهيمن العولمة والنظام العالمي الجديد، نعاني من العزلة والقلق والاغتراب، ونشعر بالظلم والقهر حيث تُعتبر النهايات المأساوية سمةً بارزةً في أعمال كافكا، لكنّها لا تُمثّل استسلامًا لِليأس، بل دعوةً لِلتأمّل والتفكير في جذور المعاناة.
سوداوية كافكا وسوداوية عصرنا:
يُقارن البعض بين سوداوية كافكا وسوداوية عصرنا، ففي ظلّ النظام العالمي الجديد، نعاني من ظروفٍ مشابهةٍ لِما عاناهُ جريجور سامسا. ويرونه يُجسّد في كتاباته حزنًا عميقًا ووجعًا إنسانيًا مُتزايدًا. ففي عالمٍ مُهيمن عليه الظلم والقهر، نتحمّل نحن أيضًا عبءَ الألم والمعاناة.
ولا يُمكن حصر موقف كافكا من تغيير الواقع في خانة السلبية المُطلقة. فبينما تُصوّر أعماله حزنًا عميقًا ويأسًا مُحيقًا، تُقدم أيضًا نقدًا لاذعًا للأنظمة الظالمة، وتُشجّع على التمرد والكفاح من أجل حياة أفضل.
إنّ مسؤولية تغيير الواقع تقع على عاتقنا جميعًا.
فكما قال كافكا: "الكفاح يملؤني سعادة تفوق قدرتي على فعل أي شيء". فلنُكافح من أجل عالمٍ أكثر عدلاً وإنسانية، ونُحرّر أنفسنا من قيود الظلم والقهر. فإن كافكا مرآة عكس الواقع المرير، شعلة أمل تدعو للتغيير
فنحن، كبشر في عالم اليوم، نعاني من نفس المشاعر التي عانى منها: العذاب، والغضب، والعزلة، والاغتراب، والقهر.
ولكن، لا يجب أن نستسلم لليأس كما فعل جريجور. فكافكا، على الرغم من معاناته الشخصية، لم يستسلم لِواقعه المُظلم.
بل فضح من خلال كتاباته قسوة النظام الرأسمالي، و شجّع على التغيير.
إنّ كافكا، من خلال أعماله، علّمنا أنّنا مسؤولون عن تغيير واقعنا. فكما قال: "الكفاح يملؤني سعادة تفوق قدرتي على فعل أي شيء".
أنّ الوحدة ليست قدرنا فنحن، على الرغم من شعورنا بالغربة، لسنا وحدنا. و لا ينبغي لنا أن نتخلّى عن إنسانيتنا. ففي عالمٍ مُجردٍ من الإنسانية، يجب أن نُحافظ على قيمنا ونُقاوم الظلم.
لكنّ التحديات التي نواجهها في عصر ما بعد الحداثة والنظام العالمي الجديد أكبر بكثير من تلك التي واجهها كافكا، فقد أصبحنا غرباء عن كل شيء، تُمزّقنا الطائفية والمذهبية والقومية، ونشعر بالضياع في عالمٍ مُتغيّرٍ بسرعة. ويزداد الشرخ اتساعًا بيننا وبين أنفسنا. فبينما يُظهر ظاهرنا صورةً مُتماسكة، يخفي باطننا صراعاتٍ وألمًا عميقًا.
ونعيش في عالمٍ لا نريده. إنه عالمٌ مُجردٌ من الإنسانية، مسلوبٌ منا، أجبرنا على بنائه، بينما يُشعِرنا بالقهر والاغتراب. لكنّ شعلة الأمل التي أشعلها كافكا ما زالت مُتقدة، ففضحُه للقهر هو الخطوة الأولى نحو تغييره،
وكما قال الكاتب ألبير كامو: "إنّ التمرد هو الطريقة الوحيدة لإثبات وجودنا".
وكتاباته تُذكّرنا بِقدرتنا على التغيير، فكلّ إنسانٍ يملكُ القدرة على إحداث تأثير في هذا العالم.
فلنُتّحد ونُقاوم الظلم والقهر. لنُحرّر أنفسنا من قيود الطائفية والمذهبية والقومية. لنُبني عالمًا جديدًا قائمًا على العدل والمساواة والإنسانية.
فلنكن أقوى من جريجور سامسا: لن نستسلم لليأس. لنُقاوم من أجل مستقبلٍ أفضل. وَلْنَتَذَكّرْ دائمًا أنّنا لسنا وحدنا وأنّ لدينا القدرة على تغيير العالم. وأنّ شعلة الأمل التي أشعلها كافكا ستظلّ مُضيئةً لنا الطريق.



#حميد_كشكولي (هاشتاغ)       Hamid_Kashkoli#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليمين المتطرف آخذا الزمام
- العائلة في ظل الاشتراكية
- فلسفة أنطون تشيخوف حول الجنس والنساء والأدب
- صراع القيم في رواية تشيخوف -عنبر رقم 6-
- عن أدب تشيخوف المتميز خلال قصته -الوحشة-
- أوهام الإصلاحات في ظل ولاية الفقيه المطلقة
- أبو العلاء المعري: رهين المحبسين وفلسفته حول الزواج
- قراءة في مذكرات سفيتلانا، ابنة ستالين- الجزء 3
- فوائد الهجرة
- بحر الأرواح
- فيكتور هوجو: نجمٌ ساطعٌ لم يخفت بريقه
- حوار المؤلف والقارئ والنص في الأدب
- قراءة في مذكرات ابنة ستالين- الجزء 2
- قراءة في مذكرات سفيتلانا ستالين- الجزء 1
- تأملات حول -الإسلاموفوبيا-
- التأثير الإيديولوجي على مواقف البلاشفة وماركس وانجلز من أدبا ...
- فيلم -جمعية الشعراء الموتى-: رحلة الشعر و الإبداع والتحرر
- الدين والشعراء والسلطان
- ماركس والنقد الديني
- -قلب الظلام- صراعات النفس البشرية في مواجهة الشرّ


المزيد.....




- بيت المدى ومعهد -غوته- يستذكران الفنان سامي نسيم
- وفاة الممثلة المغربية الشهيرة نعيمة المشرقي عن 81 عاما
- فنانون لبنانيون ردا على جرائم الاحتلال..‏إما أن نَنتَصر أو ن ...
- مخرج يعلن مقاضاة مصر للطيران بسبب فيلم سينمائي
- خبيرة صناعة الأرشيف الرقمي كارولين كارويل: أرشيف اليوتيوب و( ...
- -من أمن العقوبة أساء الأدب-.. حمد بن جاسم يتحدث عن مخاطر تجا ...
- إعلان أول مترجم.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 166 مترجمة على قص ...
- رحال عماني في موسكو
- الجزائر: مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي يستقبل ضيوفه من ج ...
- أحلام تتفاعل مع تأثر ماجد المهندس بالغناء لعبدالله الرويشد


المزيد.....

- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد كشكولي - فرانز كافكا نبيّ العصر البرجوازي