أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريان علوش - شرقي سلمية نصب( من مآسي الحرب في سوريا)















المزيد.....

شرقي سلمية نصب( من مآسي الحرب في سوريا)


ريان علوش
(Rayan Alloush)


الحوار المتمدن-العدد: 8014 - 2024 / 6 / 20 - 15:04
المحور: الادب والفن
    


لم يكن راكان يحسب بأن تلك القرية المنسية على تخوم البادية ستكون يوماً إحدى محطاته الطويلة ، والتي أصبحت كذلك نزولا عند رغبة والدته التي أرادت أن تحيي منزل والدها المهجور .
تلك القرية كانت عبارة عن مجموعة من البيوت الترابية العشوائية المترامية هنا وهناك لا رابط بينها، بعضها مهدم وآخر مهجور ، والبعض الآخر أعيد ترميمه، وهذا ما جعله يتجول فيها كسائح ، ويعجب كيف استطاع أجداده العيش في هكذا قرية، و التي تذكره بالمدن المنسية التي كان يصحب السياح لزيارتها.
كان المنزل مؤلفا من غرفتين من التراب، و فسحة واسعة تتوسطها بئر من الماء وعدة أشجار أبرزها شجرة الزيزفون الضخمة التي كان يقضي أغلب وقته في ظلها.
ذات يوم سأل والدته عن تلك الشجرة فقالت: إنها شقيقتي التوأم، فقد زرعها والدي في اليوم الذي ولدت فيه
_ وهذا ما يفسر تعلقك و اعتنائك بها
_ نعم، أحياناً أشعر بأن لنا روح واحدة
فيعلق راكان ممازحا: هذا يعني بأنها تجاوزت السبعين؟
فتجيب والدته بجدية: بل أقل من ذلك
في الأيام الأخيرة بات صوت إطلاق النار مسموعا بشكل واضح، وهذا ما دفع سكان القرية القلائل إلى مغادرتها خوفاً من الخطر القادم من الشرق والغرب، الأمر الذي رفضته والدة راكان معللة بأن لديها بعض الأعمال تريد أن تنجزها، ثم وبعد ضغط من راكان وعدته بأنها ستكون جاهزة للرحيل في اليوم التالي.
استيقظ راكان في ذلك اليوم كعادته باكراً على صوت زقزقة العصافير وهديل الحمام، وقف في باحة البيت ثم تنفس بعمق قائلا: ياااه ما أجمل هذا الصباح.
ابتسمت والدته، لأنها السبب في قضاء ولدها صباحاً جميلاً آخر بعيداً عن ضجة المدينة.
مضى ذلك اليوم كما سبقه من الايام. راكان يقضي وقته تحت شجرة الزيزفون بصحبة كلبه وقطته، ووالدته تقضي وقتها متنقلة بين الغرف والمطبخ.
انتصف النهار، ثم حل المغيب الذي تكثفت فيه غارات المروحيات على المناطق المجاورة ، الأمر الذي زاد من قلق راكان، فأحس بالذنب لأنه لم يكن حازماً مع والدته كفاية.
قلقه هذا كان عميقاً، لدرجة أنه خرج إلى باحة البيت لمراقبة حركة الطيران والمناطق التي تلقي فيها حمولتها.
فجأة لمح مروحية تعلو منزله مباشرة، فتوقف تنفسه للحظات خصوصاً بعد أن ألقت بحمولتها على المنزل مباشرة.
يا إلهي ما هذا؟!
هل هو أحد البراميل المتفجرة التي سمعت عنها!!
ركض باتجاه المنزل صارخاً على والدته كي تحاول الاحتماء، ثم عاد إلى باحة البيت، ثم حاول العودة إلى حيث والدته، لكن كان قد فات الآوان.
ارتطام القذيفة بالمنزل قذف به عدة أمتار وحول البيت إلى ركام يعلوه الغبار.
للحظات فقد القدرة على الحركة، لكنه تحامل على جسده، واتجه نحو البيت محاولا إنقاذ والدته التي كان يعلوها الركام
حملها بصعوبة، ثم مددها في باحة البيت.
كانت يدها ما زالت دافئة، فصرخ بأعلى صوته طلبا للمساعدة ليتردد صوته صدى في القرية المهجورة.
بكى على صدرها راجياً منها ألا تغادره، ثم انطلق باتجاه الطريق العام محاولا إيجاد أي سيارة عابرة، لكن كانت الطرقات كما الإتصالات مقطوعة تماماً منذ صباح ذلك اليوم.
خيم الظلام على القرية الساكنة محملاً بنسمة هواء باردة، الأمر الذي جعل راكان يحضر لحاف والدته المفضل من بين الركام، أحكم تغطيتها، ثم تمدد بجانبها قائلا: ياااه منذ متى لم اقترب منها إلى هذه الدرجة ، ثم وضع يدها على رأسه، تلك الحركة المحببة لها والتي منعها من القيام بها منذ أن غادر الطفولة. وضع يده تحت راسها، ثم بدأ بهدهدتها كما كانت تفعل عندما كان صغيراً
راكانو بدو الئمر والئمر بعيد
والسما عالية ما بتطالا الايد
نظر نحو السماء العالية، حيث كان القمر مكتملا، فمد يده نحوه ليتأكد إن كان يستطيع لمسه كما كان يفعل عندما كان طفلاً.
فجأة ابتسم عندما تذكر بأنه كان يحسب أن القمر وجه والدته، ثم قال: لا ابدأ ، إن والدتي أجمل بكثير.
كانت والدته ممدة بجانبه، ولم يخطر على باله للحظة إلا أنها نائمة وستصحو بعد قليل.
عاد لهدهدتها مرة أخرى لكن بصوت أخفض خوفاً من اقلاق غفوتها.
بين الركة ودير الزور مرت سيارة حمرا
وهي سيارتك راكانو وانا عرفتا من النمرة
أخذ يحدثها عن عمله وعن السياح الأجانب، عن نوادرهم وعن حياتهم ، تلك القصص التي لم يروها لها يوماً، ثم قال: هل تعرفين يا أمي بأن أغلب السياح الذين يأتون إلى هنا في مثل سنك أو حتى اكبر، هؤلاء وبعد أن يتقاعدوا يتفرغون لاكتشاف العالم، ولكن ماذا عنك ؟! ألم يحن وقت تقاعدك!!! منذ الغد سأضع برنامجاً واياكي أن تعترضي، سأحسبك واحدة من السائحات، سأحجز لك في اوتيل جيد و سنزور تدمر والدير، معلولا وبصرى، قصر العظم وشلالات ميدانكي في عفرين، آه يا أمي لو أنك شاهدتي تلك الشلالات، إنها قطعة من الجنة، وسنزور أيضاً اوغاريت و المدن المنسية في إدلب، تلك المدن تعود إلى آلاف السنين، لكنها تشبه قريتك هذه، أقسم بأني سأجعلك تنسين كل الشقاء.
وضع رأسه على صدرها بهدوء، بينما كان يشرح لها تاريخ المناطق التي سيصحبها إليها ، ثم غفا
استيقظ فجأة على صوت إحدى الغارات فزعا، فأخذ يردد قائلا: إنه كابوس، كابوس لعين ولا يمكن أن يكون حقيقة ماعشته الليلة الماضية .
هكذا كان يردد بعد استيقاظه، لكن ركام المنزل، وجثة والدته الممدة جعله يوقن بأن ماعاشه كان حقيقة وليس كابوساً.
انهار على ركبتيه باكياً ، لكن شيئا ما منعه عن الإستمرار في ذلك.
لا وقت للبكاء، قالها ثم وقف حائرا ، ماالذي عليه فعله؟ فهو لم يتعامل مع هكذا حالة من قبل.
شعر بنفسه بأنه كبر أعوام وأن المهمة الملقاة على عاتقه أكبر منه بكثير
لم تطل حيرته عندما نظر نحو شجرة الزيزفون قائلا: لن أجد أحن من شقيقتها عليها. تناول مجرفة وبدأ بالحفر حيث ظلها إلى أن بات لديه حفرة معقولة. لف والدته بلحافها، ثم حملها برفق إلى مثواها الأخير.
بعد أن ردم الحفرة، لفت انتباهه أحد أغصان الشجرة وقد يبس تماماً ، استغرب من ذلك لأنه كان حتى الأمس أخضر يانع، فأحضر منشارا وقطعه.
ربت على جذع الشجرة مواسيا، ثم مضى محطما باتجاه المدينة سيرا على الاقدام.



#ريان_علوش (هاشتاغ)       Rayan_Alloush#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصص قصيرة
- القاتل المتسلسل
- حمولاتنا الثقيلة
- الحرب العالمية الثالثة
- لقد فات الآوان
- نباح قبل النوم
- مجتمعات اخرطي
- أصحاب العمامات
- السوريون مرتزقة
- حمير الشرق
- نبوغ مبكر
- الماركسيون لا يمثلون الماركسية!!
- الضحية
- أمارجي


المزيد.....




- الحروب الثقافية وحرب غزة.. كيف صاغ السابع من أكتوبر مفهوم ال ...
- فيلم روسي جورجي مشترك ينال جائزة أفضل إخراج سينمائي في مهرجا ...
- ماثيو بليتزي يفجر المنطق الاستعماري من الداخل.. -أنا المجيد- ...
- الأمير خالد بن بندر بن سلطان: فيصل عباس يقلب الأدوار في كتاب ...
- روسيا.. العثور على مخطوطة باللغتين العربية واليونانية تعود إ ...
- وفاة الممثل الأميركي بيل كوبس الشهير بأدواره في -ليلة في الم ...
- حصري ح 165.. مسلسل قيامة عثمان الجزء 6 الحلقة 165 مترجمة على ...
- “شاهدها بجودة هائلة” مسلسل قيامة عثمان الجزء السادس على جميع ...
- “مباشرة”.. مسلسل المؤسس عثمان الجزء السادس والقنوات الناقلة ...
- فيلم عصابة الماكس بطولة أحمد فهمي بجميع دور العرض


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريان علوش - شرقي سلمية نصب( من مآسي الحرب في سوريا)