أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن مدن - طه حسين المتجدّد














المزيد.....

طه حسين المتجدّد


حسن مدن

الحوار المتمدن-العدد: 8017 - 2024 / 6 / 23 - 10:22
المحور: الادب والفن
    


مهما قرأنا لطه حسين أو عنه، سنظلّ نكتشف فيه في كلّ مرة جديداً. لا نظنّ أنّ مفكّراً عربياً موسوعياً مثله قدّم ما قدّمه من مساهمة من أجل تحرير العقل العربي في العصر الحديث، وما من مفكّر مثله كرّس جهده المعرفي في صوغ مشروع نهضوي لمصر، وبالنتيجة للعالم العربي، قائم على العلم والمعرفة وقيم العقلانية والتنوير والحداثة، وما من مثقفٍ يضاهيه في الإمساك بمناحي الثقافة العربية والأجنبية، فهو الأزهري الذي درس التراث بعُمق وجدّية وتبحّر فيه، وهو الدكتور من الجامعات الفرنسية، فحقّقت له مثاقفتُه سعة في الأفق.

فكر طه حسين من الاتساع والغنى والتعدّد بحيث إنّه يحتمل قراءاتٍ مختلفة. كتب بلغة تبدو في الظاهر بسيطة، لكن هذه البساطة تنطوي على عمق المحتوى وغناه، إنّها بالضبط تلك اللغة التي نسمّيها "السهل الممتنع". الأفكار الكبرى عن التحديث ومقوّمات النهضة وشروط التطور مطروحة في مؤلفات طه حسين، وهي أفكار تثير اليوم جدلاً حولها لا يقلّ عمّا أثارته في حينها، ليس فقط لأنّ الوضع العربي أسوأ مما كان عليه يوم كتب طه حسين مؤلّفاته المهمّة فحسب، ولكن لأن أفكاره ليست من النوع الذي يتقادم أو يشيخ، لأنها بطبيعتها أفكار متجدّدة.
نقول هذا لنشير إلى نمط من الكتابات متداولة اليوم، فنُفاجأ بلغةٍ عسيرة الهضم، تنطوي على اشتقاقاتٍ مبهمةٍ ومصطلحاتٍ مصكوكة بافتعالٍ وقسر، خصوصاً حين يجري تحويل المنطق الداخلي للغات الأجنبية إلى سياقنا اللغوي العربي المختلف.

كلما عُدنا إلى طه حسين لم نجد فيه فقط ما يُعلّمنا، على ما سبق لنا أن تعلّمناه منه، بل ما يفاجئنا أيضاً. الظاهر من "بروفايل" الرجل كونه أديباً، لا بل استحقّ أن يطلق عليه لقب عميد الأدب العربي. والظاهر من هذا "البروفايل" أيضاً أنّه كان تربوياً، أستاذاً في الجامعة وعميداً لكلية الآداب ووزيراً للمعارف. وفي هذا وذاك، أي في الأدب وفي التربية والتعليم، كان الرجل صاحب رؤية ومنهج، فالأدب عنده لا يستقيم دون الحرية: "الأدب لا قيمة له إذا فقد الحرية"، والقول قوله. والتعليم عنده حقٌّ للمواطن على الدولة أن تتكفل بضمانه له: "إنّ العلم كالماء والهواء. يجب أن يكون متاحاً لكل أفراد الشعب"، قبل أن يضيف هذه الإضافة المهمّة: "لا يمكن أن تقوم ديمقراطية حقيقيّة من دون أن يتعلّم الشعب".

نستعيد هنا حكاية الشبّان الموهوبين الثلاثة الذين قصدوا طه حسين في بيته، في أربعينيات القرن العشرين، ليستأنسوا بفكره، ويستمعوا إليه، على جري ما يفعله الشبّان عادةً تجاه من يعدّونهم أساتذة لهم في المعرفة. وسيصبح الشبان الثلاثة فيما بعد من أعمدة الثقافة وقاماتها في مصر: مصطفى سويف عالم النفس المثقف الهائم بعلم الجمال، ويوسف الشاروني الذي شكّل أدبه فتحاً جديداً في القصة القصيرة في مصر والعالم العربي، وأخيراً الناقد والمفكر محمود أمين العالم الذي روى هذه الحكاية.

كانت ترين على مصر في تلك الفترة موجةٌ سوداء من التعصّب الديني الضيق، وكان طه حسين، ببصيرته النافذة، يستشعر مخاطر ذلك على الثقافة والحرية في البلاد، وسرّه أنّ الشبان الثلاثة الشغوفين بالمعرفة يستشعرون مثله مخاطر ذلك، ويدركون أنّ مستقبل مصر هو في قيم التنوير وحرية الفكر والتعبير والبناء الديمقراطي. لكن ذلك لم يمنعه من سؤالهم عما هم فاعلون لمواجهة تلك الموجة من التعصّب، وبعد أن سمع منهم الجواب، قال ما معناه: حَسنٌ أن يكون لكم هذا الموقف، ولكنّكم لا تملكون أساليب التغيير العملي الذي إليه تتطلّعون
.
لم تكن تلك كلمة عابرة من طه حسين؛ فالرجل يُدرك أنّ وعي النخبة وحده ليس كافياً، إن لم يقترن بالعمل من أجل تعميمه ونشره، حتى يكون المجتمع مُحصّناً بوجه احتمالات الردّات إلى الوراء، وهو ما نحن شهود عليه اليوم، وليس عصيّاً على الواحد منا رؤية الفارق بين الزمن الذي عاشه طه حسين ووضع فيه ما وضع من مؤلفات وزمننا الراهن، حيث تجليات الردّة الفكرية نراها على غير صعيد. صحيحٌ أنّ أسباب ذلك موضوعية، في المقام الأول، عائدة إلى ما شهدته مجتمعاتنا من تحوّلات أعادتنا إلى الوراء ولم تقدنا إلى الأمام، ولكن النخب الثقافية تتحمّل قدراً غير قليل من المسؤولية عن ذلك.



#حسن_مدن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسار الدولة ومصيرها
- (رجعوا التلامذة للجدّ تاني)
- الجنائية الدوليّة تضع الغرب على المحكّ
- تحوّلات المدينة في الخليج
- طُلّاب 1968 .. طُلّاب 2024
- باسم خندقجي
- الأول من مايو في البُعدين الوطني والأممي
- المانحون وسيادة الدول
- (خيوط المعازيب)
- لتستمرّ المقاطعة
- صنعوا داعش ولم يصنع نفسه
- نساء على دروب غير مطروقة
- إعادة قراءة .. إعادة كتابة
- بدرية خلفان .. سيّدة البدايات
- مجزرة الجياع
- التاريخ بوصفه حاضراً
- الرواية والمدينة في الخليج
- هل قادم البشر أفضل؟
- مقدّمات العدوان الصهيوني على غزّة وتداعياته
- رسائل من الغربة وعنها


المزيد.....




- قهوة مجانية على رصيف الحمراء.. لبنانيون نازحون يجتمعون في بي ...
- يشبهونني -بويل سميث-.. ما حقيقة دخول نجم الزمالك المصري عالم ...
- المسألة الشرقية والغارة على العالم الإسلامي
- التبرع بالأعضاء ثقافة توثق العطاء في لفتة إنسانية
- التبرع بالأعضاء ثقافة توثق العطاء في لفتة انسانية
- دار الكتب والوثائق تستذكر المُلهمة (سماء الأمير) في معرضٍ لل ...
- قسم الإعلام التطبيقي بكليات التقنية العليا الإماراتية والمدر ...
- نص من ديوان (ياعادل) تحت الطبع للشاعر( عادل جلال) مصر.
- إخترنا لك :نص (شكرا لطوق الياسمين )حسن فوزى.مصر.
- رحيل الممثلة البريطانية ماغي سميث عن 89 عاماً


المزيد.....

- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن مدن - طه حسين المتجدّد