أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاطمة محمد تقي - كتاب العراق / ( أركولوجيا الانسايوان ) إمبراطوريتان : النبي إبراهيم مقابل سرجون الاكدي















المزيد.....


كتاب العراق / ( أركولوجيا الانسايوان ) إمبراطوريتان : النبي إبراهيم مقابل سرجون الاكدي


فاطمة محمد تقي

الحوار المتمدن-العدد: 7993 - 2024 / 5 / 30 - 14:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كتاب العراق / ( إمبراطوريتان :النبي إبراهيم مقابل سرجون الاكدي )
الجزء الأول:

(أركولوجيا الانسايوان ):
في مقاربة منهجية يتناول الكاتب جانبا مهما من قصورية العقل الغربي الحديث، وما تجلى من نزوعه الأحاديّ الأرضوي الفادح بإزاء الظاهرة المجتمعية البدئية، بما هي ازدواجية لا أرضوية، بالخصوص بحسب نموذج أرض مابين النهرين .
ومن المعروف ان الغرب جهد أركولوجيا لكي يقارب متفحصاً البدايات المجتمعية، كان ينبغي لها ان تكون محطة جديرة بحل واحدة من اكثر القضايا الوجودية والتاريخية حساسية، مقارنة بحزمة المنجزات التي تحققت على يديه علميا تطبيقيا، ومعرفياً، وفي المجالات المختلفة، وصولا لمشارف المسألة الاجتماعية الباقية على مر التاريخ بلا كشف عن منطواها، وما مضمر في كينونتها، الأمر الذي يلامس بقوة القضية المجتمعية الأصل والتكوين، ما يترك الكائن البشري دون وعي بذاتيته وحقيقة وجوده، وما يكتنفها ومقرر لها كمنتهى .
ومعلوم ان الغرب الحديث اكتشف في حماة نهوضه، مسألة غاية في الأهمية هي "الطبقات " والصراع الطبقي، الأمر الذي ترتب عليه الذهاب لحد إقران الظاهر المجتمعية، وربطها بقوة قانون و "حتمية" تتولد كما مفترض عن "الصراع الطبقي" ، ما قد اعتبر بمثابة الفتح النظري التفكري التاريخي .
هذا والغرب كما اثبت لا يستطيع ان يتجاوز ذاته ليذهب إلى القول بأن المجتمعية الاساس، لا ارضوية وأنها محكومة لقانون تصارعي مجتمعي، له مسارات اصطراعية، لم يكشف عنها النقاب، مثلما حصل مع الطبقات والصراع الطبقي ،وبما هي عناصر تشكل" مادية تاريخية " ازدواجية اخرى اصظراعية مجتمعية ، ذاهبة إلى اللامجتمعية، مقابل ما كان قد اكتشف من انتقال توهمي عبر الصراع الطبقي إلى "الشيوعية"، بحيث نصير وقتها امام ولادة "ماركس" الاصطراعي المجتمعي مكان الطبقي .

فلايمكن لعقل هو نتاج بنية وتشكل بعينه، لا بل وكائن بشري من مرحلة تطورية بعينها، الخروج على ذاته وعبورها، من دون أن يضطر وقتها إلى نفيها، هكذا تكون القصورية التوهمية وما يقابلها من الاتباعية، دالتين على حدود وممكنات بعينها، تأتي على الانقلابية الغربية وتوقفها عند منتهيات نابعة من المتاح لها تكويناً، الأمر الذي قد لا يكون، ولا ينبغي أن يكون هو نفسه، بالنسبة للطرف او التيار الاتباعي، ابن البنية الاصطراعية المجتمعية اللاارضوية / الارضوية الحداثي، حتى وان هو وقع موقتاً تحت طائلة الاتباع .

فالقصورية " الانسايوانية " التي ترافق ظاهرة الغرب، ويظل يتسم بها ويسعى لتكريسها ابان تحوله الآلي، بما يتولد عنها من سلوكية، ومن موقف واجمالي توهميه، في مقابل القصورية الاولى الشرق متوسطية، واتباعيتها المتاخرة المتولدة عن انحطاطيتها الانقطاعية، وما تتسبب به من خروج على الذاتية، يذهب بها الى ما يقارب الكارثة الفنائية، او احتمال الصحوة الذاتية مابعد الإنسايوانية .
وفي هذا الصدد يتوقف الكاتب عند ناحية مهمة جدا، تبين مدى القصورية العقلية وتوقفها دون إدراك المجتمعية كليا، حيث انه رغم ان من تعرض وتناول المجتمعية الرافدينية البدئية من الباحثين الغربيين قد اجبروا على اقرارها كحالة استثناء نوعية صارخة الدلالة، فلم يفتهم الانتباه إلى اختلاف شروط التشكل المجتمعي الرافديني وخصوصيته النوعية، إلا انه لمن المستغرب انها لم تستدعي توقفا من نوعها، يدفع للتفكير باحتمالية ان تكون "مجتمعية اخرى " ، والاهم من ذلك والدال بسطوع على القصور الفادح، كون الباحثين الغربيين لم يفتهم الانتباه إلى اختلاف شروط التشكل المجتمعي الرافديني، وخصوصيته النوعية، وها هو احدهم يقول : " وتتضح هذه الحقيقة مع كثرة تكرار الفيضانات والعواصف والجفاف والحرائق التي كانت الآلهة تهدم بها أعمال الانسان، ولم تكنّ الأحوال الطبيعية في بلاد ما بين النهرين، على عكس ما هي عليه في مصر، لتهيئ الظروف الملائمة لتطور المدنية ( يقصد المدنية الاحادية المحلوية ) فالتغيرات الفجائية تستطيع ان تخلق أحوالًا تفوق قدرة الانسان على ضبطها والسيطرة عليها ( الكاتب يستند هنا الى مصدر هو " فجر الحضارة في الشرق الادني / هنري فرانكفورت ) ،، ان المد الربيعي في خليج فارس، ( هكذا في النص مع ان فارس التي ينسب الخليج لها لم تكن موجودة، وان الخليج كان سومرياً ) قد يرتفع الى ثمانية اقدام او تسعة اقدام ، كما ان العواصف الجنوبية التي تستمر مدة طويلة قد ترفع شاطئ النهر قدمين او اكثر بما تذره من تراب وغبار، ثم ان سقوط الثلوج في ارمينيا وسقوط الامطار في الجنوب بصورة غير عادية قد يؤديان إلى ارتفاع مستوى النهرين بصورة مفاجئة، وقد يسد زحل الارض مجرى الزابين الضيقين او مجرى الخابور، ثم لايلبث المجرى طويلا حتى يدفع بكمية ضخمة من الماء، واي واحد هذه الاحداث، او وقوع اثنين منها في وقت واحد، قد يسبب فيضانا لا قبل للسهل الجنوبي ان يصده او يمنع أخطاره . وفي الازمنه السابقه للتاريخ حين كان الفلاحون البدائيون يزرعون المواسم بعد الفيضان، كان بالامكان تكييف الاستيطان بحسب التغير الدائم لتوزيع الماء والارض حتى لو تكرر تدمير القرى مرات كثيرة، لكن المدن الكبيرة الثابتة التي تعتمد على التجفيف والري تحتاج الى مجاري ثابتة، وهذا لا يتحقق إلا بالصراع والكدح الشاقين، لان مياه دجلة الجارية بسرعة تجرف معها غريناً خشناً بحيث تنسد الاقنية بسهولة، حتى لو نظفت سنوياً فإنها ترتفع عن السهل نتيجة للترسب، ومن هنا فان خطر انفجارها او انفجار النهرين لا يستبعد أبدا، وفي عام 1831 ارتفع دجلة فجأة وحطم حواجزه وهدم 7000 منزلا في بغداد في ليلة واحدة ".

ولا يلبث ان يأتي آخر فيقول :
" اما حضارة ارض الرافدين فقد نشأت في بيئة مختلفة كل الاختلاف، فإننا نجد فيها ايضًا عنصرا من القسر والعنف لم تعرفه مصر، فدجلة والفرات يختلفان عن النيل، قد يفيضان على غير انتظام فيحطمان سدود الانسان ويغرقان مزارعه، وهناك رياح لاهبة تخنق المرء بغبارها ، وامطار عاتية تحول الصلب من الارض إلى بحر من الطين، وتسلب الإنسان حرية الحركة ، وتعوق كل سفر، فهنا في العراق، لا تضبط الطبيعة نفسها، انها ببطشها تتحكم بمشيئة الانسان، وتدفعه للشعور بتفاهته ازاءها " .
رغم هذا الإقرار بالاختلاف الصارخ وآثاره الحاسمة في الحالة مدار البحث، فقد عجز الباحثون عن ادراك حال البدء كما هو، خارج المجتمعية والتاريخ ، وظل المعتمد من قبلهم هو "حضارة " و ( تجمع + انتاج الغذاء ) المعزوفة الأحادية الارضوية، ونموذجها الأكمل المصري .
والأنكى من كل هذا هو ما يتخذه الباحثون من أنماط تفكرية ومصطلحات إسقاطية من خارجها ، تفرض على النمطية والصنف المجتمعي غير القابل للاستيعاب، دون ان تمت له بصلة، مثل ما يعرف من مفهوم الدول، والمدن، ونوع الكيانية وغيرها .
وهكذا تكون الويرلندية هنا حاضرة ايضاً أركولوجيا، والفبركة لازمة، تحضر باعتبارها وسيلة وسلاحا لمقاربة ما من غير المتاح التعرف عليه ومقاربته، ومع ان توقفات كانت تلاحظ سمات دالة على لا فعالية ولا دينامية الظاهرة المصرية وردت واضحة وصريحة، كمثل ما يستخلص بالقول من قبل " جون - أ - ولسون " حين يقول :
" هل قدمت مصر القديمة عنصرا هامًا للفلسفة والوعي الكوني التي استمرت في العصور اللاحقة ؟ كلا ، انها لم تفعل ذلك في مضامير نستطيع تعيينها، كالعلم البابلي، او اللاهوت العبري ( مصادرهما بالطبع هو التوحيدية الابراهيمية العراقية، وارض ما بين النهرين / الاشارة من الكاتب )، او العقلانية الإغريقيّة، او الصينية ،ومع ذلك فان صاحب الحكم هنا لم يملك كما هو ظاهر، ما يجعله يحيل فكرته تلك الى السبب الفعلي الكامن خلفها، والمانع الحائل دون اتسام هذا المجتمعي بالدينامية المطلوبة، لاسباب لا يد له فيها، وهي بالأحرى وليدة الطبيعة ومن توزعات عمل البيئة وأنواعها ودرجات فعلها .
من الملاحظ هنا ان الباحث الغربي يقر مفصحاً عن العلاقة بين البيئة ومفعولها والمجتمعية ونوعها، في المقارنات التي تعقد بين طرفي البدئية، التي اليها تعود الاختلافات بين المجتمعيتين، لكن هذا لا يمنع مع ذلك ان تكون المجتمعية واحدة لاغير، هي تلك التي اليها ينتسب النوع او الصنف النمطي الغربي، بغض النظر عن اختلاف الديناميات.
ومن الأمور الفاضحة التي يقع الغرب تحت وطأتها ويعمد لتعميمها كحقيقة على العالم، الثباتية والاحادية على صعيد الدورات التاريخية، مقابل حال الدورات والانقطاعات، ولايكاد المرء يتصور كيف ان الغرب قد فاته مثلا، ملاحظة حالات الغياب والانبعاث الرافدينية مقابل احادية الدورة المصرية، هذا مع ان سقوط بابل وغياب "حضارة " مابين النهرين، لم يكن من الاحداث التي يمكن التغاضي عنها، او الوقوف دون رؤيتها بما انها حدث مدو، من اكبر الاحداث في التاريخ البشري القديم، فأي دارس لظاهرة من هذا النوع يفترض أن لا تفوته انتباهة واجبة كهذه، وهو يلاحظ إيقاعية من غير الممكن اشاحة الطرف عنها، مثل تكرارية السقوط المدوي للعاصمة العالمية الكبرى بغداد، فلماذا ياترى كان العراق ينهض كمركز وزعامة وعاصمة عالمية في كل مرة ؟ ثم ينهار ويغيب عن الأنظار، ليعود مجددا ويظهر للوجود بذات الزخم، وأعلى ؟ وكيف يمكن ان يكون الباحث مستوفيا لادنى الشروط اللازمة، إذا لم توقفه ظاهرة بارزة ومؤثرة وتراجيدية سيزيفية كبرى كهذه ؟؟
وهنا يدخلنا الكاتب باباً آخر مهما من دالات القصورية المفعمة بادعاء العقلانية العلموية ، اذ لم يكن جائزاً بالمرة النظر إلى ما يعرف بالبدئية الرافدينية من دون اخذها إجمالا، فالعراق لا يقرأ بصفته ماضياً، او ككيانية / وطنية مكتملة ومنتهية، بل لابد من اخذه وحدة دورات، عكس مصر التي هي بلاد الدورة الواحدة الأهرامو / فرعونية، تنتهي معها وعندها فعالية وعمل ديناميات هذا المكان، بينما ارض ما بين النهرين السومرية البابلية الابراهيمية، هي ايضا تعرف دورة اولى، لكنها لا تكون نهائيّة ولا احادية، بل تتبعها دورة ثانية تبدأ مع القرن السابع ، طابعها عباسي قرمطي انتظاري، تتحول معه التعبيرية اللاارضوية الاخرى من " النبوية الحدسية " الى اعلان إنتهائها، والانفتاح على عالم "العليّة السببية" الموكولة إلى الدورة الثالثة الاخيرة الحالية.
وهكذا نكون ومرة اخرى امام نمط آخر مختلف على مستوى الظاهرة المجتمعية والكيانية، مستمر تشكلا منذ ان تبدا المجتمعية الاولى اللاارضوية إلى اليوم ، فالعراق هو موضع " وطنية كونية الدورات الثلاث " لا يكتمل تشكلا إلا بها ثلاثتها، وهذه قاعدة تسبب الوقوف دونها في تجسيد أحد أهم مناحي قصورية الغرب المجتمعية في معالجة حالة خارجة عن طاقته الاعقالية كليا، بحيث جعلته يقف بدونية أمام نموذج لم يجد ( ويرلند ) فيه سوى ما يعود الى الالتحاق بالسوق الرأسمالية الغربية، وبالتطور الرأسمالي العالمي .
ومن الموضوعات الاخرى المهمة التي تبينّ مدى القصورية في المنظور الغربي الاحادي الارضوي، ظاهرة الدورات والانقطاعات الناجمه عن الازدواج المجتمعي والتي تميز تاريخ العراق، وهي دينامية خاصة بالمكان، ونوع مجتمعيته الاصطراعية الازدواجية، فتنعدم معاملة الدورات بصفتها إيقاعية ملازمة لتجلي الكيانية الازدواجية الرافدينية، لتصير بمثابة محطات، مفصولة بعضها عن بعض، بدلاً من الوحدة النمطية النوعية المحكومة لقوانين ثابتة في الجوهر، فمن قرأوا التاريخ الرافديني في بكورته السومرية البابلية الإبراهيمية، لم يتذكروا الطور العباسي القرمطي الانتظاري، ولم يحاولوا ولو من باب التجريب، تطبيق القوانين الفاعلة في الدورة الاولى على الثانية، والحكم نفسه ينطبق على الاستشراق الذي قرا التاريخ " الإسلامي" بصفته الطاغية تلك، على اعتباره حالة مافوق مكانية ومجتمعية بلا ديناميات، عدا قراءات أبناء العراق والمنطقة للطور العباسي القرمطي لما بين النهرين، والتي تنفي تماماً اعتبار الطور ما بعد التحريري الجزيري، دوره رافدينية تأريخية امبراطورية ثانية، فهولاء جميعا يقدمون العرب والمسلمين، ليجعلوا منهم بناة حضارة وإمبراطورية كونية، من دون ان يلتفتوا لحقيقة ان الحضارة والإمبراطوريات، لا تقوم في كل مكان، وأنها نتاج وحصيلة خاصيات وقوانين بنيوية، وإلا لكانت مكة، او المدينة قد اخذتا مكان بغداد، ناهيك عما يقف وراء ما قد حدث في العراق بعد القرن السابع الميلادي، والتحرير الجزيري، من عودة وانبعاث الاليات التاريخية، إيذاناً ببدء طور حضاري رافديني، مطابق لخاصيات موقع " إمبراطوري مزدوج " لم يكن من دون سابقه بدئية على مستوى الظاهرة المجتمعية والكيانية .
ويعود للفتح الجزيري الذي لم يكن موجودا في الدورة الاولى بالطبع، الفضل في تحرير اليات ارض ما بين النهرين المعطلة المتوقفة بفعل الاحتلال الفارسي، القوة المهدده للجزيرة العربية ،ومصدر خطر خنقها، ما كان نقلها في حينه لحالة من حالات "العيش على حافة الفناء " موفرا داخلها ما ادى لإنتقالها إلى اللاارضوية والازدواج فوق القبلي، بتبني التعبيرية السماوية الإبراهيمية كما هي متشكلة خارج ارضها، فتتحول من مجتمعية احادية احترابيه خاضعة لاقتصاد الغزو، إلى مجتمع عقيدي لاارضوي، فرض على اهله التحول من سكان ومواطني مجتمع اللادولة الاحادي، إلى سكان مجتمع اللادولة الامبراطوري المزدوج لما بين النهرين، الأعرق، فخضعوا لالياته ولم يعودوا جزيريين، مثلما ظل يحدث لغيرهم على مر تاريخ المكان، علماً بان المكان هنا هو التأسيس على مستوى العقيدة التي جاء العرب يحملونها كاخر طبعة وختام، عرف العراق قبلها في القرن الثالث الميلادي، دعوة عراقية، رفعت لواء الختامية، قال بها النبي الرافديني البابلي الميساني "ماني".
تباعاً وعلى صعيد آخر مهم للغاية من صعد ومجالات قصور المنظور الغربي للمجتمعات، واصراره على افتراض الاحادية عليها والسعي لتكريسها ، بينما هي ثلاثية الأصناف والتجلي ، الاول منها يتحقق بثلاث دورات، والثاني الأوربي اعلى الأحاديات الارضوية دينامية، بدورتين، الإغريقيّة الإمبراطورية الرومانية، والثانية الآلية البرجوازية، ومجتمعية دورة واحدة مثالها الأعرق الكلاسيكي مصر، ما قد جعل من النهوضية الاوربية الحديثة ناقصة على مستوى الرؤية والاعقال المجتمعي، والتصير التاريخي الذي شمل الموقف من ظاهرة " التجلي الازدواجي خارج المكان " المشحون بالدلالة القصورية الاحادية، العاجزة عن الخروج من تحت وطأة شكل بذاته من التجلي، مع كل ما يترتب على ظاهرة استثنائية كهذه من معطيات وحقائق اساسية، مع ان ارض ما بين النهرين قد تجلت إمبراطوريا، وبأسبقية لافتة، قبل ان تتعدد الامبراطوريات وصولا إلى بابل، مكرسة قاعدة بنيوية ثابتة، فان احدا من قبل لم يلاحظ هذا الشكل من التجلي غير المتناسب مع حجم المكان حيث انطلق، ولا حاول رؤية الاسباب، او الدوافع التي تجعله بمثابة خاصية وقانون، اضافة لظاهرة العلو الاستثنائي للديناميات، وهو ما يلاحظ صارخا بمقارنة المنجز على المساحة الضيقة التي تحقق ضمنها في سومر، وهو ما يستمر كخاصية دائمة لا تفاعلية مجتمعية، من دونها على مستوى المعمورة، فارتفاع وقوة الديناميات الازدواجية، هو حالة دافعة لعملية التفاعل المجتمعي وتجلياته، بما جعل كمثال كل المنجز الذي عرفته الدورة الثانية / المسماة اسلامية /عراقيا إمبراطوريا بلا استثناء، يكاد يكون حصريا تقريباً إذا ازلنا من المشهد : القران / "والفتح " ، مع الأخذ بعين الإعتبار بان الكتاب الأصل "ابراهيمي " عراقي الأصول .
هذا النوع من التجلي الإمبراطوري، يقابله تجل من نوع آخر لاارضوي، يتخذ من ناحيته هو أيضا مسارا يجعل منه موازيا من حيث اللاكيانية، او لزوم التشكل خارج الكيان كما هو حال الإبراهيمية، بالأخص في طورها الثاني، الا ان الإبراهيمية ليست حالة انبثاق وبروز مكتمل فجائي، ولا يمكن بل ومن غير المنطقي، او حتى من غير الجائز علميا " ومنهجيا، القول بانبثاقها اللحظوي، من دون تمخضات وخلفية تراكمية من تجارب اصطراعية، واشكال تعبير غير مكتملة التبلور، ومحاولات لها محركاتها البنيوية، والاصطراعية الازدواجية مع الإطار الاخر الإمبراطوري الارضوي، وقبله مع البيئة، الأمر الذي من المستحيل تصور امكانية تحققه خارج الكيان، من دونه، بما هو خلفيّة مكتملة بنيته وتركيبا، بصفته " آخر " مستقلا ، ومكتملا بذاته، خارج ارضه، من المستحيل احتواؤه، او جعله يندمج بغيره من الكيانات التي هاجر إليها، وسعى للتجلي وسطها، ناقلا معه نوع اعقاليتة اللاارضوية، المانع تماما لاحتمالية اندماجه بالبنى الارضوية، وبتراث صيرورته المتشكل عبر عشرات القرون في ارضه اصطراعيا.
بمعنى ان اللاارضوية كتشكل وكينونة، هي غير الكينونة الارضوية ، والمنظور البشري اللاارضوي، وعلاقته بالأشياء والوجود اعلى من الاحادية الفلسفية، وطريقة الاعقال الخاصة به، هي شكل آخر، كما الحال في ارض المنطلق، بينهما حاجز اعقالي، بالأخص من زاوية نظر الارضوية الادنى، غير القادرة، ولا المهيأة للإحاطة بما يتعداها ويتجاوز حدود قدرتها الاعقالية، بما انها نتاج وحصيلة كينونة بذاتها، بإزاء كينونة مقابلة اخرى، تتمتع بكامل المقومات الضرورية لتجسدها مجتمعيا خارج اشتراطات الارضوية الكيانية .
هذا الوضع يتفرع منه ملمح قصور آخر، يخص علم تجلّي التعبيرية اللاارضوية في ارضها قبل خروجها منها ، وهو امر مهمل، ويطمس كليا لصالح ما يعرف بالبحث الحضاروي الاحادي وأركولوجيته الاحادية الارضوية، القاصرة امام ترابط وتداخل أوجه ظاهرة كيانية بأخرى مختلفة كليا .

- هل من نوع " دولة " اخرى ؟ :
وليس ما تقدم هو كل، او آخر دلالات قصورية الغرب ومنظوره كما يتكشف بالاختبار على حالة بعينها، بالرغم من منجز الغرب الهائل على مستويات مختلفة، وتحديدا في مجال الاكتشافات العلمية التطبيقية في الفيزياء والكيمياء وعلوم الطبيعة، مع عشرات المنجزات الاخرى التي لا شك أنها قلبت رؤية الكائن البشري لذاته ولوجوده، وما يحيط به، إلا انه عجز ظاهراً عن أن يرى بان المجتمعات ليست كلها مجتمعات "دولة "، لابل ان ثمة مجتمعات "لادولة " ايضا، قد تكون اكثر ضرورة وفاعلية وديمومة، لا بل واتفاقا مع جوهر العملية التصيرية التاريخية، وهو ما صار مقراً ومتناولا في أوقات متاخرة ( معلوم ان مفهوم " اللادولة " لم يعرف في الغرب ومجالات ما يعرف ب "علم الاجتماع " قبل منتصف القرن الماضي، على يد الفرنسي كلود ليفي شتراوس في / الفكر البري / وبيار كلاستر في كتابه " مجتمع اللادولة " ) ، وان هذا الأخير هو شكل نمطية مقابلة ومناظرة للأولى المتجلية بكيانية "الدولة " التمايزي، والاهم من ذلك،كون المجتمعات هي ايضا يمكن أن تكون ازدواجية من " دولة " و "لادولة "، فالمجتمعيتان حين تصيران "كيانية " موحدة ، مصطرعة ذاتياً، موحدة انما ليست واحدة، لايعود جزءاها نفسهما الاحاديين كما يوجدان منفردين، اي لا كما في الحالة المصرية، ولا مقابلها، في حالة المايا والإنكا والازتيك، ولا تعود الديناميات المتأتية عن ازدواجهما، هي نفسها، خصوصاً وانها تصير لاكيانية، وكونية التجلي والتعبير، ومأخوذة إلى "فك الازدواج" مع انتهاء امد ومفعول الاحادية والمجتمعية المنتظر على مستوى المعمورة .
ولمعرفة معنى ودلالة التجلي اللاكياني الازدواجي الابتدائي المرهون لآلية الدورات والانقطاعات التاريخية، لابد من التوقف امام دلالة الازدواج، وبالذات أصله، وعنصره التأسيسي / الطبيعة التي وجدت على هذه الشاكلة اللاارضوية، فيها تفاعلات الكائن البشري مع الطبيعة، ومع الاخر، متجهة حتماً وبالكينونة إلى أعلى، كردة فعل، وبحثاً عن حياة موازية ، مطابقة للحالة الطاردة ارضويا، بيئياً، وبالعلاقة بالمحيط البشري الهابط سيلا بلا توقف ولا انقطاع، من الشرق والشمال والغرب، مقابل، كمثال التوافقية البيئية الانتاجية النيلية، مع الحمائية الكيانية الصحراوية لوادي النيل، المانعة لغزو السلالات ابتداء هناك .
كل هذه الاختلافات في الشروط تستحث التفكير في أن حالة مابين النهرين قد تكون هي الأصل الضائع من بين هاتين المجتمعيتين، وربما الباقي مقابل نوع مجتمعية ايل للزوال .
وفي هذا السياق يعثر الكاتب على الفشل الاساسي الذي استمر يلازم علاقة الرؤية الغربية الحديثة بأرض الرافدين، مدللا على توقفه دون الحقيقة الكونية وقوانين الوجود الفعلية المضمرة ومترتباتها السائرة نحوها، ما يبيح القول بأن تجربة الغرب الحديثة و " المفهوم المتصل بالمجتمعين والتاريخية " منها، وجدت بحالة عجز تأسيسي، وفشلت كليا في اختراق النطاق الانسايواني .



#فاطمة_محمد_تقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتاب العراق / ( اصطراع الديناميات والإمبراطورية النفطية المس ...
- كتاب العراق / ( اصطراعية الديناميت والإمبراطورية النفطية الم ...
- كتاب العراق / ( اصطراع الديناميات والامبراطورية النفطية المس ...
- كتاب العراق / ( فبركة عراق : اثنان في ثالث مختلق ) الجزء الث ...
- كتاب العراق / ( فبركة عراق : اثنان في ثالث مختلق )
- كتاب العراق / ( تجليات الدورة الازدواجية الاخيرة في ارضها )
- كتاب العراق / ( الانتظارية - المهدوية - وما بعد النبوة )
- كتاب العراق / أنشودة ما بعد الانهيار / التوهمية الحداثية الغ ...
- كتاب العراق / نهاية الطور الانسايواني من التاريخ البشري
- كتاب العراق / وعي الذات المضمرة او الفناء
- قراءة تعريفية وعرض ل - كتاب العراق - الكتاب اللاارضوي المنتظ ...
- سياسة الطاقة القومية الامريكية لعام 2001 والحرب على العراق و ...
- نظام المحاصصة والمصالحة نقيظان لا يجتمعان!
- صناعة القتل والمصائب في العراق
- امريكا هي الطاعون والطاعون امريكا
- الصبي يوسف يتحدى الخوف


المزيد.....




- جدل في مصر بعد اعتماد قانون يمنح القطاع الخاص حق إدارة المست ...
- غزة.. الحياة تستمر رغم الألم
- قبل المناظرة بساعات.. ما ينبغي أن يتجنبه كل من بايدن وترامب ...
- المجر تُعيق إصدار بيان مشترك لدول الاتحاد يندد بحظر روسيا لو ...
- خبير ألماني: أربعة أو خمسة أطفال يموتون من الجوع يوميا في ال ...
- البيت الأبيض: لا نعتزم إجبار كييف على تقديم تنازلات إقليمية ...
- نيبينزيا: كييف دمرت أكثر من 1000 مؤسسة صحية وتعليمية وقتلت م ...
- نتنياهو يرد على انتقاد غالانت والبيت الأبيض يعلّق
- الحوثيون والمقاومة العراقية تستهدفان سفينة إسرائيلية في مينا ...
- وزيرا الخارجية المصري والتركي يبحثان هاتفيا العلاقات الثنائي ...


المزيد.....

- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاطمة محمد تقي - كتاب العراق / ( أركولوجيا الانسايوان ) إمبراطوريتان : النبي إبراهيم مقابل سرجون الاكدي