أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - علي الجنابي - بَغْلُ الدِّيرَة














المزيد.....

بَغْلُ الدِّيرَة


علي الجنابي
كاتب

(Ali . El-ganabi)


الحوار المتمدن-العدد: 8007 - 2024 / 6 / 13 - 07:10
المحور: كتابات ساخرة
    


تَفوَّهَ الفَتى مُتَأفِّفاً على معيشةِ أسرٍ مُهجَّرةٍ في الخيام كثيرة، على ما فيهم من قلَّةِ مأكلٍ وبلَّةٍ مشربٍ وذلَّةِ ملبسٍ فقيرة، فقلتُ؛ "لا تكُ يا فتى كمثلِ بغلِ الديرة، لا هَمَّ لهُ ولا تَفَكُّرَ إلّا في بطنٍ وفرجٍ وغفوةٍ على فُرشٍ وثيرة، لكنَّهُ غافلٌ عن تَدَبُّرٍ في آهاتِ قَلقٍ لربِّ أسرةٍ في خَيمةٍ محتَضِنٍ بناتَهُ في ذا خليطٍ هجينٍ خشيةَ ذواتٍ فاجرةٍ أو شِريرة، وحاله كحالِ طائرٍ احتضنَ أفراخه تحت جناحيهِ في ليلةِ شتاءٍ مطيرة. وإذاً، فعليك يا فتى ان تنظرَ على ما أحاطَ بكَ من أحوالٍ بوعيٍ عميقٍ ومن نوافذَ بصيرة، وليسَ من نافذتي بطنٍ وفرجٍ وبعينٍ دنيئةٍ وحقيرة. ثمَّ استدرتُ عنِ الفتى فحرَّرتُ هِذي المقالةَ بحروفٍ بلوعةِ الأسى جديرة.
وإذ جاءَ من أطرافِ الحَيِّ بعدَ انقضاءِ قيلولةِ الظَّهيرة، رجلٌ يسألُ أهلَ الحيِّ بنَظرةٍ مُستَغرِبةٍ ذاتِ حِيرة، فَقَالَ "أَنبِئُونِي مَن هوَ في النَّاسِ بَغْلُ الدِّيرَة"؟
لا ريبَ أنَّهُ سائلٌ قد أتى ليستَعلِمَ بشَفَقَةٍ مُستَشيرَة، أو رُبَما حّضَرَ ليستَفهِمَ، أو لرُبَّما قد جاءَ ليَستَجيرَ. ولا شَكَّ أنَّهُ سؤالٌ عَويصٌ يُصَيِّرُ الذَّاتَ منهُ نافرَةً مُشْمَئِزَّةً ومُستَطيرَة، وجوابُهُ بحَاجةٍ لتَمحيصٍ على طَاولةِ بَحثٍ في المَقهى مُستَديرَة، ذاكَ أنَّ البغالَ كَثُرَتْ ملامحُها وصِفاتُها في تهي أيامٍ مُستَثيرة، وقد كثُرَ تُجوالُها في دُروبِ الدِّيرة.
ثُمَّ بعدَ استِحضارِ لمَا في مُتُونِ الأحدَاثِ من أحوالٍ عَسيرةٍ، ومِمَّا في عُيونِ التُّراثِ من أقوالٍ بَصيرَة، تَجَلَّتْ لأشياخِ المَقهى فنونُ الإجابةِ عن خَميرة، وتَحَلَّتْ بدلائِلَ دامِغَةٍ وبحُججٍ مُستَنيرَة. ولقد هالَ أهلُ المَقهى ما جَفَّتِ الإجَابةُ عن شؤونٍ خطيرَة، وأوجَفَتهُم مِن أحوالٍ بشُجونٍ كثيرة، وكأنَّهمُ ما سَمِعوا من قبلُ قطُّ عن هكذا صفاتٍ لبَغلِ الدِّيرَة. فقد ظَنّوا أنَّ بَغلَ الدِّيرَة هو الفقيرُ البئيسُ الغبيُّ القانِعُ بحَصيره، أوِ الثَّريُّ الأنيسُ البَغيُّ المانِعَ لعَصيره. لكنَّهمُ اليومَ عَرَفوا من طاولةِ أشياخِهم المُستديرة، أنَّ بَغلَ الدِّيرَة ليسَ هو الزَّعيمُ الذي يظنُّ أنَّ صفيرَ المُغرِّدينَ لهُ هو تَفخيمٌ لهُ وتعظيمٌ بخالصٍ مِن ولاءاتٍ قَريرة، وتراهُ يَتغافَلُ عن خَطْبِ ذَبحِهِ كنَعجَةٍ في ليلةٍ شتويةٍ مَطيرة، مِن ذاتِ مُغَرِّديهِ وعَلَى حِينِ غِرَّةٍ وبلا طَحيرَ. وأنَّ البَغلَ ليسَ هوَ مِنَ المُغَرِّدينَ بينَ يدي كلِّ زعيمٍ كي ينالوا من فتاتِهِ ومن دَنانيره. بلِ البَغلُ هوَ امرؤٌ ثالِثٌ خانسٌ دونيٌّ وفي سِرِّهِ يَتَمَنَّى بتَوتِيره؛ "يا ليتَني كنتُ مُغرِّداً معهُم فأحظى مِن تَصاويره، ولعلّيَ أكونُ الوزيرَ أو أكونُ السَّفير".
وكذلكَ فإنَّ بَغلَ الدِّيرَة ليسَ هو الذَّميمُ الذي يظنُّ أنَّ الدَّجلَ رهانٌ كافِلٌ لتَدَفُّقِ المَالِ وتَكثِيره، والتَّدليسَ حِصانٌ حافِلٌ بتَألُّقِ الجَاهِ وعَبيره، وتناسى أنَّ المالَ وسيلةٌ مُقَدَّرةٌ تُربَى من ربِّ السَّماءِ بقويمِ تقدِيره، ونَسيَ أنَّ الجَاهَ فسيلةٌ تأبى أن تُسقى بماءٍ من سقيمِ فكرهِ وتدَبيره. ولا البغلُ هوَ مِنَ انخَدَعَ بذاكَ الدَّجَلِ وتَنانيره وبالتَّدليسِ وأساريره، رُغمَ أنَّ فطرَةَ اللهِ ﷻ تمنَعُهُ عن إيمانٍ بالدَّجلِ وتَنظيره، وتردَعُهُ عن عملٍ بتَدليسٍ مَهما قلَّ تَقطيره. بلِ البَغلُ هوَ ثالِثٌ خَفِيٌّ جالِسٌ وفي سِرِّهِ ويَتَرَنَّى منهم بتَمريرة، ينالُها فيفوزَ بخطفَةٍ ذاتِ دَجلِ فيحوزَ بها على حياةٍ ماجِنةٍ أو هكذا يظنُّ تَبريره.
ثُمَّ ما كانَ بَغلُ الدِّيرَة هو اللئيمُ الظَّانُّ أنَّ العِلمَ شهادةٌ يَمتَطيها كي يَملأ بها جيبَهُ من دَرَاهِمَ سُحْتٍ حَقيرة، ويَتَجاهَلُ أنَّ بُراقَ العِلمِ من نورٍ لا يمتَطيهُ إلّا ذوو نفوسٍ زاكيةٍ خَبيرة. وما كانَ البغلُ هوَ المُعَلِّمُ العَقيمُ الذّي يُسِّرُ في نَفسِهِ القولَ؛ "لَيْسَ لِي مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما دامَ النَّاسَ كانوا كافرينَ بأنوارِ العُلومِ المُثيرة. بلِ البَغلُ هوَ ثالِثٌ عابِسٌ على العِلمِ وتَحبيره، وتراهُ يوصي أولادَه باقتفاءِ خطواتِ ذاكَ اللئيمِ وأن يَتَّخذوهُ قدوةً مُعتَبَرَةً لهم وكبيرة.
ثُمَّ ليسَ بَغلُ الدِّيرَة هو البهيمُ الذي لا يَتفَكِّرُ بحياةِ أسرٍ في الخيامِ مُهَجَّرةٍ إلّا فيما يّختَصُّ بمأكلٍ وملبسٍ وبغفوةٍ بجنسِ الأنامِ جديرة، لكنَّهُ غافلٌ عن تَدَبُّرٍ في واهاتِ القَلقِ لربِّ أسرةٍ في خَيمةٍ محتَضِنٍ بناتَهُ في ذا خليطٍ هجينٍ خشيةَ أنفسٍ فاجرةٍ شِريرة، مثلما يحتضنُ الطَّائرُ أفراخَهُ في سمومِ ريحٍ نَحسةٍ وصَريرة.
وثَمًّةَ أزواجٌ وأزواجٌ مِن بغالِ الدِّيرةِ، وأزواجٌ كثيرةٌ وكثيرة، لا غَمَّ لها إلّا تَربيةُ الكِرشِ وتَدويره، وتَسليَةُ الفَرْجِ وتَثويره، ثُمَّ لا هَمَّ لها إلّا التَمَلُّصُ والتَّعنفًصُ في دُروبِ الدِّيرة، وَلَئِن سَأَلۡتَهُم عَنِ الرجولةِ وعنِ الشَّهامةِ والغيرة، لَيَقُولُنَّ نحنُ فَلقُ الشَّهامةِ ونحنُ ألقُ الغيرة.
﴿بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ﴾
ثمَّ نَهضَ ذلكَ الرَّجلُ السَّائلُ عن ملامحِ بَغْلِ الدِّيرَة، فأسَرَّ في نفسِهِ كلماتٍ قَصيرة؛
"بئسَ هِذي الدِّيرة من ديرةٍ ضَريرة، يأكلُ المرءُ فيها ثُمّ ينامُ ليَستَمتِعَ بشَخيره، وما أكثرَها من بغالٍ خفيَّةٍ في هِذهِ الدِّيرة"!



#علي_الجنابي (هاشتاغ)       Ali_._El-ganabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شُعاعٌ حَذوَ مِحرَابِ الإيمان
- لا تَثريبَ على حَيوانِ -الكَسول-
- مِن حِوَاري مع صَديقتيَ النَّملةِ
- قَرفَصَةُ الهِّرَّةِ الحَامِل
- عِلمُ مِيكانيكا المِسْبَحَة
- وإنَّما زينَةُ الحَواجبِ العَوَجُ
- بَقيةٌ مِن سِيجار
- همسةٌ في رمضانَ معَ -أبي عدنانَ-
- اسبينوزا الحَنين
- الصحافة بظرافة
- [ إنتخاباتٌ بينَ الشَّاةِ والفتاتِ ]
- بَغداديات؛ تَحْتَ مَوْسِ -عَادِلَ- الحَلاق
- النبي الأمين وغزة فلسطين
- رَقيُّ ديجيتالٌ رَقميٌّ
- عن رحيلِ -كريم العراقي-
- [ أنَا وَصَدَّامُ وَمُظَفرُ النُّواب ]
- [ مِن عَليِّ الجَنابي إلى عَليِّ السُّودانيّ مع التَّحية ]
- أنا والشَّيخُ محمَّدُ الغَزالي
- - بلْ لا قيمةَ للفَهمِ بلا أَدَب -
- عَصفُ الغَيْبِ وريحُ الشَّيبِ


المزيد.....




- كبير مخرجي RT العربية يقدم دورة تدريبية لطلاب يدرسون اللغة ا ...
- -المواسم الروسية- إلى ريو دي جانيرو
- تامر حسني.. -سوبرمان- خلال حفله في عيد الأضحى
- أديل بفستان لمصمم الزي العسكري الروسي
- في المغرب.. فنان يوثق بقايا استعمارية -منسية- بين الأراضي ال ...
- تركي آل الشيخ يعلن عن مفاجأة بين عمرو دياب ونانسي عجرم
- أدب النهايات العبري.. إسرائيل وهاجس الزوال العنيد
- -مصافحة وأحضان-.. تركي آل الشيخ يستقبل عمرو دياب في الرياض و ...
- -بيكاسو السعودية-..فنان يلفت الأنظار برسومات ذات طابع ثقافي ...
- كتبت الشاعرة العراقية (مسار الياسري) . : - حكايتُنا كأحزان ا ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - علي الجنابي - بَغْلُ الدِّيرَة