أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد فرحات - -أولاد حارتنا- المبادرة والانتظار .















المزيد.....

-أولاد حارتنا- المبادرة والانتظار .


محمد فرحات

الحوار المتمدن-العدد: 8003 - 2024 / 6 / 9 - 22:56
المحور: الادب والفن
    


غصت “أولاد حارتنا” بالرموز، والعناصر التاريخية التي تمثل مقاطع من أحداث التاريخ الكبرى، والتي لم تفقد تأثيرها إلى تلك اللحظة التي نعايشها.

وما بين الانتظار للحلول المستوحاة من الغيب للقضاء على شرور العالم، وما لابسه من آفات لم يقضِ عليها غير الاجتثاث الجذري المؤقت بتجارب “جبل”و”رفاعة”و”قاسم”، وما انتهت إليه هذه التجارب، بمرور الأزمان، إلى انتكاسات كبرى، عكست ما فُطِر عليه البشرُ من شرور، تتمحور حول الرغبة في الامتلاك وحرمان الغير مما وقع في حوزتهم بالقوة الغاشمة المتحللة من أي قيم علوية.

وما بين المبادرة في اقتحام ما انتظره الآخرون، تجربة “عرفة”، حيث كانت البدايات هي الشك في وجود من انتظره الآخرون، وتغنت به رباب الحارة، اقتحم “عرفة” هذا “البيت الكبير” ليتأكد من وجود “الجبلاوي”، ليتحالف “عرفة” في النهاية مع من حاربه الآخرون ممن سبقوه، واستقرت في ذاته كراهتهم، ورغبته الجارفة في اجتثاثهم، لتغتاله مشاعر الشعور بالذنب، والإحباط فبعدما يتأكد من كونه كان سَبَبًا في موت “الجبلاوي”. تنتهي تلك المشاعر سريعًا لرغبته في أن يحل محل القوى الغيبية ذاتها المتمثلة في “جبلاوي”.

” إن كلمة من جدنا كانت تدفع الطيبين من أحفاده إلى العمل حتى الموت، موته أقوى من كلماته، إنه يوجب على الابن الطيب أن يفعل كل شئ، أن يحل محله، أن يكونه، أفهمت؟!”.

ومع صرخات “شكرون”

” ياجبلاوي، حتى متى تلازم الصمت والاختفاء؟! وصاياك مهملة وأموالك مضيعة، أنت في الواقع تسرق كما يسرق أحفادك ياجبلاوي!

يا جبلاوي ألا تسمعني؟ ألا تدري بما حل بنا؟ لماذا عاقبت إدريس وكان خَيْرًا ألف مرة من فتوات حارتنا؟!”

تتبين لعرفة خطته الكبرى في إحلال قوة مكان أخرى، فطالما تخلت تلك القوى المختفية المسيطرة عن دورها، إلا في حقب تاريخية استثنائية، فلابد من سيطرة القوة الجديدة المتمثلة في “سحر عرفة” رمز العلم الحديث وسيطرته، وغروره بقدراته التي لا حدّ لها، ولكن هل ستفلح خطته وتتجنب ما وقعت فيه تجارب غيره من انتكاسات مدمرة؟.

يستطيع عرفة بقوته السحرية/ المعادل الرمزي للعلم الحديث القضاء على فتوات الحارة، رموز القوة الغاشمة، المتحالفة مع قوة رأس المال المتوحشة المتمثلة في” ناظر الوقف” الذي كان يراقب خطة “عرفة” بمكر ودهاء، تلتقي رغبته برغبة” عرفة” في القضاء على “الفتوات” / قوى الشر الغاشمة المتحللة من كل القيم، والاستئثار بريع الوقف له وحده.

ولكن عرفة يقع في أسر ” ناظر الوقف” في إشارة لتحالف ” العلم” مع ” رأس المال” وحصد شبكات رأس المال المتعدية الجنسية لكل ما ينتجه العلم الحديث من نتائج لا تبذل إلا لمن يملك القدرة على دفع أثمانه الباهظة. وهنا نلمح قدرات نجيب محفوظ الاستشرافية، حين كتابته لأولاد حارتنا عام 1959، وروحه المتشائمة حيال ذروة الصراع بين الكتلتين الاشتراكية والرأسمالية، وما ستنتهي له الأمور في أيامنا تلك، وانسحاق وهزيمة تامة لطبقات” الحرافيش” إزاء الأقلية المالكة والحاكمة.

لم تُسَخَر قدرات “عرفة” لصالح فقراء حارته كما كان يأمل، وإنما خدمت السيد الأوحد، المتحكم في مقدرات “الحارة” و المستأثر الوحيد بريع” الوقف” واستشراف آخر، للعالم أحادي القطب.

إلا أن “عرفة” يقف عاجزًا ب”سحره/علمه الحديث” حيال الموت الذي لا يملك دَفعًا ولا علاجًا ناجعًا له ..

وفي حواره الكاشف مع ” ناظر الوقف/ القوى العالمية المتفردة” تتضح الأزمة والمأساة معًا..

” -لماذا نموت ياعرفة؟

فرمقه بكآبة ولم ينبس فأردف الآخر:

-حتى الجبلاوي مات.

كأن إبرة انغرزت في قلبه، لكنه قال:

– كلنا أموات وأبناء أموات.

فقال في ضجر:

-لست في حاجة إلى تذكيري بما قلت.

-ليطل عمرك يا سيدي.

-طال أو قصر فالنهاية هي تلك الحفرة التي تعشقها الديدان.

فقال عرفة برقة:

-لاتدع الأفكار تكدر صفوك.

-إنها لاتفارقني. الموت…الموت…دائمًا الموت، يجيء في أي لحظة، ولأتفه الأسباب، أو بلا سبب على الإطلاق، أين الجبلاوي؟ أين الذين تتغنى بأعمالهم الرباب؟ هذا قضاء ما كان ينبغي أن يكون!”.

ليرتد عرفة ثانية لأحلام العدل وتوزيع ريع الوقف بالتساوي لضمان حد أدنى من السعادة تقف حائلًا لهذا القدر غير المحتمل من التعاسة، يرتد العلم الحديث بعجزه الظاهر إلى أحلام العدل وتوزيع الثروات على أبناء الواقف بالتساوي، يرتد عرفة لمحاولة من سبقوه “جبل ورفاعة وقاسم”، ولكن بعد فوات الأوان، وقد ضاعف عدم وجود ظهير شعبي يحتمي به، ويؤمن به، من مأساته واغترابه.

شعور عرفة/العلم الحديث بالعجز ألجأه في النهاية لما جحده، فبعدما قضى العلم على الميتافيزيقا، وجد نفسه في حاجة إليها، وإلى تعاليمها التي، من قبل، سخر منها، وأبرزها قيمة العدل، ورغبته في الانفكاك من توحده مع رغبات ناظر الوقف/الرأسمالية المتوحشة.

” -لولا حسد المحرومين من حولنا لتغير مذاق الحياة في أفواهنا!

فضحك الناظر ضحكة ساخرة وقال:

-قول بالعجائز أجدر! هبنا استطعنا أن نرفع أهل حارتنا إلى مستوى حياتنا فهل يقلع الموت في اصطيادنا؟

فهز عرفة رأسه في تسليم حتى خفت حدة الرجل، ثم قال:

-الموت يكثر حيث يكثر الفقر والتعاسة وسوء الحال.

-وحيث لايوجد منها شئ يا أحمق.

فقال وهو يبتسم:

-نعم لأنه معد مثل بعض الأمراض!

فضحك الناظر قائلًا:

-هذا أغرب رأي تدافع به عن عجزك.

فقال متشجعًا بضحكه:

-نحن لاندري عنه شيئًا فلعله أن يكون كذلك، وإذا حسنت أحوال الناس قل شره، فازدادت الحياة قيمة وشعر كل سعيد بضرورة مكافحته حرصًا على الحياة السعيدة المتاحة.”

لتبعث الميتافيزيقا ثانية موجهة رسالتها لعرفة كما وجهتها من قبل لأبنائها البررة”جبل، رفاعة، قاسم” وعلى لسان خادمته في رسالة أوصى بها “الجبلاوي” وهو في النزع الأخير لتصل لعرفة بعد موته.

“ اذهبي إلى عرفة الساحر و أبلغيه عني أن جده مات وهو راضٍ عنه.”

يتمرد عرفة على كل ما آمن به من قبل، ويسير في درب من أنكر عليهم. ويصرخ في وجه من جحد رسالته كما صرخ “جبل” من قبل:

“-لم يكن ما رأيت سطلًا، ولكن حقيقة لاشك فيها.”

وكما صرخ قاسم وقبله رفاعة:

“-لست مجنونًا، وليس هو بالسطل! “

ولكن الفارق أن الجبلاوي كان يرسل رسله وهو حي، واليوم يبلغ رسالته وهو ميت، ففقد عرفة قوة الدفع المعنوية التي سبق ودفعت من قبله.

تتبد الحياة عبثًا لا طائل ولا جدوى منه.

” -هذا السجن لم يعد يمدني إلا بأفكار الموت، وكأن الطرب والشراب والراقصات ليست إلا ألحان الموت، وكأنني أشم رائحة القبور في أصص الأزهار.”.

يقرر عرفة الهرب حاملًا كراسة رموز سحره/ رسالته التي يود تبليغها للناس على أمل في إرجاع إيمان أولاد حارته الذي هدمه من قبل في صدورهم.

تظهر عبثية نتائج العلم المنفصمة عن الإيمان بتحقيق قيم العدل الاجتماعي وغيره من القيم العليا.

ود لو صرخ وهو يعاني النهايات القاتلة “ الخوف لايمنع الموت ولكنه يمنع الحياة. ولستم يا أهل حارتنا أحياء ولن تتاح لكم الحياة مادمتم تخافون الموت”

وبقى الأمل في وجود كراسة أسرار عرفة، وعاد أولاد حارة الجبلاوي للانتظار بعدما رفعوا ذكر عرفة فوق” جبل ورفاعة وقاسم” وبعضهم قال ” لايمكن أن يكون قاتل الجبلاوي كما ظنوا. وقال آخرون: إنه رجل الحارة الأول والأخير ولو كان قاتل الجبلاوي.”.

فضل "نجيب محفوظ" النهايات المفتوحة المبشرة بقدر ما من أمل خافت يصارع قنوطًا لا حدّ له.

” وكانوا كلما أضر بهم العسف قالوا: لابد للظلم من آخر، ولليل من نهار، ولنرين في حارتنا مصرع الطغيان ومشرق النور والعجائب.”.

تقف “أولاد حارتنا” كرواية متفردة بجرأة اقتحامها وتناولها لأحداث التاريخ الكبرى برمزية فلسفية مكثفة في كل سطر من سطورها، في إطار روائي محكم البناء، قادر على الإلهام والإمتاع معًا.



#محمد_فرحات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبد القاهر الجرجاني يُنظِرُ لقصيدة النثر.-سأعيد طروادة ثم أح ...
- -بالضبط يشبه الصورة- ومُحدِدات الجنس الكتابي
- نون نسوة مناضلة -بيضاء عاجية، سوداء أبنوسية.-.
- ماتريوشكا
- أحاديث الجنِ والسُطَلِ، المجدُ للحكايات.
- نجيب محفوظ -نبيًّا-.
- تحدي قصيدة النثر ؛ديوان-ابن الوقت- نموذجًا.
- حائزة -عبد الفتاح صبري- في نسختها الأولى.
- أخيرا العثور على المسرحية المفقودة لنجيب سرور-البيرق الأبيض- ...
- الروائي شادي لويس وصفعة لوجه الرأسمالية القبيح.
- مخطوطات نجيب سرور
- القصة الشاعرة. - قراءة لفصل من كتاب ألعاب اللغة للدكتور محمد ...
- د. محمد فكري الجزار شمولية النص القرآني وسيميوطيقا النهايات.
- ألعاب اللغة-5-، ما بين الشعري والتدوالي.
- ألعاب اللغة-4- نقد جاكبسون.
- احتواء المؤسسة وتمرد المبدع
- قطار الليل نحو لشبونه
- ألعاب اللغة-2-
- ألعاب اللغة-ما بعد نظرية الأدب-
- نيتشة وعزة تلجراف عند-مصطفى أبوحسين-.


المزيد.....




- -لن تستبدل الآلة بالبشر-.. سينما بريطانية توقف عرض فيلم كتبه ...
- الوثنية السياسية
- اللغاوون،قصيدة (سجن الهموم)بقلم الشاعر مصطفى الطحان.مصر
- بريطاني يدهش روّاد مواقع التواصل بإتقانه اللغة العربية.. ماذ ...
- سنتكوم: دمرنا زورقين ومحطة تحكم أرضية ومركز قيادة للحوثيين
- نزلها الآن وشاهد اجمل أفلام كرتون القط والفار.. تردد قناة تو ...
- نصري الجوزي رائد الكتابة المسرحية في فلسطين
- كوريا الجنوبية تُطلق تأشيرة للأجانب للتدرّب على ثقافة -كي بو ...
- شغال.. رابط موقع ايجي بست 2024 Egybest فيلم ولاد رزق 3 القاض ...
- أحداث مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 29 مترجمة للعربية وال ...


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد فرحات - -أولاد حارتنا- المبادرة والانتظار .