|
شيرمان أليكسي: داخل داخاو
عادل صالح الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8021 - 2024 / 6 / 27 - 23:43
المحور:
الادب والفن
شاعر وقاص وروائي وصانع أفلام من سكان أميركا الأصليين، ولد ونشأ في محمية سبوكان للهنود الحمر قرب واشنطن. خضع لجراحة في الدماغ وهو طفل في الشهر السادس من عمره توقع الأطباء على أثرها بأنه سيعاني طوال عمره من عوق عقلي حتى لو نجحت العملية. إلا انه نجى منها وأكمل تعليمه وتفوق في دراسته وفي مجالات عديدة أخرى، لكنه لم يكتشف موهبته في الكتابة إلا بعد أن درس الكتابة الإبداعية في جامعة واشنطن على يد جوزيف كوو وهو هندي أيضا والذي أهداه مجموعة مختارة من أشعار السكان الأصليين بعنوان ((أغاني هذه الأرض على ظهر سلحفاة)) غيرت حياته، فتوجه للكتابة. نشر أليكسي أول مجموعة بعنوان ((مهنة الرقص الهندي التنكري: قصائد وقصص)) &عام 1992 وأخرى في العام نفسه بعنوان ((كنت سأسرق خيولا))، ثم توالت مجموعاته الشعرية ومنها ((قمصان قديمة وجلود جديدة)) 1993 ((أول هندي على سطح القمر))، ((الماء المنساب نحو الوطن)) 1994، ((صيف الأرامل السوداوات)) 1996 و ((الوجه)) 2009 وغيرها. نشر أليكسي أيضا عددا من المجموعات القصصية والروايات وكسر حاجز إنتاج أول فلم أميركي ينتج بكامله بكادر هندي صرف. فازت أعماله الإبداعية بالعديد من الجوائز وترجمت إلى لغات عدة.
داخل داخاو 1- كذبات كبيرة، كذبات صغيرة
بعد ان كذبنا على مضيفينا الألمان بشأن خططنا عن اليوم، قمنا انا ودايان بزيارة داخاو بدل ان نبحث عن البومات نادرة في ميونخ. دخل المخيم دزينة من الزوار فقط مشيا لأننا كنا نبعد شهورا عن الموسم السياحي. كان المخيم غريبا. المتحف كان بسيطا.
حالما وصلت الى هناك، توقعت ان تنتابني مشاعر بسيطة: كره، غضب، حزن. كانت تلك خطتي. كنت سأكتب شعرا عن كيفية عثور فصل الشتاء على منزل مثالي في داخاو الباردة. كنت سأصبح انسانا يهوديا مات في المخيم. كنت سأصبح الاستعارة المثالية.
كانت ميونخ ستبعد مسافة رحلة قطار قصيرة عن الجحيم. كانت ميونخ ستتحمل المسؤولية. ظننت ان الأمر كله سيكون بسيطا ولكن لم يكن ثمة اجابات سهلة داخل المخيم. كانت القصائد لا تزال تتخذ اشكالها، لكن خططي السابقة بدث انانية جدا. ماذا كنت سأقول عن داخاو حين لا اكون قد عانيت قط خلال اي موسم
داخل جدرانها؟ أ يمكنني ان اتصور موسما من الرماد والثلج، من النيران والقبور المسطحة؟ ميونخ هي مجرد مسافة رحلة قطار قصيرة عن داخاو. ان استطعت ان تتكلم شيئا من الألمانية، فهي رحلة بسيطة تتطلب نقودا ولا خطط أخرى لذلك اليوم. كذبنا حول زيارتنا المخيم
على مضيفينا الألمان، الذين تحدثا عن المخيم صادقين صدق حديثهم عن المواسم. داخاو لا تزال داخاو. ولم يضع مضيفونا اية خطط ليعتقدوا عكس ذلك. وبينما كنا نقود سيارتنا عبر ميونخ اشار مضيفونا الى منازل نازية سابقة، ببساطة وبسرعة. قال ميكائيل: "نحن حقا نشعر بالعار بسبب داخاو، ولكن ماذا عن جميع الداخاوات في الولايات المتحدة؟ ماذا عن مخيمات الموت في بلدكم؟" اجل يا ميكائيل، انك تسأل اسئلة بسيطة يتم تجاهلها، موسما بعد موسم. يا ميكائيل، يوسفني اننا كذبنا بشأن ميونخ وداخاو. يؤسفني اننا كذبنا بشأن خططنا. داخل داخاو، قد تعتقد ان الشتاء لن ينتهي ابدا. قد تفقد ثقتك بتغير المواسم لأن بعض الناس الذين بنوا المخيمات لا يزالون يعيشون في الأرجنتين، في واشنطن، في ميونخ. انهم يعيشون حياة بسيطة. يتقاسمون الخبز مع الأبناء والبنات الذين توصلوا الى فهم خطة السيد.
2- التاريخ بوصفه فيلم الوطن انه يبدأ وينتهي بالرماد، رغم اننا نصر على تجاهل الحرائق المشتركة في ماضينا. نحاول ان نمسح اسماءنا من القائمة التي تبدأ وتنتهي بالرماد.
نتجاهل الحرب حتى نصبح آخر الواقفين، حتى نكون آخر من يصر على النكران، بينما يشحنونها الى المخيمات حيث يجري تعريتننا جميعا، فتضاء اجسادنا الداكنة بالضوء القاسي لتلك المصابيح االقديمة المغلفة بجلد يهودي. بعد سقوط داخاو بعقود، نقف في الضباب الذي يبدأ وينتهي بالرماد.
3- اسئلة شائعة
لماذا نحن هنا؟ ما الذي أتينا لرؤيته؟ ماذا نحتاج ان نجد خلف الأبواب؟ هل نحن نبحث عن اعتذار من اشباح النازيين غير النادمين؟ ندفع اجرة الدخول عند الباب الأمامية. لماذا نحن هنا؟ ما الذي أتينا لرؤيته؟
انتقل الممثلون الى المشهد التالي وهيأوا المسرح: فرن، مجرفة، وباب ملطخة بالسخام. هل نحن نبحث عن اعتذار
من الألمان الذين رفضوا ان يروا الرماد يتساقط امام ابوابهم الموصدة؟ لماذا نحن هنا؟ ما الذي أتينا لرؤيته
مما لا يمكن رؤيته في بلدان أخرى؟ كل بلد يختبئ خلف باب بيضاء. هل نحن نبحث عن اعتذار
من الرجال الصبورين الذين خبأوا المفاتيح؟ أصغوا: الباب هي الباب هي الباب. لماذا نحن هنا؟ ما الذي أتينا لرؤيته؟ هل نحن نبحث عن اعتذار؟
4- متحف الهولوكوست الهندي الأميركي
ما الذي نريده نحن السكان الأصليين من بلدنا؟ نقف فوق المقابر الجماعية. حزننا الجمعي يفقدنا حسـّنا. ننتظر تشييد متحفنا.
نحن ايضا نستطيع ان نكدس احذية موتانا ونملأ المدينة حتى طابقها الثالث عشر. ماذا كنتم تتوقعون ان نصبح؟ ما الذي نريده نحن السكان الأصليين من بلدنا؟ ننتظر تشييد متحفنا.
نحن احفاد احفاد الجرف الرملي والركبة الجريحة. نحن محاربو الحروب الهندية القدامى. نحن ابناء وبنات الموتى السائرين. لقد فقدنا الجميع. ما الذي نريده نحن السكان الأصليين من بلدنا؟ نقف فوق المقابر الجماعية. حزننا الجمعي يفقدنا حسـّنا. ننتظر تشييد متحفنا.
5- اغان من لدن أولئك الذين يعشقون النيران
نبدأ الحرائق فوق برج الكنيسة: رماد، رماد.
نبني محارق عالية من جوقات الأطفال المنشدين: رماد، رماد. نشاهد النيران تلتف وتحرق الكذابين: رماد، رماد.
نشاهد النيران
تلتف من جوقات الأطفال المنشدين: رماد، رماد. نبني محارق عالية فوق برج الكنيسة: رماد، رماد.
نبني محارق عالية ونحرق الكذابين: رماد، رماد. نشاهد النيران تلتف فوق برج الكنيسة: رماد، رماد. نبدأ الحرائق من جوقات الأطفال المنشدين: رماد، رماد. 6- بعد ان نكون احرارا
لو كنت يهوديا فكيف سأقيم الحداد على الأموات؟ انا من قبيلة سبوكان. انني استيقظ.
لو كنت يهوديا فكيف سأتذكر الماضي؟ انا من السبوكان. انني اتصفح كتب التاريخ.
لو كنت يهوديا فكيف سأجد بهجة تجعلني ارقص؟ انا من السبوكان. ارمي عملة معدنية في صندوق النغم.
لو كنت يهوديا فكيف سأجد وقتا كي أغني؟ انا من السبوكان. اجلس خلف الطبل مع كل ابناء عمومتي.
لو كنت يهوديا فكيف سأعشق؟ انا من السبوكان. اصغي الى امرأة هندية تهمس.
لو كنت يهوديا فكيف سأشعر حيال الرماد؟ انا من السبوكان. انني اقدم التبغ لجميع ضيوفي.
لو كنت يهوديا فكيف سأحكي الحكايات؟ انا من السبوكان. انني اضع يدي على الجدار الخفيظ/المنصة
لو كنت يهوديا فكيف سأنام في الليل؟ انا من السبوكان. انني اترك التلفزيون مفتوحا حتى الفجر.
لو كنت يهوديا فكيف سأجد منزلي؟ انني من السبوكان. ادخل النهر واغمض عينيّ.
7- تحت الانجماد
كانت داخاو باردة الى حد كنت ارى نفـَسي لذلك شكرت فضل معطفي. ليس لدي شيء جديد أقوله عن الموت
جلست كل بناية عند الأركان الصحيحة بالنسبة للبقية. حول كل ركن، توقعت ان اجد اشباحا. كانت داخاو باردة الى حد كنت ارى نفـَسي.
كان كل شيء نظيفا، التاريخ مكدسا احذية، صورا فوتوغرافية، ملاحظات شخصية. ليس لدي شيء جديد أقوله عن الموت.
اردت ان ابكي. اردت ان اريح رأسي المتعب بينما كان الرماد يمتزج مع الثلج. كانت داخاو باردة الى حد كنت ارى نفـَسي.
لست يهوديا. كنت مجرد ضيف في ذلك المسرح الذي لن يغلق ابدا. ليس لدي شيء جديد أقوله عن الموت.
اتساءل أي الناس سيشعل النيران بعد ذلك وأي الناس سيتحولون حالا الى دخان. كانت داخاو باردة الى حد كنت استطيع ان ارى نفـَسي. ليس لدي شيء جديد أقوله عن الموت.
#عادل_صالح_الزبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كارمن خيمينيز: انشودة الى الناس الذين يكرهونني
-
رودي فرانسيسكو: اريد ان اكتب قصيدة
-
جيمز تيت: الشعور بالواجب
-
براين بيلستن: يوم اضافي
-
براين بيلستن: سعيدة
-
نايومي شهاب ناي: وتلك الكلمة الغامضة مقدس
-
متباركة: هذه القصيدة
-
تشارلز سيميك: بخصوص جيراني، الحيثيين
-
ايان كرايتن سميث: الجار
-
كيم ستافورد: الى الطير الذي يغرد قبل الفجر
-
ايمي لودفيغ فاندرووتر: كان هناك زمن
-
كاوة اكبر: القصيدة المثالية
-
جيمي سانتياغو باكا: مهاجرون في ارضنا
-
أيدا لِيمون: كيف انتصرُ انتصارَ فتاة
-
جون جوردن: قصف بغداد
-
جين هيرشفيلد: في اليوم الخامس
-
مارتين ايسبادا: كيف كان بامكاننا ان نحيا او نموت هكذا
-
مارك ستراند: الاحتفاظ بالأشياء مجتمعة
-
براين بيلستن: امسك بيدي ودعنا نقفز من هذه الحافة الصخرية الش
...
-
جوي هارجو: هذا الصباح أصلي من اجل أعدائي
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|