دعاء

بسمة الصباح

الحوار المتمدن-العدد: 8019 - 2024 / 6 / 25 - 22:41
المحور: الادب والفن
    

قصة قصيرة
دعاء. .

ما إن نام الجميع حتى تسللت سارة على أطراف أصابعها لتحافظ على قدسية الصمت الكئيب الذي خيم على حياتها ووقفت على شرفة غرفتها وفتحت كفيها بتضرع وخشوع وأخذت تردد:
اللهم يامالك الملك ..
اللهم يامالك هذا الكون..
امنحني بحق عظمتك وجبروتك ولدا" يفرح قلبي وقلب زوجي ..
اللهم اقبل دعائي وأنت أكرم الأكرمين .
ما إن انتهت من ابتهالاتها حتى اندفع شلال دموع من عينيها لم تستطع إيقافه بسهولة.
أرادت أن تكون هذه الليلة مواجهة حقيقية بينها وبين كل ما في حياتها من مآسٍ وكلها أملٌ أن يستجيب الله لها.
وخصمها كان هو ذلك الشعور بالقهر بدون ذنب وحرمانها من الحمل والإنجاب والقدرة على التعبير عن أنوثتها بالولادة.
لقد دخلت في عامها العاشر وهي متزوجة ومازاد من عذاباتها أنها كانت تخضع كل عدة شهور لسلسلة من الفحوصات والتحاليل عند طبيب مختلف والنتيجة واحدة بأنه لا مانع طبي لديها من حدوث الحمل .
فتعود في كل مرة بعد ظهور نتيجة الفحوصات تلملم أذيال الضعف والانكسار ومتسائلة عما عليها أن تفعله أكثر والأهم مـن هذا كله كيف ترضي والدة زوجها بحفيد.
لهذا قررت أن تكشف عري عجزها أمام الله في هداوة الليل وبكل خشوع..
عادت بهدوء وتمددت في سريرها بجانب زوجها النائم خشية أن توقظه وأغلقت عينيها وحاولت أن تحلم ، فمنذ زمن أصيبت بعطب في روحها وتطور إلى عقم شامل وأصبحت مصابة بعقم في الذاكرة وعقم في الأحلام الجميلة.
وحين تزوجت بدأت تستقبل الخيبات مع كل طالع شهر ويصغر الأمل بداخلها ويذبل وفقد هويته لديها وتحول إلى كابوس يؤلمها وتواطأ مع كل المتأمرين على سعادتها.
هبّت من فراشها مذعورة على صوت صراخ حماتها تناديها:
-أنت يابنت هيّا انهضي لقد تأخر الوقت .
وبدون استئذان فتحت عليها باب غرفتها فوقفت سارة أمامها بذل بانتظار أوامر سيدة البيت الكبيرة وقالت:
-أنا ذاهبة في زيارة ابنة أخي التي ولدت البارحة للمرة الرابعة .
واستدارت صوب ابنها النصف مستيقظ
-الحسرة عليك ياابني لا ولد ولا سند.
وأصابت عبارتها الأخيرة رصاصة في أعمق نقطة في روح سارة وقتلتها للمرة المئة بعد الألف .
وهي التي تتعمّد إيلامها وتستصغر من شأنها وخاصة عندما تناديها (يابنت) بدون كنية.
أجابتها سارة بحشرجة ألم :
-الحمدلله على سلامتها.
ماعادت تحيا ذلك الفرح الذي عاشته في بداية زوجها فهي كانت الفتاة المهذبة الجميلة بالنسبة له وهو كان الشاب المثالي بصورته الإنسانية وأخلاقه الراقية وبرّه بوالدته لكن هذا البرّ تجاوز الحدود كلها ليدخل في مرحلة الضعف والانقياد ؛ومع ذلك فهي أحبته كثيرا"،
ولكنها كانت تتجرع كؤوس المرارة مع والدته المتسلطة قاسية القلب.
ولكم تمنت سارة لو أنها لم ترث عن أمها كل هذا الضعف والاستسلام ولم تأخذ عنها فنون الصمت وألوان الرضوخ .
(ليتك يا أمي لم تجعليني ارتديكِ في كل المواقف ولم أكن الابنة المطيعة دون أي اعتراض ومسلوبة الإرادة.)
مضت ثلاث ساعات في العمل المنزلي المرهق وسمحت لنفسها بأخذ استراحة قصيرة قبل البدء بتجهيز طعام الغداء لشرب القهوة مع زوجها بعـد عودته من السوق لشراء حاجيات البيت .
وعادت حماتها وأخذت تصرخ كعادتها .
-أيتّها الكسولة ألا يكفي أني أتحملك في بيتي وأنت إمرأة معطوبة وأرض بوار لا خير فيها.
وتابعت بصوت حانق لولا خوفي من الله لأعدتك إلى بيت أهلك لكن لا!
ستبقين معنا وستخدمين ابني وزوجته الجديدة .
دخلت سارة غرفتها باكية مقهورة وتمنّت لو كانت فقط تتجرأ بالرد على سيل الإهانات الذي لايتوقف .
وهمست في سرها:
-سامحك الله؛كيف جعلتِ مني امرأة مصلوبة من قمة رأسي حتى أسفل قدمي.
وتابعت الأم بصوت صارم موجهةكلامها لابنها:
عليك أن تتزوج في أقرب وقت وإلا سأغضب عليك إلى يوم القيامة.
حاول مازن استرضاء والدته وتهدئة ثورة غضبها لكنها رفضت وازداد عنادها إلى حد أنها كادت أن ترميه بتهمة العقوق بالوالدين .
فاستسلم مكرها" وقال لها بشرط موافقة سارة.
-لا لن نطلب الإذن منها فأنت صبرت عليها بما يكتفي.
-وإن رفضت ؟
-هـذا شأنها وبيت أهلها أولى بها.
كانت سارة تستمع لكل كلمة قيلت وأحست انها مجرد سلعة رخيصة منتهية الصلاحية .
وفجأة أحست برعشة تسري في أوصالها فخرجت من غرفتها واتجهت بكل ثقة نحو زوجها وقالت له بنبرة كبرياء هي نفسها لم تعهدها في صوتها.
-لن أقبل أن أكون ذليلة بعد الآن تحت أي مسمى لذلك أرجوك وبكل مودة أن تمنحني حريتي.
-ماذا تقولين؟! لا طبعا"فأنا أحبك كثيرا" وأنتِ تعلمين ذاك.
-أنا مصرة على موقفي ،لأني اكتشفت للتو أني لـم أعش حرّة منذ ولادتي وكنت مسلوبة الإرادة دائما"؛وأدركتُ وإن متأخرا" بأن لي كيان وأستحق أن أعامل بكرامة حتى لو لم يكن مقدرا" لي الإنجاب.
أنهت كلامها وأتجهت نحو الباب الخارجي بدون انتظار رده ؛ وغادرت المنزل بكل هدوء وانزلقت من عينيها دموع عنيدة فمسحتها وهي تحدّث نفسها بأنها لن تغير رأيها مهما حدث.
امتد في نفسها إحساس غريب بالرضا والفرح وكأن ماحصل معها معجزة .
وحمدت الله كثيرا" لأن دعاء الأمس قد تحقق فقد حبلت وولدت في ساعات معدودة ؛ومولودها كان كرامتها وإنسانيتها وهي بذاتها الوالدة والمولود وستربي نفسها على الشموخ وعزة النفس من جديد.

#بسمة_الصباح (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات