أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد رباص - عندما يتحول القلم إلى سلاح في معركة ضد الأنذال















المزيد.....

عندما يتحول القلم إلى سلاح في معركة ضد الأنذال


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 8011 - 2024 / 6 / 17 - 00:21
المحور: الادب والفن
    


في شهر مارس 1993، استلمت من مسؤول إداري في مديرية التعليم بمدينة ورزازات تعيينا جديدا في مجموعة مدارس تورجدال على سبيل التكليف؛ بمعنى أن المهمة التي تم انتدابي لها مؤقتة وأني سأبقى محسوبا على مؤسستي الأصلية الواقعة في حوض درعة بين أكدز وزاكورة.
تقع اامدرسة المركزية تورجدال في مكان واطئ على سفح الجبل يمينا بالقرب من الوادي ذي الصبيب المنسوب الدافق في فصلي الشتاء والربيع والمتواضع حد التلاشي في باقي أيام السنة. تمتاز المدرسة عن مثيلاتها التي سبق لي العمل فيها بصغر مساحتها المخضرة بشجيرات يانعة ونباتات عطرية مزهرة سهر على زرعها وغرسها وسقيها وتشذيبها حارس المدرسة الذي يحمل اسما عائليا مطابقا لاسمي، وكانت تلك أول مرة في حياتي أقف فيها على هذه المطابقة.
استقبلني المدير استقبالا يليق برجل تربية وتعليم ورحب بقدومي. بعد الانتهاء من الإجراءات الإدارية الاعتيادية، أخبرني بأني سوف أكون مسؤولا في مدرسة أكويم عن تدريس جميع المواد لمستويين هما الثالث والرابع.
في نفس اليوم، التحقت بالمدرسة الفرعية لأكتشف موقعا زاخرا بالحياة وعبقا برائحة التاريخ. عالم جديد بالنسبة لي مع أني اعتدت المرور عليه ذهابا وإيابا في رحلاتي بين ورزازات والدار البيضاء. طاقم المدرسة المكلف بالتدريس يتكون من معلمتين ومعلمين. تقربت من الأخيرين وسرعان ما اندمجت معهما، فدعواني للإقامة معهما في مجمع أكويم ريثما أتدبر أمري لإيجاد سكن مستقل. أحدهما يتحدر من مراكش، ذراعه اليمنى ملفوفة في "جبيرة" بيضاء، الظاهر أنه تعرض لكسر على هذا المستوى نتيجة عراك خاضه في لحظة سكر. علمت من خلاله أن مسؤولا إداريا بالنيابة مشهورا بأخذ الرشوة ينتمي لعائلته.
أما المعلم الآخر فهو مجاز مثلي في الفلسفة ويتحدر من أبي الجعد (شاي الله آبوعبيد الشرقي). لنا نفس التخصص وتابعنا دراستنا في وقت متزامن، فكيف لم يسبق لي ملاقاته على الأقل؟ السبب في ذلك كونه درس مرحلة الإجازة في فاس بينما أنا قضيتها في الرباط.
الجو هنا بارد جدا.. ندف الثلج تتساقط بدون انقطاع، لأجل اتقاء لسعات البرد القارص، كنت ألبس (زوجا من الحاجة).. الحذاء العادي لا يصمد أمام البرودة الشديدة المنبعثة من الأرض، لذا كنت حريصا على تلبيس قدماي جوارب قطنية غليظة السمك وانتعال حذاء جلدي ذي أسمال متينة.
في مجمع أكويم، أقمت أياما ضيفا على زميليّ، وعلمت أن وراء إسكانهما في قلب الدوار معلم من أبنائه جرى تكليفه بالإشراف على تسيير مجموعة مدارس تمسطينت المتاخمة لجماعة تيديلي الجبلية، ليحل محل مدير المؤسسة الذي فضل الرجوع إلى قاعدته (قسمه) سالما على تحمل متاعب لا حصر لها كمدير لمجموعة مدرسية معزولة لوقوعها في منطقة جبلية وعرة التضاريس وذات أحوال مناخية هي من القساوة بمكان.
تقع مدرسة أكويم في "الأوتيل" الذي لا يعني في عرف السكان فندقا لإيواء الزوار العابرين، وإنما يتجاوزه إلى محلات تجارية وحرفية متلاصقة ومتقابلة على جانبي الطريق الوطنية الرابطة بين مراكش وورزازات. في بداية الطريق المؤدي لتيديلي، انتصبت إلى اليسار عمارة شامخة البنيان حديثة العمران، خصص طابقها السفلي لمقهى يقصده المعلمون العاملون في سائر أرجاء المنطقة فيما أفردت الطوابق الأخرى لمبيت السياح الداخليين والخارجيين. يشهد هذا المقهى ذروة رواجه يومي السبت والأحد. في الفضاء الممتد بين المدرسة والطريق الرئيسية، يقام كل سبت سوق قروي صغير تعرض فيه الخضراوت والفواكه والتوابل وأشياء أخرى، غير بعيد عن المدرسة، ترى بناية هائلة بمعمار حديث صممها مهندس أوروبي ذات يوم من أيام الحماية. في ما بعد، علمت أنها مقر قديم للبعثة المسيحية الفرنسية. استبدلت مهام التنصير والدعوة للسيد المسيح بدروس عملية في التكوين المهني: النجارة والحلاقة للذكور والخياطة والطرز للفتيات، إضافة إلى احتضان البناية لمستوصف صغير يقدم خدماته الصحية لأطفال ونساء الناحية.
فضلا عن أطفال دوار أكويم، تستقبل المدرسة أطفال دوار الزاوية المنزوي إلى يمين الطريق الوطنية المعبدة في اتجاه إغرم وسط أرض منبسطة تتخللها حقول مشجرة ويخترقها نهر صغير يسيل ماؤه في اتجاه ورزازات. تبدو منازله متلاصقة بحيث تشكل تجمعا سكانيا متراصا تكاد تنعدم الفراغات بين منازله. على بعد كيلومترين أو ثلاثة، هناك دوار إغرم الشهير بحانته التي سارت بذكرها الركبان. هنا، قبل أن تذهب الجعة بعقلك، تسحرك المناظر الجبلية بجمالها وتشدك المياه المتدفقة إلى خريرها الناتج عن انسيابها بين جدوع الأشجار وجلاميد الصخور.
لست أدري لماذا تنقاد لي الكلمات بسلاسة كلما عادت بي الذاكرة إلى الأيام والليالي الخوالي التي عشتها في أكويم تورجدال، رغم قصر هذه المدة الزمنية فقد ترسخت وقائعها في ذهني بكل ظروفها وصروفها وكأنها تنتمي إلى الماضي القريب من تاريخ سيرتي الذاتية الذي لم ير منها النور سوى جزء ضئيل على شكل شذرات.
عندما تبين لي أن مجموعة من القرويين اجتمعوا بإيعاز من المعلم المكلف بإدارة شؤون المجموعة المدرسية لتمسطينت لكتابة شكوى ضدي؛ لم أدخل في حسابي في ذلك الوقت اللجوء إلى أحدهم من ذوي السلطة والنفوذ لغاية الاستنجاد به عساه يصد عني غائلة الغوغاء الذين ما أدركوا مزايا الحوار لحل العديد من المشاكل. فمن خصالي الحميدة - ربما يكون ذلك سبب تعاستي في محيط موبوء بالنفاق الاجتماعي - طموحي الأزلي لأن أكون منسجما مع مبادئي؛ مثلا، علموني في المدرسة ألا أغش في الامتحان تفعيلا لفصيلة الاعتماد على النفس وضمانا لمبدإ تكافؤ الفرص، لهذا لا أتحمس كثيرا لمسؤول إداري أو حزبي أو نقابي أو حتى مخزني اقترح علي مساعدتي على الحصول على امتياز كيفما كان نوعه، أنا هنا لست بصدد المديح الذاتي النرجسي، بل أترجم بطريقتي حبا لذاتي الذي لولاه لتعذر عليّ حب الآخر والمجتمع والوطن.
كان عليّ إذن مواجهة المتآمرين ضدي وحيدا أعزل إلا من أسلحة أقل خطورة من تلك الموصوفة بالبيضاء مع أن استعمالها يترتب عنه نزيف الدماء الحمراء، من هذه الأسلحة كان هناك القلم الذي كنت أرى فيه أحيانا سيفا بتارا شريطة توفر حامله، الذي كنته وما زلت، على عنصري الحقيقة والموهبة، تقديم الأولى على الثانية ليس من قبيل العبث بل هو متأت عن أولوية تستحقها الأولى بنسبة أكبر مقارنة بالثانية، هذا الحلم مشروع بالنسبة لمن يفضل، مثلي، الترقية الأفقية على الترقية العمودية، لا لشيء سوى لأن الأولى تتضمن الثانية ولهذا يقول الفرنسيون إن أخص خصائص الأفق الاحتضان، الله يجيب من يفهمني وما يعطيني والو!
في صباح الغد، أخبرني أحد أصدقائي من أبناء مجمع أكويم أن المعلمين انفردا البارحة في أحد المنازل بنفس الوجوه التي تم استدعاؤها لحضور الاجتماع الذي نسفته والذي كان مقررا تنظيمه في أحد أقسام المدرسة، لم يفاجئني هذا الخبر لأني كنت على علم مسبق بأنهم سوف يعقدون جمعهم غير المبارك في مكان آخر. مع ذلك، أعربت لصديقي عن شكري وامتناني لصنيعه الجميل. التحقت بمكتبي في القسم واستويت على مقعده بعد المناداة على التلاميذ كل واحد باسمه حتى أتأكد ممن حضر منهم وممن غاب.. تناولت قلما أسود ووضعت أمامي دفترا من حجم كبير يقال له commercial بلغة الإفرنج.
فتحت الدفتر وبدأت أدون المعلومات التي عليّ توظيفها في معركتي ضد الأنذال التي ليست سوى في بدايتها.. منذ مجيئي إلى هنا، لاحظت جيدا كيف يطبع المعلمان المراكشي والشرقاوي (نسبة إلى شرقاوة أبي الجعد) على خدود بعض تلميذات المستوى الخامس قبلات حارة هي أقرب إلى التحرش الجنسي منها إلى الحنان العاطفي.. استبعدت تماما هذا النوع من المعلومات من التقرير المفصل الذي كنت بصدد كتابته بهدف إرساله إلى النيابة بورزازات عن طريق السلم الإداري.
عند هذه النقطة بالذات، أتقبل بصدر رحب اعتراضين اثنين لا ثالث لهما يمكن أن يعبر عنهما القارئ اللبيب، من يغامر بفك الشفرات الخبيئة بين السطور: 1- بدأت في تدوين المعلومات ونسيت تمرير التعلمات، 2- تريد إرسال تقريرك الشامل عن طريق السلم الإداري وقد خسرت علاقتك بالمدير عندما استدرجك المعلم الشرقاوي إلى قضاء ليلة في الفندق على حسابه بمقابل كتابة مقال صحافي تهاجمانه فيه. بالنسبة للاعتراض الأول، أقول في تلك الآونة تكون قد مرت على تعييني خمس سنوات مارست فيها مهنتي بكل حماس وعنفوان ما مكنني من اكتساب مهارات بيداغوجية تسعفني في تحفيز المتعلمين وتنشيطهم عوض أمرهم بأن يبقوا مكتوفي الأيدي.. وبالنسبة للاعتراض الثاني، أبادر إلى توضيح شيء أساسي وهو أن المدير لم يعلم بمحاولتنا تلك الفاشلة.. كنت متأكدا من مساندته لي سيما وقد علمت منذ وطات قدماي أرض أكويم وتجرعت أول قطرة من مائه أن معلمي مجموعة مدارس تورجدال يناصبونه العداء ويتربصون به الدوائر ما عدا عنصر أو عنصران.



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من جسد السلطة إلى سلطة الأجساد: الجسد، الفرد والذات عند فوكو ...
- فشل المقاربة النظرية والبيروقراطية لمطلب التربية على القيم
- هكذا هي الأحلام، يشد بعضها بعضا وتطرد كل دخيل غريب
- فرنسا، المغرب العربي والانتصار الكاسح لليمين المتطرف في الان ...
- من جسد السلطة إلى سلطة الأجساد: الجسد، الفرد والذات عند فوكو ...
- من جسد السلطة إلى قوة الأجساد: الجسد، الفرد والذات عند فوكو ...
- عمر هلال يدعو المجتمع الدولي والشعب الجزائري إلى أن يكونوا ش ...
- الاشتراكي الموحد يعرض في ندوة صحفية مقترحاته التي ضمنها مذكر ...
- بوزنيقة: تضامنا مع فلسطيني غزة وقفة سلمية تدعو إلى إسقاط الت ...
- الدكتور حسن نجمي في ضيافة برنامج -مملكة الثقافات- على شاشة م ...
- الدكتور حسن نجمي في ضيافة برنامج -مملكة الثقافات- على شاشة م ...
- جواد مبروكي: الفايد رمز المشعوذين وإيقونة الدجالين
- سماء النظرية وبساط الميتالغة والفرح المشاع
- تصاعد حاد في درجة الغضب الشعبي المناهض للتطبيع في المغرب
- الدكتور حسن نجمي في ضيافة برنامج -مملكة الثقافات- على شاشة م ...
- جمال العسري يلقن عمر بلافريج درسا في السياسة والأخلاق
- بلاغ الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان حول انتخاب د. ا ...
- فرنسا: أخبار سارة للمهاجرين غير النظاميين
- إقليم طاطا: حرمان أزيد من 20 عاملا بمشروع شلال العتيق السياح ...
- إمانويل ليفيناس وإدموند هوسرل: تجاوز الفكرانية الفلسفية


المزيد.....




- حكاية الشتاء.. خريف عمر الروائي بول أوستر
- فنان عراقي هاجر وطنه المسرح وجد وطنه في مسرح ستوكهولم
- بالسينمات.. فيلم ولاد رزق 3 القاضية بطولة أحمد رزق وآسر ياسي ...
- فعالية أيام الثقافة الإماراتية تقام في العاصمة الروسية موسكو
- الدورة الـ19 من مهرجان موازين.. نجوم الغناء يتألقون بالمغرب ...
- ألف مبروك: خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2024 في ...
- توقيع ديوان - رفيق الروح - للشاعرة أفنان جولاني في القدس
- من -سقط الزند- إلى -اللزوميات-.. أبو العلاء المعري فيلسوف ال ...
- “احــداث قوية” مسلسل صلاح الدين الجزء الثاني الحلقات كاملة م ...
- فيلم -ثلاثة عمالقة- يتصدر إيرادات شباك التذاكر الروسي


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد رباص - عندما يتحول القلم إلى سلاح في معركة ضد الأنذال