سكين سلمان رشدي وتقسيم العوالم.. (1-2)

حكمت الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 7997 - 2024 / 6 / 3 - 16:21
المحور: الادب والفن
    

"سكين" سلمان رشدي وتقسيم العوالم.. (1-2)

.. بعد أن يُهدي كتابه الأخير بعنوان "سكين"، إلى "الرجال والنساء الذين أنقذوا حياتي"، يفتتح سلمان رشدي الكتاب الذي يحمل عنوانا ثانويا: "تأملات بعد محاولة اغتيال" (أمامي الترجمة السويدية الصادرة حديثا عن دار ألبرت بونييه، بقلم أماندا سفينسون) باقتباس من صاموئيل بيكيت: "نحن مختلفون الآن، فلم نعد كما كنا قبل كارثة الأمس".
في 12 آب أغسطس عام 2022، تعرض رشدي للهجوم أثناء تحضيره لإلقاء كلمة في مؤسسة شوتاكوا في نيويورك. قام المهاجم بطعنه بسكين، مما أسفر عن إصابات بالغة لرشدي، الذي كان قد عاش أصلا تحت تهديد العنف منذ إصدار الفتوى ضده بهدر دمه من قبل آية الله العظمى الإمام الخميني في عام 1989 بسبب روايته "الآيات الشيطانية". في كتابه السيرذاتي هذا بعنوان "سكين: تأملات بعد محاولة اغتيال"، يروي رشدي الحادثة المروعة بصدق تام، مقدماً نظرة حميمة على تداعيات مثل هذا العنف ورحلته نحو التشافي.
يتجاوز الكتاب كونه مجرد مذكرات عن محاولة اغتيال؛ فهو يمثل تأملاً حول الصمود وقوة الكلمة المكتوبة. يستخدم رشدي تجربته لمناقشة مواضيع أوسع مثل أهمية حرية التعبير وقوة الروح البشرية في مواجهة الصعاب. سرده هو فحص شخصي وفلسفي لكيفية العثور على القوة والمعنى بعد مواجهة العنف العميق.
فصول الكتاب، المكون من بابين رئيسيين هما: "ملاك الموت" و"ملاك الحياة"، تتعمق في تعقيدات الصراع بين الشرق والغرب، وتعرض صراع الثقافات والأيديولوجيات والهويات. في جميع أنحاء الكتاب، يتشابك رشدي ببراعة بين موضوعات التقاليد والحداثة والعولمة، ويسلط الضوء على التحديات والتوترات التي تنشأ من تصادم هذه العوالم المختلفة.
أحد الجوانب الرئيسية المهمة برأيي في هذا الكتاب هو التركيز على ثيمة الصراع بين الشرق والغرب من خلال منظور ديناميكيات القوة. يصور رشدي الصراع على السلطة بين العالم الغربي والعالم الشرقي، ويسلط الضوء على العلاقات غير المتكافئة والتسلسلات الهرمية القائمة، حيث تسود الهيمنة والسيطرة والتلاعب، مما يعكس استقطابات الصراع على نطاق عالمي.
علاوة على ذلك، يتعمق رشدي في الصراعات الثقافية التي تحدث نتيجة للصراع بين الشرق والغرب. وهو يسلط الضوء على سوء الفهم والمفاهيم الخاطئة والقوالب النمطية التي غالبا ما تصيب التفاعلات بين الثقافات، مؤكدا على الحاجة إلى التعاطف والتفاهم والانفتاح. ومن خلال تجاربه، يتحدى رشدي الصور النمطية والتحيزات، ويدعو إلى اتباع نهج أكثر دقة وشمولاً للتبادل الثقافي.
ويتعمق "السكين" أيضًا في التأثير النفسي للصراع بين الشرق والغرب على الأفراد، ويستكشف كيفية تشكيل هوياتهم ومعتقداتهم وأفعالهم. يتعمق رشدي في الصراعات والصراعات الداخلية التي تنشأ نتيجة التنقل في عوالم ثقافية متعددة، ويعرض الاضطرابات الداخلية والتوتر الذي يواجهه الأفراد عندما يقعون بين حقيقتين متعارضتين. ويتجلى ذلك من خلال رحلته هو شخصيا لاكتشاف الذات وقبول الذات، وهو يتصارع مع هويته ومكانته في العالم.
وبالإضافة إلى المواضيع الأوسع للصراع بين الشرق والغرب، يتطرق كتاب "السكين" أيضًا إلى موضوع الإرهاب والعنف، خاصة في سياق الأصولية الدينية. يسلط رشدي الضوء على القوة التدميرية للتطرف والراديكالية، موضحًا كيف يمكن أن يتلاعب بالأفراد ويسيطر عليهم، مما يؤدي إلى أعمال العنف والإرهاب. ويتجسد ذلك من خلال تجربة المؤلف المروعة المتمثلة في الهجوم عليه من قبل إرهابي يحمل سكينًا، وهو حدث مؤلم يجبره على مواجهة الجوانب المظلمة للطبيعة البشرية وعواقب التعصب.
ولا ينسى "السكين" أن يتطرق إلى دور الدين والروحانيات في الصراع بين الشرق والغرب، ويعرض كيف يمكن للمعتقدات والممارسات الدينية أن توحد وتقسم الأفراد والمجتمعات. يصور رشدي تنوع التجارب ووجهات النظر الدينية، ويسلط الضوء على الطرق التي يمكن أن يكون بها الإيمان مصدرًا للعزاء أو الإلهام أو الصراع. وكما هو الحال كذلك في دور الفن والأدب في مواجهة الصراع بين الشرق والغرب وتجاوزه، اذ يوضح رشدي كيف يمكن أن يكون التعبير الإبداعي بمثابة شكل من أشكال المقاومة أو الاحتجاج أو المصالحة. وهو يسلط الضوء على قوة القصص والخيال والإبداع في تحدي السرديات السائدة وإقامة روابط جديدة بين عوالم متباينة.
في كتابه "سكين: تأملات بعد محاولة اغتيال"، يقارن سلمان رشدي تجربته المرعبة هذه مع محاولة الاغتيال التي تعرض لها الكاتب المصري العالمي نجيب محفوظ في التسعينيات. يتناول رشدي هذا الموضوع بعمق في النصف الثاني من الكتاب، حيث يعبر عن معاناته ومرحلة الشفاء التي مر بها بعد الهجوم الذي تعرض له في أغسطس ٱب 2022. ويذكر كيف نجا من الهجوم وكيف تكيف مع الإصابات الجسدية والنفسية التي تعرض لها. ومن خلال مقارنة حالته مع حالة نجيب محفوظ، يشير رشدي إلى الصراع الدائم بين الكُتاب والطغاة، مشيرًا إلى أن أعمالهم الأدبية تستمر وتبقى حتى بعد زوال الأنظمة القمعية التي تعرضوا لها. يستعرض رشدي حالات أخرى مثل أوسيب ماندلشتام الذي اضطهده ستالين، ولوركا الذي قتله الفاشيون الإسبان، مؤكداً أن كتاباتهم صمدت أمام الزمن. كما يعبر رشدي عن رغبته في العودة إلى حياته الكتابية والدفاع عن حرية التعبير بعد الهجوم، مستلهماً من تجربة نجيب محفوظ العزم والإيمان، ومؤكدًا على أهمية الفن في الحفاظ على الإنسانية والحرية الفكرية.
لقد لاقى كتاب سلمان رشدي الأخير "سكين" استقبالًا متباينًا في الغرب، إذ تنوعت الآراء بين الإيجابية والمختلطة. فقد أشاد الكثيرون بالكتاب، معتبرين إياه عملاً صريحًا ومؤثرًا وصادقا. إذ أشارت مراجعات إيجابية له إلى أن الكتاب يتميز بالتفاصيل الواضحة والقدرة على تسليط الضوء على التحديات التي واجهها المؤلف سلمان رشدي بعد محاولة الاغتيال. على سبيل المثال، اعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن الكتاب يحمل رسالة توعوية تذكرنا بأهمية الدفاع عن حرية التعبير والقيم التي تستحق النضال من أجلها. بينما من جهة أخرى، كانت هناك آراء مختلطة تشير إلى أن الكتاب قد يعاني من بعض النقص في التماسك. فوفقًا لمراجعة على موقع "فولتشر"، فإن الكتاب يتأرجح بين كونه سردًا شخصيًا ذاتويا، وبين كونه سعيًا للإجابة على أسئلة عميقة، مما قد يؤدي إلى بعض الارتباك لدى القراء.
تلقى الكتاب أيضًا تقييمات إيجابية من "بووك ريبورتر"، حيث تم وصفه بأنه يجب قراءته حتى لمن لم يقرأ أي شيء من قبل لسلمان رشدي، مشيرين إلى قدرته على معالجة قضايا إنسانية عميقة بطريقة فلسفية ومؤثرة.
ولكنك عزيزي القاريء، وأنت تطالع الكتاب، قد يتبادر الى ذهنك السؤال المهم الحارق الذي لابد منه، ألا وهو: ما موقف سلمان رشدي من مهاجمه في نهاية المطاف؟ ودعنا نجيب بكل وضوح بخصوص هذه النقطة. ففي كتابه "سكين: تأملات بعد محاولة اغتيال"، لا يغفر سلمان رشدي لمن هاجمه. فمن خلال سرد مفعم بالعاطفة والتفاصيل الدقيقة، يصف رشدي ما مر به من تجربة مروعة وكيف أثرت عليه جسديًا ونفسيًا. بالرغم من أنه يسعى للعودة إلى حياته الطبيعية وإلى الكتابة والدفاع عن حرية التعبير، إلا أنه لا يظهر أي تسامح تجاه مهاجمه الذي يُشار إليه في الكتاب بـ "المعتدي" أو "القاتل المحاول".
وعلى أية حال، يبدو أن سلمان رشدي يركز في كتابه على استعادة حياته وإعادة بناء ذاته بعد الهجوم المروع عليه، بدلاً من السعي للانتقام أو الانتصاف من مهاجمه. يعكس الكتاب أيضًا مرونة رشدي وإصراره على الاستمرار في الكتابة والتعبير عن آرائه، بالرغم من الصعوبات التي واجهها.
(يتبع..)

#حكمت_الحاج (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات