أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آرام كربيت - هواجس ثقافية وأدبية وسياسية ـ 218 ـ















المزيد.....


هواجس ثقافية وأدبية وسياسية ـ 218 ـ


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 8025 - 2024 / 7 / 1 - 12:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المختلة عقليًا
أرسلت لي إحدى السيدات رسالة لي على الخاص تشيد بكتابي الرحيل إلى المجهول.
وأشادت بالمعتقلين السياسيين، وبقدرتهم على التحمل.
الرسالة لم تتجاوز الثلاثة أسطر، قالت فيها أن روايتي الرحيل إلى المجهول جميلة ومميزة.
المسألة ليست هنا.
بعد زمن قصير وضعت النص على صفحتي دون ذكر الأسم، ثم كتبت لها، قلت:
نشرت النص على صفحتي دون ذكر الأسم.
ما هي إلا ثوان قليلة وإذ بهذه السيدة تنتفض، وتكتب بطريقة هستيريا.
أحذفه.. أحذفه، من سمح لك بنشره. قلت لها:
يا بنت الأوادم، أسمك غير مذكور.، قالت:
إنهم يعرفون خطي، أحذفه، أنا سنية في مدينة علوية، سيعتقلوني. قلت لها بكل أدب:
تكرمي يا سيدتي سأحذفه، لكن لا مبرر لهذا الخوف. قالت:
ـ هذا الخوف أنا أبرره. قلت لها:
هل أحذف صداقتنا؟
ـ يا ريت تحذفها.
مش بس كده على قولة أخوتنا المصريين.
مرت الأيام وإذ بأحد أصدقاء الفيس بوك، لم أكن أعرف إلى اللحظة الذي بعث لي رسالة، بينما أنا استعد للنوم، ومقيم في مدينة قريبة من مدينتي السويدية، قال:
ـ صدر كتاب لإمرأة سورية عن الاعتقال السياسي في سورية، هل قرأته؟
قلت له:
إذا ممكن ترسل لي الغلاف، دققت في الغلاف وإذ هو أسم السيدة الخائفة تتحدث عن الاعتقال، ووضعت أسماء المعتقلين وكتبت عنهم بالتفصيل الممل، وحللت باستفاضة عن الكثير منهم.
وقفت حائرًا لا أعرف ماذا أقول، قال هذا الشاب:
الكتاب عندي اشتريته من مدينتي، ونشر في السويد.
ـ وهل هذه السيدة مقيمة في سوريا أم في خارجها؟
ـ قال لا أعرف، لكني أخمن أنها في سوريا.
وأنا أخمن أنها في سوريا، لكني لا أعرف لماذا فعلت هكذا.

الوعي هو القيد المعلق في رقبة الإنسان، ويتحول مع تطور الزمن إلى مفاهيم راسخة تتبناه الدولة، وإلى مؤسسات يربط الفرد بالفرد من خلال القمع.
هذا الكون في حركته حر، وحر في تكوينه، بيد أني لا أعرف متى ولد هذا الوعي، ولا أعرف متى تحول إلى عبودية ونظام رق، ومتى ربط وشائجه في علاقتها بنفسه وبالعالم.

لم يقدم الغرب أي شيء جديد في مواجهة التطورات العالمية الضاغطة على عالمنا في مختلف جوانب الحياة، سوى عسكرة العالم.
كان يفترض في الدول الديمقراطية العمل على إعادة شباب الديمقراطية في هذه البلدان، إعادة إنتاجها بحلة جديدة لتتناغم مع تطورات الحياة، بعد أن شاخت وتعبت وأصبحت تمشي على العكاز.
تجمع خمسين دولة في معسكر واحد، تجمع عسكري حربي، دون طرح أية بدائل أخرى، يجعلنا نرتاب فيه ونفكر فيه، ونقول:
ـ هل أفلس الغرب أخلاقيًا سياسيًا اجتماعيًا ولم يعد لديه ما يقدمه، لهذا يلجأ إلى السلاح لتدعيم وجوده الوجودي؟
لقد تغير العالم أيها الغرب القديم، أصبح السلاح النووي متوفرًا في الكثير من الدول، والتكنولوجية، وعالمنا يتجه نحو حشر نفسه في المكان المظلم، يدخلنا في أزمة تلوة الأخرى، ولا بصيص ضوء في نهاية النفق.
خمسين دولة في معسكر مغلق، لم يتكلم كلمة واحدة عن السلام، عن بدائل، عن مفاوضات، عن حلول.
هل انعدمت الحلول لديكم، ولم يبق لديكم سوى التصوير أمام الكاميرات، والضحك الساذج أمام عالم أضحى مخيفًا بعد مجيء اليمين المتطرف إلى السلطة، والطاقمه العسكري إلى السلطة.
الحكومات الغربية التي تقود بلدانها غير جديرة في قيادتها، غير مهيأة، لا تملك الجرأة والفكر والتجربة والخبرة والمبادرة.
حكومات شاخت وشبه ماتت موتًا سريريًا، في ظل بروز قوى دولية عملاقة تريد حصتها من الثروة العالمية.
عالمنا يعج بالسياسيين الضباع، في ظل أزمة عالمية مكثفة، في ظل واقع عالمي مسدود لا يحله إلا الحرب، لإعادة إنتاج نظام عالمي مختلف عن السابق ربما يكون اسوأ.

الذي حرق القرآن واحد تافه ورخيص.
اتمنى من المسلمين أن لا ينقادون إلى الاستفزاز.
أصبح حرق القرآن لعبة سياسية من قبل عدة دول، تركيا أولًا. فأردوغان كذاب، تاجر رخيص في قضية الدفاع عن المسلمين. إنه علماني بامتياز، ولقد أقسم على الدستور العلماني وعلى خط سير أتاتورك القومي.
وإن حب المسلمين له عاطفي، بمعنى غير نابع عن محاكمة عقلانية. ثم إنه تركي قلبًا وقالبًا.
ثم بوتين، التاجر الأخر، الرخيص المأزوم مثل صديقه المضطرب أردوغان، فهو لا يحب المسلمين ولا الدين الإسلامي، كمان يريد أن يسوق نفسه بشكل انتهازي لحماية نظامه.
على المسلمين أن يثقوا بدينهم وبأنفسهم وأن يفكروا بمستقبلهم حتى لا يتحولوا إلى ورقة في أروقة الدول الإسلامية والعربية الظالمة بحقهم وحق الحياة وحق أبناءهم.
لو كانوا يحبونكم لاستقبلوكم في ديارهم.
أما أصحاب الصفحات اليوتوبية فأنهم يبغون بعض المال من خلال نشاطاتهم السخيفة، أنهم أشبه بتجار سوق الغنم.

الحرية بأجمل صورها عندما لا تتقيد بأي حزام ينسف عقلك وروحك.
مساحة الفراغ في البيت أجمل شيء فيه، الفراغ مجال للحرية، للتنفس والراحة النفسية، للحركة ومد البصر.
الكثير من الناس يملأون بيوتهم بالأغراض لدرجة لا يستطيعون الحركة فيه.
جارتي السويدية بيتها متروس بالأغراض، لا مكان للانتقال من المدخل الى غرفة الاستقبال، إلى المطبخ، أشعر بالاختناق عندما أدخله، أقول لنفسي:
ـ لماذا كل هذه القمع للبيت، للجدران والنوافذ، للباب، لماذا نحمله هذا الضغط، حيث أن المقيم فيه يشعر أنه مقيم في المستودع للقطع البالية.
مساحة الفراغ في بيتي كبيرًا جدًا يشغل أكثر من ثلثيه، في الحقيقة استمتع بالمكان الواسع رغم صغره.
كما أنه يسهل على المرء عند الانتقال من شقته إلى شقة أخرى أو حي أخر أو مدينة أخرى.
ثم هناك من يحب شراء كل شيء، الكثير من الأحذية بأنواع مختلفة سواء كان محتاجهم أو لا، والكثير من الثياب، والكثير من الألعاب للأطفال بمناسبة وغير مناسبة، شراء لإملاء الشهوات المريضة، للاقتناء وإملاء الفجوات الغامضة في النفس الإنسانية المتعطشة للأخذ والتخزين.
التخزين جزء من أمراض السجن، من الحرمان والخوف من الفقدان، أما الذين خارج السجن لماذا يخافون من هروب السوق من أيديهم.
السوق مملوء بالسلع، بل أنه مزدحم بالبضائع المنضدة على الرفوف، وعمليًا وواقعيًا السوق هو الذي يركض وراء الزبون لإغراءه بالشراء.
التواضع هو اساس التوازن النفسي، هو مفتاح السعادة.

في قرية المناجير المطلة على الخابور، أقمنا فيها مدة عام ونصف العام، كنت في الخامسة من العمر.
كان هناك عامل في المزرعة التابعة للدولة لديه هواية الصيد، وكان دائمًا يصيد بكميات كبيرة من الأسماك.
إحدى المرات صاد سمكة كبيرة جدًا ربما طولها متر وثمانين سنتمتر، لكنه أخذ على نفسه عهدًا أن يعطي كل الناس الموجودين في المناجير نصيبه من هذا الصيد. وقرر أنه لن يحرم أي إنسان
ذهبت مثل كل الناس ووقفت أمام السمكة الكبيرة المعلقة في السقف مستغربًا من حجمها الكبير، وكيف كان يقطع ويوزع كل قطعة كبيرة من اللحم على الناس.
نظر إلي بتمعن، قال لي:
ـ أنت أبن أبو آرام؟ قلت:
ـ نعم.
قطع قطعة كبيرة وأردفها بأخرى، وقال:
خذها لأهلك، وكلوها بالعافية.
اليوم تذكرت ذلك الرجل، أسمه آرام، أول مرة أتذكره بعد هذه المسافة الزمنية الطويلة.
قلت في نفسي:
يعتقد الإنسان أن من يمرون في حياته سيبقون على قيد الحياة، لن يرحلوا ابدًا.
عمليًا لا يزال هذا الرجل باقيًا في أعماقي، بالتأكيد لن يرحل ما حييت رغم مرور قرابة الستين سنة على هذه الحادثة.
وسألت نفسي:
ـ ترى متى مات هذا الرجل الكريم، ولماذا يموت الكرماء؟

الكذب هو شكل من اشكال التنازل عن الذات والحرية.

للتنويه، وأخذ العلم، لم ندخل السجن، أنا أو غيري، لأننا كنا أذكى أو فهمانين أكثر من النظام.
ربما لدى النظام فلاسفة وكتاب ومفكرين وأدباء ملمعين كتير، يفهمون أكثر منّا بآلاف السنين والمرات.
الفهم ليس مقياسًا للقيم والأخلاق والمبادئ ومعادلات الحياة.
نحن سجنا لأنه كان لدنيا موقف سياسي من النظام السياسي القائم، أي، أننا رفضنا الاستبداد السياسي والاجتماعي والقيمي وتبعاته على مختلف الصعد.
لهذا نقول أن الموقف، مسؤولية أخلاقية ووطنية وإنسانية.
والكتابة لها بعدين، أما أن تكون مع التيار او أن تكون بديلًا حقيقيًا، وكل واحد من هذين التيارين له حساباته.
تستطيع أن تشتري الكثير من المثقفين الفهمانين، لكن من الصعب أن تشتري إنسانًا صاحب موقف وقناعة.

أنت رجمت الربا، بيد أنك لم تعالج مشكلة المال وتكديسه، كيف يتم جنيه، شكل الاستغلال، وضرره على المحتاج، ودوره في الحياة.
لم تتكلم عن السلطة كلمة واحدة، بالرغم من دورها الاساس في بناء الإنسان أو تخريبه.
أنت تطرقت للقضايا الجانبية للحياة كالزنا وشهادة الزور والكذب، بيد أنك لم تدخل في لب المشكلة، السبب الأول للسرقة أو الزنا، واعتبرت المال شيء مقدس، والدليل رجمك للسارق بغض النظر عن سبب السرقة.
قدست الدولة، واعتبرت الحاكم الظالم مثل الحاكم النزيه وطالبت من مريديك أن يصبروا على تصرفات الحاكم الجائر وسلوكه الشأن وسرقاته، ولم تتطرق إلى محظياته وجواريه وظلمه.
أنت شريك اساس في الخراب الذي عاشته وتعيشه البشرية منذ آلاف السنين وما زلت.
والمشكلة أن المدفعين عن خرابهم يركضون وراءك، بمناسبة ودون مناسبة

أنت تظن أو تعتقد أن الثياب يمكن أن تخفي الأنثى، أو تتبدد تحته، أو أن تصهر وتتوه فيه وتختفي وتضيع نهائيًا.
الأنثى موجودة في ظلك، في أنفاسك وفي ملمس أصابع يديك وخصلات شعرك.
لا تكذب وتتوارى تحت ظلك، وكأنك لم ترها، أو كأن الثياب حجبت جمالها وألغت الألوان والرموز والأسرار التي شكلت منه.
إنها معك، على مرمى منك، في لون عينيك وبكاء شفتيك وبسمة وجهك.
إن صوت استغاثتها يمر على أوتار حبالك الصوتية ينادي عليك.
إنها تحت ثوبك، صراخها في حنجرتك تناشدك أن تكون أنت.
تقول لك:
لا تحجب النداء، صراخي هو صراخ الأشجار والزهور والضوء.

كان التاريخ وما يزال، تياران متوازيان يسيران جنبًا إلى جنب، وسيبقى وسيستمر، لأن هناك خلل في هذه المسيرة الطويلة، إلى أن يتطابق أو يطبق أحدهما على الأخر.
للحقيقة تيارها، أنه يسير بشكل متعرج، يصعد ويهبط، يميل، يتعب يعاني من إجهاد، من طعنات كثيرة، بيد أنه يسير إلى الهدف، إلى أن يصل إلى غاياته في التطابق بين الحق والحقيقة.

ملاحظة:
الرواية، عرج الجوى، نشرت في مركز نقد وتنوير للدراسات الإنسانية، ووضعتها على صفحتي صباح هذا اليوم.
كتب لي على الخاص، الصديق الدكتور علي وطفة، أستاذ الفلسفة في جامعة الكويت عن روايتي عرج الجوى:
صباحكم ورد - تتألق روايتكم الكريمة، عرج الجوى، بتخاصب منهجين فكريين رائعين ينتسب الأول إلى الفيلسوف الثائر نيتشة في كتابه المشهور: "هكذا تكلم زرادشت"، وينتسب الثاني إلى مفكر الثورة التربوية جان جاك روسو في كتابه التربوي المعروف " إميل" .
وتتميز الرواية بقدرتها على توليد هذا التخاصب الفكري الثرّ المثمر بين الفكر التربوي الحرّ الذي يتجلى في منظوري روسو ونيتشة على حدّ سواء، وبين الدعوة إلى الثورة على القيم التربوية السلبية السائدة في مجتمعاتنا التقليدية. وهذا يأتي في إطار الأصالة العفوية التي يتميز بها منهجكم الكريم.
ولعل روايتك التي بدأت بقراءتها للتو تشكل منهجًا أدبيًا يدعو إلى تفجير الأطر التقليدية للتربية العربية بطريقة فنية وأدبية ساحرة.
والرواية في كل الأحوال تشكل موضوعًا تربويًا مهمًا للباحثين والدارسين التربويين الذين يمكنهم استخراج المعاني التربوية المتجددة فيها، والعمل على استثمارها وتوظيفها توظيفًا إنسانيًا نقديًا في الفكر التربوي العربي المعاصر.
وإنني أجدها فرصة نادرة ومهمة لتناول هذه الرواية في محاضراتي القادمة، وطرحها منهجا للعمل التربوي، يعنى باستخراج معانيها التربوية ودلالاتها الفكرية.
وسأكلف طلابي في الماستر، والإجازة أيضا، بقراءتها والعمل على تفكيكها وتوظيفها تربويا في النشاطات والفعاليات الفكرية التربوية.
وضمن هذا السياق، سنعمل على تقديم كل فصل على صورة محاضرة نناقش فيها مختلف التجليات التربوية في الرواية بدلالاتها ومعانيها .
وأسمح لي أن أرفع إليكم كل الشكر والتقدير والعرفان على هذا الإبداع الأدبي التربوي على نحو يتميز بالثراء والإبداع والعطاء.

أنا من صنع الكثير من التماثيل، وجسدها على أرض الواقع، وبثثت فيها الحياة، علهم يرتقون إلى مصاف الجمال والحرية والنور.
بهذه اليد، والأظفار نحت الصخر أيام وليالي، لأخرجهم إلى الضوء والشمس.
كنت سعيدًا بنفسي وبهم، بالألوان التي كانت تشع من وجوههم وأيديهم، بالشموع المزينة بالنار المشتعلة بالقرب منهم.
كنت أعمل بلا كلل أو ملل أو تعب، في عقلي وقلبي هم أن أرى أمامي وجوه جميلة مملوءة بالحياة والأمل والحب والحرية.
لم انتبه عندما انتهيت من الصنع، أن أغلبهم عاد إلى نفسه، وتحول إلى حجارة صماء بسرعة البرق.
الكسر الذاتي مزقهم إربا، وتناثرت أجزاءهم إلى قطع صغيرة فأصغر. سألتهم:
ـ من الذي حولكم إلى حجارة، وقبل لحظات كنتم تنطقون بالحيوية والعطاء؟
قالت إحدهن:
ـ لم نتحمل ثقلنا. إنه القيد الداخلي الذي منعنا. لسنا مهيئات لحمل هم الجمال والحياة والفرح. نحن مجرد حجارة صماء لا يمكن لرعشة الحياة التي بثثتها فينا أن تصنع الحياة في الميت.
بكيت عليهن وعلى نفسي، وقلت لنفسي:
ـ إن إرادة الإنكسار والهزيمة لديهن أقوى من الحرية والحياة.
عدت أدراجي حزينًا مهزومًا دون إرادة الهزيمة في داخلي. حزينًا من هول الموت والرغبة فيه في هؤلاء التماثيل الحية

قبل الغروب بقليل، كنت جالسًا مع طفل آخر في مثل عمري تحت ظل سقف لممر الكنيسة في مدينة رأس العين، نلعب الضامة. قلت له:
ـ هل رأيت شيئًا غريبًا حدث قبل دقائق؟ قال:
ـ مثل ماذا؟
ـ هناك رجل دخل غرفة الإدارة.
ـ وأين المشكلة أن يدخل ساكو غرفة الإدارة؟
ـ المعلمة في الإدارة تدرس لتحضر نفسها للدخول إلى الجامعة.
ـ هذا شيء عادي أن تقرأ وتدرس.
قلت لنفسي هذا الطفل في مثل عمري، بيد أنه بغل حقيقي لا يعرف ماذا حدث ويحدث.
ـ ماذا يفعلان في الإدارة وحدهما إلى هذه الساعة، والوقت الصامت الحزين يخلدهما، ويتجه نحو الليل والرحيل؟
ـ ربما يشربان الشاي ويتحدثان؟
ـ الإدارة معتمة، والليل بينهما مخيف. إنهما في عريهما يتناجيان.
ـ أعوذ بالله منك يا آرام، أنت شيطان في ثوب إنسان. كيف تفكر بهذه الرذائل؟
صمت على مضض لأن الذي معي بغل غبي يحتاج إلى رسن يشده إلى شجرة.
كنت في الصف الخامس الأبتدائي.
في اليوم الثاني قلت لمهير، الاسم أطلقه القسيس كيفورك على أحمد الحاج كنعو:
ـ هل تعلم ماذا كان يوجد هنا. وشرحت له المسألة العويصة ومعرفتي أنهما، المعلمة وساكو، أكلا من شجرة معرفة الخير والشر وأن الثمرة تحت لسانهما.
نظر إلي هو الأخر كالبغل الأول، علمت أنه لم يفقه أي شيء. فشرحت له الأمر بالتفصيل الدقيق، ورأي بهما.
ما فعله أحمد أنه بدأ يبتزني كلما فتحت فمي لأتكلم بموضوع ما، أو حدث ما. كان يشير مجرد إشارة باصبعه من بعيد، أو بعينه أو فمه، فأفهم الإشارة وأسكت. اقمع نفسي مخافة الضرب.
بقي الأمر هكذا إلى أن نجحت إلى الصف السابع، وقتها تنفست الصعداء وتحررت من الضغط النفسي الذي مارسه علي صديقي.
وبعد أن أصبحت خارج المدرسة التقينا في الشارع، قلت له:
ـ يا ابن ستين .... ، أمك كذا وكذا. لم يجب. سأفج رأسك وأكسره بيدي يا حقير.
كمان لم يجب بكلمة واحدة، بقي صامتًا.
كان جبانًا.
كنت أرغب في قرارة نفسي أن أضربه بكل ما أملك من قوة، أن أكسر رأسه، لأنه استطاع بدهاء أن يسيطر علي مدة سنة ونصف.

عندما قرر جدي الرحيل من الشمال إلى الجنوب جهز البغال، ووضع على ظهر كل واحد المستلزمات الضرورية.
ترك أحد البغال جانبًا، وعندما سألته:
ـ ماذ ستفعل بهذا الرهوان العجوز؟
قال:
ـ سأضع عليه حدوة حصان وتمثال من الحجر البازلتي الصلب.
ـ تمثال من الصخر، لمن، ولماذا؟
ـ التماثيل كائنات حية، ناطقة يا طفلي الصغير.
ـ ومن هو هذا الكائن الناطق؟
ـ إنه إله الأعشاب يا حفيدي، الإله القديم. سأخذه معي في ترحالي الأثم. لقد كان هذا الإله نجم في السماء يضيء لي طريق الليل وعد النجوم. إنه من بقايا جدي الأول والثاني والثالث والرابع والأخير، ورسالته أن أبقي عليه وأحضنه.
ـ وما الغاية من هذا؟
ـ إنه ذاكرة أجدادي الكبار الذين عشقوا الأرض وتمسكوا بها. اليوم هذه الأرض موجوعة تنظر إلى هذا الإله الأعزل بلوعة، لتستمد منه القدرة على مواصلة البقاء علّ الزمن القادم يكون أقل قسوة عليها.

كيف ستنتصر الثورة إذا كان أهم من تنطح لقيادتها لا عقلاني ولا يؤمن بمفهوم الوطن أو الديمقراطية أو المواطنة.
وإن المسلم الباكستاني أو الاندونيسي أهم وأشرف لديه من جاره المنتمي إلى دين آخر أو مذهب آخر.
وإنه النقي، المؤمن الشريف، وغيره كافر وذمي وأقل منه مرتبة في الحياة والآخرة.
وليس في جعبته برنامج سياسي مرحلي أو استراتيجي يفاوض بها انصاره ومريديه وأعداءه، وهذا العالم السياسي الدقيق في رغباته والتعبير عن مصالحه وأهدافه وتوسعاته.
لا يمكن لأي ثورة في هذا العالم المتغول أن تنتصر، والقائمين عليها لديهم مفهوم فوق وطني، مفهوم غامض وضبابي وأهم أسسه هو القضاء على الكفار في حرب جهادية مفتوحة على فضاء مفتوح.
من الطبيعي ان تفشل مثل هكذا ثورة يقودها عجيان فارغين سياسيًا وأخلاقيًا، لا أنتماءًا لهم، ولا قيمة للإنسان فيها لمشروعهم.
كيف يمكننا الثقة بمثل هؤلاء البسطاء؟
من الطبيعي أن العالم السياسي الدولي من مصلحته أن يبحث عن من يتوافق مع توجهه السياسي ومصالحه بعيدًا عن اللعب مع الأطفال العابثين، كالمعارضة الاستنبولية ومن على شاكلتهم.

عقدة الاضطهاد تعاني منها جميع المجتمعات في الدولة الاستبدادية.
هذه المجتمعات هي صانعة هذه العقدة ومروج لها. ففي الوقت الذي تبجل المستبد وتخضع له وتقبل حذاءه، وتعلن ولاءها له، وتروج لبقاءها، تلتف إلى نفسها في لحظة الحقيقة، لتعلن بوحها وألمها وقهرها من التهميش والاستلاب والذل والهزيمة والغربة.
إن الاستبداد مفرخة للذل والقهر والهزيمة، ففي الوقت الذي يركض المستبد وراءنا ليسيجنا في سجنه، نركض وراءه لنحضنه.

أول شعور بالحرية عشته في حياتي عندما انتقلت من المدرسة الخاصة إلى المدرسة العامة, الحكومية, كان ذلك في الصف السابع.
منذ ذلك الحين تحررت من الذهاب إلى الكنيسة يوم الأحد, من القس الغليظ الذي كان يحرمني من اللعب يوم الأحد والنوم إلى وقت متأخر ويجبرني على حضور جميع المراسم المملة وطقوس الصلاة.
منذ ذلك الوقت لم أدخل الكنيسة إلا لدواعي عامة, عرس أو وفاة أو حفلة موسيقية.
الحرية بأجمل صورها عندما لا تتقييد بأي حزام ينسف عقلك وروحك.

الخلافة التي طرحت مؤخرًا, هو مفهوم عنصري بامتياز, لأنه مفصل على مقاس فئة ضيقة من الناس, لها مهمات شكلانية بحتة. لا برنامج اقتصادي أو اجتماعي, لصالح حالة سياسية هلامية.
الخوف, أن تتبنى الإدارة الأمريكية, هذه الشكلانية السياسية, في المنطقة في مواجهة مفهوم عنصري أخر, ولاية الفقيه, ليتحول الصراع المائع داخل فضاء فضفاض.
وتعويم الصراع, المشاريع الاسلاموية, الدولة الاسلامية, المفهوم العابر للحدود, واستغلال برامجهم الاستراتيجية الفارغة لتمزيق المجتمعات العربية والاسلامية في اسوأ ما يتخيله عقل.

كل اللحظات هاربة قبل أن تبدأ، وأنت كالريشة، تتمايل مع هبوب الريح.
موطن الموت هو اليقين الثابت، واليقين حامل لذاته، هارب إلى اللأجدوى.
من ملك اليقين مات قبل أوانه، جثته المتحللة بيننا، أراها تتنفس، وتتحرك وتنام وتأكل وتتغوط.
لم يخلق هذا الكون من اليقين، ولن يذهب إليه، أنه خبط عشواء، مستمر قبل أن يبدأ، وسيستمر لأنه ولد من اللايقين.
هؤلاء اليقينيون عالة على الوجود كله، يعلفون الكلمات دون هضمها أو تفكيكها، لهذا أصبحوا زبد الطبيعة والبحر والبشر.
الشك هو المدخل إلى فهم التناقض بين الحلم والواقع، بين الخيال والحقيقة، فعدم يقينية أحدهما هو ارتقاء للأخر.
وقائع اليوم، مجرد خيال بعد ساعات، فالإنسان مجرد هباء منثور، متنقل لا قابض للريح، لأن هذه الأخير كائن متناثر، غير واقف في مكانه، ولا يلتفت إلى نفسه. بقاءه وتنفسه في حركته.


العمل الروائي هو اقناع القارئ بما يدور في الرواية من أحداث، من فرح أو حزن، ضحك أو بكاء، أدخال الدهشة إلى عقله وروحه، أن يخرج منها ولا تخرج منه، أن تسحره وتجعله في حالة مختلفة عما كان قبل قرأتها.
ليس مهمًا تطابق العمل الروائي مع الواقع، فالرواية تنسحب من الواقع لتعوم عليه، تسخر منه أو تلونه أو تعلي من شأنه أو تذله أو تمجده.
الرواية ليست أرشيفًا، أو تاريخًا أو حاضر، أو ماض، انها سحر الكون، الطبيعة البكر، عبث من عوابثها أو قوانينها، يأخذها الروائي كلوحة فارغة، ويبدأ بتلوينها، يمسك الريشة، يرسمها بالكلمات على الورق
الفانتازيا، ممكن تكون أجمل الأعمال الروائية، كرواية العطر لزوسكند، أو الدمج بين الفانتازيا والواقع والسخرية منه، كموسم الهجرة إلى الشمال.

الثوب السميك الذي ترتديه يا سيدتي لا يلغي الأنثى في داخلك أو يخفيها عنا.
هفهفة ثوبك، يصدر لنا أنغام مبهجة، أصوات صادحة بالرغم عنك، ويرسل مجسات وإشارات تعيدنا إليك، وتحرض ذاكرتنا الأولى، فتنتصب الروح وتهتز، وتدخل القشعريرة في الجسد والخلايا.
اهتزاز الأثنى في داخل الرجل لا يمكن لكل أقمشة الأرض أن يمنعه.
لا تقمع الجمال، والأسرار، والرموز النائمة خلف الثوب أو داخله، لأنه لن يقف في مكانه.
سينبهق وينفجر كنبع ماء، ويخرج من ذاكرتك الأبدية ليحط رحاله في ذاكرة الرج

أنا من صنع الكثير من التماثيل، وجسدها على أرض الواقع، وبثثت فيها الحياة، علهم يرتقون إلى مصاف الجمال والحرية والنور.
بهذه اليد، والأظفار نحت الصخر أيام وليالي، أردت أن أخرجهم إلى الضوء والشمس.
كنت سعيدًا بنفسي وبهم، بالألوان التي كانت تشع من وجوههم وأيديهم، بالشموع المزينة بالنار المشتعلة بالقرب منهم.
كنت أعمل بلا كلل أو ملل أو تعب، في عقلي وقلبي هم واحد، أن أرى أمامي وجوه جميلة مملوءة بالحياة والأمل والحب والحرية.
لم انتبه عندما انتهيت من الصنع، أن أغلبهم عاد إلى نفسه، وتحول إلى حجارة صماء بسرعة البرق.
الكسر الذاتي مزقهم إربا، وتناثرت أجزاءهم إلى قطع صغيرة فأصغر.
سألتهم:
ـ من الذي أعادكم إلى حجارة، وقبل لحظات كنتم تنطقون بالأمل والفرح والبهجة، بالحيوية والعطاء؟
قالت إحدهن:
ـ لم نتحمل ثقلنا. إنه القيد الداخلي الذي منعنا. لسنا مهيئات لحمل هم الجمال والحياة والفرح والحرية. نحن مجرد حجارة صماء لا يمكن لرعشة الحياة التي بثثتها فينا أن تصنع الحياة في الميت.
بكيت عليهن وعلى نفسي، وقلت لنفسي:
ـ إن إرادة الإنكسار والهزيمة لديهن أقوى من الحرية والحياة.
عدت أدراجي حزينًا مهزومًا دون إرادة الهزيمة في داخلي. حزينًا من هول الموت والرغبة فيه في هؤلاء التماثيل الحية الميتة.

الثوب السميك الذي ترتديه يا سيدتي لا يلغي الأنثى في داخلك أو يخفيها عنا.
هفهفة ثوبك، يصدر لنا أنغام مبهجة، أصوات صادحة بالرغم عنك، ويرسل مجسات وإشارات تعيدنا إليك، وتحرض ذاكرتنا الأولى، فتنتصب الروح وتهتز، وتدخل القشعريرة في الجسد والخلايا.
اهتزاز الأثنى في داخل الرجل لا يمكن لكل أقمشة الأرض أن يمنعه.
لا تقمع الجمال، والأسرار، والرموز النائمة خلف الثوب أو داخله، لأنه لن يقف في مكانه.
سينبهق وينفجر كنبع ماء، ويخرج من ذاكرتك الأبدية ليحط رحاله في ذاكرة الرجل.



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هواجس ثقافية وفكرية وسياسية 217
- هواجس فكرية وسياسية 216
- هواجس ثقافية وسياسية وفكرية ـ 215 ـ
- هواجس ثقافية وسياسية واجتماعية ـ 214 ـ
- هواجس ثقافية وفكرية وسياسية وأدبية 213
- هواجس ثقافية 212
- هواجس ثقافية وسياسية وأدبية ـ 211 ـ
- هواجس ثقافية وسياسية 210
- هواجس ثقافية وسياسية وأدبية ــ 209 ــ
- هواجس ثقافية وأدبية 208
- هواجس ثقافية وسياسية 207
- هواجس ثقافية وسياسية 206
- هواجس ثقافية ـ 205 ـ
- هواجس ثقافية 204
- هواجس ثقافية 203
- هواجس ثقافية وسياسية ـ 202 ـ
- هواجس ثقافية 201
- هواجس ثقافية وأدبية ـ 200 ـ
- هواجس ثقافية وسياسية 199
- هواجس ثقافية 198


المزيد.....




- فيديو يوضح مدى سرعة انتشار الحريق الناتج عن الألعاب النارية ...
- تفاعل على رد فعل سياح خليجيين لحظة تعرضهم لتهديد من تركي يحم ...
- رئيس وزراء هولندا يغادر منصبه على دراجة هوائية
- زعيم كوريا الشمالية يجري تفتيشا على مصانع للذخيرة (صورة)
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 10 مسيرات أوكرانية فوق 3 مقاطعات ر ...
- أكبر كارثة في أجواء الخليج.. صاروخ أمريكي يخترق قلب طائرة مد ...
- سالدو يسمي الدول التي تستورد منتجات مقاطعة خيرسون الروسية
- كوبا أمريكا: البرازيل تتأهل وتصطدم بالأوروغواي في ربع النهائ ...
- الرئيس التونسي يحدد 6 أكتوبر موعدا للانتخابات الرئاسية
- مخربون في النمسا يقطعون رأس تمثال للعذراء وهي تلد بالمسيح


المزيد.....

- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آرام كربيت - هواجس ثقافية وأدبية وسياسية ـ 218 ـ