أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد رباص - شجيرات المشمش تحركت وسط ذبالها وازدانت أغصانها الصغيرة بوريقات خضراء















المزيد.....

شجيرات المشمش تحركت وسط ذبالها وازدانت أغصانها الصغيرة بوريقات خضراء


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 8011 - 2024 / 6 / 17 - 20:38
المحور: الادب والفن
    


كان بول فاليري صادقا عندما قال: ” الذاكرة هي مستقبل الماضي”. وتأكيدا لمصداقية هذه القولة الفاليرية، دعوني أناقشها في سطور قبل استئناف سيرتي المتشظية كمعلم في الضواحي القصية لحاضرة ورزازات. تجريبيا، سبق لي أن خبرت معنى تلكم القولة عندما كتبت في نهاية عام 1994 الحلقة 0 – إن شئتم – وعرفت طريقها إلى النشر ضمن أعمدة جريدة حزب عريس الشهداء.
بإمكاني الآن، ونحن في عطلة، القيام بزيارة لمقر الجريدة من أجل سحب نسخة من تلكم الحلقة وإعادة نشرها في هذا الموقع الإخباري الشامل الذي احتضن مذكراتي..لكني ضربت صفحا عن الفكرة بمبرر أنها باكورة، “عباسية” بالمعنى المصري والمغربي في آن واحد.. قرأتها يوم نشرت، ولاحظت أنها نشرت بدون توقيعي الدال على هويتي.. يومها أدركت مدى حرص أعضاء هيئة تحرير الجريدة على سلامتي وخيفتهم من أن أتعرض بسبب تلك الحلقة للانتقام على يد حراس المعبد..
كانت محاولة ناجحة رغم المدة القصيرة الفاصلة بين زمن كتابتها وزمن أحداثها، لذا ما زال طعمها الفطير يداعب لساني.. أما الآن، فقد بعدت المسافة بين الزمنيين وصارت الرؤية أوضح.. ربما لهذا السبب ارتأيت إعادة كتابة ما كتبت..
بالمقابل، لم يكن صادقا من زعم أن الذاكرة لا تسعف في الانفلات من اللحظة الآنية إلا لهنيهات لا تدوم سوى مدة لمعان الحباحب المحتضرة، كما كتب سعيد عاهد في الصفحة 31 من “قصة حب دكالية”. والحق يقال، فبفضل ديمومة الذاكرة الدينامية، أراني مهيأ بما فيه الكفاية للتحدث لكم عن تجربتي السعيدة في مجال البستنة المدرسية ولو تخللتها انكسارات مفجعات..
في غضون النصف الأول من عامي الدراسي الثاني بمدرسة آيت حمو أوسعيد، زارنا، على حين غرة، مفتش اللغة العربية.. قام بواجبه وراقب عملنا وثائقيا وميدانيا..خرج في الأخير بارتسامات مرضية (بتسكين الراء) وظهرت على وجهه علامات الارتياح للطريقة التي يسير بها العمل.. عندما هم بالانصراف أمرني بأسلوب لبق أن أعمل بمساعدة المتعلمين على خلق رونق لساحة المدرسة عن طريق الانخراط في أشغال البستنة الممكنة بفضل قرب القناة المائية المكشوفة الجارية على الدوام قريبا من المدرسة. وعدت السيد المفتش بتنزيل تعليماته الشفوية على أرض الواقع في أقرب الآجال ثم دعته يعبر النهر وحيدا..
في صباح الغد حضرت المعاول وانخرط الجميع في العمل بعد انتهاء زمن التعلمات.. فطنت أول الأمر إلى أن المدرسة واقعة في سفح الجبل ما يعني أن تربتها ذات طبيعة صخرية تعوزها الخصوبة وغير مواتية للزرع والغرس لغلبة مكوناتها المعدنية ولأنها تعاني من نقص كبير في المواد العضوية؛ لذا اقترحت على تلاميذي إزالة القشرة الأصلية بمساحة مستطيلة عرضها متر واحد ويوازي طولها الجزء الأكبر من واجهة القسم، على أن يوضع مكانها قشرة أخرى استمددنا تربتها من بساتين الواحة التي قتلت حفرا وحرثا دؤوبين على مر السنين..
أرضية العمل جاهزة الآن، لا بد من تسييجها حماية لنباتاتها الافتراضية من قضمات الشياه وذوات القوائم الأربع.. جربنا في الأول زرع بذرات فول وفلفل.. بعد ذلك، سقينا البذرات، وما هي إلا أيام حتى طهرت فلقات نبتات الفول ففرح المتعلمون لذلك ولم أترك الفرصة تمر دون استثمار ما لاحظوه في درس النشاط العلمي.. بقدر ما تمر الأيام بقدر ما أخذت نباتات الفول تربو وتربو إلى أن أزهرت وفاح أريج عطر أزهارها..التلاميذ كلهم فرحون وفخورون بما حققت أكتافهم وسواعدهم الغضة من إنجازات أبهرت زملاءهم من الأقسام الأخرى الأقل منهم رتبة في تراتبية مستويات المدرسة الابتدائية، بل أبهرت حتى معلمهم المتحدر من آسفي والمشتق لقبه العائلي من الرعد.. فكلما أطللت برأسي من إحدى نوافذ واجهة قسمي وأنا أستنشق بمتعة عبير أزهار نبات الفول اليانع إلا وأراه قادما إلي مخاطبا إياي بكلمات كلها اعتراف بالتفوق والانتصار..
في خضم تلك التجربة، رأيت زميلي المسيفيوي يأمر أطفاله الصغار بجلب الماء من السافية ليسقي به ما زرعه من بذور في أرض كلسية قاحلة أصلا.. تمكنت بعض البذور من الإنبات رغم عقم التربة ولكنها لم تنم بالشكل الذي يرضيه، فكنت أراه ينبش بعود في موضع النبتة على أمل ترطيب التربة عساها (النبتة) تنمو بسرعة.
جن جنون المعلم لما شاهد بأم عينه كيف أننا انتقلنا من مرحلة الزرع إلى مرحلة الغرس الذي لا ينبغي أن يتم قبل حلول شهر مارس.. جيء لهذا الغرض بشتائل المشمش وغرسة يتيمة من التفاح كان أهذاني إياها أحد أصدقائي سليل الحراطنة المقيمين في قلب دوار آيت حمو أوسعيد.. غرسنا شجيرات المشمش على أحسن ما يكون الغرس، حيث حفرنا حفرا بعمق ملائم وأهلنا على جذورها تربة مخلوطة بكمية كافية من روث الدواب غير مبالين للتمييز فيه بين العائد إلى التي لحمها حلال أو إلى “محرومة اللحم”. نفس الشيء عملناه لغرسة التفاح التي بدت لي كجزء من جدع شجرة حية معطاء..
عنمدا انتهينا من عملية الغرس، قمنا بري المغروسات واستمر اهتمامنا ذاك دائبا بلا إفراط أو تفريط. ما كاد شهر مارس يطل مبشرا بقدوم الربيع حتى بذأت شجيرات المشمش تتحرك وسط ذبالها وازدانت أغصانها الصغيرة بوريقات خضراء آية في الجمال.. أما غرسة التفاح فكانت الأسرع في النمو وغدت عيدانها العارية أفنانا بارعة الحسن جعلت من الحيز المسيج يبدو كقطعة من الفردوس الذي وعذ به الرب الفائزين من عباده.. الكل يتفرج على جنة عدن الصغيرة.، معلمون ومتعلمين.. خلال هذه الأيام، لمست حماسا منقطع النظير لدى أطفالي الذين اعتبروا الإنجاز انتصارا لهم جميعا، لذا حرصوا على حمايتها من عبث العابثين طموحين لتوسيع مجهودهم ليطال الساحة بكاملها..
شاء المتآمرون على وأد مجهودات الآخرين حتى لا ينفضح تقاعسهم أن يضعوا حدا لهذا الطموح الجامح إلى زرع بذور الجمال في أرجاء المدرسة.. استغلوا عطلة عيد الفطر وتسللوا في حلكة الظلام إلى الحديقة الفتية وداسوا عليها بأقدامهم التتارية ليقتلعوا الشجيرات من مغارسها بفظاظة ووحشية من نخر الاغتراب عن كل القيم ضميره.. وقفت وأطفالي على الكارثة التي ألمت بمزرعتنا الصغيرة فارتدينا وشاح الحزن وتجرعنا مرارة الخسران التي أبى الخبثاء إلا أن يمرروها عبر حلوقنا..
في تجاويف هذه الأيام التي أعقبت اليوم الذي انكسرت فيه أحلامي وأحلام أطفالي على صخور الحقد الساكن في أحشاء مرضى النفوس، كنت أختلي ليلا برواية “الأشجار واغتيال مرزوق” للراحل عبد الرحمن منيف لأقرأها على ضوء الشمعة المذرفة للدموع حزنا على موتها الوشيك.. كان أهم ارتسام علق بذهني عند انتهائي من قراءتها هو أن مرزوق رد الصاع صاعين لقاطع أشجاره بينما لم أتمكن أنا من ذلك لأن هوية أو هويات فاعلي الشر أولئك ظلت مجهولة عندي لحد كتابة هذه السطور..



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما يتحول القلم إلى سلاح في معركة ضد الأنذال
- من جسد السلطة إلى سلطة الأجساد: الجسد، الفرد والذات عند فوكو ...
- فشل المقاربة النظرية والبيروقراطية لمطلب التربية على القيم
- هكذا هي الأحلام، يشد بعضها بعضا وتطرد كل دخيل غريب
- فرنسا، المغرب العربي والانتصار الكاسح لليمين المتطرف في الان ...
- من جسد السلطة إلى سلطة الأجساد: الجسد، الفرد والذات عند فوكو ...
- من جسد السلطة إلى قوة الأجساد: الجسد، الفرد والذات عند فوكو ...
- عمر هلال يدعو المجتمع الدولي والشعب الجزائري إلى أن يكونوا ش ...
- الاشتراكي الموحد يعرض في ندوة صحفية مقترحاته التي ضمنها مذكر ...
- بوزنيقة: تضامنا مع فلسطيني غزة وقفة سلمية تدعو إلى إسقاط الت ...
- الدكتور حسن نجمي في ضيافة برنامج -مملكة الثقافات- على شاشة م ...
- الدكتور حسن نجمي في ضيافة برنامج -مملكة الثقافات- على شاشة م ...
- جواد مبروكي: الفايد رمز المشعوذين وإيقونة الدجالين
- سماء النظرية وبساط الميتالغة والفرح المشاع
- تصاعد حاد في درجة الغضب الشعبي المناهض للتطبيع في المغرب
- الدكتور حسن نجمي في ضيافة برنامج -مملكة الثقافات- على شاشة م ...
- جمال العسري يلقن عمر بلافريج درسا في السياسة والأخلاق
- بلاغ الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان حول انتخاب د. ا ...
- فرنسا: أخبار سارة للمهاجرين غير النظاميين
- إقليم طاطا: حرمان أزيد من 20 عاملا بمشروع شلال العتيق السياح ...


المزيد.....




- الرياض.. دعم المسرح والفنون الأدائية
- فيلم -رحلة 404- يمثل مصر في أوسكار 2024
- -رحلة 404- يمثّل مصر في -أوسكار- أفضل فيلم دولي
- فيلم -رحلة 404- ممثلاً لمصر في المنافسة على جوائز الأوسكار
- فنانون من روسيا والصين يفوزون في مهرجان -خارج الحدود- لفن ال ...
- اضبط الآنــ أحدث تردد قناة MBC 3 الجديد بجودة عالية لمتابعة ...
- كيف تمكنت -آبل- من تحويل -آيفون 16 برو- إلى آلة سينمائية متك ...
- الجزائر: ترشيح فيلم -196 متر/الجزائر- للمخرج شكيب طالب بن دي ...
- وفاة النجم الأمريكي الشهير تيتو جاكسون
- مصر.. استعدادات لعرض فيلم -إيلات- الوثائقي في ذكرى نصر أكتوب ...


المزيد.....

- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش
- تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة / كاظم حسن سعيد
- خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي ... / أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد رباص - شجيرات المشمش تحركت وسط ذبالها وازدانت أغصانها الصغيرة بوريقات خضراء