أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - تاريخ الخرافة ح 29















المزيد.....

تاريخ الخرافة ح 29


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7997 - 2024 / 6 / 3 - 12:21
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


1. السحر العزائم والتمائم
عالم السحر الغيبي المخفي عن الدليل والبرهان الممتلئ بالحكايات أكثر مما هو ممتلئ بالنظريات، يقودنا هذا العالم المتخيل المخيف الذي لا نعرف تحديدا من هو أول من أبتكره أو وضع أسسه المعرفية، ولا نعرف أيضا من هو أول من أمن به، لكن ما نعرفه أنه عالم كبير ومدهش ومتنوع وشرير في الغالب، يداعب المخيلة وربما يجرها أحيانا إلى زوايا تنقصها الإضاءة والوضوح والإيهام والتخيل، تاريخيا السحر وأحدة من أقدم القوى البشرية التي أستخدمها الإنسان للسيطرة والتحكم على الأخر، لكن السؤال الأكبر الذي لم تجيب عليه البشرية لليوم هو... هل السحر معرفة حقيقية؟ أم هو طريق عملي مادي يتوصل به الساحر إلى التأثير النفسي دون أن يجزم هو أو المستخدم أو الخادم بحقيقته؟، ومع فشل الإجابة على ذلك بالتأكيد، اليوم نجد الغالبية من البشرية بعقلائها وبقليلي الوعي العقلي والمعرفي على حد سواء تؤمن بشكل ما أو بصورة ما، من أن السحر فعل معرفي وليس فقط معرفة.
لقد مثل السحر في المنظومة المعرفية البشرية الأولى مركز الصدارة في الأهتمام والتأثير، وإلى وقت متأخر جدا كان للسحر مقام معرفي ينظر له على أنه مجال إبداعي وإعجازي يمثل حالة أنتقال جبري وقهري من طبيعة السيرورة للأشياء نحو تحقيق نتائج في الصيرورة لا تتوافق الأحتمال أو المسار الطبيعي لقانون الحرمة الشيئية من المقدمات للنتائج، لذلك تمتع السحرة بمنزلة مهمة تحت رعاية السلطة السياسية والأجتماعية بشكل خاص، حتى أن الأديان التي تسمى سماوية أو غير وضعية أفردت مساحة من الفكرة الدينية لتكون جزء من الفعل الإيماني للمؤمنين بها، هذا الوضع لا يعني أن السحر قد هيمن على المجتمع البشري وسيطر على مقاليد الفعل به من خلال المنجز الذي قدمه، بل أن ما نحصيه من وقائه وأحداث لعب بها السحر دورا ما لا تتعدى موضوع المصادفة أو الخداع والإيهام والتخيل.
البعض يقول طالما أن السحر بم يكن فعالا ولا منتجا للحدث بصورة مباشرة وأكيدة وعبر التجربة التأريخية، إذا ما هو السر الحقيقي الذي جعل التاريخ البشري يشير إلى أهميته واليقين به على طول ما ان عنصرا يحتكم إليه، الحقيقة يمكن أختصارها بمفهوم بسيط يتناول هذه الإشكالية وقد يكون جوابا إلى حين، وهو أن الإنسان التكويني المجرد النموذجي كما هو كائن باحث ومستكشف وأحيانا فضولي، لكنه من جانب أخر يسمع بعينه ويبصر بأذنه حينما يختلط المشهد السمعي مع المشهد البصري، ولا يضع حدودا بينهما من باب البحث عن ما يريح عقله حين يتعب أو يعجز عن الفعل بغياب خيارات معقولة وممكنة.
يقول طارق حمودي "الباحث" في مقال نشر على موقع الهوية برس من أن السحر ولد أساسا كعلم، بمها يعني أن السحر لم يكن مجموعة خرافات بدائية، ولا هي ممارسات تنتج عن جهل وفقر بأساسيات المعرفة والعلم، إنها الفلسفة الباطنية كما يشير قوله هذا (تؤكد الدراسات الحديثة أن السحر أحد أركان العلوم القديمة التي تعاطتها نظريا ومارستها عمليا جملة من الثقافات القديمة، وهي معدودة من العلوم السرية التي تختص بها النخبة، ولذلك سماها “Henri Corneille-Agrippa” “الفلسفة الباطنية- La Philosophie occulte”)، هذه الحقيقية ليست نتاج دراسة نظرية فحسب، فمن المعلوم أن المطلعين والمشتغلين بما يعرف بالسحر المعتمد على فروع علمية كثيرة ثل الفلك والدين واللغة والحساب والرصد وطبقات الأرض وعلم النفس وعلم الأجتماع، هذه العلوم لا يمكن فهمها أو دمجها في مشروع عملي يهدف لتحقيق غايات ما لم يكن العقل الذي يتحرك ضمن هذا الموضوع لديه علمية ومعرفية بدرجة ما بهذه العلوم والآداب والفنون.
الأمر التأريخي الذي يجب أن يحضر في تفكيرنا قبل البدء بالبحث بتأريخانية السحر، هو التفريق بين السحر الذي نعنيه وصفا على أنه علما قديما، وبين أشكال أخرى من ممارسات تعتمد على الإيهام أو التخيل أو خفة اليد أ أي أشكال خداعية أخرى (مثل «نيكومانتيشا» (استحضار الأرواح) التي تعني التواصل مع الموتى لأغراض تَنَبُّئِيَّةٍ، ومفهوم ومصطلح «فارماكا» الذي يُستخدم للتعاويذ وتحضير العقاقير والسموم التي يستخدمها المشعوذون أو الساحرات، وأيضا دلالات مسمى الــ «جويتس» يعني «المشعوذين» الذين كانوا خبراء في الخداع وإلقاء التعاويذ وأصطناع الأوهام عند المتلقي مقابل إبهار حواس المشاهد وإشغاله بأمور جانبية تصرف النظر عن السؤال عما دار ويدور).
التفريق هنا ضروري جدا للذي يريد دراسة السحر بأعتباره أحد العلوم التي أسست أو تشاركت مع علوم أخرى في تطوير المعرفة البشرية، حتى أن هذا العلم لم يكن متاحا حتى للمتعلمين أو أصحاب المعرفة، فهو كان علم النخبة الضيقة وأشتغال الفلاسفة ومهنة العلية من أصحاب الباع الطويل بالبحث العلمي، تأريخيا كان الفلاسفة سحرة أو من الذين يؤمنون بالسحر كعلم (أرسطو نفسه فقد وصف بمعرفة السحر وتكلم فيه وبينه وقد نسب إليه مسلمة المجريطي السحر المرتبط بالطلسمات والكواكب مما كان يبينه للإسكندر المقدوني، ونقل عنه من كتابين له في ذلك أحدهما كتاب “المصابيح والألوية”، و ”الإسطِماخيس” أو الإسطماطيس الذي كتبه للإسكندر، وفيه بيان كيفية استجلاب قوى الكواكب وكتاب “الإسنوطات“، بل يذكر أنه صنع له طلسمات ربما كان منها ما وضع لفتح أبواب بعض الأهرامات، وكتاب “الملاطيس” الذي جمع فيه للإسكندر سحر الحكيم الهندي كيناس).
لم يقتصر الأمر على الفلاسفة والمفكرين فقد كانت الأديان والمعبد عموما والكهنة في جزء مهم من نسقهم الثقافي يعتمد السحر والعمل به، منذ أن عرف الإنسان الدين كفكرة متكاملة ومؤسسة قائمة لعب السحر دورا محويا في العقيدة الدينية، حتى قال البعض من المفكرين والكتاب أن الدين هو الوليد الشرعي للسحر بينما ما يوجد م أدلة ودراسات تؤكد أن النسق البنيوي للسحر أستفاد من المعطى الديني كما أستفاد الدين من المعطى السحري في عملية الإقناع والسيطرة والتحكم في العقلين السحري والديني إذا صح التماثل، فعند مناقشة الديانات الرئيسية في العالم قديما وحديثا، وجد أن كثيرًا ما كان الدارسون يعتبرون وجود معتقدات السحر وممارساته في حياة الناس اليومية شكلًا من أشكال «التقاليد الصغيرة»، أو ديانة «شعبية» بحدود معنى الفصل بين دين النخبة وبين دين العوام، والحقيقة أن كلا العرضين النخبة والشعب يؤمنون فطريا وطبيعيا بالسحر بدرجة أو أخرى، ويحاولون التعبير عن هذا الإيمان من خلال منظور أو إطار ديني لإبعاد التهمة من كون السحر عمل شيطاني لا يتلائم مع كونية وكيفية الدين والإيمان.
كما أود التذكير بأن العقائد الدينية والمعتقدات الإيمانية ليست جميعها على مستوى واحد في التعاطي مع الواقع والمغرفة وحاجات الإنسان، فمنها ما تركز فقط على العلاقة بين الرب والمربوب، وهناك عقائد وأديان تتدخل في عمق التفاصيل الصغيرة والأدق في حياة البشر، وتبعا لذلك يدخل السحر والتعاطي به دورا أكثر أهمية في الجوانب التي تخلو من محددات تنظيمية أو مرتكزات للوصف والتوصيف لكونها متروكة للتعقل البشري ليكون هو المنظم النهائي بخياراته توافقا مع الواقع والضرورات والأهمية، أيضا الأديان التي تستغرق بالتفاصيل يكون من الصعب أن نفصل بين أشكال التدخل ومصادرها الحقيقية، طالما أن كل شيء فيها متروك للدين، ومن نتائج ذلك علينا أن نتوقع أنها يمكن أن تشير إلى وجود اختلافات في الطبقات أو في الطائفة التي يمكنها أن تحدد ما هو سحر أو ما هو دين، عندما تكون أشكال العبادة الدينية قيد البحث متوغلة في الواقع عبر عدة مستويات اجتماعية، لكن المصطلحات رغم ذلك يمكن أن تساعد على تحديد مجموعات عامة من المعتقدات والممارسات التي تختلف مع اللاهوت الرسمي "الدين بصفته معطى خارجي منظم ومؤله" أو تكون محط استنكاره، وإن كانت لا تعد منافية للدين أو آثمة في نظر من يعتنقونها حتى لو وصفت على أنها سحر كما جاء في قصة موسى مع فرعون والسحرة وإقرار الدين لموسى ممارسة عمل السحرة وإن كان تحت عنوان وتبرير مختلف.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاريخ الخرافة ح 28
- تاريخ الخرافة ح 27
- قراءة دستورية وقانونية لتنازع الأختصاص بين المحكمة الأتحادية ...
- تاريخ الخرافة ح 26
- شذرات تاريخية من الاسلام الاول
- تاريخ الخرافة ح 25
- حين يكون الحب كفرا......
- تاريخ الخرافة ح 24
- تاريخ الخرافة ح 23
- تاريخ الخرافة ح 22
- تأريخ الخرافة ح 21
- تأريخ الخرافة ح 20
- تأريخ الخرافة ح 19
- تأريخ الخرافة ح 18
- تأريخ الخرافة ح 17
- تأريخ الخرافة ح 16
- تأريخ الخرافة ح 15
- تأريخ الخرافة ح 14
- تأريخ الخرافة ح 13
- تأريخ الخرافة ح 12


المزيد.....




- جدل في مصر بعد اعتماد قانون يمنح القطاع الخاص حق إدارة المست ...
- غزة.. الحياة تستمر رغم الألم
- قبل المناظرة بساعات.. ما ينبغي أن يتجنبه كل من بايدن وترامب ...
- المجر تُعيق إصدار بيان مشترك لدول الاتحاد يندد بحظر روسيا لو ...
- خبير ألماني: أربعة أو خمسة أطفال يموتون من الجوع يوميا في ال ...
- البيت الأبيض: لا نعتزم إجبار كييف على تقديم تنازلات إقليمية ...
- نيبينزيا: كييف دمرت أكثر من 1000 مؤسسة صحية وتعليمية وقتلت م ...
- نتنياهو يرد على انتقاد غالانت والبيت الأبيض يعلّق
- الحوثيون والمقاومة العراقية تستهدفان سفينة إسرائيلية في مينا ...
- وزيرا الخارجية المصري والتركي يبحثان هاتفيا العلاقات الثنائي ...


المزيد.....

- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - تاريخ الخرافة ح 29