أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسني التهامي - نص بلا معنى - رولان بارت














المزيد.....

نص بلا معنى - رولان بارت


حسني التهامي

الحوار المتمدن-العدد: 7991 - 2024 / 5 / 28 - 11:28
المحور: الادب والفن
    


ج (2) نص بلا المعنى
الهايكو وامبراطورية العلامات"”
"رولان بارت" ترجمة : حسني التهامي
ترفض الزن أية مناورة لاستباق المعنى. نحن نعلم أن البوذية تمثل حائط صد لأي تأكيد (أو نفي) وذلك من خلال الدعوة إلى عدم الانشغال بالافتراضات الأربعة التالية: هذا (أ) - هذا ليس (أ) - هذا كلٌ من (أ) وليس (أ) - هذا ليس كلا من (أ) ولا غير(أ). الآن تتوافق تلك الاحتمالات الأربعة مع النموذج المثالي كما يؤطره علم اللغة البنيوي (أ ليس أ – ليس أ ولا ليس أ (الدرجة صفر) أ وليس أ (الدرجة المركبة)؛ بعبارة أخرى، إن الطريقة البوذية على وجه التحديد هي طريقة "المعنى المنغلق": غموض الدلالة ذاتها، واستحالة النموذج. عندما أوصى البطريرك السادس تلاميذه بالإجابة على بعض الأسئلة المتعلقة بالوجود، كانت غاية وصيته خلخلة النموذج بشكل كامل، فبمجرد أن يُطرح مصطلحٌ ما، لابد أن يجنح ذهنك إلى نقيضه. (" عندما تُسأل عن العدم، ليكن جوابك بالوجود)، وإذا سُئلت عن الرجل العادي، ليكن حديثك عن السيد إلخ..")، وذلك كنوع من التهكم على النموذج اللغوي وجعل المعنى التلقائي جليا واضحا. إن المراد (بالتقنية الذهنية التي تظهر دقتها والحاجة إلى صقلها والمثابرة في تعلمها مدى تعثر الفكر الشرقي في استباق المعنى)، هو تأسيس العلامة، أي التصنيف المرتبط بالطبقات المائزة للغة. يهدف الهايكو على أقل تقدير إلى استخدام لغة بسيطة لا تتكئ (وهذا محرم في لغتنا) على طبقات المعني المتراكبة، أو ما نطلق عليه "تصفيح" الرموز. حين يقال لنا إن صوت الضفدع هو الذي بصَّر باشو بحقيقة الزن، يمكننا إدراك (أعتقد أن هذه الطريقة في الحديث لا تزال غربية خالصة) أن باشو لم يكتشف وسط هذا الضجيج فكرة "الاستنارة"؛ فرط الحساسية الرمزية، لكنه توصَّل إلى نهاية اللغة: هناك لحظة تتعطل فيها اللغة (تلك اللحظة هي نتاج عديد من التدريبات)، إنها حالة خرق تتكشف من خلالها حقيقة الزن ويتشكل السمت الموجز والفارغ للهايكو.
إن إنكار "النماء اللغوي" أساسي هنا، لأنه ليس مسألة إيقاف للغة في لحظة ممتدة من الصمت والتأمل الصوفي العميق، أو لحظة الفراغ الذي يسكن الروح ويؤدي إلى التواصل الإلهي (الزن ليس لها إله). ما نحن بصدده من استخدام الرمز لا بد أن يتوقف: لأنه غامض، وكل ما يمكن للمرء القيام به هو تمحيص الخطاب؛ وهذا ما كان يُنصح به متدرب الكوان (أو يقترح عليه سيده حكاية طريفة): ليس لسبر أغوارها كما لو كان لها معنى، أو حتى لفهم مغزى عبثيتها (التي لا تزال تحمل معنى). فكل ماهو زن ينظر إلى الهايكو على أنه مجرد فرع أدبي من فروعه، و(تطبيق عملي هائل من شأنه تعطيل اللغة، وإرباك هذا النوع من الإشعاع الداخلي الذي يتولد داخلنا، حتى أثناء نومنا (ربما كان هذا هو السبب وراء حرمان المتدربين أحيانًا من النوم)، كي نتخلص من ثرثرة الروح اللانهائية، ومما يطلق عليه الزن بـ "الساتوري" التي قام الغرب بترجمتها إلى كلمات مسيحية غامضة كـ الاستنارة ... الإيحاءة ... الحدس)، والتي هي بمثابة تعطيل مفزع للغة وفراغ يمحو سلطة الرمز، وخرق لذلك السرد الداخلي الذي يشكل ذاتنا؛ وإذا كانت تلك الحالة للغة تحررًا، فذلك لأنها، بالنسبة للتجربة البوذية، توالد للأفكار الثانوية (فكر الفكر)، أو ما يمكن تسميته بالمكمل اللانهائي لدائرة الدلالة التي تعتبر لغتها ذاتها المستودع والنموذج – وتبدو كأنها عائق: بيد أنها تضحض الفكر الثانوي الذي يبطل اللامحدودية الفجة للغة. في كل هذه التجارب، يبدو أن الأمر لا يتعلق بسحق اللغة تحت طيات الصمت الغامض تجاه ما لا يوصف، لكنه يرتبط بقياسها وبالتخلص من فكرة الشغف باللفظ التي تمحق هوس اللعب بالبدائل الرمزية. باختصار، ما نحن بصدده من إعلاء قيمة الرمز هو عملية دلالية ستظل محل انتقاد.
إن وضع اللغة في نطاق ضيق، في الهايكو، لهو مصدر قلق لا يمكننا تصوره، لأن الأمر ليس متعلقا بمسألة الاختزال (أي تقصير الدال دون الحد من تكثيف المدلول)، لكن بصرف اهتمامنا عن أصل المعنى، كي لا يذوب هذا المعنى، أو يتلاشى، أو يصبح غامضا أو ضمنيًا أو ينفصل أو ينقسم إلى مجموعة من الاستعارات اللانهائية أو إلى مجالات الرمز. ليس اختزال الهايكو مسألة شكلية؛ فهو أبعد ما يكون عن فكرة مكتنزة تم إيجازها، لكنه حدث مختصر قادر على بلورة شكله المناسب بصورة فورية. إن العقلية الغربية غير مؤهلة، إلى حد بعيد، لاستيعاب مسألة القياس اللغوي: ليس المقصود هنا هو مدى طول أو قصر الخطاب، ولكن تأثير هذا الخطاب الذي يؤدي إلى عدم التجانس بين الدال والمدلول، إما عبر "تخفيف" الثاني بفعل هدير الأمواج المتلاحقة للأول، أو عبر "تعميق" الشكل باتجاه المناطق الضمنية للمحتوى. من الواضح أن دقة الهايكو - التي لا تُعد تصويرًا أمينا للواقع على الإطلاق، ولكنها تجانس الدال بالمدلول، والتخلص من الهوامش والأشياء الغامضة والفجوات التي عادة ما تتجاوز أو تثقب العلاقة الدلالية للألفاظ - تحتوي بداخلها على شئ موسيقي (موسيقى المعاني وليس بالضرورة موسيقى الأصوات): فالهايكو يتسم بالصفاء، حيث يسكنه فراغ يشبه فراغ نوتة موسيقية؛ ولعل هذا هو سبب قراءته مرتين من أجل إحداث صدى. إن قراءة هذه اللغة المذهلة لمرة واحدة سيكون بمثابة إضفاء معنى للدهشة والتأثير والكمال المفاجئ؛ وعند قراءتها مرات عديدة سيُكتشف المعنى الداخلي ويُحاكي العمق؛ وبين هذين الشيئين، لا يتحقق العمق ولا التفرد، لكنْ يكشف الصدى بطلان المعنى.
************************
هذه ترجمة الجزء الثاني من أربعة مقالات عن الهايكو من كتاب امبراطورية العلامات للمفكر والناقد الفرنسي رولان بارت.
ملحوظة: نشر المقال في مجلة البيان الكويتية العدد 643 فبراير 2024



#حسني_التهامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهايكو وامبراطورية العلامات
- الهايكو ... موسيقى الصورة وشغف الحواس
- هايكو فلسطين
- شعرية الهايكو في ديوان -وثالثهما الريح-
- تاريخ الهايكو
- هايكو كلاسيكي
- الطريق الضيق إلى عمق الشماء ج3
- الطريق الضيق إلى عمق الشمال (ج2) .. ترجمة : حسني التهامي
- أضمومة هايكو
- الطريق الضيق إلى عمق الشمال - ماتسو باشو
- شعرية الصورة بين ثقافتين/ فجر الهايكو يبزغ على الغرب
- اللغة المجازية في الهايكو
- بنية الهايكو (التوريوازةToriawaise )
- خيوط قوس قزح تفقد ألوانها
- أشكال الحداثة في الهايكو العربي (سامح درويش إنموذجا)
- بيان الهايكو
- مقتطفان من بيان الهايكو
- هايكو رمضاني ( أرجو التعديل ) ونشر النصوص الحالية
- هايكو رمضاني
- الآنية والموسمية في الهايكو


المزيد.....




- مصر.. أول رد من نقابة الممثلين بعد فبركة صورة رانيا يوسف بال ...
- أحداث مسلسل قيامة عثمان الحلقة 165 مترجمة للعربية وأهم القنو ...
- رسمي وشغال 100%.. رابط دخول ايجي بست 2024 اتفرج على فيلم ولا ...
- لبنان يستعد للمهرجانات الفنية على وقع التهديدات الأمنية
- لهذه الأسباب احتل -أهل الكهف- المرتبة الأخيرة بإيرادات أفلام ...
- الحروب الثقافية وحرب غزة.. كيف صاغ السابع من أكتوبر مفهوم ال ...
- فيلم روسي جورجي مشترك ينال جائزة أفضل إخراج سينمائي في مهرجا ...
- ماثيو بليتزي يفجر المنطق الاستعماري من الداخل.. -أنا المجيد- ...
- الأمير خالد بن بندر بن سلطان: فيصل عباس يقلب الأدوار في كتاب ...
- روسيا.. العثور على مخطوطة باللغتين العربية واليونانية تعود إ ...


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسني التهامي - نص بلا معنى - رولان بارت