أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - مكسيم جوركي والأسئلة الكبرى الوجودية














المزيد.....

مكسيم جوركي والأسئلة الكبرى الوجودية


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 8014 - 2024 / 6 / 20 - 15:44
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الحيرة التي تنتاب الإنسان، وسط عوالم مظلمة لا نفقه كنهها، الموت وما بعد الموت، الوجود الغامض الدلالة، وحجم التساؤلات التي يطرحها الإنسان، والتي منبعها هذه الحيرة، وتلك العوالم الشاسعة، هي التي عززت تلك الاسئلة الوجودية، لاسيما وأن جُل الاجابات التي طُرحت من قبل الفلاسفة لا تعزز الموقف المخالف، بل قد زادت الحيرة أكثر فأكثر، مما جعلت من الفلاسفة يشكون في كل شيء، بما فيهم الذين يميلون للطابع الديني. صاحب "مدينة الله" أوغسطين، القسيس المؤمن كان على رأس المتشككين، ثم تبعه رينيه ديكارت ابو الفلسفة الحديثة والعالم الفيزيائي، بل وحتى ابو حامد الغزالي، إذ وصل بهم الشك حد أنهم صاروا يشكون حتى بأنفسهم؛ ذلك لأن الحيرة كبيرة، وصاروا ينوؤون بحمل تلك الأسئلة.
في رائعته "أين الله؟" مكسيم غوركي ينقلنا في هذه الرواية العظيمة إلى أحداث مهمة من حياة رجل قسيس اسمه "أنتوني" هذا الشخص حياته تشبه حياة أوغسطين، أو مقاربة حتى لا نبالغ، وهو بطل هذه الرواية، وقد اتعبته كثرة الاسئلة التي لم يجد لها أجوبة مقنعة، وبالمحصلة النهائية، يعتزل ويعيش غربة الروح، نتيجة استبداد الأسئلة، وخناقها لكاهله ولذهنه معا، حيث خلفت هذه الاسئلة عذابات مستديمة وندوب لا تلتأم، جعلت منه أن يزداد اصرارا وعزيمة، لا خائفا ولا وجلّا، فيغوص بذاتيته، وكلّ أمله أن يمسك بتلابيب الحقيقة، أو يصل إلى طريق لاحِب سويّ لها، فقطع دروب واشواط سرقت منه وقته، وأخذت من حياته كلّ مأخذ. كل هذا لكي يريح فكره، ويهدأ نيران الأسئلة التي باتت تضايقه، بل وتحاصره "حصار العنكبوت" حتى كاد أن يفقد صوابه، وقد يتحول إلى مجنون، لكنّه لم يكترث طالما هدفه الوصول إلى لب الحقيقة، تلك الحقيقة التي هي صعبة المنال، عسيرة الهضم، إلّا أنه بالإصرار والعزيمة سيصل الإنسان إلى أهدافه، ويبلغ ذروة الآمال، ويكسب الرهان، الذي راهن عليه.
في هذه الرواية، جوركي، يثبت ابعاده الفلسفة وقوته الذهنية على طرح الاسئلة المتعلقة بهذا الشأن، فهو متمرّد على ضجيج تلك الاسئلة، لذا يعاملها برفق وليس بتعال، لكي لا تنكسر الواح الأجوبة المحيّرة.
جُل الأسئلة كانت تدور بين وجود الله بين الطبيعة، الماديون يصرّون على أن الطبيعة هي أصل الحياة، ويحتجون بـ "أصل الأنواع" للعالم الكبير داروين؛ وأما المؤمنون فيحتجون بالكتب المقدسة، ضاربين البحوث العلمية عرض الجدار.
"كان صوت أنتوني حنونا رقيقا غير أن عينيه كانتا تقطران تهكما وسخرية. نادر أن يلفظ أسم الله في أحاديثه، فإذا شاء أن يقول الله، وضع كلمة روح مكانه، وبدلا من أن يقول الشيطان يقول: الطبيعة، لكنني لم أعبأ بهذا الإبدال، لأنّ الالفاظ المستعارة لا تغير الأفكار. (راجع: الرواية ص 168)
تُعدّ الرواية هذه من أروع ما كتب، هذا العبقري بالدرجة الأولى؛ وبالدرجة الثانية رواية "الأم"، وتكمن أهمية الرواية الأولى – أين الله ؟- من كون أنها رواية فلسفية، تطرح أهم الأسئلة العميقة، تلك التي تماهت مع الإنسان منذ اليوم الأول في طريقه للحياة، حيث الطرق غير المُعبّدة، والتي لا يدركها الإنسان هذا، فعاش آلام الحيرة وعذاب الأسئلة المسلطة عليه كالسيف.
وتأتي أحدى الأجوبة: "إن شريعة الله هي بمثابة مصل روحي تكفينا منه نقطة واحدة نتلفح بها فتطهرنا" (راجع الرواية ص 216)
ويأتي جواب اعتراضي: "... أن الايمان يأتي عن التخيلات والاوهام فما قولك؟".
"...أن الايمان شعور مبتكر خالق ينشأ من اعمق قوى البشر الحيوية، هذه القوى الهائلة التي تحرك العقل وتدفعه الى العمل. والاسوأ أن يعيشون مغلوبين مقيدين تصدمهم الحواجز عن الانطلاق، ترغمهم على أن يصنعوا الخبز والحديد بدلا من أن يكونا أحرارا يستطيعون أن ينقبوا عن الثروات الكامنة في النفس". (راجع ص 244)
وتنتهي قصة البحث بعد أن وصل أنتوني إلى الحقيقة، حقيقته هو، التي كان يبحث عنها والتي تعزز إيمانه، حيث يعطينا الكاتب في النهاية إجابته السخية. اجابات هي تفسير لمكنونات النفس البشرية، وصراعها مع الوجود، تفسير لحقيقة الأشياء التي عجز الانسان عن ظواهرها وخفاياها. لأنّ الإنسان يجب أن يصل إلى حقيقة، وإن كانت حقيقة من وجهة نظره هو، ليرتاح ضميره ويسكت ضجيج الأسئلة التي باتت تؤرقه، ولم يدع الكرى يزور منامه.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عمامة الجواهري وشيوعية السياب
- فيصل الياسري شبع من: المال والجاه والنساء
- صدمة التهكم في نص (مذكرات على أوراق محترقة) للشاعر مازن جميل ...
- علي داخل.. والأداء المميّز
- التساؤلات المحضة عند الشاعر عادل قاسم
- التموسق في نصوص (عمى مؤقت) للشاعرة فلونا عبد الوهاب
- ممانعة التفاصيل في نص (ولن أخبرني) للشاعر صادق باقر
- مديات البوح في (أضرحة الورد)
- إرهاصات البوح عند علي حسن الفواز
- منطق العاطفة والخيال الخصب لدى الشاعرة وجدان وحيد شلال
- جنان السعدي حين يصوغ المعاني السامية
- مبدعون عرفتهم عن كثب (2) وليد حسين
- أحمد خلف.. يحرث في أرض الكتابة ويصنع الجمال
- تأمّل في (لَم يَكُنْ عارِيًا ذلك الظِّلُّ) للشاعر حمزة فيصل ...
- علي الحسون هل يكتب الشعر أم ينزف جراحًا؟
- ملامح الصورة الجمالية لدى الشاعرة منى سبع
- تحليل سويولوجي لقصة (نصيف الأحمر) للكاتب سعد السوداني
- الأسطورة ولعبة الأضداد في (العابد في مرويته الأخيرة)
- السلاسة والانسيابية في نصوص راوية الشاعر
- فلسفة المشاغبة عند القاص كاظم حسوني


المزيد.....




- انسحاب مرشحين محافظين من الانتخابات الرئاسية الإيرانية قبيل ...
- -أبو حمزة-: -كتيبة جنين- تمكنت من تفجير آليتين إسرائيليتين ش ...
- صحيفة: مصر والإمارات أبدتا استعدادهما للمشاركة في قوة أمنية ...
- مرشحون من أصول فلسطينية في الانتخابات البريطانية
- -نتنياهو في مواجهة الجيش الإسرائيلي- - صحيفة هآرتس
- إحصائية: زيادة عدد القادمين إلى ألمانيا عن عدد المغادرين في ...
- ليبرمان: إسرائيل تخسر الحرب والردع تراجع إلى الصفر
- الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا يوقعان اتفاقية في بروكسل حول الضم ...
- بالفيديو.. منجم في ولاية إلينوي الأمريكية يتسبب بانهيار أحد ...
- غوتيريش: إصلاح مجلس الأمن الدولي يبدأ من منح إفريقيا مقعدا د ...


المزيد.....

- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - مكسيم جوركي والأسئلة الكبرى الوجودية