أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - مسار تغيّر النظام الدولي ودلالات صعود اليمين المتطرّف في فرنسا.















المزيد.....

مسار تغيّر النظام الدولي ودلالات صعود اليمين المتطرّف في فرنسا.


عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)


الحوار المتمدن-العدد: 8017 - 2024 / 6 / 23 - 10:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الدول الغربية تعيش قلقًا غير مسبوق بسبب اقتراب نهاية سيطرتها على العالم منذ قرون. ففي خطاب ألقاه إيمانويل ماكرون، أواخر شهر أفريل الفائت، حذّر الرئيس الفرنسي من التهديدات التي تواجه القارة العجوز، معلنا عن الحاجة إلى "أوروبا قوية جديدة ومؤثّرة".. وحين سُئِل: "ماذا تملك أوروبا المعاصرة من قوّة؟ وكيف ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يستغل هذه القوة؟"، أجاب ماكرون: "إنّ أوروبا فانية، وهي مُهيّأة للتعرض للأزمات بشكل دوري"... وختم بالدفاع عن "الحضارة الأوروبية". وحثّ على "إيجاد نموذج لإحيائها".
لقد أشار ميكيافلي في كتابه "خطابات عن ليفي" أنه عندما تكون هناك شكوك حول القيم، فإن التاريخ هو دليلنا الوحيد المتبقي". وأن "سر الحرية الرومانية، لم يكن حظها الجيد ولا قوتها العسكرية، بل في قدرة الرومان على التوسط في الصراع بين العظماء والشعب" (يقصد بين الطبقات الثرية والأغلبية العظمى من السكان)..
تجاهل ماكرون كغيره من قادة الاتحاد الأروبي نصيحة ماكيفلي، حين تجاهل شعور الملايين من شعوب أروبا بعزلتهم عن هذا الكيان الذي سطّر مصيرهم دون إرادتهم، وحرمهم من المشاركة السياسية الحقيقية، مما أحدث فجوة عميقة بين أصحاب المصالح والقرار وبين الشعوب. وهذا مهّد الطريق أمام صعود اليمين المتطرف. فعلى الرغم من كل خطاباته "الديمقراطيّة"، فإن الاتحاد الأوروبي مجرد مؤسّسة حكم مصرفية، تشرف عليها هيئة غير منتخبة من التكنوقراط في المفوضية، تستخدم قواعدها المالية لإقرار قيود صارمة على ميزانيات الدول الأعضاء. وتوفر الحماية للأغنياء. وتفرض التقشف على الفقراء. فمن الأعلى إلى الأسفل، تخضع أوروبا بشكل هرمي إلى مصالح الأقلية البرجوازية على حساب الأغلبية الساحقة. فالشركات والمؤسسات المالية ووكالات التصنيف الائتماني ومجموعات المصالح، هي التي تتخذ القرارات في كل المستويات. وما السياسيين إلاّ موظفين لدى رأسالمال.

لكي تحافظ على هيمنتها الكونية، وعلى هيمنتها داخل حدودها، تنزع الإمبريالية الغربية نحو الفاشية. وقد تجلى ذلك في إشعال حروب الإبادة لإخضاع الشعوب في المستعمرات وأشباه المستعمرات خارج حدودها. وأيضا في تصنيع الكراهية العنصرية للأجانب والأقليات في الداخل.
فماذا تعني عبارة ماكرون "بعث أوروبا جديدة قوية ومؤثرة"؟
وماهي دوافع تخلي البرجوازية الأروبية عن الديمقراطية الليبيرالية، والانتقال إلى السياسات الفاشية؟
يشير تنوع الدعم المتعاظم لمنظمة بريكس إلى تراجع الهيمنة الغربية. فمن المعلوم أن شراكة بريكس أصبحت اليوم تضم 47،3 % من سكان العالم. وتستحوذ على نسبة 36.4 % من إجمالي الدخل السنوي العالمي بحساب القوة الشرائية. ولما نقارن هذا النفوذ مع نفوذ مجموعة السبعة (الولايات المتحدة الأمريكية، انقلترا، فرنسا، ألمانيا ، إيطاليا ، اليابان)، نجد أنها تضم أقل من 10% من سكان العالم، وحصتها تبلغ 30.4 بالمائة من الناتج العالمي حسب القوة الشرائية.
في قمة بريكس الأخيرة، رحبت الدول المؤسسة بالدول الستّ التي انضمت الى الاتفاقية وهي: الأرجنتين ، اثيوبيا ، مصر ، إيران ، العربية السعودية، والإمارت العربية. وقبل ثلاثة سنوات، وتحديدا في سنة 2021، كانت الدول التي تشكل اليوم مجموعة بريكس تنتج 38،3 % من الإنتاج الصناعي بالعالم. بينما مجموعة السبعة تنتج 30،5 %. ولكن جميع المؤشرات المتوفرة حول قدرتها المُحتملة على إنتاج وسائل الانتاج والحجم الكلي لإنتاج المعادن، تبين القوة الضخمة لهذا الحلف الصاعد على حساب المعسكر الامبريالي الغربي. وفي هذا الصدد يقول "سيلزو أموريم" ، مستشار حكومة البرازيل ووزير خارجيتها وأحد أهم مهندسي بريكس: "إن هذا التطور الهائل لدولنا دليل على أن العالم لم يعد يخضع لإملاءات مجموعة السبعة".
إذن دول البريكس، رغم كل نقاط ضعفها وهناتها وتحدياتها الداخلية، باتت تستحوذ على حصة من إجمالي الدخل بالعالم أكبر بكثير مما تنتجه مجموعة السبعة التي لا زالت على غرورها المعهود، تتصرف كهيئة تنفيذية للعالم. وهذا يعني أن الغرب الاستعماريّ يرفض هذه الحقائق الجديدة. وسيعمل بكل ما لديه من إمكانيات وما يمتلك من وسائل الموت، على الاستمرار في الهيمنة على العالم، وهو ما يُفسّر على نحو بالغ الوضوح، النزوع المفضوح نحو الفاشية. هنا، وربطًا مع ما تقدّم تجدر الأشارة إلى أن أكثر من 40 دولة عبرت عن رغبتها في الانضمام الى منظمة بركس، منها سبعة دول مصدرة للنفط من بين ال 13 دولة في منظمة "اوبيك"!.
من جهة أخرى أدونيسيا الدولة السابعة عالميا من حيث الدخل الوطني بحساب القوة الشرائية، قال رئيسها "جوكو ويدودو": "علينا أن نرفض من هنا فصاعدا التمييز بالتجارة، والوقوف بقوة ضد إعاقة الصناعة في بلداننا. وعلينا جميعا التحدث بلغة واحدة عن تعاون متكافئ وشامل"
يُشار أيضا إلى أن بريكس تعمل بالتنسيق الوثيق مع جميع التكتلات الجديدة الأخرى الهادفة لبناء منصات اقتصادية خارج قبضة الغرب، منها "مجموعة دول أميركا اللاتينية والكاريبي"، و"منظمة شانغهاي للتعاون". فالمنظومتان تميلان لتيار تاريخي مضاد للهيمنة الغربية. وبكل المقاييس والحسابات، باتت الحقائق قائمة وواضحة: النسبة المئوية للدول الغربية من الإنتاج العالمي تراجعت من 57.3 % عام 1993 الى 40.6 % عام 2022 ، مع تقلص نسبة الولايات المتحدة من 19.7 % الى 15.6 % فقط من الإنتاج العالمي- رغم امتياز الاحتكار الذي تتمتع به خارج كلّ معايير العدالة الدولية. وفي العام 2022 كان إنتاج الجنوب العالمي، بدون الصين، بنسبة القوة الشرائية، أعظم من إنتاج دول الشمال مجتمعة.

بسبب هذه المتغيرات العميقة، يسير النظام الدولي، بمنطق ميزان القوى، إلى التغير. وهذا ما أجبر صُنّاع القرار في الغرب، للسير وراء رأسالمال الآخذ في الكشف عن وجهه الفاشي للاحتفاظ بهيمنته على الكرة الأرضية. وذلك عن طريق الدفع باتجاه حرب باردة جديدة ضد الدول الصاعدة وعلى رأسها روسيا والصين. ولمزيد فهم مدلولات صعود اليمين في فرنسا وفي عموم أروبا، في علاقة بما يجري من تغيّر مذهل لميزان القوى الدولي، يكفي الاطلاع على البيان المشترك للحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي، الذي ورد مُفعَمًا بالشعور بالتهديد، مُختفيًا وراء مُفردات الغطرسة والوعيد والغرور الاستعماري المعهود، حيث جاء فيه "سوف تقوم دول الناتو والاتحاد الأوروبي بأدوار تنسيق وتكامل، تُعزز بصورة متبادلة دعم السلم والأمن الدوليين. سوف نُفعّل المزيد من منظومة الأدوات المجتمعة في حوزتنا السياسية والاقتصادية والعسكرية لمتابعة أهدافنا المشتركة لمنفعة المليار نسمة من سكان بلداننا."
في نفس السياق، سُئِل "لُولا" رئيس البريزيل: "إذا كانت منظمة بريكس ستلعب دورا تقدميا تجاه الإنسانية كما تقولون، فلماذا ترحبون بهذه الدول البائسة، بمن فيها دولتان ملكيتان؟" (الذي طرح السؤال، على الأرجح، يقصد المملكة العربية السعودية وإيران)، فأجاب "لُولا" بمنتهى الوضوح والثقة: "ما يهمنا ليس الشخص الذي يحكم، بل الأهمية التي تحظى بها الدولة ؛ فلا نستطيع رفض الأهمية الجيو-استراتيجية لإيران وغيرها من الأقطار التي ستنضمّ الى منظمة بريكس".
بمعنى أن المقياس الذي بموجبه قررت دول بريكس قبول الانضمام إليها، هو -حصرًا- وقف الهيمنة الغربية. وبالتالي تضييق مجال نفوذها وإضعافها. والقضية هنا لم تعد مجرد شعارات وأماني. بل هي معطيات على الأرض تتعلق بالسيطرة على موارد الطاقة وممراتها. فعلى سبيل المثال تنتج إيران والسعودية والإمارات وروسيا 26.3 مليون برميل من النفط يوميا، أي ما يناهز 30 % من الإنتاج العالمي اليومي للنفط. ومصر ليست من دول الأوبيك، ولكنها إحدى أكبر منتجي النفط في إفريقيا، حيث يبلغ انتاجها اليومي 567650 برميلا. ولعل توسّط الصين بين السعودية وإيران في أفريل 2023 هو الذي أتاح دخول الدولتين المنتجتين للنفط الى عضوية بريكس. وأيضا القضية ليست مجرد ائتلاف جديد للدول المنتجة للنفط خارج السيطرة الغربية، بل أيضا بناء ممرات دولية عملاقة للطاقة. من ذلك أن مبادرة الحزام والطريق أقامت شبكة نفط وغاز مندمجة. وقريبا ستبدأ بريكس الموسعة تنسيق البنية التحتية لطاقتها خارج ما يُسمى بريكس+.

إذن، كما هو واضح، ثمّة علامات كثيرة ما كان بالإمكان مجرد احتمالها قبل سنوات قليلة، تدل على أن الامبريالية الغربية تختنق ونفوذها يتراجع. فمثلا عندما تخطط العربية السعودية لبيع النفط الى الصين ب"اليوان" الصيني مُقوِّضة بذلك بنية نظام البيترودولار. وعندما يسير العراق المحتل وإيران المُحاصرة على نفس الخُطى. وعندما تتركز المباحثات في قمة بريكس، كما عبّر بيانها الختامي على "ضرورة تعزيز بنية تنموية ومالية للعالم الذي لا يخضع لثلاثية صندوق النقد الدولي والوول ستريت والدولار الأميركي". وعندما يجري تنفيذ أجندة بريكس لتحسين استقرار البنية المالية العالمية ومصداقيتها ونزاهتها عن طريق استعمال العملات المحلية. وترتيب عملة بديلة ونُظم مدفوعات بديلة. وإرجاع العملات المحلية في التجارة الخارجية، والاستغناء عن الدولار، رغم أن 150 بلدا تتوقف مدفوعاتها عبر الحدود على الدولار، الذي شكل إلى حدود عام 2021 نسبة 40 % من السيولة على شبكة سويفت- مجمع الاتصالات المالية اللاسلكية للبنوك العالمية. وعندما تظهر منصات عالمية للتراسل تتحدّى الدولار، مثل "النظام الصيني للمدفوعات البنكية عابرة للحدود". و"الواجهة الهندية المتحدة للمدفوعات". و"النظام الروسي للمراسلة المالية". وكذلك نظم عملة رقمية إقليمية... إلى غير ذلك مما يُشير إلى تعاظم استخدام العملات البديلة. وعندما توافق بريكس على تشكيل مجموعة عمل لدراسة بعث عملة بريكس المرجعية كبديل عن الدولار. وعندما يقول بنك التنمية الجديد أنه سيوسع عضويته. وبأن 30 % من تمويله، إلى غاية 2026، سيكون بالعملات المحلية. حيث قالت رئيسة البنك "ديلما روسيف": "إن بنك التنمية الجديد سوف لا يتبع سياسة صندوق النقد الدولي، التي تقضي فرض شروط ظالمة على الدول المقترضة. نحن نزدري أي نوع من الاشتراط ... إننا نحترم سياسية كل بلد". وعندما يرِدُ في ذات بيان دول بريكس "أهمية الإصلاح الشامل للأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن." فاليوم يضم مجلس الأمن 15عضوا، خمسة منهم دائمون: الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، فرنسا، روسيا، والصين. ولا يوجد أعضاء دائمون من أميركا اللاتينية، ولا من إفريقيا، ولا حتى الهند التي تحوي سدس البشرية. من الطبيعي أن تدعم دول بريكس، في إطار إنهاء الهيمنة الغربية "التطلعات المشروعة للدول النامية والبازغة من افريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، مثل البرازيل والهند وجنوب إفريقيا ومصر كي تلعب دورا أعظم في الشئون الدولية". دائمًا في نفس اتجاه الفهم، ليس دخول اثيوبيا وإيران في منظمة بريكس، سوى مؤشّر على تمرّد الجنوب على العقوبات التي ينتهجها الغرب ضد دول الجنوب. وهو أمر كان يُعدّ في باب المستحيلات.

باختصار تُشير كل هذه المتغيرات، وكل هذه المعطيات إلى مسار تراجع الهيمنة السياسية للامبريالية الغربية على العالم. وهو في رأينا ما يفسّر، إلى حدّ معقول، صعود اليمين الفاشي كخيار أول في فرنسا. وفي عدد من الدول الأروبية.

الحقيقة التي يسعى الإعلام الغربي إلى إخفائها، هي أن الرأسمالية في مرحلة الإمبريالية فاشية بحكم طبيعتها، تتخفّى بالديمقراطية، وليس العكس. بمعنى أن الدعاية الامبريالية حاولت على الدوام تضليل الناس حول العالم بإخفاء الطبيعة الفاشية للبرجوازيات الغربية، من خلال تصويرها على أنها نقيضا مطلقا للفاشية، وليست شكلا من أشكالها. ونحن هذه الأيام، خصوصا منذ قرّر الرئيس الفرنسي حلّ الجمعية العامة، نسمع بغزارة على ألسنة إعلاميي البرجوازية وأبواق دعايتها الكُثّر، الجملة المُتحيّلة التالية: "الليبرالية تشكل المِصَدّ الأخير للفاشية"، زاعمين أنها تمثل الدفاع عن حكم الديمقراطية والقانون بوجه "الديماغوجية الضالة والحاقدة"، في مسعاها لتدمير الجمهورية. وكأنه تعارض أصيل بين الليبيرالية المتوحشة والفاشية. وهذه خُرافة سخيفة وتعارض مزعوم يُراد به تشويه جوهر الكفاح ضد الفاشية، وتقديمه على أنه نضال من أجل الليبيرالية. وهكذا نجحت الدعاية المُضلّلة -إلى حدّ كبير- في افتعال تناقض ايديولوجي كاذب. ذلك أن الليبرالية والفاشية شقيقتين بالدم والرضاعة، تشتركان في الولاء الخالد للنظام الرأسمالي العالمي. بل هما شكلان لجوهر واحد. وبُدلتان لعسكري واحد يرتدي القُفّاز الحريري أحيانا. وهو مُتأهّب في أيّ لحظة، وكلما اقتضت الحاجة، لنزع القُفّاز وإظهار قبضته الحديدية.

عندما نقول هذا الكلام، لا نقوله من منطلق الوقوف ضد وصول اليمين المتطرف للسلطة وحسب. ولا نقوله من باب التّرف ونظم الشعر. بل للتذكير بأن الفاشية ظهرت في أوروبا الغربية من رحم الديمقراطية البرلمانية، ولم تهاجم البرلمانات من الخارج. فلقد استلمت الفاشية السلطة في إيطاليا بعد الحرب الأولى، أيام الأزمة الاقتصادية السياسية الحادة، التي انتهت إلى "الكساد العظيم"، وبعد أول ثورة شعبية ناجحة مناهضة للرأسمالية في روسيا القيصرية. كان موسوليني قد قدّم خدمات كبيرة للجاسوسية البريطانية (إم 15) لكسر حركة السلام أثناء الحرب. ولذلك حظي لاحقًا بدعم الرأسمال الصناعي والبنوك في نشاطه المناهض للحركة العمالية والموالي للرأسمالية. حيث اتكأ للوصول للبرلمان على الداعمين الماليين الأقوياء في تمويل حملته. وبالتوازي مع ذلك كانت فرق الفاشيست تحت مُسمّى "القمصان السود" منهمكة في تخريب منظمات الطبقة العاملة. وفي اكتوبر 1922 زوده كبار اتحاد الصناعيين وقادة البنوك بالملايين الضرورية للقيام بمسيرة استعراض قوة نحو روما. ولم يغتصب موسوليني السلطة. إنما دُعي من قبل الملك في 29 أكتوبر 1922، لتشكيل الحكومة طبقا للقواعد البرلمانية. يعني أن الرأسمالية نزعت معطفها الليبيرالي باستدعاء الفاشية إلى سدّة الحكم. ولمّا عزم موسوليني على الفوز بأغلبية مطلقة، ساعده الليبيراليون، الذين سبق ودعموا قانون جويلية 1923 الانتخابي، ثم شكلوا معه جبهة انتخابية موحدة يوم 6 فريل 1924. وبهذا التحالف حصل الفاشيست على 286 مقعدا بالبرلمان، بعد أن كان لهم 35 مقعدا فقط.
في ألمانيا أيضًا، تسلم النازيون الحكم من داخل النظام البرلماني. وبالتحالف مع الليبيراليبن لأن النازيين نالوا تأييد الطغمة الصناعية والبنكية، التي قدمت لهم المال بلا حساب لتعظيم نفوذ الحزب النازي، فما كان من الليبيراليين إلا الاصطفاف وتنفيذ الأوامر. وهكذا تم ضمان فوز الحزب النازي في 19 أكتوبر 1930. وفي انتخابات ديسمبر 1935، وحتى بعد الجرائم النازية المرعبة التي طالت تقريبا كل قادة الحركة العمالية، رفض زعماء الديمقراطية الليبيرالية تشكيل جبهة موحدة مع الشيوعيين ضد النازية!

لكل ما تقدّم، واعتراضًا على ما قد يكون في الأوهام من زينة، نعتقد أن الأحزاب اليمينية في فرنسا تقف جميعها في خندق واحد. وهي مجرد واجهات مختلفة الألوان للبرجوازية الفرنسية صاحبة الحلّ والربط. والقرار بالنهاية، هو قرار تلك القوى الطبقية ذاتها التي تقف وراء اليمين وأقصى اليمين في نفس الوقت. وكما حصل في الماضي، في إيطاليا وألمانيا، سوف لن يتأخر ليبيراليو فرنسا، الواقفين زورًا في الوسط، في إعلان جبهة يمين رجعية للإطاحة باليسار، رغم أن الجبهة الشعبية الجديدة لا تخلو تماما من اليمين. وليكن واضحا تماما أن كل صوت لماكرون، هو، في النهاية، صوت لماري-لوبان، لأن رأسالمال يدعم المرشحين الذين ينصاعون لأوامره. ولأن الليبيرالية والفاشية أداتان بأيدي نفس الطبقة البرجوازية التي ستضع، كما كانت على الدوام، على رأس جدول أعمالها سحق تنظيمات الطبقة العاملة وتصفية أحزابها بألف طريقة وطريقة. ثم شيطنة الأجانب، ومزيد قضم المكاسب الاجتماعية للفقراء، فمزيد خصخصة القطاع العام، مع التطلع للهيمنة الكولنيالية ومضاعفة الاستثمار في اقتصاد الحرب.

وللحديث بقية ...



#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)       Boughanmi_Ezdine#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليسار يحتاج تنظيما جديدا
- سوق التّجارة بمعاناة اليهود في أزمة كساد خانقة.
- نهاية رواية مُزوّرة!
- إسرائيل، مشروع مُفتَعَل
- طوفان الأقصى، ضربة في مقتل.
- الولايات المتحدة الأمريكية شريكة في الحرب على غزة
- صُنّاع الكراهية يقودون المظاهرات ضدّ الكراهية!
- سقوط حلّ الدولتين، أو انتصار الدم على المدفعيّة
- هل تغيّر الموقف الأمريكي تُجاه الحرب على غزة؟
- كلّ الجهود ضدّ حرب إبادة الشعب الفلسطيني
- حذار من الإفراط في التفاؤل
- الحرب على غزّة ودواعي تطوّر الموقف العربي الرسمي
- محنة الماركسيين التوانسة في علاقتهم بمقولتي -الدولة- و -الدي ...
- نظام الفساد والإرهاب، لا يبني ديمقراطية.
- العرڨ دسّاس
- الدولار لن يبقى سيّد العالم
- هل التعدّد المذهبي والطائفي والثقافي هو سبب تخلّف العرب؟
- الإسلام الموازي وتكفير أهل الكتاب
- حول -الاستقلال- ودولة الاستقلال.
- بوصلة الشهيد!


المزيد.....




- رجل يتفاجأ بدب ضخم عالق داخل سيارته.. فيديو صادم يصور ما فعل ...
- وسط مخاوف من تصعيد عسكري.. الأردن يدعو مواطنيه -لتجنب- السفر ...
- إردوغان: تركيا مستعدة للعمل على تطوير العلاقات مع سوريا ولا ...
- مجلس النواب الأمريكي يُصوّت لصالح إخفاء عدد القتلى في الحرب ...
- هل ما جرى في بوليفيا انقلاب أم مشهد مسرحي؟
- 4 طرق تضمن لك مفعولا مماثلا لمشروبات الطاقة دون آثار جانبية ...
- المغرب.. اكتشاف مخلوق -استثنائي- من عصور ما قبل التاريخ
- بعد انتظارها لعدة أسابيع.. ميلوني تخرج عن صمتها بشأن فضيحة ض ...
- غيتس يحذر من استغلال الذكاء الاصطناعي لأغراض كارثية
- بوناصر الطفار: كلمات لا تعرف الخوف ولا المواربة


المزيد.....

- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - مسار تغيّر النظام الدولي ودلالات صعود اليمين المتطرّف في فرنسا.