أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آرام كربيت - هواجس ثقافية وفكرية وسياسية 217















المزيد.....


هواجس ثقافية وفكرية وسياسية 217


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 8024 - 2024 / 6 / 30 - 23:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


صديقي عمار رزق، كمان كان معي في السجن، في عدرا وتدمر، قال لي إحدى المرات:
في حارتنا في صحنايا بدمشق، كان هناك امرأة كبيرة في السن في زمن التلفزيون الأبيض والأسود.
في المساء تتجمع النساء لحضور المسلسل أو أغنية أو ما شابه ذلك، وكانت تأتي هذه المرأة المسنة، البسيطة، ربما كانت مصابة بالزهايمر أو بدأ يشتغل في دماغها.
عندما كانت ترى في التلفزيون، النساء محتشمات كانت تصرخ بالصوت العالي وبفخر وبفرح غامر:
ـ هدول النسوان من جماعتنا، وكانت تمد أصبعها إلى الشاشة كإشارة إلى الحدث.
وإذا انقلبت الشاشة وتغير المشهد، وبرز عليها نساء مزنطرات، مرتديات المايوه وحمالة الصدر، تنقلب سحنتها ويتغير لون وجهها من الوردي الفاتح إلى الكحلي الغامق:
ـ يعق، شو وسخين هدول النسوان، هدول مو من جماعتنا.
وتقضي السهرة كلها بهذا الكلام، هدول من جماعتنا، وهدول مو من جماعتنا، والوجه يتبدل ويتغير، وسط ضحك وقهقهة النسوان والأطفال.
تتحول السهرة إلى مسرحية جميلة، خاصة أن مجتمعنا اللا جميل يعج بهاتين المقولتين:
هدول من جماعتنا وهدول مو من جماعتنا.
أما الذين لا جماعة لهم، إلى أين يذهبون؟

في سجن عدرا بدمشق كنت اقرأ كثيرًا عن التجربة أو الدعوة المحمدية.
وكما هو معروف فأن المسلمين قدسوا محمد، بالتالي أغلب الكتب التي كنت اقرأها كانت تتحدث عن مناقبه الشخصية والسلوكية، عن زيجاته، غزواته بالكثيرة من الحب والإعجاب.
بالعموم، هكذا قرأنا هذا التراث، قرأناه من وجهة نظر واحدة، تاريخ خطي، تاريخ لا أخطاء فيه، كله حلو وجميل وصحيح وكله أخلاق عالية ومحبة، والقلوب موحدة كالبنيان المرصوص.
ليس هذا ما أريد قوله.
ما أريد قوله، كنت أرى محمد في منامي مرات كثيرة، رجل مهيوب، جميل جدًا، مربوع القامة، أبيض الوجه كما كانوا يوصفوه في الكتب.
عندما كنت أستيقظ من النوم اتذكر مجريات المنام، وفي فترة العشاء كنّا نلتف حول الطعام مع بعضنا، بحضور الصديق محمد سيد رصاص وسلامة كيلة وأحمد حسو، ورضا حداد وغيرهم، كنت أروي لهم المنام، كانوا يضحكون بل يقهقهون، البعض كان يقول:
ـ خفف قراءة التاريخ الإسلامي، هذا المنام انعكاس لما تقرأه. كنت أقول:
ـ أعرف أن الدماغ يترجم ما يريده ويتأثر بما يروى له.
قال الصديق محمد رصاص مازحًا:
ـ أوعى تحكي للأخوان المسلمين هذا النوع من المنام، ترى ستتحول إلى مزار، ستصبح ولي من أولياء الله، وسيتباركون بك.
رد رضا:
شيوعي وولي، وين صارت، أنتبه، هاههاها؟
وكنّا نضحك.
كتبت هذا النص، بمناسبة انتقال القسيس ريتشموند واتباعه من جنوب افريقيا من الضفة اليمنى إلى الضفة اليسرى في البيت الواحد، البيت اليهواوي.

كتبت مرة أن التواضع يتضمن الغرور، كلاهما حالة مرضية، أحدهما ينتظر الفرصة المناسبة ليطغى على الأخر، والمسألة مسألة زمن ووقت.
الإنسان الطبيعي، هو المتوازن، هو القادر أن يقدم نفسه كما هو لا مغرور ولا متواضع.
وهذا الإنسان الطبيعي هو القوي في بناءه النفسي الداخلي والعقلي.

تذكرت التنور، رائحة نار عيدان القطن، وجه أمي، والزمن الأول والفرح الأول، والعجين المختمر في الطشت، والأغطية عليه، والكلب عرقوب جالس بالقرب منه، وبينهم، الانتظار والقلق المرسوم على وجهها، وعينيها المحدقة في عيوننا، والرغيف الذي ينصهر في الأتون الأحمر ليلونه.
لم أعد أذكر أي تنور، كلهم كانوا معنا في رحيلنا وترحالنا الدائم، في الحوش الكبير في بيت ابو ليفون في مدينة رأس العين، في الساحة المفتوحة المطلة على الخابور المتألق في المناجير، على ضفاف العنب والتين في قرية تل كيفجي، في القامشلي، وفي ضيعة دبانة عندما كنا نذهب إليها خلال فترات متقطعة أثناء زياراتنا لبيت جدي.
كان زمن طفولتنا جميلا، بريئًا خاليًا من الآلات المعقدة والتقنيات الحديثة.

كما توقعنا، كانت أوكرانيا شيء نافل في الحسابات الأمريكية، أدت الغرض المطلوب منها وانتهى دورها وعليها أن ترمم أو تلعق جراحها.
لقد كان كان الهدف من توريط هذا البلد، أوكرانيا، هو العمل على انزياح أوروبا عن روسيا نهائيًا، ليهدأ بال الصانع السياسي والاستراتيجي الأمريكي، وتعزيز الانقسام في هذا العالم الى فسطاطين، مؤمنين وكفار، أخيار وأشرار.
اليوم يقولون لأوكرانيا أنتم تقررون ما تروه مناسبًا لبلادكم، أن تعقدوا السلام مع روسيا أو تحاربوها.
زيلنسكي المناضل مصمم على الصراخ والمطالبة بالسلاح، يمتنعون مرات، يسخرون مرات، يعطوه بنادق وجعوب سكائر والكثير من الوعود الكاذبة مرات، ويتحاشوه مرات كثيرة، يريدونه أن يفهمها، أنو حل عنّا رجاءًا، بيد أن هذا البليد لا يريد أن يفهم أن دوره أنتهى.
وما زالت أوكرانيا تتمزق، تتدمر، تتفكك، يموت الناس مجانًا وتضيع حياتهم في دهاليز السياسة العالمية.
قلناها سابقًا، فخار يكسر بعضه، هذه هي الرغبة الأمريكية الحقيقية.
إذا أردت أن تعرف أبعاد السياسة الأمريكية، أنظر إلى أنيابهم المفترسة.

آرام كرابيت
أبق حيث الغناء
عدت إلى بيت نجيب مشيًا على الأقدام، لتوفير أي مبلغ نقدي للأيام القادمة، الذي كان ينتظرني على أحر من الجمر.
مكسورًا، حزينًا، لم يعد لي وطن أو أرض، إلى أين سأذهب، هذا ما قلته لنفسي؟
قال نجيب:
ـ ماذا حدث لك؟ هل ستسافر قريبًا؟
إن لهفة نجيب وشوقه لمعرفة ما دار وما حدث كان كبيرًا، وملامحي تشيء أنني لست على ما يرام. قلت له:
ـ كان تحقيقًا يا نجيب، كتحقيق دائرة المخابرات، يريدون معرفة كل شيء عني. فتحوا ملفًا، ووراء الطاولة كان يجلس شاب أشقر في مقتبل العمر، وسيم، يتقن الانكليزية بطلاقة، مهذب جدًا، أردني الجنسية، ولا فارق، بين دائرة المخابرات والمفوضية، التوتر ذاته، والأسئلة ذاتها. ما زال الانتقال إلى المستقبل متجاوزًا الحاضر في محاولة معرفته بعيد جدًا يا نجيب.
تناول المحقق، الأسم والكنية ومكان الولادة، يسال باللغة العربية ويكتب بالأنكليزية على الآلة الكاتبة، ثم وقف، وطرح علي السؤال المؤلم:
لماذا تقدمت بطلب اللجواء؟ وأضاف في لهجة آمرة:
ـ تعرى.
وقفت أنظر إليه بحيرة وقلق وخوف، مستغربًا من قدرة الكلمة على الاختراق إلى أعماق الذات وتمزيقها من الداخل، هذا العري الملتبس يدخل المرء في التوهان.
تدخل نجيب، وطرح علي سؤال المحقق:
ـ هل طلب منك أن تتعرى؟
ـ نعم، أين الغرابة في الأمر؟
ـ أكمل يا آرام، قصتك الغريبة جدًا، لم يسبق لي أن سمعت بهكذا حكاية.
ـ هذه الحكاية، العري المشوه موجود منذ أمد طويل جدًا. الناس لا يرونه
وعندما رأى المحقق ترددي، أشفق علي، قال:
ـ كل الذين مروا من هنا تعروا. لا تخجل، أنزع ثيابك كلها بما فيها ثيابك الداخلية. هل تريد أن أساعدك؟
قلت له:
ـ أنا عاري تمامًا، في كل مكان أدخله يعروني ليأخذوا حاجتهم، بيد أنهم لا يسألون عن حاجتي.
ـ هذا هو الواقع، علينا أن نتعامل معه بكل شفافية لنمرر الأيام والحياة بكل سلاسة.
تعريت، خلعت ثيابي كلها ووقفت أمامه كما خلقتني أمي. انهمرت دموعي حزنًا على نفسي وزمني الذي ليس زمني.
ـ أكمل عريك حتى نراك.
قلت للمحقق:
ـ حاضر يا سيدي، عندما خرجت من السجن، منذ لحظة الخروج تمامًا شعرت أن الأرض، المكان الذي أعرفه لا أعرف. أعاني من الواقع، انفصالي الكامل عن موطئ قدمي. أنا غريب، وغربتي في وطني دفعني لأن استقل عنه. لم تكن الهجرة والرحيل جزء من همومي، بله لم أفكر بالهجرة، كان الوطن بالنسبة لي مساحة الجمال، مساحة للالتحام بالطفولة والسماء والفرح والطيران، بيد أن هذا الانفصال عنه، سببه السجن. هذا السجن توهني وشتتني وحولني إلى شبح نائم في الذات، لا يريد أن يبارحني، وكنت أقول لنفسي:
هل هذا هو الحلم الذي كنّا نحلم به، أن نرى الأرض والوطن مجرد مكان أجرد عديم الحياة.
ـ وقف وقف؟ ماذا تقول، أنت عينة غريبة من الناس، تتكلم بالألغاز. سأطرح عليك الاسئلة، وبعد ذلك تجيب.
ـ هل كنت سجينًا؟
ـ نعم.
ـ ممكن تحدد بالتفاصيل الدقيقة، أن تقول كل شيء، سأدون حججك واحجيتك، ثم اقرأها لك. لا تخف، أنت عاري وليس لديك ما تخسره. أليس وطنك عاريًا، فلماذا تخجل؟ ألم تتعر أمام المخابرات فما هي المشكلة أن تتعرى أمامنا، تابع.
ـ أنا من سوريا، سجنت مدة ثلاثة عشرة عامًا.
ـ آه، ثلاثة عشرة عامًا، لأسباب سياسية.
ـ نعم.
ـ أين ومتى، في أي سجن ومتى؟ وهل تعرضت للتعذيب؟ الرجاء أن تجيب على اسئلتي.
ـ أنا أكره التحقيق. هكذا حققوا معي كما تفعل أنت، الفارق بينكما أنك لا تشتمني أو تضربني.
استمر التحقيق أكثر من ساعتين، تهذيب الشاب وقدرته على طرح الاسئلة، ونظراته العميقة وتأمله العميق، وحزنه المخبأ في عينيه كان واضحًا عندما كنت أذكر التعذيب في سجن تدمر، بيد أنه استطاع أن يبقي ملامحه حيادية إلى حد كبير دون أن يبدي تعاطفًا وظيفيًا حتى لا يشعرني أنه متعاطف معي أو أنه إلى صفي.
قال نجيب، خير يا آرام، ربما بعد شهر ونصف يسهلوا عليك أمرك ووضعك ويرحلوك إلى الدولة التي تريد، هناك سترتاح.
قلت:
ـ نجيب، لن ارتاح. حتى السجين نفسه لا يعرف نفسه، شيء عميق في داخله لا يقبل الراحة أو الاطمئنان أو الخلود للاسترخاء، الأسئلة الحقيقية عن نفسية السجين بعد السجن صعبه، هو ذاته بعيد عنها.
هذا الخارج، خارج الحياة، وضع قاتل. إن الانقطاع الطويل عن الحياة والناس والمجتمع يمزق الداخل. يمزق التكوين النفسي والروحي والعقلي له. كأن ذاته ليست له، وكأن هو ليس هو، يحب المكان ولا يحب المكان، ينتمي إليه ولا ينتمي، يحس بالأشياء التي أمامه ولا يحس بها. وهناك دائمًا عودة إلى الطفولة، مكان الحلم، الأم، الرحم الأمن من أجل إعادة التوازن. وكأن كل قطعة في الذات مفككة إلى قطع صغيرة فأصغر، كمحرك السيارة المعطل الذي يحتاج إلى إصلاح من الداخل، في أعماق الداخل.
أنظر إلى الناس أشعر أنني لا أعرف أحد، وكأن العقل الظاهر والباطن ليسا لي على الأطلاق.
كنت أتكلم مع نجيب الفنان المرهف الاحساس، ينظر إلى وجهي، بيد أنه يبقى صامتًا، ربما كان يقول في سر نفسه، من هو هذا الكائن الغريب، كيف هلّ علي فجأة دون معرفة مسبقة، وكأنه الشبح الغامض جاء من السماء ليتحدث معي بالطلاسم والأحجية الغريبة؟
ـ لا تخف يا آرام، أرى أنك أجمل إنسان رأيته في حياتي، مهذب وخلوق ومثقف ورقيق، ساتمسك بك ولن أتركك مهما كلف. أنت محترم جدًا، عمليًا ليس لدي أصدقاء في هذه المدينة لأن وقتي اقضيه في الشغل، ولدي صديقة يمكننا أن نلتقي أنا وهي عندما نريد، وسأخبرك بالأمر في حال لقاءنا وسأعرفك عليها، لهذا وجودك معي لن يضرني على الأطلاق، بل هو إغناء لي، سنتسلى معًا، نمشي معًا، ونجلب الكتب ونقرأ ونطبخ ونأكل ونجلي، وعندما أذهب إلى عملي في مطعم الفردوس، ستبقى في البيت أو تمشي وتتعرف على عمان بشكل أفضل، وكل كم يوم تعال معي إلى المطعم لتستمع إلى الأغاني وتتعشى، ونعود معًا.
بعد بضعة أيام من هذا الحديث جاء نجيب بالسيارة، قال لي:
ـ أخذت إجازة من العمل هذا اليوم، سنذهب إلى عجلون، هناك يسكن أهلي، سننام هناك، لدي حفلة، سأغني فيها، وستكون معي ونعود في الصباح. ستتعرف على أبي وأمي وأخي طارق ورامي وأختي ليلى وسناء وزوجها كمال وابنته تغريد.
جلس نجيب خلف المقود وجلست إلى جانبه، وسارت السيارة في شوارع عمان الجميلة، شوارع عريضة مخططة، نظيفة قليلة الكثافة السكانية، لا زحمة ولا عجقة.
كنت أتمعن في وجوه الناس، السيارات الحديثة واقارنها بدمشق، حيث الفوضى والاضطراب في كل شيء. المحلات متباعدة في الشوارع الرئيسية، كل شيء منظم، المطاعم كبيرة، كل شيء مختلف عن سوريا إلى أن خرجنا من هذه المدينة المبهرة لي.
بمجرد أن أصبحنا في الطبيعة شعرت أن هذه الأخيرة أبهجت روحي، أشجار أشجار على طرفي الطريق، تلال وراء تلال، على امتداد الأرض والسماء، اللون الأخضر الفاتح لأشجار الزيتون يبهج النفس، معاصر الزيت، بيوت مترامية الأطراف مرمية على التلال كالنجوم المتلألئة في السماء. كدت أعانق الأرض وكل ما عليها.
لأول مرة شعرت أنني تحررت من السجن عندما التصقت بهذا المكان الممتد بين عمان وعجلون، كل شيء جديد علي، وأريد أن أزداد معرفة، تحررًا، والطبيعة هي الوحيدة القادرة أن تعيد للإنسان ثقته بنفسه وبالمكان والحياة.
فتح نجيب مكبر صوت المسجلة، ومضينا نغني بعالي الصوت، ونضحك وكأننا نعرف بعضنا منذ عشرات السنين. الذي يوحد الإنسان بالإنسان هي الثقة بالدرجة الأولى، الوضوح، الحب، الاهتمام، الاحترام، العطاء دون حساب.
في الطبيعة، يشعر المرء أنه حر دون أن يقول أو يعبر. الطبيعة هي الحرية

عن الشرق وتركيا وعقدة التفوق
يعاني الشرق من عقدة الرجولة والتفوق وخاصة الأتراك، ودائمًا يجسدوها بالقوة البدنية او بالاستعراض العسكري المنظم.
ربما هذه الرجولة جاءت من الدين، لأنه يزرع في عقل الإنسان الرغبة في السيطرة على الأخر بأي شكل من الأشكال. لهذا نعاني من أنفسنا، من حب الفوقية والتسيد على الأخر. وربما أغلب حروبنا وتصفيتنا لبعضنا جاءت من هذه الفوقية والدونية في الوقت ذاته، وقبل أن تكون مصالح.
بتقديري لو لم تقم ثورة اكتوبر في روسيا لما سمعنا بشيء اسمه تركيا.
الأقدار حمت الأتراك ووقفت إلى جانبهم في تأمين مصائرهم إلى يومنا هذا.
وقف الانكليز معهم في حروبهم ضد محمد علي باشا، وفي حرب القرم وفي حرب 1878 وبعد الحرب العالمي الأولى.
أو أن هناك شيء خفي لا نعرفه. حتى في هذه الأيام وبالرغم من الخلافات الشكلانية بين الإدارة الأمريكية وتركيا، إلا أن تركيا هي الجوكر الأهم في لعبة التوازنات العالمية في وقتنا الحاضر، وفي حرب ظالمة على العالم اسمه محاربة الإرهاب، لتفتيت البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية للبلدان الصغيرة.
تركيا هي اللأعب الأهم في الصراع الخفي الذي يحدث على المنطقة العربية والقريبة منها والبعيدة.
لم يعد التاريخ فخرًا منذ أكثر من قرنين من الزمن، لأن صنعه لم يعد شأنًا محليًا أو فرديًا أو ذاتيًا، أنما فيه تداخل خارجي داخلي.
وعلينا أن نتذكر جيدًا، أن لا نتغنى بالرجولة في هذا العصر، لأن زمن الرجولة والتباهي بالقوة انتهى منذ أن كرست الرأسمالية نفسها كأمبريالية، فعولمة.
العولمة عمليًا، تقودنا إلى أن نتحول إلى آلات رقمية في الزمن القريب القادم.

الانقلاب من حضارة إلى حضارة بدأ بتغيير الآلهة, حيث كان في البدأ يعبدون الإله الحيوان ثم انتقل إلى عبادة المرأة والأرض والخصب, ثم انتقل إلى عبادة الإله الذكر.
وكل حضارة لها رموزها وسلوكها وممارساتها.
اسوأ الحضارات هي الذكورة التي أنتجت السيطرة والسلطة والانقسام الاجتماعي وافرزت الأمراض والعلل في النفس الإنسانية نتيجة الكبت والحرمان.
وما زلنا على الدرب الأعوج سائرون لنا فلاسفتنا وعلمائنا وأنبياءنا وعدة النصب والاحتيال والقتل المجاني, والحروب والإبادات والانتقام من الطبيعة والأرض والحياة كلها, للعقد المملوءة فينا.

عندما أسمع الموسيقا, تنتعش ذاكرتي, تلتحم بالخلود, انحني فوق نبع ماء شربت منه عندما كنت طفلا في وهاد الزمن, وأشم رائحة الورد والأزهار كانوا يتمايلون تحت ضربات النسيم في ربيع ما.
وباقات فجر رقد فوق جفون الضوء القادم من وراء الغيب.

لقد ساهمت الأحزاب الكردية, العديدة والمتقلبة, المشوشة الرؤية السياسية واللامسؤولة في طرحها, والخلط العجيب, الغير واضح في برامجهم على نفور الأخرين منهم. وكرست الانقسام الاجتماعي بين الشعب الواحد, وربما تكون أكملت من حيث بدأ النظام والأحزاب العربية.
العمل في السياسة يحتاج إلى طرح واضح.
السياسة عمل مسؤول, في قمة المسؤولية, مملوءة بالمصالح والتناقضات والاختلافات والرؤى ويحتاج الى من يعمل فيه ان يكون مسؤولا عن كلمته وموقفه لانه في النهاية سيسبب, وعم يسبب صدام كارثي.
اعتقد, لدى الكرد, طاقة هائلة, قوة أن يتحولوا إلى قوة جاذبة لكل المكونات في الجزيرة وغيرها. إنهم الاكثر تماسكا, والانضج من جميع القوى الموجودة على الساحة السورية. وبعيدين جدا عن طروحات جانبية, دينية أو طائفية أو مذهبية.
يحتاجون إلى فاعل سياسي, رافعة تكون مرجعا للكرد ولجميع السوريين.

عندما تقدم على خطوة ما, ضع التناقض بين هذا ومواقفك, أخلاقك ومبادئك, وعندما تقتنع بذلك, تقدم, ولا تتراجع مهما كانت النتائج. هذه القناعة ستكون زوادة لك, نبراس حب, تحميك, وتجعل قلبك الجميل, مثل اللؤلؤة في صفائها وجمالها.

كنت أقول للأخوة الأكراد في فترة السجن, سعيد من ليس له وطن في هذا العصر, على الأقل يحلم به. فالحمولات السياسية الثقيلة للدول الكبيرة ستفرغ في البلدان الصغيرة.
كانوا ينظرون إلي باستغراب.
وكان ذلك قبل عشرين سنة

الدين في حالة حرب دائما، حتى لو كان صامتًا.
اتباعه خيول مجتهدة، يستطيعون الركض دون اتجاه أو هدف.

المناظرة بين ترامب وبايدن، أعطتنا إشارات واضحة إلى أن الولايات المتحدة فيها تيارين كبيرين في الدولة والمجتمع، على الصعيد العمودي والأفقي.
هذان التياران، لهما خطين استراتيجيين مختلفين في رؤيتهما لإدارة الدولة والمجتمع والعالم.
هل المطلوب من العالم كله، أوروبا والغرب تحديدًا، أن يكيفوا بلادهم كل أربع سنين مع أحد التيارين؟
وماذا إذا ترامب فاز، وتخلى عن الناتو، وأوقف الحرب على أوكرانيا، ووثق العلاقة مع روسيا والصين، ما ستفعلون يا أوروبيين؟
هل يعقل أن تبقون مجرد كومبارس تحت ظل السياسات الامريكية، كيف تستطيعون أيها القادة الأوروبيون أن تكيفوا عقولهم وبلادكم مع تيار بايدن وجيك سولفان، تغنون وتشربوب الأنخاب مع السيد الأمريكي، وبعد أربع سنوات، يذهب بايدن وتياره، ويأتي ترامب، وتكرروا أنفسكم مع تيار أخر، تيار ترامب، وكمان تغنون وترقصون مع تيار ترامب وكأن شيئا لم يكن؟
إلى متى تظل هذه الدولة أو تلك مجرد صدى للسياسات الأمريكية المتحولة من هذه الضفة إلى تلك، ووراء هذا الانتقال، هناك قوى قوية جدًا ترسم السياسيات والتحالفات والتعاونات، سواء من هذا التيار أو ذاك؟
الا يستطيع هذا الكومبارس أن يصبح مالك المقهى، ويأخذ غلة الربح، ويضعها في حصالته، بدلًا من أن يبقى أجيرًا ضعيفًا عند سيد لا تعرف قرعة أبوه من أين؟

شيوخ الدين، لا يزالون يتعاملون مع الناس على أنهم أطفال صغار لم ينضجوا، في العاشرة من العمر أو أقل.
هذا الاستعلاء القميء أرهق العقل، حول اتباع الدين إلى مجرد ناس مسخ، يعيشون في القرون الوسطى، زمن النقل على الحمار، والحراثة بالمحراث الروماني، والحصاد بالمنجل.
بمعنى، أنهم ينظرون إلى البشر على أنهم أغبياء، لا عقل لهم يفكر، لا كتب غير كتابهم، وكأن زمننا توقف ولم يتغير.
في لحظة انفعال الشيخ أو القسيس أثناء الخطبة، ينسى السيارة التي أوصلته للمعبد، وينسى تلفون الأيفون الموجود في خرج حماره، أو حلاقة دقنه بالشفرات الحديثة.
ينسى العصر ومنجزاته العظيمة، وعقل الإنسان المعاصر، وينسى الجامعة التي تخرج الطلاب من عدة أقسام كالاقتصاد الحديث وعلم النفس والفلسفة وعلم الاجتماع والهندسة والطب وغيره، وأن هذه العلوم تجاوزت تخلف الأنبياء ودجلهم.
وهؤلاء الافاضل الذين يقفون وراء رجل الدين، يثبتون أنهم مجرد بشر، أمعات، فائض عن الحاجة، أو بشر نافلين، مجرد مجترين أنفسهم، مكررين ذواتهم القديمة، كما فعل أجداد أجدادهم.

تستاهل هذه البهدلة يا بايدن، وأن تبان على حقيقتك، يا مجرم.
لقد قلت سابقًا أن الحرب الأوكرانية الروسية هي صناعة الإدارة الأمريكية برئاسة بايدن، وقالها نعوم تشومسكي، أن هذا البايدن كان يدعوا منذ العام 2001 إلى زرع الصواريخ النووية في أوكرانيا.
وحذر كسنجير من هذا الأمر، لكنهم لم يأخذوا بكلامه، اليوم والبارحة وقبل، قال ترامب مرات ومرات أن بايدن هو وراء صناعة هذه الحرب، إلا الذين كانوا يعلقون عندي، مجموعة من الطرش السياسي، الفارغ من الوعي السياسي، يقولون العكس.
وقالوا عن زيلنسكي أنه بطل، لهذا أسأل:
هل البطولة لها وجه واحد، ان يتحول صاحبه إلى مبولة؟
بمعنى، لماذا رفض مفاوضات آذار العام 2022 برعاية تركيا، ووقعوا اتفاق أولي على مبادئ وقف أطلاق النار.
اتهمني البعض أنني مع روسيا، مع بوتين، اليوم سأقول لهم جميعًا:
أنتم طرش سياسي، لا تفقهون أي شيء في السياسة، بالنسبة لي روسيا وبوتين، مثل حذائي، لا يهمني بوتين بقشرة بصلة، وليذهب إلى الجحيم، ولكن ما يهمني هو أوروبا أولًا، السويد، أن لا تستنزف، أن لا يتعرضوا للأذى السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وقلت وقتها هذه حرب أمريكية على أوروبا لتدميرها من الداخل، من أجل حيازة الهيمنة العالمية بأستخدام أوكرانيا كحلبة مصارعة.
أوروبا اليوم تعاني على عدة مستويات، سببها هذا المريض السياسي، الذي اسمه بايدن، فمنذ أن جاء إلى السلطة وعالمنا يشتعل بالحروب والأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويعاني من الخوف، فليذهب هذا الكريه إلى الجحيم، ومعه زيلنسكي المهرج، اللص.

المؤمنين، لن يهدأ لهم بال إلا إذا أقاموا حكومة الله على الأرض، حكومة فردية، تقود القطيع الضال إلى المرعى.
هؤلاء المؤمنين، القادة الأتقياء، ما زالوا يظنون أن القطيع لم يفطم بعد، ما زالوا يشربون حليب أمهاتهم من الضروع الصافية النقية الغير ملوثة برائحة الشهوة والرغبة والجنس.
وكأن هذه الحليب صاف، نقي، لا ينتج إلا الضالين، ووجب أن يقف هذا الرب فوق أعلى برج في المدن، بيده العصا الغليظة، ينتظر زحف هؤلاء إليه على بطونهم وأكواعهم ليمسح عليهم بركاته.
سذاجة هؤلاء، جعلوا الله، ملكم، يحركونه كيف ما شأوا، وكأنه لعبتهم، وعمليًا هو لعبتهم، أنه دون قوة، وإرادة لولا رغبتهم.

في طفولتنا المبكرة كنّا نركض، نسابق الزمن، نطير على جناحيه من أجل أمتلاك المعرفة والوعي بالوجود.
وعندما قبضنا على الوعي بذواتنا وأنفسنا، وعقلنا، شعرنا بالبعد عن أنفسنا وعالمنا، بالغربة والبعد عن الالتحام بعالمنا، بالبعد عن وعي الوجود.
خيبة الواعي، أن ظنونه كثيرة وكبيرة، فهذا العالم ملك نفسه، ملك وجوده لذاته، وأنت أيها الرحالة لست سوى سمت عابر في دهاليز هذا الفضاء الغامض، كنيزك انفصل عن مجموعته ورحل إلى اللأمكان ليحترق ويتحول إلى كتل مفتتة لا انتماء له.



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هواجس فكرية وسياسية 216
- هواجس ثقافية وسياسية وفكرية ـ 215 ـ
- هواجس ثقافية وسياسية واجتماعية ـ 214 ـ
- هواجس ثقافية وفكرية وسياسية وأدبية 213
- هواجس ثقافية 212
- هواجس ثقافية وسياسية وأدبية ـ 211 ـ
- هواجس ثقافية وسياسية 210
- هواجس ثقافية وسياسية وأدبية ــ 209 ــ
- هواجس ثقافية وأدبية 208
- هواجس ثقافية وسياسية 207
- هواجس ثقافية وسياسية 206
- هواجس ثقافية ـ 205 ـ
- هواجس ثقافية 204
- هواجس ثقافية 203
- هواجس ثقافية وسياسية ـ 202 ـ
- هواجس ثقافية 201
- هواجس ثقافية وأدبية ـ 200 ـ
- هواجس ثقافية وسياسية 199
- هواجس ثقافية 198
- هواجس ثقافية 197


المزيد.....




- خان يونس.. نزوح متجدد مشيا على الأقدام
- -كتائب القسام- في غزة تنشر مشاهد من قصفها قوات إسرائيلية في ...
- إجراءات عاجلة في مشفى -رمبام- الإسرائيلي بعد إصابة نحو 50 من ...
- أوشاكوف: بوتين يعتزم لقاء شي جين بينغ وأردوغان على هامش قمة ...
- إسرائيل وتهديد العبوات الناسفة بالضفة
- طهران: سنقف مع حزب الله عند اندلاع الحرب
- مشاهد طريفة لعمال هنود يجمعون الأرز من حقولهم تحت لهيب الشمس ...
- وزير مصري يوجه رسالة للسيسي عقب مغادرته الوزارة
- تركيا.. أحداث قيسري والتطبيع مع دمشق
- بغداد: نرفض مساس واشنطن بالقضاء


المزيد.....

- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آرام كربيت - هواجس ثقافية وفكرية وسياسية 217