أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد رباص - استبد بي الفرح وكأني في حلم جميل















المزيد.....

استبد بي الفرح وكأني في حلم جميل


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 7992 - 2024 / 5 / 29 - 11:55
المحور: الادب والفن
    


من حين لآخر، تعمدت تمرير ومضات نقدية أعبر من خلالها عن وجهة نظر القارئ الافتراضي. ومادمت بصدد كتابة مذكرات عن فترة افتتحت بها مشوار حياتي العملية ومادامت المذكرات ـ كما في علمكم ـ جنسا أدبيا قائم الذات، فلابأس من فتح أقواس يفسح فبها المجال لشذرات من الميتالغة عساها تكون لنا نبراسا هاديا ومعراجا ساميا. قياسا على هذا القبيل، أشير هنا إلى أمر أساسي وهو أني واع تمام الوعي بأني أطمح في مذكراتي هاته إلى أن أكون أكثر من كاتب..ومع ذلك، فليس لي من وسيلة أخرى لتحقيق طموحي ذاك غير اللغة؛ الأمر الذي لن أكون معه إلا كاتبا. لكن يبقى ذلك الطموح ممكنا إذا علمنا أن للغة وظيفتان: توصيلية وتصويرية. يفرق عبد القادر أبو شريفة في كنابه “الكتابة الوظيفية” الصادر سنة 1994 عن دار حنين بالعاصمة الأردنية بين الكتابة الوظيقية والكتابة الإبداعية الفنية. فعنده متى اشتملت الكتابة على جمال في أداء الفكرة وحسن صياغة الأسلوب كانت الكتابة فنية إيداعية، أما إذا أدت هذه الكتابة الفكرة بلغة سليمة مفهومة واضحة غير رمزية، دون اعتمادها على أسلوب بياني جميل فقد عدت عنده كتابة وظيفية.
ويقول باحث آخر من الأردن في كتابه “الكتابة الصحافية” الذي نشرته دار الكندي بإربد سنة 2002: “اللغة في الأدب تشكيلية جمالية في المقام الأول، أي أن غايتها التصوير إلى جانب وظيفتها التوصيلية حيث إن للغة وظيفة في الحياة العامة وهي الكلام، أي أن في اللغة جانبا نفعيا أو صناعيا من جهة، وهناك من جهة أخرى جانب جمالي.”
ربما كانت تلك الاستطرادات خارج النص، مخيبة لآمال القارئ الذي يريد ذكريات حية لا ملاحظات نقدية سابقة لأوانها..وحتى أطمأنه أبادر إلى أنها (الاستطرادات) تعكس رغبتي في إمتاعه عن طريق التوفيق بين حدين متداخلين وغير متنافرين (التقرير والتصوير)، نظرا لطبيعة المادة الحكائية التي أشتغل عليها والتي لا تستدعي التصوير الموغل في الخيال بحكم التصاقها بالواقع الذي صار أثرا بعد عين..
والآن، تعالوا معي جميعا إلى شذرات أو شظايا أخرى من ذاكرتي الحرون، الخجلى من ذاتها خصوصا بعد ما وصلت مكانة المدرس العمومي في أيامنا هاته إلى الحضيض عن سالف قصد وسابق ترصد. وفي انتظار زوال الغمة وتحسن الحال والمآل، أدعوك، ياذاكرتي، إلى أن تكوني وفية لزمنك الخاص الذي هو الماضي، أما الحاضر يخيباته وانكساراته فلا شأن لك به. وما دام مزاجك معكرا إلى هذه الدرجة فلي عندك طلب يسير وهو أن تطاوعيني، ولو على استحياء، لملء ثغرتين توقف عندهما السرد في سالف الحكي..
في اللحظة الأولى، لم أتحدث عن ما جرى لي بعد نجاحي في عبور النهر الحامل وأنا أحمل على كتفي قفة وقنينة غاز..في اللحظة الثانية، سكت عما وقع في الليلة التي استضفت فيها المعلمة التدلاوية ذات الحسن والجمال.
لنبدأ باللحظة الثانية..كان اليوم الذي تواعدت معها على زيارتي في أكدز يوم جمعة كما مر بنا ذات حكي..في صباح هذا اليوم، التحقت بمدرسة آيت حمو أوسعيد لآداء الواجب المهني وعندما حل الزوال قفلت راجعا إلى القرية حيث تناولت وجبة غذائي على عجل وكلني شوق لملاقاة زميلتي التي قبلت دعوتي لقضاء ليلة معي في البيت الذي كنت أكتريه..لهذا الغرض، خرجت للشارع قاصدا مقهى صغيرة في ملكية أحد أبناء البلدة السود تشرف من عل على مقهى أكبر ومحطة لتوزيع البنزين.
هنا اعتاد بعض السواق الذين اتخذوا من النقل السري مهنة لهم التوقف والتخلص من ركابهم..لهذا، اخترت من واجهة المقهى مكانا مناسبا أراقب انطلاقا منه كل سيارة آتية من الجنوب وأبحث مستطلعا بناطري عمن بداحلها وكأني جاسوس يحاول رصد العدو ولو كان مندسا بين حشد من الناس..
وبينما أنا على هذا الحال إذا بسيارة بيضاء من نوع بوجو تتوقف يمحاذاة المحطة..ترجل منها السائق وتبعه الركاب..استخلص منهم أجرته دراهم محسوبة سلفا..بعد ذلك، بانت لي صديقتي في حلة بهية صاعفت من جمالها وهي تتجه نحوي..عندها، استويت قائما لملاقاتها وأنا أثمن عاليا وفاءها للقاء الذي تعاهدنا عليه..قبل أن أصافحها وأشكرها على المجيء، قال لي أحد الركاب وهو حارس الإعدادية المتحدر من بلدة أفرى: ها احنا جبناها حتى لعندك!! إثر ذلك، صدرت عني ابتسامة ماكرة وتعجبت من استعداد رجل لممارسة القوادة دون أن يطلب منه ذلك ودون مقابل..
عندما التقيت بضيفتي، استقبلتها بترحاب ولم أخبرها بما قاله لي حارس الإعدادية الذي كانت تجهل عنه كل شيء.
مشينا وسط القرية ونحن نتبادل أطراف حديث دافئ يستمد حرارته من تقارب جسدين منسجمين مقبلين على الالتحام في ليلة نادرا ما يجود الزمان بمثيلاتها.. سكان القرية أغلبهم محافطون وكلهم فضوليون..ريال ديال الجاوي من شأنه أن يبخر القرية بأكملها..لكي أتفادى نظرات “البركاكة” وتعليقاتهم المتطفلة، اقترحت على مرافقتي السير وسط المنازل في اتجاه الدار التي أسكن في أحد بيوتها..ومع ذلك، أيقنت أن هذا اللقاء لن يمر دون أن يعلم به Les faux guides، خصوصا وأن المعلمة تبدو جميلة مثل فتاة غجرية..
عند وصولنا إلى المنزل، فتحت الباب ودعوت المعلمة للدخول وقد استبد بي الفرح وكأني في حلم جميل..صعدنا سويا عبر السلم الحجري إلى الطابق الأول حيث توجد غرفتي.. بسرعة، قتحت بابها مشيرا على زميلتي بالدخول.. ما أن رأت محتويات الغرفة حتى بادرتني بالسؤال: شحال من عام وأنت خدام؟ فطنت لحظتها إلى أن السؤال إياه كان نابعا من تقييم إجمالي وفوري لقطع الأثاث التي كانت متوافرة في غرفتي. كانت أرضية القاعة مغطاة عن آخرها بزربيتين ملكيتين مصدرهما تازناخت البعيدة شيئا ما عن قرية أكدز والمتميزة عنها بوكالة بنكية. في الزاوية المقابلة للباب، كان ثمة مرتبتان اسفنجيتان من النوع المتماسك..أمامهما وضعت منضدة عليها جهاز تلفاز كبير الحجم من نوع طومسون، إلى جانب راديو كاسيت من نوع فيليبس.. في الركن القصي من الغرفة، استقرت مجموعة من الكتب في رفوف مكتبة صغيرة من القصب..
رجوعا إلى اللحظة الأولى المؤجلة، استجمعت قواي كلها عندما صرت قريبا من الضفة الأخرى للنهر وأنا أرزح تحت حمل ثقيل..يصعوبة بالغة، تمكنت من بلوغ جانب المجرى المائي الجارف.. بمساعدة بعض الحاضرين من أهالي الدوار، تخلصت من حمولتي التي لولاها لكنت بطلا ولعبرت النهر سباحة حتى ولو ابتلت ثيابي..لما صعدت إلى اليابسة، دعاني دليلي أثناء العبور إلى أحد البيوت حيث أشعلوا نارا لتدفئتي وقدموا لي الشاي ودعوني لأشاركهم الأكل من إناء فيه بصل مسلوق في ماء مع قليل من الزيت..وفي انتظار أن تنشف ملابسي، تجاوبت بعفوية مع تعليقاتهم على هامش مغامرة عبور النهر المحفوفة بالمخاطر..في الأخير، قبل أحدهم نقلي وأمتعتي على ظهر أتان في اتجاه دوار آيت حمو أوسعيد..خلال المدة التي استغرقها قطع المسافة، تحدثنا عن أشياء كثيرة ما حفلت بها الذاكرة ربما لأنها كانت مبتذلة..لما أنهينا مشوارنا، شكرت الرجل ومنحته ورقة نقدية من فئة خمسين درهما قبل أن أودعه..



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إمانويل ليفيناس وإدموند هوسرل: تجاوز الفكرانية الفلسفية (الج ...
- الدار البيصاء: تفاصيل ومعلومات عن انهيار عمارة حي بوركون
- لقاء لتكريم روح إدمون عمران المالح، نصير التنوع
- الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان يوجه رسالة إلى الجهات ا ...
- إمانويل ليفيناس وإدموند هوسرل: تجاوز الفكرانية الفلسفية (الج ...
- الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تنظم ندوة صحافية حول تطورات و ...
- إمانويل ليفيناس وإدموند هوسرل: تجاوز الفكرانية الفلسفية (الج ...
- جون ستيوارت ميل: رائد المساواة بين الرجل والمرأة
- جون ستيوارت ميل: رائد المساواة بين الرجل والمرأة (2/2)
- جون ستيوارت ميل: رائد المساواة بين المرأة والرجل (2/1)
- جاك دريدا وعبد الكبير الخطيبي ارتبطا بعلاقة صداقة من نوع خاص
- يوم دراسي حول راهنية فكر ليون برنشفيك الفلسفي (2/2)
- يوم دراسي حول راهنية فكر ليون برنشفيك الفلسفي
- غزة: كيف السبيل إلى خروج إسرائيل منها؟
- النقابة الوطنية للإعلام والصحافة/ كدش تدعو كافة الصحافيين لل ...
- الحرب على غزة: كيف السبيل إلى الخروج منها؟
- سوق السبت: كلمة عادل البوعمري في إحياء الجمعية الوطنية للمعط ...
- يوم دراسي حول راهنية فكر ليون برنشفيك الفلسفي (2/1)
- المرصد المغربي لمناهضة التطبيع يوضح كيف انفجر الوسام في وجه ...
- مترجم/ جان كافاييس في إرث ليون برنشفيك: فلسفة الرياضيات ومشك ...


المزيد.....




- مصر.. فنانة شهيرة تتقدم بشكوى ضد -مصبغة غسيل-
- تردد قناة الزعيم سينما 2024 نايل سات مشاهدة احدث افلام عيد ا ...
- جبل الزيتون.. يوميات ضابط تركي في المشرق العربي
- شوف ابنك هيدخل كلية إيه.. رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2024 ب ...
- LINK نتيجة الدبلومات الفنية 2024 الدور الأول بالاسم ورقم الج ...
- رسمي Link نتيجة الدبلومات الفنية 2024 برقم الجلوس والاسم عب ...
- مشاهدة مسلسل تل الرياح الحلقة 127 مترجمة فيديو لاروزا بجودة ...
- بتقنية الخداع البصري.. مصورة كينية تحتفي بالجمال والثقافة في ...
- ضحك من القلب على مغامرات الفأر والقط..تردد قناة توم وجيري ال ...
- حكاية الشتاء.. خريف عمر الروائي بول أوستر


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد رباص - استبد بي الفرح وكأني في حلم جميل