أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد رباص - قصتا الحذاء البلاستيكي وشرائح اللحم التي نخرتها الديدان














المزيد.....

قصتا الحذاء البلاستيكي وشرائح اللحم التي نخرتها الديدان


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 8015 - 2024 / 6 / 21 - 07:38
المحور: الادب والفن
    


في هذا الفصل من مذكراتي كمعلم في الجنوب المغربي، يحلو لي أن أعود بالذاكرة إلى مجمع الفكارة وأن أفتح المذكرة الحاوية لوقائع عشتها وعايشتها هناك ابتداءً من بداية خريف عام 1988 إلى بداية صيف العام الموالي. من هذه الوقائع ما خضع لآلية السرد ومنها ما زال مادة خاما ثاوية في الذاكرة.
- قصة الحذاء البلاستيكي
لم أعد أذكر السبب الذي جعلني ذات يوم أستعمل حجرة دراسية خاصة بمعلم القسم الثاني، مبنية بالتابوت ومسقفة بالقصب والخشب عوض قسم مبني بالمفكك كان من نصيبي منذ انطلاق الدراسة. وضعت الأقسام القابلة للتفكيك قبالة عين الشمس، في حين كان باب القسم الاخر ونوافذه مواجهة لجبل أزكيغ الذي يحجب عن الأهالي دينامية السير على طريق معبدة (تستعملها أيضا الشاحنات المحملة بخامات المعادن المستخرجة من منجمي البليدة وبووزار).
في هذا القسم المبني بالطين، استقبلت تلاميذ القسم الثالث لأقدّم ما أعددت لهم في هذا اليوم من حصص من مواد مختلفة باللغة العربية. تذكرت اليوم الذي مررت فيه أمام هذا القسم وألقيت نظرة خاطفة إلى السبورة حيث اكتشفت أن المعلم المتحدر من نواحي قلعة مكونة كتب عليها كلمة “أمرؤ” بواوين.
ربما لهذا السبب قال كارل ماركس: “المربي في حاجة دائما إلى تربية”. انتهت الحصص ودقت ساعة الخروج، فلاحطت أن تلميذا ينتعل صندلا بلاستيكيا متآكلا يعرف باسم “حلُّومة”، ويجد صعوبة في المشي لأنه من كثرة ما فقد من الأجزاء لم يعد صالحا للاستعمال.
سألت التلاميذ عن إمكانية اقتناء حذاء بلاستيكي جديد في المجمع، فأخبروني يأن “المقدم” يتوفر في متجره على الحذاء الذي أبحث عنه!.
تطوع إثنان من التلاميذ للذهاب إلى الحانوت قصد شراء الحذاء والإتيان به في أسرع وقت ممكن، قبل أن يتناول مني أحدهما قطعة نقدية معدنية بقيمة عشرة دراهم. عادا الطفلان بخفين جديدين من اللدائن؛ لم يسبق لأي ابن أنثى أن انتعلهما اللهم إلا إذا حدث مثل ذلك من قبل طفل آخر أثناء المقايسة. ناديت على الطفل ذي الصندل المهترئ وطلبت منه أن يستبدله بالجديد، فعل ما أمرته به، فبان لنا أن مقاس فردتي الحذاء مواتٍ لحجم قدميه.
فرح تلميذي بالهدية التي بدرت مني فكرتها وحرصت على تنفيذها على الفور انطلاقا من إحساس عاطفي تجاه الطفل الذي عملت عن طيب خاطر وخالصه على تخليصه من التعثرات التي تعيق خطوه بسبب صندله المتآكل.
لم أكن أتوقع، لسذاجتي وحداثة عهدي بطبائع وعادات الأهالي في هاذي الربوع، أن التلاميذ شاهدوا المبادرة وتشخيصاتها وكأنها فرجة مسرحية لم يرتجلها الخيال بل هندسها الواقع وجسدها في بناء درامي مؤثر. لم يدر بخلدي أن الأطفال سوف يصرفون التأثير الذي مارسته عليهم الواقعة من خلال رفع تقارير شفوية لآبائهم وأمهاتهم اعتمادا على روايات مختلفة مضافا إليها توابل وبهارات من خيالهم.
في الغد، جاء أب التلميذ المعني إلى المدرسة في حالة غضب ورد إلي ثمن الصندل بطريقة لا تخلو من نذالة. استغربت وتساءلت: كيف لأنفة هذا الرجل أن منعته من تقبل هديتي وسمحت له بأن يرسل ابنه إلى المدرسة حافي القدمين إلا من أسمال بلاستيكية متلاشية؟! عندما انصرف الأب إلى حال سبيله، ظهر لي ابنه وقد انتعل حذاء رياضيا جديدا كان يباع أنذاك بنفس الثمن. المهم أن مبادرتي أتت أكلها وانتهت إلى النتيجة التي رغبت في بلوغها؛ ألا وهي تمكين الطفل من حقه في الخطو والقفز بدون مشاكل.
- قصة شرائح اللحم التي نخرها الدود
ربما لأن أصله أمازيغي ويتقن لغة قومه من مخارج حروفها، كان المعلم الأزيلالي في كل ليلة على موعد مع طائفة من أبناء الدوار. يزداد عددهم أو يتقلص في كل ليلة تبعا للظروف المعيشية والأحوال المناخية. أحيانا، أدخل عليهم باستأذان، فأجدهم منخرطين في حديث لا ينتهي!
من المناسب هنا التنبيه إلى أن ما أسترجعه الآن بقايا صور رسخت في ذاكرتي من المدة الزمنية التي كنت فيها حبيس “لكصر”. كانت الغرفة الضيقة والمظلمة التي لم أختر السكن فيها تقع مباشرة فوق غرفة المعلم الأزيلالي، لهذا كانت تصل إلى سمعي أصوات مؤشرة على أن في بيت زميلي شباب جاؤوا عنده لتزجية الوقت في القيل والقال إلى أن يبلغ الليل منتصفه ويتعداه أحيانا.
من عادة صديقي أن يهيء طعام عشائه بحضور ضيوفه وأمام أعينهم، رأيته مرارا يقشر حبات من البصل والبطاطس والبندورة.
في بعض المرات، يطهو في قدره المعدني قدرا كافيا له وحده من حبوب الفاصوليا. في كلتا الحالتين، لا بد له من إعداد مرق بإضافة قليل من اللحم إلى القدر حتى يكون للأكلة مذاق يفتح الشهية.
لكن ما يبعث على التقزز هو تلك الديدان التي يجدها المعلم عالقة بشرائح اللحم التي كان قد ملّحها بعد عودته من أخر سوق أسبوعي. في غياب البديل، يضطر المعلم لأن يحتفظ بالشرائح التي نخرها الدود مكتفيا بنفضها ليتساقط على الأرض.
من خلال احتكاكي بهذا المعلم أثناء فلتات زمنية جادت بها المدة التي جاورته فيها، أدركت أنه كلما نضجت أكلته وطابت يسرع إلى إخماد نار الكانون تاركا القدر في مكانه، ولا يتناول عشاءه إلا بعد أن ينصرف من عنده آخر واحد من أبناء المجمع الذين اعتادوا أن يلتموا ليلا في بيته. ورغم أن التحلي بفضيلة الكرم والاتصاف بخصلة القناعة في مثل هذه الحالة قد يعرضان صاحبهما لأن يبيت على الطوى، وهو يتقلب على دفتيه، لم أجرؤ يوما على منع ضيوفي من أن يتقاسموا معي الأكل ساخنا حالما انتهي من إعداده، حتى وإن لم يزد نصيبي منه عن مضغة أو لقمة واحدة.



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من جسد السلطة إلى سلطة الأجساد: الجسد، الفرد والذات عند ميشا ...
- من جسد السلطة إلى سلطة الأجساد: الجسد، الفرد والذات عند ميشا ...
- من جسد السلطة إلى سلطة الأجساد: الجسد، الفرد والذات عند فوكو ...
- المناضل والمقاوم لحسن زغلول يتحدث عن علاقته بالمجاهد عبد الر ...
- تمارة: حفل تكريم المقاوم حسن مرزوق بالقاعة الكبرى محمد عزيز ...
- شجيرات المشمش تحركت وسط ذبالها وازدانت أغصانها الصغيرة بوريق ...
- عندما يتحول القلم إلى سلاح في معركة ضد الأنذال
- من جسد السلطة إلى سلطة الأجساد: الجسد، الفرد والذات عند فوكو ...
- فشل المقاربة النظرية والبيروقراطية لمطلب التربية على القيم
- هكذا هي الأحلام، يشد بعضها بعضا وتطرد كل دخيل غريب
- فرنسا، المغرب العربي والانتصار الكاسح لليمين المتطرف في الان ...
- من جسد السلطة إلى سلطة الأجساد: الجسد، الفرد والذات عند فوكو ...
- من جسد السلطة إلى قوة الأجساد: الجسد، الفرد والذات عند فوكو ...
- عمر هلال يدعو المجتمع الدولي والشعب الجزائري إلى أن يكونوا ش ...
- الاشتراكي الموحد يعرض في ندوة صحفية مقترحاته التي ضمنها مذكر ...
- بوزنيقة: تضامنا مع فلسطيني غزة وقفة سلمية تدعو إلى إسقاط الت ...
- الدكتور حسن نجمي في ضيافة برنامج -مملكة الثقافات- على شاشة م ...
- الدكتور حسن نجمي في ضيافة برنامج -مملكة الثقافات- على شاشة م ...
- جواد مبروكي: الفايد رمز المشعوذين وإيقونة الدجالين
- سماء النظرية وبساط الميتالغة والفرح المشاع


المزيد.....




- الحروب الثقافية وحرب غزة.. كيف صاغ السابع من أكتوبر مفهوم ال ...
- فيلم روسي جورجي مشترك ينال جائزة أفضل إخراج سينمائي في مهرجا ...
- ماثيو بليتزي يفجر المنطق الاستعماري من الداخل.. -أنا المجيد- ...
- الأمير خالد بن بندر بن سلطان: فيصل عباس يقلب الأدوار في كتاب ...
- روسيا.. العثور على مخطوطة باللغتين العربية واليونانية تعود إ ...
- وفاة الممثل الأميركي بيل كوبس الشهير بأدواره في -ليلة في الم ...
- حصري ح 165.. مسلسل قيامة عثمان الجزء 6 الحلقة 165 مترجمة على ...
- “شاهدها بجودة هائلة” مسلسل قيامة عثمان الجزء السادس على جميع ...
- “مباشرة”.. مسلسل المؤسس عثمان الجزء السادس والقنوات الناقلة ...
- فيلم عصابة الماكس بطولة أحمد فهمي بجميع دور العرض


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد رباص - قصتا الحذاء البلاستيكي وشرائح اللحم التي نخرتها الديدان