أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - ج2/تشومسكي وحلُّ الدولتين: بين النقد الموضوعي والتخوين















المزيد.....

ج2/تشومسكي وحلُّ الدولتين: بين النقد الموضوعي والتخوين


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 8027 - 2024 / 7 / 3 - 12:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


وقد تمادى شخص آخر يدعى الطاهر المعز فكتب مقالة في موقع "الأردن العربي" بتاريخ 25 حزيران 2024"، اتهم فيها تشومسكي تهمة مضحكة هي في الوقت نفسه كذبة دنيئة مفادها أنه (شارك في تصميم منظومة لُغَوية الكترونية تَزيد من فاعلية ودِقّة القَصْف الذي تُنفّذُهُ طائرات الفانتوم الحربية الأمريكية ضد شعب فيتنام... وساهم في تثقيف ضُبّاط الجيش الأمريكي بشأن حضارة ولُغة وعادات وتقاليد الشعوب التي يعتدي عليها الجيش الأمريكي"! تخيلوا هذا: منظومة لغوية إلكترونية تزيد من فعالية الطائرات الحربية!
ولكن بِمَ يتعلق النقد المعقول نسبيا الذي يوجه لتشومسكي من يساره؟ سأناقش مثالاً عليه في مقالة شهيرة للناشط نوح كوهين نُشرت سنة 2004. ويعتبرها البعض مرجعاً، يبدو وحيداً لكثرة ما تم الاستشهاد به، لنقد تشومسكي رغم قِدمه النسبي. وسأعتمد نصها الأصلي في موقع (Znet) في 30 آذار 2004، وكما أعاد نشرها (chomsky.info) بعنوان "العدالة لفلسطين؟"، وليس ما اقتبسه كوهين بطريقته الخاصة.
أشير بدءاً إلى أن نقد كوهين لطروحات تشومسكي الفلسطينية، وإنْ كان متشنجاً شكلاً وأسلوباً، ومتحيزاً أحياناً إلى درجة ضعف الأمانة في العرض، ولكنه ينطوي أحيانا على حجج مقنعة، وخصوصاً في الدفاع عن مشروع الدولة الفلسطينية الديموقراطية العلمانية الواحدة - الذي أتبناه شخصياً وأدافع عنه - وفي نقد الحجج المضادة للقائلين بحل الدولتين. ولكن هدفي هنا إبراز الفرق بين النقد اليساري الحريص على القضية والمنصف للصديق المختلف فكرياً ورفض التشكيك به وتخوينه باعتباره عميلاً للمخابرات الأميركية، وبين النقد المتشنج والعدائي المتأدلج. وأعتقد أن أفضل تحية لصديق فلسطين المريض نعوم تشومسكي الإنسان النقدي الصادق والشجاع والذي وصفه الراحل هادي العلوي بعبارة "هذا اليهودي البركاني" هي أن نقرأه نقدياً من دون مبالغات وافتراءات وإساءات.
إن تشومسكي يعطي لرده على سؤال محاورَيه شالوم وبودير طابعاً مؤقتاً ومشروطاً. يقول السؤال حرفيا: "ما هو الحل الأفضل في نظرك للصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟"، فيرد تشومسكي: "ذلك يعتمد على الإطار الزمني الذي نضعه في الاعتبار. فعلى المدى القصير، فإنَّ الحل الوحيد الممكن واللائق هو على غرار الإجماع الدولي الذي عرقلته الولايات المتحدة من جانب واحد على مدى السنوات الثلاثين الماضية: تسوية الدولتين على الحدود الدولية - الخط الأخضر". بمعنى أنه لا يعطي رأياً نهائياً صالحاً لكل زمان ومكان كالنصوص الدينية المقدسة وخارج الظرف السياسي الدولي العام إنما يطرح رأيا لحل على المدى القصير من دون أن يلغي ثوابته المبدئية القديمة. فحين يذكِّره محاوراه بأنه "في وقت من الأوقات، كان يحث على إقامة دولة واحدة ثنائية القومية كأفضل حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فهل يعتقد أن مثل هذا الحل مرغوب فيه اليوم؟ هل هو واقعي اليوم؟"، يجب تشومسكي بالقول "لقد كنت أؤمن بذلك - الحل - منذ الطفولة، وما زلتُ أعتقد بذلك. كان الأمر واقعياً أيضاً من عام 1967 إلى عام 1973 وكتبت عن ذلك كثيرا، لأنه خلال تلك السنوات كان الأمر ممكناً تماما... وبحلول عام 1973، ضاعت الفرصة، وكان الحل الوحيد الممكن على المدى القصير هو اقتراح الدولتين".
ثم يشير تشومسكي إلى أن هذا الرأي منفتح على المستقبل، على الحل الآخر حل الدولة الديموقراطية العلمانية فلا يكتفي بعبارة "على المدى القصير" بل يضيف "وربما على المدى الطويل، مع تراجع العداء والخوف، وتطور العلاقات بشكل أكثر رسوخاً على طول خطوط لا قومية (non-national lines)، ستكون هناك إمكانية للتحرك نحو نسخة فيدرالية من دولة ثنائية القومية، ثم بعدها ربما نحو تكامل أوثق، وربما حتى إلى دولة ديمقراطية علمانية". ومن الواضح أنَّ هذه التوقعات المتفائلة (بتراجع العداء والخوف) لم يعد لها معنى بعد حرب الإبادة الجماعية المستمرة الآن.
إذن، فتشومسكي يصف واقع الحال، فيما هو يبحث عن حل سريع يوقف المأساة الفلسطينية، وينفتح على حل آخر هو حل الدولة ثنائية القومية أو حتى على الدولة العلمانية الديموقراطية الواحدة لجميع سكانها.
لم أرد تزكية هذه الفكرة وتأييدها بل تأكيد الطابع المشروط والعملي والمؤقت لها للتفريق بينها وبين فكرة أولئك الذين بدأوا منها وانتهوا إليها معتبرين إياها حلاً نهائياً حتى حين أصبح من المستحيل تطبيقها بسبب تجاوزات ومصادرات وجرائم الكيان الصهيوني. ولكن إلى أي مدى يمكن الموافقة على هذا الفصل بين الثوابت الفكرية وبين حلول مؤقتة وظرفية ومشروطة بحالة مأساوية، حتى لو كان أهل القضية، وهم هنا منظمات المقاومة الفلسطينية، من الآخذين به؟ هذه هي الأسئلة التي ينبغي أن توجه إلى خطاب القائلين بالحل المؤقت والظرفي "دولتان لشعبين" وليس عبر التشكيك والاتهامات بالخيانة والعمالة للعدو... يتبع.
إن الحجج التي يسوقها تشومسكي لترويج حل الدولتين ضعيفة على الصعيدين النظري والعملي، حتى إذا نظرنا إليها حين طرحها قبل عشرين عاما، ويَصْدُقُ عليها نقد كوهين. فلنعد الآن لنقد هذا الأخير مهملين افتراءات البعض الآخر المهينة. يتمركز نقد كوهين لرؤية تشومسكي لحل الدولتين ومبرراته التي يعضد بها رأيه على نقطتين أو حجتين وردتا في تلك المقابلة.
يستنتج كوهين من كلام تشومسكي "محاولة عامة لإضفاء الشرعية على شكل ما من أشكال الوجود المستمر لنظام الاستعمار والفصل العنصري الإسرائيلي وتعزيز الدعم الخلفي له بين التقدميين الأمريكيين". ومن الواضح أن الاتهام بـ "تعزيز الدعم الخلفي بين التقدميين الأمريكيين للاستعمار الإسرائيلي"، لا يخرج عن إطار الهجاء والاستنتاجات المتحاملة التي تكثر في النثر الذي يكتبه دعاة اليسارية القصوية غالبا، فتشومسكي هنا لا يريد أن يُشَرْعِنَ استمرار النظام الاستعماري العنصري الإسرائيلي بل يريد إنهاءه عبر حل الدولتين ولكنه مخطئ حين يعتقد بإمكانية ذلك؛ فحتى هذا الحل لم يعد ممكناً، ليس الآن بعد حرب إبادة غزة سنة 2024، بل حتى سنة 2004 حين لم يبقَ للفلسطينيين من أرض فلسطين التاريخية سوى (9.8) بالمائة، كما يوثق محمد سعيد دلبح على ص464 من كتابه "ستون عاما من الخداع". ثم يضيف كوهين أن حجة تشومسكي تقوم على ركنين يختزلهما في وجوب فصل تاريخ الاحتلال والتوسع الاستعماري الإسرائيلي عن جميع التواريخ الاستعمارية الأخرى كحالة خاصة، ويجب إيلاء اعتبار خاص للمستوطنين الاستعماريين الصهاينة باعتبارهم مجموعة ضعيفة تاريخياً" أولا. وثانيا في أن "الدعوة إلى إنهاء النظام الاستعماري أمر غير واقعي؛ إنه يؤذي المستعمَر (the colonized) فقط".
يصف كوهين جحتي تشومسكي هاتين بعد أن صاغهما هو - كوهين - بمفرداته، بأن الأولى التي تجعل اليهود أقلية مضطهَدة هي حجة أخلاقية. وهذا الوصف لا يدحض الحجة من حيث كونها محتملة أم لا، بل يحاول التشويش على جوهرها، فالأخلاق ليست عاملاً يحسب له حساب في المنطق العلموي القصوي الذي يأخذ به كوهين. وربما نجد دحضها الحقيقي في مكان آخر متعلق باحتمال حصول حالة، في سياق مختلف عن سياق التفكير بها؛ بمعنى، إن تشومسكي يسقط فكرة احتمالية قادمة من ظرف بلغ فيه الكيان الصهيوني ذروة قوته وهيمنته، فيسقطها على ظرف مختلف ليس هو ظرف انهياره وتفككه المحتمل. وفي أن القول بالفصل بين تاريخ الاحتلال والتوسع الصهيوني في فلسطين عن جميع التواريخ الاستعمارية الأخرى ليس صحيحاً.
ولكن هل حاول تشومسكي القيام بفصل كهذا، أم أن الأمر يتعلق بالتفريق بين أنواع أو كيفيات وخصوصيات حالات استعمارية أخرى خارج فلسطين؟ أما ما يقوله كوهين عن الحجة التشومسكية الثانية حول عدم واقعية الدعوة إلى إنهاء النظام الاستعماري الصهيوني هي "الدعوات غير واقعية على أي حال، ولن يستخدمها المتطرفون الصهاينة إلا لتبرير برنامجهم للتطهير العرقي ضد الفلسطينيين (حجة براغماتية)"، فهو قول يحذف من المقولة طابعها المؤقت والظرفي وهو أمر يحتاج إلى تدقيق. فرغم أنه من الصحيح وصف الحجة بأنها برغماتية، ولكن البرغماتية تبقى محايدة، إذا تعلق الأمر بجوهرها القائم، كما يقول تعريفها، على اعتبار أن "المقولات والكلمات والأفكار هي أدوات للتحليل والاستشراف وحل المشكلات والعمل، وليست وصفاً أو تمثيلا للواقع فقط"، قبل وضعه في سياقه الصحيح.
فحين نسأل؛ هل يمكن لشعب يباد جماعياً أمام أنظار العالم أجمع وتصادر أراضي وطنه منه بمشاركة أقوى دولة في العالم المعاصر هي الولايات المتحدة، أن يطالب بإزالة الكيان أو النظام الاستعماري الاستيطاني ككل من الوجود فورا، أم أنه سيسعى إلى مقاومة المذبحة ومحاولة إيقافها أولا، ليتمكن بعد ذلك من التفكير بالخطوة أو الخطوات اللاحقة على درب نضاله التحرري الطويل دون نسيان هدفه النهائي؟ هذا السؤال سيقودنا إلى تفحص بعض أوجه النقد الصائب الموجه لآراء تشومسكي بعد وضعها في سياقها التأريخي والموضوعي الصحيح بعيدا عن أي تشنج وإساءات انفعالية وفي ضوء التطورات الأخيرة المتمثلة بحرب الإبادة الجماعية للفلسطينيين بغزة، وهو ما سنحاول مقاربته تحليليا في وقفة أخرى.



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قاموس جديد باللغتين العربية والإنكليزية عن لهجة عرب الأهوار ...
- مفاجآت الانتخابات الإيرانية: هل صارت المقاطعة سلاح المعارضين ...
- ج1/ مقدمة: موقف تشومسكي من حل الدولتين بين النقد الموضوعي ال ...
- السيرك السياسي في العراق ودعوة المالكي لانتخابات مبكرة
- وزير النفط ينفي حاجة العراق لميناء العقبة لتمرير مرحلة -حديث ...
- أضواء على الانتخابات الأوروبية: تقدم اليمين المتطرف جنوبا وا ...
- تعقيباً على ملاحظات د. عامر الجميلي على كتابي -الحضور الأكدي ...
- بين بياني الياسري والسوداني: أحد الطرفين يكذب علينا!
- صراعات الفاسدين: قائد -حشد العتبات- ويدعو إلى الحكم العسكري ...
- من أكاذيب المدافعين عن أنبوب نفط -البصرة العقبة-
- بغداد والتطبيع القسري: أنبوب نفط -البصرة -العقبة- قيد التنفي ...
- عن نساء البوتكس عندنا وعندهم: عمليات تقبيح وليس تجميل!
- سر عداء قيادات الإسلاميين الشيعة لثورة 14 تموز العراقية
- ج2/ إدوارد سعيد ونقده لعرفات وأوسلو والإسلام السياسي الفلسطي ...
- ج1/ قراءة في كتاب -إدوار سعيد حوار مع طارق علي-
- حذف ذكرى ثورة 14 تموز الجمهورية بقانون وإضافة عيد ديني خلافي ...
- هل من مقارنة بين ساسة العراق الشيعة وامثالهم في إيران ولبنان ...
- اليهود الصهاينة في قلب اليمين الأوروبي المتطرف سليل النا زية ...
- طبعة ثانية من ثلاثة كتب مرة واحدة لعلاء اللامي
- إردوغان في بغداد: كلٌّ يغنّي على ليلاه!


المزيد.....




- كير ستارمر.. أول رسالة من رئيس وزراء بريطانيا الجديد: -الوطن ...
- قتلتها والدتها.. الكشف عن تفاصيل جريمة مروعة في مصر
- -المحادثات مع رئيس الوزراء الهنغاري كانت مكثفة ومفيدة-.. أبر ...
- مراسلتنا: الجيش الإسرائيلي يقصف بلدات لبنانية جديدة لأول مرة ...
- إيران.. أولويات الرئيس المقبل
- عاصفة قوية تقترب من موسكو -فيديو+صور-
- مصر.. حفلة لـ-بلوغر مشهورة- تتحول لمعركة دامية
- شاهد.. مديرة مدرسة هندية تقفل الباب على نفسها وترفض التخلي ع ...
- كأس أمم أوروبا: أردوغان سيحضر المباراة بين تركيا وهولندا على ...
- أمير قطر: الوضع في غزة مأساوي ونسعى لوقف الحرب


المزيد.....

- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - ج2/تشومسكي وحلُّ الدولتين: بين النقد الموضوعي والتخوين