|
الرَّفيق نبيل الجعنيني.. نموذج كفاحي مميَّز..
سالم قبيلات
الحوار المتمدن-العدد: 8017 - 2024 / 6 / 23 - 11:47
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
نافذة على الثبات والنضال
البطاقة الأولى: الرَّفيق نبيل الجعنيني.. نموذج كفاحي مميَّز..
سالم قبيلات
تقدم لنا البطاقة الأولى من مبادرة "نافذة على الثبات والنضال"، شخصية نضالية مميزة، ذات تجربة غنية بالمُثُل والقيم النبيلة، وتعبر عن قوة التمسك بالمبادئ والسخاء في العطاء؛ إنَّها سيرة رفيق صلب ومتفان من أبرز مناضلي الحزب الشيوعي الأردني خلال فترة الأحكام العرفية. تجربة الرفيق نبيل الجعنينيّ الكفاحية تجربة مُلهمة؛ حيث إنه، باستعداده الَّذي قلَّ نظيره للتَّضحية والفداء، وبشجاعته المثيرة لإعجاب خصومه قبل رفاقه، وبعزيمته التي لم تفتر حتى في أسوأ الظروف والأحوال، عبر عن طموحات جيل كامل إلى التحرر الوطني والاستقلال والديمقراطية وبناء النهضة الوطنية. ولد الرفيق نبيل الجعنيني في مدينة مادبا في العام 1942 وترعرع في كنف عائلة أردنية طليعية ومثقفة، تميزت بشغفها بالتعليم وبتحصيل أبنائها التعليمي في مجالات متنوعة، ودورها في تشجيع التعلم والتعليم معروف ومقدر على مستوى منطقة مادبا. وكان للرفيق نبيل، بوجهٍ خاصٍّ، دور مميز في هذا المجال؛ وتجلى ذلك في نِسب التحصيل العلمي الكبيرة، في مختلف التخصصات العلمية والأدبية، التي شهدتها مدينة مادبا، من خريجي جامعات الدول الاشتراكية، خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. يذكر الرفيق نبيل أنه، انتسب إلى الحزب الشيوعي الأردني في العام 1957، وكان حينها طالباً في المرحلة الثانوية. وكانت تجربته الأولى مع السجن في العام 1958، وكان، آنذاك، لا يزال طالباً في المرحلة الثانوية، ولم يبلغ بعد سن الثامنة عشرة من عمره. وقد حكم عليه بالسجن خمس عشرة سنة، ثمّ جرى تخفيض مدة سجنة الى ست شهور، لعدم بلوغه سن الثامنة عشرة. لكنه لم يلبث أن أعتقل من جديد في العام 1959؛ وكان اعتقاله، هذه المرة، لمدةٍ طويلة؛ حيث بقي في السجن من دون محاكمة لغاية العام 1965، عندما صدر قرار بالعفو العام في عهد حكومة رئيس الوزراء الأسبق الراحل وصفي التل. وقد توزعت فترات سجنه بين معتقل الجفر الصحراوي وسجن المحطة في عمان، وكان يشاركه في ظروف الاعتقال الصعبة في تلك الفترة، العديد من المعتقلين السياسيين من مناضلي الحزب والأحزاب الوطنية الأردنية الأخرى. وفي العام 1969 سافر الرفيق نبيل إلى جمهوريات الاتحاد السوفياتي، وأكمل تعليمه هناك في "تخصص التحاليل الطبية المخبرية"، ثم عاد إلى مدينة مادبا في العام 1975، وأسس مختبره الخاص للتحاليل الطبية فيها. لكن، لسوء الحظ، ما لبثت يد الاعتقال التعسفي أن امتدت اليه من جديد في عام 1977، لتكون تلك تجربته الثالثة في الاعتقال، وفي المثول امام المحكمة العسكرية. وفي هذه المرة، حكمت المحكمة عليه بالسجن عشر سنوات. وظلّ محتجزاً في سجن المحطة حتى العام 1982؛ حيث تم الافراج عنه بالعفو الخاص الذي شمل عدداً من السجناء السياسيين من الأحزاب الأردنية المختلفة. لقد تميز الرفيق نبيل الجعنيني، بحمله الرقم الأعلى من عدد سنوات السجن، وبعدد المرات التي صدرت فيها بحقه أحكام من المحكمة العسكرية. في المرة الأولى والثانية، اعتُقل الرفيق نبيل، مع كثيرين، في سياق الهجمة الامبريالية الشرسة على الشيوعيين والقوى الوطنية والقومية، التي جرت في نهاية خمسينيات القرن الماضي. وفي المرة الثالثة، تمّ اعتقاله بسبب نشاطه المميز في قيادة العمل الحزبي، والنشاط السياسي الجماهيري عموماً، في مدينة مادبا؛ ولذلك، فقد تعرض في تلك المرة إلى حالة انتقام قاسية؛ وبسببها، قضى سنوات إضافية طويلة في السجن، مع عددٍ محدود نسبياً من السجناء السياسيين.. من الشيوعيين واليساريين والقوميين. وربما، كانت حالة الانتقام السياسي من الرفيق نبيل الجعنيني فريدة من نوعها؛ حيث لم يسبق أن حدث لمعارض سياسي أردني آخر أن حوكم بالتهمة نفسها (الانتساب للحزب الشيوعي الأردني)، وعوقب بالعقوبة نفسها، مرتين. ومن اللافت، أنه قد حُكم عليه في المرة الثانية (في العام 1977) بالسجن عدداً من السنين يقترب من الحد الأعلى لما كان ينص عليه قانون مكافحة الشيوعية سيئ الذكر. وقد تم النطق بذلك الحكم القاسي والمغلظ في محكمة عسكرية من درجة واحدة فقط، لا يتبعها لا استئناف ولا تمييز، ولا تلتزم بأي معيار من المعايير المتعارف عليها لضمان المحاكمات العادلة. وكان قرار الحكم المعيب، الذي تُلي في تلك المحكمة، خالياً من المسوغات القانونية الضرورية في المحاكم النظامية، حيث جاء بما يشبه بياناً سياسياً معداً مسبقاً، وكان مكتوباً بلغةٍ إنشائية ركيكة تفتقد للمنطق القانوني السليم. ولقد حدث كل ذلك التعسف في الحكم، بالرغم من مشاركة عشرات المحامين كمتطوعين للدفاع عن الرفيق نبيل. وكان أولئك المحامون، من حيث القدرات القانونية، يمثلون أشهر وألمع المحامين الأردنيين. وحالياً، حيث نشعر بالقلق والاشمئزاز، كلما تذكرنا تلك المرحلة العرفية البائسة، أو أي محطة من محطاتها الكريهة، فإنَّنا، في الوقت ذاته، نشعر بالتقدير العالي، والامتنان الشديد، للرفيق نبيل الجعنيني، ولكل شيوعي ووطني صلب، على المواقف الشجاعة، والتضحيات الجسيمة، ورفض الخضوع أمام بطش تلك السياسات القمعية غير الدستورية؛ كما نقدر تقديراً عالياً كل ما قدمه الرفاق المناضلون من أشكال النضال المختلفة على مدار سنوات طويلة، ناضلوا خلالها في سبيل تحقيق تحول ديمقراطي، يمنح المواطنين الأردنيين حقوقهم الدستورية. تلك الحقوق التي كانت معطلة بموجب فرض قانون الأحكام العرفية. ومن حسن الحظ حالياً، أنه لم يعد معمولاً بهذا القانون الجائر. ويعود الفضل في ذلك إلى النضال الطويل والصلب للشيوعيين، وخاصة دورهم المجيد في انتفاضة نيسان الخالدة التي أنهت العمل بذلك القانون القمعي البائس. وعلى الرغم من تلك المعاناة الشديدة من سياسات القمع الطويلة، التي تعرض لها الرفيق نبيل، فإنه لم يضعف ولم يهن أبداً؛ فما إن يذكر أحدٌ امامه شيئاً عن النضال في أيام العمل السري للحزب، حتى تشتعل فيه روح الحماس والحنين. لقد كان الرفيق نبيل، أيَّام النضال السري، شاباً متحمساً، يحمل في نفسه آمالا كبيرة، لتحقيق حياة أفضل للطبقة الكادحة. ولقد عُرف بقدرته الفذة على إدارة عمل المنظمات الحزبية، رغم كل المصاعب القاهرة التي كان يواجهها العمل الحزبي آنذاك، وكان يمتلك قدرةً كبيرةً لا تنضب على كسب الأعضاء الجدد والأصدقاء المخلصين للحزب، كما كان يمتلك حكمةً لافتة في مواجهة الازمات الداخلية للحزب؛ وقد أهله ذلك كله، ليكون بجدارة رمزاً حقيقياً للنضال الجاد والمتفاني في خدمة الحزب والقضايا الوطنية والقومية والإنسانية. وعلى صعيد المجتمع المحلي، تميز الرفيق نبيل بانخراطه الفاعل والمؤثر في النشاطات المجتمعية لمدينة مادبا ومنطقتها، ولم يكن يتوانى عن المشاركة في الفعاليات التطوعية التي تخدم الناس، وخصوصاً الكادحين منهم؛ مما أثرى رصيده النضالي والسياسي والإنساني، وعزز من احترام المجتمع المحلي وتقديره له. وبهذا الخصوص يسجل له عديد الإسهامات في خدمة الشأن الثقافي والنقابي في مدينة مادبا، وأيضا في مساندة نضال المرأة، لتحقيق طموحاتها في التحرر والمساواة. ويذكر للرفيق نبيل، باحترام كبير، أنه ساهم بجهود ملحوظة برفع الوعي الطبقي بين صفوف الكادحين وفئات المثقفين، ونشر ثقافة التنوير والتقدم الاجتماعي والاشتراكية في جميع المواقع التي وُجد فيها، ولا تستثنى من ذلك فترات وجوده في السجن، وتحديداً في سجن المحطة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.. حينما كان متاحاً له التواصل مع جميع السجناء. كما يُشهد له، أنه كان مخلصاً ومتفانياً في الدفاع عن الحقوق الانسانية للفئات الضعيفة والمهمشة في السجن. وقد ساهم آنذاك أيضاً، وبشكل كبير، في نشر الوعي التقدمي بين جميع الشرائح التي احتك معها داخل السجن. وبالرغم من قساوة الأحكام الظالمة، التي طالما تعرض لها، إلا أنه تميز دائماً بسلوك إنساني راق، وبقدرته على الاحتفاظ بالتفاؤل في أسوأ الظروف، وبحسه المرهف، وحبّه الحقيقيّ والعميق للناس؛ وهو أيضاً مثقف واسع الاطلاع، ومحاور لبق، يمتلك طاقة كبيرة في التحمل والصبر، كما يمتلك قدرة مثير للإعجاب على التعافي من الصدمات، والصلابة النفسية، ويتمتع أيضاً بقدرة فائقة على اجتراح مبادرات مفيدة في الظروف الصعبة. يتميز الرفيق نبيل بحسن أخلاقه، وبسيرته النقية؛ ولذلك، فقد نال احترام رفاقه في الحزب وتقديرهم، بالإضافة إلى احترام وتقدير شرائح اجتماعية وسياسية ومهنية واسعة من المجتمع الأردني. ويشهد له كل من تعامل معه، بأنه كان ناشطاً سياسياً مميزاً، خلال تلك المرحلة الصعبة من حياة الحزب والبلاد؛ وأنه، بما بذل من حياته من وقت وتضحيات جسام، وبنشاطاته الثقافية والنقابية لصالح الحزب والوطن والشعب، جدير بالاحترام والتقدير إلى أبعد حدّ. وختاماً، نحيي الرفيق نبيل الجعنيني على روحه العالية، والعزيمة، والإصرار، التي يتمتع بها؛ فمنذ انخراطه في صفوف الحزب، قبل ما يزيد عن ستين عاماً، لم ينقطع عن النضال الوطني يوماً، وظل دائماً لصيقاً بحزبه ورفاقه، وغيوراً عليهم. ومع أنَّه كان دائماً مناضلاً ثورياً طليعيا، إلا أنه كان دائماً إنساناً متواضعا في سلوكه، وصادقاً مع نفسه ومع الآخرين، مخلصاً لمبادئه، وفياً لرفاقه، ومكافحاً بجهده وعرقه من أجل تأمين حياة كريمة له ولأسرته الرائعة. لنسجل تحية رفاقية حارة للرفيق نبيل.
#سالم_قبيلات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إطلاق مبادرة -نافذة على النضال والثبات-
-
لا لسياسات الاقصاء والاعدام الاقتصادي
-
هل من هزة لكبير الطغاة
-
اصلاحات الاردن غرق في التفاصيل
-
الثورات الشعبية توقظ الحماس في النفوس
-
بداية ركيكة لمجلس نواب الدوائر الوهمية في الاردن؟
-
الاكثرية فشلت في ايصال ممثليها السياسيين للبرلمان الاردني
-
التأزيم والتقزيم يسبق الانتخابات في الاردن
-
الانتخابات النيابية الاردنية ، المشاهدة ام المراقبة
-
تعديلات قانون الانتخاب الاردني
-
انتهاكات حقوق انسان في الاردن
المزيد.....
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
-
شولتس أم بيستوريوس ـ من سيكون مرشح -الاشتراكي- للمستشارية؟
-
الأكراد يواصلون التظاهر في ألمانيا للمطالبة بالإفراج عن أوجل
...
-
العدد 580 من جريدة النهج الديمقراطي
-
الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تُعلِن استعدادها
...
-
روسيا تعيد دفن رفات أكثر من 700 ضحية قتلوا في معسكر اعتقال ن
...
-
بيان المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي
-
بلاغ صحفي حول الاجتماع الدوري للمكتب السياسي لحزب التقدم وال
...
-
لحظة القبض على مواطن ألماني متورط بتفجير محطة غاز في كالينين
...
-
الأمن الروسي يعتقل مواطنا ألمانيا قام بتفجير محطة لتوزيع الغ
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|