|
خالد الذكر عماد القسوس.. مناضل ومثقف ثوري ملتزم
سالم قبيلات
الحوار المتمدن-العدد: 8024 - 2024 / 6 / 30 - 14:24
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
نافذة على الثبات والنضال البطاقة الثالثة سالم قبيلات
ولد الرفيق عماد القسوس في مدينة المفرق في العام 1950، في كنف عائلة كركية مثقفة، ومكافحة، تعمل في قطاع التعليم والخدمات المهنية؛ وتربَّى على قيم اجتماعية منفتحة تحترم الفرد وتحفزه على الاضطلاع بدوره في الحياة على أكمل وجه، وتشجع ثقافة المحبة والتسامح، وتتخذ من القيم التقدمية والمثل الإنسانية الرفيعة مرجعية أخلاقية ثابتة، وتشجع التعاطف مع طموحات الشعوب في الاستقلال والنهوض والتقدم. وكان الرفيق عماد القسوس مناضلاً ثابتاً، وكاتباً ثورياً ملتزماً؛ منحازاً إلى مصالح الكادحين ومتحسساً مرهفاً لهمومهم؛ كما كان يعشق القراءة، خصوصاً قراءة الروايات والكتب الثورية؛ وكان أيضاً إنساني الطبع، طيب القلب، وكريماً، وعزيز النفس، ودمثاً، وحسن الأخلاق، وحلو المعشر؛ وقد تميز بصوته الجهوري، وضحكته المجلجلة، وابتسامته العريضة، المشرقة، المفعمة بالأمل وحب الحياة؛ كما تميز، بحلاوة اللسان، ورقة الألفاظ؛ وقد برع في سرد الحكايات المشوقة الحكيمة، بصوت عذب رخيم، يتغلغل إلى أعماق الروح؛ ولطالما أدهش المستمعين إليه بقدراته الفذة تلك. ولذلك، كله، كان إنساناً قريباً من النفس وجذاباً. وقد امتلك قدرة كبيرة على التحلي بالصبر في مواجهة محن الحياة وعثراتها. ورغم كل الصعاب التي واجهها، ظل دائماً شيوعياً متحمساً، يحلم بتغيير العالم نحو الأفضل، عن طريق الخلاص من أشكال استغلال الإنسان للإنسان كلها. كان، منذ صغره، شغوفاً بالتثقيف السياسي الثوري؛ حيث كان يقضي معظم وقته مع أقرانه في الحديث عن طموحات الشعوب الكادحة، وهمومها، وأحلامها، وحقها في التقدم والعيش الكريم، وانتصاراتها؛ ويشرح حيثيات القضايا الوطنية المحلية والعربية والعالمية بعمق وبحمية ثورية. أما القضية الفلسطينية، فقد شغلت جزءاً كبيراً من اهتماماته الفكرية والسياسية، ولعب انشغاله بها دوراً أساسياً في تكوين شخصيته وميوله السياسية. لقد قادته الهزائم، التي لحقت بالجيوش العربية في عامي 1948 و1967، إلى تبني مواقف ثورية راديكالية، بدلاً مِنْ أن تكسر إرادته وتثبط عزيمته.. كما حدث مع كثيرين؛ الأمر الذي قاده إلى الانضمام إلى الحزب الشيوعي الأردني في العام 1968. ومنذ تلك الخطوة السياسية المتقدمة، التي خطاها في مرحلة مبكرة من حياته، تحلى بالنضج السياسي، وامتلك وعياً عميقاً بالثوابت الوطنية، وانحاز إلى القيم الإنسانية النبيلة، وشارك بدأب في النضال من أجل التحرر الوطني والاشتراكية؛ مجافياً الانحيازيات الضيقة، وتغليب المصالح الفئوية، واستشراء النزعات الفردية والأهواء الشخصية. أكمل الرفيق عماد دراسته الجامعية في جامعة بغداد في العام 1975، وحصل على شهادة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية. وكان آنذاك شاباً طموحاً واثقاً تمتلئ نفسه بالأحلام الكبيرة؛ وبعد عودته إلى الأردن، تعرض للاستجواب في جلسات تحقيق طويلة، مورست عليه في أثنائها ضغوط شتى؛ لكنه تمسك بمعتقداته الفكرية وخياراته السياسية. وفي النهاية، تم منعه من العمل في المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص. وبسبب هذا القرار الجائر وغير الشرعي، عانى خالد الذكر، الرفيق عماد، كثيراً؛ حيث إنه، وهو المهني الموهوب، حُرم من العمل في الصحف، ووسائل الإعلام. ولذلك، اتجه إلى العمل في مجال ترجمة الكتب لدى دور النشر، لتأمين جزء من متطلبات عيشه اليومية؛ فكان مترجماً قديراً؛ لكنَّه، في أثناء عمله في الترجمة، تعرض لاستغلال شديد، وخضع لشروط قاسية، بدءاً بفرض أجر مالي غير عادل عليه، مروراً بحرمانه من وضع اسمه على الكتب التي كان يترجمها، وانتهاءً بالتنازل عن جميع حقوقه في الملكية الفكرية؛ بحجة أن وجود اسمه على الكتب قد يتسبب في وقوع مشاكل للناشرين مع الجهات الأمنية. وكان مضطراً لقبول هذا الظلم الكبير، مقابل عدم الرضوخ لشروط الاستبداد، أو مقايضة المصالح الشخصية بمبادئ وقيم الحرية والعدالة الاجتماعية. امتلك الرفيق عماد القسوس تجربة حياتية ثرية؛ اتسمت بالتنوع، واغتنت بالأحداث الجسام التي عاصرها وشهدها، ما أفاده كثيراً في تطوير تفكيره وقدرته على التعبير بدقة عن وجهة نظره. وقد كرس قلمه وقدراته الأدبية من أجل الدفاع عن الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية والتحرر الوطني والتقدم الاجتماعي والاشتراكية، رافضاً الظلم، والاستبداد، والقمع. وقد تميزت أعماله الأدبية وأعماله الصحفية بكتابتها بأسلوب جميل وراق؛ وكان مميزاً في اختيار موضوعاته، شجاعاً في طروحاته، وأثبت دائماً أنه مثقف عميق التفكير ومن مستوى رفيع. خلال انتفاضة نيسان المجيدة في العام 1989، وعلى إثر اعتقال العديد من الرفاق في سجن سواقة الصحراوي، واضطرار عدد آخر من قيادات العمل الحزبي اليومي إلى الاختفاء، بادر الرفيق خالد الذكر، عماد القسوس، منذ الأيام الأولى لتلك الانتفاضة الشعبية، بالاتصال ببعض القيادات الحزبية الميدانية. وقد أفاد بعض الرفاق، أنه في تلك الفترة، أحضر طابعته المتواضعة معه، وجند نفسه لطباعة المنشورات الحزبية، التي كانت آنذاك شبه يومية. لم يقبل أن يقف على الحياد خلال انتفاضة نيسان المجيدة، بل انحاز إلى النضال الوطني، في لحظة حاسمة، من دون تردد أو خوف من قمع سلطة الاستبداد. كان يشارك في تحرير يوميات الانتفاضة المجيدة، ويترجمها إلى الإنجليزية، ومن ثم يوصل جزءاً منها إلى مكاتب وكالات الأنباء والصحافة الأجنبية في عمان. ومن خلال هذه المبادرة الشجاعة، لعب الرفيق عماد دوراً لا ينسى في مساندة الانتفاضة الجماهيرية الخالدة، التي أنهت العمل بالأحكام العرفية، وأفضت إلى عودة الحياة البرلمانية إلى البلاد، والسماح للأحزاب بالعمل العلني. لقد قاده وعيه، وأخلاقه الرفيعة، وغيرته الوطنية والقومية، إلى الوقوف في الجانب المضيء من التاريخ الإنساني. وفي مرحلة لاحقة، عندما انهار الاتحاد السوفييتي وهيمنت الإمبريالية الأميركية منفردة على العالم، واضطربت نفوس كثيرين وارتبكوا واهتزت قناعاتهم وبدلوا مواقفهم، لم يغير الرفيق عماد ولم يبدل، بل زاد ثباته على مواقفه وتمسكه بقناعاته وبأن النصر في النهاية للشعوب وخياراتها في الحرية والديمقراطية والتحرر الوطني والاشتراكية. في تسعينيات القرن الماضي، بعد وقف العمل بالأحكام العرفية، تمكن الرفيق عماد من العمل في وكالة الأنباء الأردنية، محرراً في قسم الأخبار الإنجليزية. لكن العمر لم يمهله؛ ففي أوائل العام 2008، ألمت به نوبة قلبية مفاجئة لم يحتملها قلبه الرهيف المثقل بالأوجاع، فغادر الحياة بهدوء وصمت وهو في الثامنة والخمسين من عمره، وبينما هو لا يزال في قمة عطائه الإعلامي والثقافي والإبداعي المليء باللمسات الإنسانية؛ تاركا، خلفه، رصيداً ثميناً يتمثل بالعديد من الأعمال الإبداعية القيمة التي توزعت بين الكتابة الأدبية والأعمال الصحفية والترجمات؛ وفوق ذلك كله، ترك سيرة عطرة، مبنية على الفضائل والقيم الإنسانية النبيلة. وبرحيله، خسرنا مثقفاً كبيراً ومناضلاً شيوعياً فذاً، كان له حضور إنساني رفيع في ميادين الفكر والثقافة والإبداع؛ مثقفاً كان مناهضاً عنيداً لكل أسباب التقوقع والتشرذم والإقصاء والقمع، ومعارضاً حقيقياً لمشاريع التمزيق المنظم للمجتمعات العربية، المبنية على التعصب القبيح.. الديني أو المذهبي. ونختتم هذه النافذة، بالتأكيد على تقديرنا العالي لنضال خالد الذكر، الرفيق عماد القسوس، الذي تميز بانحيازه المبدئي الثابت إلى مصالح الفئات الكادحة وحلمها في الحرية والديمقراطية والتحرر الوطني والتقدم الاجتماعي وتحقيق مصالحها وتحصيل حقوقها وإنجاز الاشتراكية، وثباته على مبادئه وقيمه الشيوعية في كل الأحوال والظروف. المجد والخلود لذكرى الرفيق عماد العطرة، وستظل ذكراه خالدة في نفوسنا، ونستلهم من شجاعته وتفانيه القوة والعزيمة لمواصلة الطريق.
#سالم_قبيلات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البطاقة الثانية: الرفيق فايز السحيمات.. شغف كفاحي وروح ثورية
...
-
الرَّفيق نبيل الجعنيني.. نموذج كفاحي مميَّز..
-
إطلاق مبادرة -نافذة على النضال والثبات-
-
لا لسياسات الاقصاء والاعدام الاقتصادي
-
هل من هزة لكبير الطغاة
-
اصلاحات الاردن غرق في التفاصيل
-
الثورات الشعبية توقظ الحماس في النفوس
-
بداية ركيكة لمجلس نواب الدوائر الوهمية في الاردن؟
-
الاكثرية فشلت في ايصال ممثليها السياسيين للبرلمان الاردني
-
التأزيم والتقزيم يسبق الانتخابات في الاردن
-
الانتخابات النيابية الاردنية ، المشاهدة ام المراقبة
-
تعديلات قانون الانتخاب الاردني
-
انتهاكات حقوق انسان في الاردن
المزيد.....
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
-
شولتس أم بيستوريوس ـ من سيكون مرشح -الاشتراكي- للمستشارية؟
-
الأكراد يواصلون التظاهر في ألمانيا للمطالبة بالإفراج عن أوجل
...
-
العدد 580 من جريدة النهج الديمقراطي
-
الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تُعلِن استعدادها
...
-
روسيا تعيد دفن رفات أكثر من 700 ضحية قتلوا في معسكر اعتقال ن
...
-
بيان المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي
-
بلاغ صحفي حول الاجتماع الدوري للمكتب السياسي لحزب التقدم وال
...
-
لحظة القبض على مواطن ألماني متورط بتفجير محطة غاز في كالينين
...
-
الأمن الروسي يعتقل مواطنا ألمانيا قام بتفجير محطة لتوزيع الغ
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|