عايد سعيد السراج
الحوار المتمدن-العدد: 7999 - 2024 / 6 / 5 - 01:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الطاغية عبر التاريخ ، من هو ؟
( الطاغية (1) ذئب مفترس يلتهم لحوم البشر ، كما وصفه أفلاطون ، أسوأ أنواع البشر وأشدّهم خطورة ، لأنه ُيدَّمر روح الإنسان ، كما قال عنه أرسطو ، ومع ذلك فمن النادر أن تجد من يكتب عنه ، ربما لأن الباحث لا يجرؤ على الكتابة ما بقي الطاغية متربعا ً على كرسي الحكم ، فإذا تنفس الناس الصعداء بعد زواله , تعمدوا نسيان تلك الأيام السوداء التي عاشوها في ظله ، مع أن فرص ظهوره من جديد لا تزال سانحة في عالم متخلف , ترتفع فيه نسبة الأمية , ويغيب الوعي ،ولا يستطيع الشعب أن يعتمد على نفسه ، فينتظر من يخلصه مما هو فيه ،فتكون بارقة الأمل عنده معقودة على المخلص والمنقذ والزعيم الأوحد ) ( كل سلطة مفسدة ، والسُلْطَة المطلقة مفسدة مطلقة – كما يقول لورد أكتون ( موقف الطاغية هو موقف ذلك الذي يقطع شجرة لكي يقطف ثمرة ( مونتيسكو ( وقال فرعون : (يا أيها الملىء -ما علمت ُلكم إله غيري ) – القصص – قرآن كريم ( ما من مستبد سياسي إلا ويتخذ له صفة قدسية يشارك بها الله ، أو تعطيه مقاما ً ذا علاقة بالله ) من طبائع الاستبداد للمفكر الكبير – عبد الرحمن الكواكبي – فالفرعون الإله يعرف كل شيء (2) ( إن جلالته عليم بكل شيء بما حدث وبما يقع ، وليس هناك في هذه الدنيا لا يعلمه ، إنه- توت –هو توت عنخ آمون -إله الحكمة في كل شيء , وما من معرفة إلا وقد أحاط بها )- (3)( وفي بلاد مابين النهرين عموما ً كان دور الملك الرسمي أنه يمثل الآلهة على الأرض أو أنه ينوب عنها ، فقد منحته الآلهة السلطة لكي يتصرف نيابة عنها ) وفي بلاد فارس ( كان الفرس يطلقون على الإمبراطور لقب ( ملك الملوك ) وهو صاحب السلطة المطلقة في طول البلاد وعرضها ) والسؤال هو كيف يبدأ الطغيان : (4) ( يبدأ الطغيان عندما تنتهي سلطة القانون ـ أي عند إنتهاك القانون ،وإلحاق الأذى بالآخرين ) كما يقول جون لوك في الحكم المدني ( فقرة 202 ) [ الشرطي الذي يتجاوز حدود سلطاته يتحول إلى لص أو قاطع طريق , كذلك كل من يتجاوز حدود السلطة المشروعة سواء أكان موظفاً أم وضيعا ً ، ملكا ً أم شرطيا ً ، بل أن جرمه يكون أعظم إذا صدر عمن عظمت الأمانة التي عهد بها إليه ] – جون لوك – الحكم المدني 202 – 1 ً- ( أن الطاغية يصل الحكم بطريق غير مشروع ،يمكن أن يكون اغتصب الحكم بالمؤامرات أو الاغتيالات – 2 ً- الطاغية لا يعترف بالقانون أو دستور بل تصبح إرادته هي الدستور – 3 ً – يَسَخّر كل موارد البلاد لإشباع رغباته أو ملذاته – 4 ً – ينفرد هذا الحاكم بخاصة أساسية في جميع العصور ،وهي انه لا يخضع للمساءلة ولا للمحاسبة ولا لرقابة من أي نوع والواقع أن الطغيان في أي عصر صفة للحكومة المطلقة – 5 ً – الطاغية يقترب من التأله فهو يُرهب الناس بالتعالي والتعاظم , ويذلهم بالقهر والقوة وسلب المال يقول أفلاطون : { إذ أذاق المرء قطعة من لحم الإنسان تحول إلى ذئب ومن يقتل الناس ظلما ً وعدوانا ً ويذق بلسان وفم دنسين دماء أهله ويشردهم ويقتلهم , فمن المحتم أن ينتهي به الأمر إلى أن يصبح طاغية ويتحول إلى ذئب } وكما يقول أرسطو : ( يتمثل الطغيان بمعناه الدقيق في الطغيان الشرقي ، حيث نجد لدى الشعوب الآسيوية , على خلاف الشعوب الأوروبية – طبيعة العبيد , وهي لهذا تتحمل حكم الطغاة بغير شكوى أو تذمر ، كما يقول جيمس الأول ملك انكلترا : [ إننا نحن الملوك نجلس على عرش الله على الأرض ] – [ أيها الناس أنا سلطان الله في أرضه ] الخليفة المنصور ( 5 ) ( أننا لم نتلق التاج إلا من الله فسُلْطًةُ سَنّ القوانين هي من اختصاصنا وحدنا بلا تبعة ولا شركة ) لويس الخامس عشر – ( والله لا يأمرني احد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه ) الخليفة عبد الملك بن مروان – كما أكد الحجاج بن يوسف الثقفي ( والله لا آمر أحدا ً أن يخرج من باب من أبواب المسجد ،فيخرج من الباب الذي يليه إلا ضربت عنقه ) أما في العصر الأموي وفي ليلة العيد لسنة 120 هجرية وفي صلاة العيد وقف (( خالد بن عبد الله القسري والي الكوفة يخطب على المنبر خطابا ً جامعا ً قال في نهايته :(أيها الناس أذهبوا وضحوا بضحاياكم ، تقبل الله منا ومنكم ، أما أنا فإني مضح اليوم -بالجعد بن درهم - فإنه يقول ما كلم الله موسى تكليما ً ، ثم نزل واستل سكينا ً وذبحه أسفل المنبر ) ثم لكم هذا المقطع الذي يُحَرّض فيه على القتل ( 6 ً ) ( دخل شبل بن عبد الملك مولى بني هاشم على السفاح ، وعنده كبار بني أمية مستسلمين ، بعد أن انهارت دولتهم فينشده قصيدة خبيثة يحرض فيها على قتل خصومه – يقول فيها :
أصبح الملك ثابت الأساس بالبهاليل من بني العباس ِ
أقصها أيها الخليفة واحسم عنك بالسيف شأفة الأرجاس ِ
فلقد ساءني وساء سوائي قربهم من مجلس ٍ وكراسي ِ
اقبلن , أيها الخليفة نصحي واحتياطي لأمركم واحتراسي ِ
فيستجيب الخليفة لنُصْح الشاعر ، فيأمر باغتيالهم جميعا ً ثم لا يخجل أن يجلس على البساط الذي لفّهم به ، فيتناول طعامه فوقهم ، وهم يتقلبون في جراحاتهم ، ويئنون بآلامهم ويسبحون بدمائهم ، وما زال الخليفة قائما ً لا يتحرك عنهم حتى فاضت نفوسهم ، ثم أستهل حكمه بإخراج جثث خلفاء بني أمية من قبورهم وجلدهم ،وحرق جثثهم , ونثر رمادها في الريح ) هذا هو التاريخ البشري المملوء بالشر الذي تغذيه الأرواح والنفوس الملعونة ، التي بُنيت على الحقد والكره ،ثم الطمع والجشع وحب السطوة ، والمال ، ومحاولة إرضاخ الناس لهذا الجبان، الوضيع الذي يدعى الطاغية ، حيث لارحمة ولا إنسانية مع من يختلف معه ، أو يناقض حبه للسلطان ، وهو يعلم تماما ً أنه أدنى بكثير من أن يحكم على نمله لولا استخدامه لجهل الناس وفقرهم وتفرقتهم ، التي يعمل لتكون ليس لها حدود وكلما تماهى طغيانه وإذلاله للآخرين ، كلما علا شأنه كما يتصور ، ولكنه ينسى أنه مهزوم في داخله ،لذى تراه يعزز الحراسة ,، ويكثر الشك حتى من اقرب الناس إليه , فهو يعيش في خوفه الدائم , وتنهشه آلة الخراب والدمار ،فهو لا يعيش بدون فتن وحروب وقتل ، وشعاره الدائم الموت أو السجن ، فكل من يقف ضده هالك ، وسجانيه يحاولون الاستفادة من هكذا وضع لاحتقار الناس من جهة ولتغذية شعوره بالعظمة من جهة أخرى ويستمر السيد المعتوه في التماهي مع شروره , فالطاغية هو ، الحيوان الأكبر وزبانيته سلاّبٌ نُهابٌ كما يقول :
( افلاطون ) فنحن هنا نتوجه إلى هؤلاء السُلاّب النُهّاب,أن يستفيدوا من دروس الطغاة , وأن يعرفوا أن الطاغية لن يكون أبديا ً بل سوف يأتي زمن يخرج من جحره مذموما ً مدحورا ً وملعونا ، تلعن البراغيث ُ وجهه, وذلك بما فعل بالبلاد والعباد ، ولن يكون لهؤلاء المرتزقة طاغية يحميهم ويعزلهم عن شعوبهم ، فعدا عن أنّ الطاغية سلوكيا ً غير متزن ومعقد ومتناقض إلى درجة عدم التصديق , فهو في الوقت نفسه ، يعرف أن مرتزقته دجالون وأنه صانعهم ، وهو القادر على الخلاص منهم في أية لحظة يشاء , فالجو هنا محموم بالكذب والنفاق والرياء ، ومُطَعّمٌ بالخسة والوضاعة والزيف المفضوح ، فالطاغية متفاخر بشعبه المطيع الوادع كالغنم ، المملوء بالحب الزائف لقائده الملهم المُعْطي ْ ،الوهّاب لشعبه المكلوب جوعا ً وبُلَهْنِيةً فيستمر الشعب المقدام سيد النفاق الأول ، المذعور من أوهامه , والخائف أبداً ودائما ً على هذه الأجساد النتنة , وهذا الصَفَير المخجل الذي يصم الآذان السوية َ ، أقول يَسْتمِرَ هذا الشعب بالرياء أكثر وأكثر لسيده الملهم ،لا أريد أن استمر في هذا الحديث الذي جله نقل حرفيا ً من مجلة عالم المعرفة الكويتية ( العدد – 183 – تأليف : أ ، د ، إمام عبد الفتاح إمام ، والغاية من ذلك هو عرض هذا الكتاب المهم عن الطاغية , وعصور الاستبداد والديكتاتوريات عبر التاريخ وذلك منذ أكثر من 650 سنة قبل الميلاد إلى الآن , وثانيا ً لإطلاع القارىء العزيز على خطورة الأنظمة الطاغية الشمولية , وما تلعبه من تخريب وفساد للحياة الاجتماعية وفي مصائر الشعوب ،و حياةالشعوب ومنها شعوبنا التي مُورس ويمارس عليها الاستبداد في عالم الشرق الخانع للذل والمهانة الذي لا يمكنه أن يتحرر من قيود الطغاة والمستبدين ،إلا بالعلم الذي روحه الحرية ، والديمقراطية التي قلبها المساوات رغم أن ّ الوقت لا زال طويلا ً أمام شعوبنا لتحقيق ذلك ولكن لا بد من ذلك ، فالشاعر الأسباني – شهيد الحرية – غارسيا- لوركا يقول : ( ما لإنسان دون حرية ؟ )
منشور معدل-
*1 - عالم المعرفة الكويتية العدد ( 183 ) تاريخ آذار 1994 م تأليف : ا – د إمام عبد الفتاح إمام
2 –3 –4 –6 – المصدر نفسه –كتبت هذه المقالة –ونشرت –عام-2008 مِ
#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟