|
الإطار الاجتماعي للنعرة القبلية والمذهبية
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 7981 - 2024 / 5 / 18 - 12:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بداية ظهور النعرة القبلية والمذهبية في الإسلام : ظهرت مقدمات النعرة القبلية والمذهبية في الإسلام ، مع توجه الخلافة نحو الإدارة المركزية المطلقة ، والمِلكيّة المستبدة خلال ولاية عثمان بن عفان ، واقترن ذلك بانفجار اول ثورة سياسية في الإسلام ، من قبل القبائل التي تم اقصاءها من الغنيمة ، ومن النصيب من أموال بيت المسلمين ، الذي استأثر به عثمان لوحده مع عائلته ، والمقربين اليه من عائلته واصدقاءه . بيد ان الصراع السياسي في الإسلام ، يعود الى فترة سابقة عن ولاية عثمان ، شهدت بداية تحول الصراع القبلي والمذهبي ، الى صدام واسع بين العامّة ، وبين مركزية الدولة الإسلامية . ومن اجل توضيح هذه القضية ، يجب ان نعود الى أوضاع مكة قبل الإسلام ، واستعراض الأحوال السياسية بعد وفاة النبي محمد . اولاً – الإسلام والنعرة القبلية والمذهبية : كانت مكة تمثل نموذجا متطورا للحكم القروي أي المديني ، فهي كانت امّ القرى ، ومركز الحياة السياسية والتجارية في الجزيرة العربية قبل الإسلام . فكان نظامها السياسي اشبه بالجمهورية الديمقراطية الشعبية ، يقوم على توازنات بين بطون قريش القبيلة السائدة بمكة . كانت السلطة السياسية في المدينة ، تتناسب والمكانة التجارية لكل بطن من بطون قريش ، لا على القوة العسكرية ، الامر الذي استلزم نشوء نظام من الحكم ، يقوم على السلطة الروحانية ، وشرف الانساب ، وهو نظام يستمد جذوره من تقاليد تاريخية عريقة في القدم . في هذا الاطار سنجد ان قريش المستفيد الأول من هذا التراتب العنصري والتمييزي ، قد عارضت كل محاولة لتحويل مدينتها الى مَلَكية ، او الحاقها باي من الدول الكبرى القائمة آنذاك ، فأحبطت دسائس البزنطينيين لتنصيب عثمان بن الحُوَيْرث ملكا عليها . وقد ساعد هذا الوضع غير العسكري لمكة ، على تعزيز مكانتها الدينية ، باعتبارها حَرمُ أمن ، يأوي اليه كل خائف ، وملاحق ، وطريد ، ومضطهد . وفي فترة معينة قبل دخول الإسلام ، تصدّر بنو امية رئاسة مكة ، وسيطروا على تجارتها ، وحلّوا محل بني هاشم الذين ذهبت ثرواتهم ، وتردّت مكانتهم التجارية . فيذكر ابن حبيب ( انظر . المحبر ص 165 ) ، ان حرب بنو اميّة خلف المُطلب بن عبد مناف على رئاسة قريش ، وكان أبو سفيان قائد قريش في حربها ضد المسلمين . وبعد فتح مكة ، تقرر ان تظل المدينة ( يثرب ) عاصمة الدولة الإسلامية ، لأسباب كثير ، منها رغبة النبي بناء مجتمع إسلامي بعيد عن التناحر القبلي والمذهبي ، وهو هدف لا يمكن ان يتحقق في ظل هيمنة قريش على مكة ، حتى بعد الغزو ( الفتح ) ، واستمرار نفوذها السياسي والديني في جزيرة العرب . وفي المدينة ، لم يكن لبني اميّة ، او أي من القبائل العربية ، نفوذ يوازي نفوذ ومكانة الجماعة الإسلامية ، إذ أخذت القبائل التي هاجرت اليها ، واستقرت فيها ، بالانحلال والاندماج بالمجتمع الإسلامي الجديد ، الذي بدأ يتطور ، ويمتد منها الى بقية الانحاء الأخرى . استهدف الإسلام ، مركزة مختلف مستويات الحياة السياسية ، والاقتصادية ، والروحية . وكان من دوافعه الاجتماعية ، إزالة الانقسام العشائري ، والقبائلي ، والقومي ، وصهر التشكيلات الاجتماعية المستقلة – كالقبائل والقرى ( المدن – الدولة ) ، والدويلات الصغيرة – بكيان إسلامي موحّد ، يسعى الى تشكيل دولة مركزية عالمية . انصبت مساعي النبي محمد بعد فتح مكة ، على إقامة نواة المجتمع العالمي الجديد في المدينة ، وفق الاسبقية والاولوية في خدمة الدعوة الإسلامية ، لا على أواصر الانساب القبلية . بيد ان التقاليد القبلية ، كانت عميقة الجذور ، تستمد قوتها من تكوين اجتماعي عضوي ، رسّخته ظروف حياة البادية . وقد ظلت التقاليد والعلاقات القبلية حيّة خارج حدود المدينة ، رغم بداية انحلالها في العاصمة الإسلامية ، فكان من المحتم ان تجد تعبيرها في الحياة السياسية ، حين توفّر الظروف المناسبة ، وهذا ما جرى مباشرة بعد موت محمد . ثار خلاف عميق بين صحابة النبي ، حول مسألة اختيار خليفة له . فقد أراد اهل المدينة وهم الأنصار ، ان يكون الخليفة منهم ، فرشحوا سعد بن عبادة ، في حين مال بقية المسلمين الى اختيار الخليفة من قريش ، فبُويع أبو بكر الصديق ، وهو من قبيلة قريشية قليلة الشأن ، هذا اهّل اهم بيتين من بيوت قريش : بني هاشم اهل النبي ، وبني اميّة زعماء مكة قبل الإسلام . كانت دوافع اختيار ابي بكر ، حِرصُ جماعة المسلمين تجاوز الصراعات القبلية القديمة ، وترسيخ مبدأ الشورى ، رغم ان التصويت على ابي بكر كان من ستة أصدقاء ، أي كان انقلابا مدروسا على نظام الشورى المُتغنّى به . وما كان من الممكن ان يتحقق هذا ، الاّ بقطع الطريق على استئثار البيوتات العليا من قريش ، سيما بني هاشم وبني امية ، بالسلطة السياسية والدينية . وقد ساعد هذا الاختيار المفروض على وحدة اهل المدينة ، في مواجهة حركة الثورات القبائلية ، التي شوّهوها بتسمية حرب ( الردة ) بعد وفاة النبي ، واستعادت الدولة الإسلامية سيطرتها على الجزيرة العربية . وبعد القضاء وتصفية القبائل الثائرة ( المرتدة ) ، ضد دكتاتورية السلطة المركزية الراشدة ، توجّه المسلمون للغزو ( الفتوح ) الخارجي ، بحملات عسكرية عاصفة ، أطاحت بأكبر امبراطورتين في العالم آنذاك . وفي ظروف التوسع الإسلامي ، ومركزة السلطة السياسية ، امكن لجم الصراعات القبلية ، والشروع على نطاق أوسع من ذي قبل ، بصهر القبائل المختلفة بالقوة . لكن الأوضاع التي ظهرت على مسرح الاحداث بعد هذا الغزو البربري ، وتمصير الامصار ، جلبت معها صراعات وانقسامات اجتماعية جديدة ، إذْ تكدّست الغنائم الهائلة في مركز الخلافة في الحجاز ، واقتسام ثروات الاكاسرة والبزنطيين بين المُقاتلة المسلمين في الامصار ، فخلقت أوضاعا تطورت فيها طبقات اجتماعية جديدة ، وتطلعات حضارية لم تكن معروفة في المجتمع الإسلامي في الحجاز . استقر المقاتلون المسلمون اول الامر ، في المدن القديمة المحتلة التي تعرضت للغزو، وطالب البعض منهم بتقسيم الأرض الزراعية بينهم في تلك الأقاليم ، والسماح لهم بالانخراط في حياة البلدان المحتلة . امام هذه المطالب ، وجدت الخلافة نفسها تواجه خطر انصهار المقاتلين في التجمعات السكنية الكبيرة لتلك البلدان ، وابتعادهم تدريجيا عن الحياة الإسلامية . هنا قرر الخليفة عمر بن الخطاب بالتشاور مع صحابته واصدقاءه في المدينة ، إعادة تنظيم القوات الإسلامية ، وتنفيذ خطوات سياسية وعسكرية بعيدة الأثر ، منها تطبيق نظام الخراج ، وسحب المقاتلين من المدن القديمة ، وتجميعهم في امصار جديدة ، وتطبيق المناوبة في خدمة البعوث العسكرية الى المناطق النائية . فكانت الكوفة اول الامصار الإسلامية الجديدة التي ضمت اكثر المقاتلين الذين انتهت اليهم خزائن الساسانيين ، واتسعت خلال بضع سنوات حتى قاربت نفوسها نصف مليون نسمة حسب الروايات التاريخية ، وبعد ذلك مصّرت البصرة والفسطاط . ( يتبع )
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أول حكم ذاتي لمواجهة النعرة القبلية في الدولة الاسلامية
-
هل الملك محمد السادس من اعتبر خيار الحرب استراتيجي مع الجزائ
...
-
هل طالب النظام المزاجي البوليسي باسترجاع الصحراء الشرقية ؟
-
من يملك مفتاح حل نزاع الصحراء الغربية
-
النعرة المذهبية الدينية في تشتيت الوحدة الشعبية
-
السلاح يلعلع بالقصر الملكي
-
النظام القبلي في الدولة الثيوقراطية الإسلامية
-
الدولة المزاجية . مغرب الاستثناءات
-
سورية تعترف بالجمهورية العربية الصحراوية ، ولقاء ثلاثي في اخ
...
-
الانقلابات في ظل الملك محمد السادس
-
حين تتر أس دولة بوليسية فاشية ومارقة مجلس حقوق الانسان بالام
...
-
في الثقافة والتثقيف السياسي ( الحلقة الثالثة )
-
الأمم المتحدة / الأمين العام للأمم المتحدة
-
رئيس الحكومة الاسبانية السيد بذرو سنشيز
-
الجنرال شنقريحة يهدد النظام المغربي ، بقرع طبول الحرب بالحدو
...
-
موقف إسبانيا وفرنسا من نزاع الصحراء الغربية
-
هل يجري التحضير لإعادة بناء اتحاد مغاربي ؟
-
حين يغير البوليس موضوع الدراسة
-
البوليس السياسي مصاب بالإسهال وفقدان البصيرة
-
حين يلعب الصغار مع الكبار يعتقدون انهم كبارا
المزيد.....
-
ترامب يكشف عن ما سيفعله مع روسيا والصين إذا فاز في الانتخابا
...
-
إيلون ماسك محور جدل في أمريكا واتهامات له بالتحريض على قتل ب
...
-
روسيا.. انخفاض عدد مستعمرات النحل بمقدار 500 ألف على مدى الس
...
-
خسوف جزئي للقمر سيتمكن سكان مختلف مناطق العالم من مشاهدته
-
Lava تكشف عن هاتفها الجديد لشبكات الجيل الخامس
-
من النصر إلى كارثة. الغرب يتناسى أنه قبل عامين احتفل بهزيمة
...
-
المهندسون الروس يدرسون مبادئ عمل صاروخ هيمارس الأمريكي
-
نمط غريب ومفاجئ في إدارة الحملات الانتخابية في أمريكا
-
بلقاسم حفتر لـ-الحرة-: شرق ليبيا وغربها يتوافقان على إعمارها
...
-
بعد -محاولة الاغتيال الثانية-.. بايدن يتصل بترامب
المزيد.....
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
المزيد.....
|