|
ديستوبيا
ابراهيم زورو
الحوار المتمدن-العدد: 7993 - 2024 / 5 / 30 - 02:56
المحور:
الادب والفن
سوريا، أرض جميله، سماء صافية، قلب كريستال، جمهور من الفلاسفة تضم وجودك، هواء عليل يشارك الجسم في التخلص من ثاني اوكسيد الكربون، شعب يسعى أن يكوّن نفسه في أحلك الظروف، باختصار شديد! كان ابويّ سوريين! باختصار أكثر، مكان يوتوبيا. أما اليوم، فتغيرت المعادلة. أصبحت سوريه تفرش نفسها لأي عابر سرير، لا لشيء بل تريد أن تجرب اللمعان، الوقت في معصم وجودها في بلاد التي تهان فيها الشمس بكلمات ليست من جنسها، تفتح الفأل لعابر السبيل، كما لو أنها تشغل اعواد الثقاب كي تحرق نفسها بمواقف لا تنتمي إليها، ورغم ذلك تمضي في خططها، المكان موبؤء حيث استبدل الوقت بكارثة تجوب شوارع نفسها فترديه خربة خالية. الخوف، الاهانه، الفقر، القتل، السجن، القلق، العصاب، والذهان، تلك موجودات مكاننا، هنا كان بودي أن اختصره ولكن لا يمكن ذلك أبدا، سأفتح في نفسك سيرة سورية خانت نفسها وأصلها، واصابع يديها تفر منها. كيف تنقلب ضدك في أقل وقت وبدون سبب! أن تبدل مكان خروجك! الذي لا يمكن تحت أي ظرف أن يستبدل؟ فأنت أنسللت منه مرة وانقطعت حوافها واندلق الفقر منها، والزمن كجرذ يقضم منه رويداً رويداً، لا يمكن أن يستعمل المكان ذاته بنفس المواصفات والشروط والأنكى من ذلك الحالة النفسيه المرافقه للمكان ذاته، أوليس للمكان حالته النفسيه وتاريخ وجوده من كل بد!. بحيث يشك في البديهيات التي باتت خرده باليه، على سبيل المثال، تحكي بسوء من ملاحم اجدادك القدامى، الذين شيدوا لك بلد وتركوه لك على ورق قبل أن تبلغنا اعوام الستينات وما تلاها، كيف سنرفوا الوقت ببعضه! بقول آخر، هل بامكاننا أن نقفز فوق جيل كامل، اي نحذف من الوقت ونعد خمسين الى السبعين. ونترك الستين في غابة النسيان! نتجاوز ديستوبيا لنكون جيل اخر ينتمي الى يوتوبيا. ليس بأمكاننا أن نختصر الوقت في معصم وجودنا، فالوقت لا يسجن ولا يحذف ولا يقبل أي شيء من شأنه ان تبرقع الوقت، الوقت له روائح مختلفة، هكذا كان شأن سوريا، التي كانت اماً للجميع، أعطت للعالم ما يعطيه الرب لعباده، ومن الذي ادعى على سوريا لتكون ابنائها تافهين يبيعون سوريتهم بالمفرق والجملة، باسعار زهيده، لست أعلم تماماً إن كان بأستطاعتنا ان نطلق على أن ديستوبيا الابناء رخيصة النفس، خياليون في العلوم التجريبية، يكذبون حتى في عواطفهم، عراة النفس من الفكر والفلسفة، نهمين في الأكل، منتفخي البطون يطلقون للهواء صفارتهم من كل الامكنة!، ديستوبيا قائم على أن الفرق الحضاري، الاشباح والخوف والهلع من صلب الوجود البشري لا يمكن أن يعالج على ضوء العلم والثقافة والمعرفة، فهو يخرب كل الاشياء دفعة واحدة يرميه خردة بالية على قارعة الطريق أمام بشر لم يعد لهم قوة أن يحنوا على جرس الحنين في ذاكرتهم، بقول مختصر ناشف وجاف تماماً. ديستوبيا هو تخريب الذاكرة من كل الطاقة وتقسم الذاكرة إلى جزر نفسية لا يمكن تغذيتها بأي انواع من شأنه أن يرطب الوقت كي يلف يوتوبيا على جسد ديستوبيا. أبناء سوريا لا نخصص منهم أحداً الكل رضوا على أن اعداء الأمس اصدقاء اليوم، الكورد ركضوا إلى تركيا، والعرب هربوا إلى اسرائيل، لاسباب شخصية دون مصلحة الوطن! الكل تركوا ما لهم وما عليهم حيث تبرؤوا من بعضهم البعض، والكل يعيش حسب مزاجه الخاص، الكل يقول سوريا بلد خراب، سوريا بلد التافهين، تتصرف أنت عكس ما هو مطلوب منك، ديستوبيا هو أن تقطع من نفسك لصالح الحنين الذي لا معنى له برأيك، فالغجر لا وطن لهم، أو العمال حسب تعبير ماركس، من يرمي مكان ولادته! أو يردمه بحجر الآخرين، من يخصي والده عبره، من سوف يصنع من الشمس طاقية لأمرأة غادرت مملكة وهمك، أنت تنوس تحت سياط الأخرين. أنت العفن ذاته!. ديستوبيا، ليس المقصود منه بالمدينة الفاسدة، بل هو جيل فاسد، الأرض والشوارع والبناء والتراب لا تطيلها العفونة، العفونة هي من صنع البشر، عفونة تصل إلى داخل الناس، وهو قريب عن تجأش أية حضارة سليمة، واعتقد قلما توجد حضارة لن تمر بمرحلة العفونة، ديستوبيا هي قطن الذي يحشو به منافذ الميت حتى لا تفسد العفونة حضارة ما، فكيف إذا قمنا بحشو منافذ الوطن، كي لا يفسد داخله خارجه، كيف بنا أن نسد منافذ الوطن، هو أننا نروي للناس عن الداخل والخارج، عن الايجابيات والسلبيات. ديستوبيا هو اشنيات التي اعترض حركة ما، لتبدو بضاعتك مهربة تماماً بشكل من الاشكال فلكل البلدان أجراءاتها والحدود التي تسلب ما لك وما عليك، عليك فقط أن توزع ديستوبيا على الآخرين من أمثالك، اعتقد جازما أن الوقت ربما قد شارف على النهاية. لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يخيم على بلد ما ديستوبيا كاملاً، ففي بعض المناطق قد يكون أقل وبعضها أكثر أي هناك تفاوت في توزيعها، أما في بلدنا فالفضاء بات ديستوبياً، نلتحف به. هذا الشعب يعرف كل شيء، الفلسفة، العلم، الطب، الفيزياء، الكيمياء، الرياضيات، وفي العلوم النظرية والتجريبية، إلا أنه لا يعرف نفسه وهنا يكمن أساس جميع ما ذكر. بدوت على يقين كامل بأن المصطلحات باتت عاجزة عن تلبية ما نوصفه بها انفسنا أو شعبنا، ولا تستطيع أن تصل ما يعتمل داخلنا من خوف وخوف مضاد، وليس بمستطاعنا أن نقدم للبشرية باشياء جديده، لو كنا قادرين على ذلك لم نكن نسكن تحت خيمة ديستوبيا في عز ربيع وجودنا. ديستوبيا هو ذاك القبر غير المردوم أبداً.
#ابراهيم_زورو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأخطر، عضة الإنسان!
-
مديوكر السوري
-
-ليس الأي معي-
-
حذف الثايات!
-
الفرقة 17 للروائي زارا صالح
-
جسر النحاس مشطه
-
ماذا لو!
-
ستندمون لو رحل!
-
برزان حسين!
-
عن سعود الملا!
-
سيدي الإعرابي/يحيى القطريب
-
صراع وجودي هو الاعنف!
-
أنا العميل
-
قضبان خلف الاوتار/ اسعد شلاش روائيا
-
طبعاً ديكو آغا لا يشبهك!
-
العبث عنواننا
-
الاقرع الذي يتمسك بقضيب القيادة
-
كلابنا المهجّنة
-
توصيف العالم في ظل حرب اوكرانية
-
تصببتُ عرباً إلى روح صديقي لؤي حسين
المزيد.....
-
مسقط.. برنامج المواسم الثقافية الروسية
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
موسكو ومسقط توقعان بيان إطلاق مهرجان -المواسم الروسية- في سل
...
-
-أجمل كلمة في القاموس-.. -تعريفة- ترامب وتجارة الكلمات بين ل
...
-
-يا فؤادي لا تسل أين الهوى-...50 عاما على رحيل كوكب الشرق أم
...
-
تلاشي الحبر وانكسار القلم.. اندثار الكتابة اليدوية يهدد قدرا
...
-
مسلسل طائر الرفراف الحلقة92 مترجمة للعربية تردد قناة star tv
...
-
الفنانة دنيا بطمة تنهي محكوميتها في قضية -حمزة مون بيبي- وتغ
...
-
دي?يد لينتش المخرج السينمائي الأميركي.. وداعاً!
-
مالية الإقليم تقول إنها تقترب من حل المشاكل الفنية مع المالي
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|