أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نعيمة عبد الجواد - الذكاء البشري أسير الخوف















المزيد.....

الذكاء البشري أسير الخوف


نعيمة عبد الجواد
أستاذة جامعية، وكاتبة، وقاصة، وشاعرة، وروائية، وباحثة، ومكم دولي

(Naeema Abdelgawad)


الحوار المتمدن-العدد: 7975 - 2024 / 5 / 12 - 18:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


على مدار العصور، وجد الإنسان نفسه رهن التغييرات التي تطرأ حوله دون أن يكون ضالعًا بها، لكنه كان دومًا مجبرًا على التكيُّف مع ظروف فرضت عليه، وإلَّا لسوف يكون بقاءه مهددًا بالفناء.
ومن أصعب المواقف التي أصبح فيها مصير الفرد العادي على المحكّ هي حقب الثورات الصناعية؛ ففي كل مرَّة تطرد الآلة، بشكل ممنهج، الإنسان من وظائف ألفها وأتقنها؛ ولهذا، كان يتعيَّن عليه في كل مرَّة أن يستخدم ذكائه الفطري لإيجاد دورًا جديدًا بعيدًا عن سيطرة الآله؛ حتى لا يلاقي نفس مصير الديناصورات في العصور القديمة، التي فقدت هيمنتها تدريجيًا على الأرض والبشر، بسبب الذكاء البشري المتسارع، مما أجبرها على الانزواء بعيدًا عن أنظار البشر الأكثر منها ذكاءًا، وأخيرًا، انقرضت لأنها لم تستطع أن تساير مستجدَّات العصر.
وفيما يبدو أن ما اقترفه البشر قديمًا من حملات إبادة جماعية شرسة، وإن كانت غير مقصودة، ضد الوحوش والحياة البرية، لسوف يكون المصير الذي سوف يعانون منه في إطار ما يُطلق عليه حاليًا ب"الثورة الصناعية الرابعة"، التي تم تعريفها بأنها أولًا وأخيرًا ثورة الذكاء الاصطناعي وقفزاته الغير مسبوقة ضد البشر وكذلك الآلة نفسها؛ فالذكاء الاصطناعي يتطوَّر بسرعة مذهلة قد يعجز حتى بسببها مطوريه أن يدركوا إمكاناته المذهلة التي تماري ما خُطط لها؛ ويرجع السبب في ذلك شكّ مطوريه ولو بنسبة ضئيلة في إمكانية تبوُّأ الذكاء الاصطناعي لأدورار شغلها البشر لحقب طويلة بسبب تمتُّع الإنسان بذكاء خلَّاق، وقدرة على مجابهة الظروف الطارئة بأقل مخاطرة ممكنة.
لكن خلال العامين السابقين تطوَّرت الأحوال وانقلبت الأدورار بسرعة مذهلة؛ وكانت بداية الغيث مع شركة "أوبن إيه أي" Open AI التي أعلنت عن برنامج "تشات جي بي تي" Chat GPT ذو القدرات المذهلة؛ الذي تحوَّل سريعًا من كونه مجرد آلة رد على المكالمات الهاتفية ذات قدرات محدودة، إلى وسيلة فعًالة، ذات ذكاء يفوق الذكاء البشري، استطاعت التغلغل إلى جميع مفاصل الحياة والسطو على حتى أدَّق أنواع الوظائف، مما سبب فزعًا عالميًا عارمًا من قدرات الذكاء الاصطناعي الخارقة التي جعلت الأب الروحي له، وهو العالم جيفري هينتون" Geoffrey Hinton يستقيل من منصبه وهو يخشى أن يشجبه التاريخ كشأن مخترع الديناميت "جيه روبرت أوبنهايمر" J. Robert Openheimer الذي يساعد اختراعه المذهل في الفتك بالمليارات من البشر حتى يومنا هذا. وأكَّد "جيفري هينتون" أن الذكاء الاصطناعي له القدرة على السيطرة على البشرية بأسرها وجعلها طوع أمره، إذا لم ينتبه العالم لمدى خطورته، وأهمية إتِّخاذ التدابير اللَّازمة للسيطرة على قدراته المذهلة، تمامًا كما استطاع العالم أن يسيطر على الآثار التدميرية المناوئة للديناميت.
ولعل أبرز مجال اقتحمه الذكاء الاصطناعي هو سوق العمل، والذي بسببه قد لا يجد البشر سبيلًا لكسب أرزاقهم، وبالتالي الموت جوعًا بسبب عالم لا يرحم؛ فأصحاب الأعمال يفضِّلون استخدام الآلة عن البشر بسبب رخص تكاليفها وقدراتها التي لا تجعلها تشكو من الإعياء أو المرض، أو حتى لها ميلًا للمشاكسة والاعتراض. وفي نفس الوقت، تحجم المجتمعات المتقدِّمة عن الإنجاب أو حتى الزواج بسبب عدم القدرة المالية على تكوين أسرة والإنفاق على تعليم الأطفال في حقبة تتميَّز بغلاء الأسعار وشُحّ الموارد المالية.
فلقد اقتحمت الروبوتيات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي شديد التطوُّر تقريبًا جميع ألوان الوظائف، سواء الدنيا منها أو حتى التي تتطلب مهارات وذكاء إبداعي. ومن الطريف أنها تمكَّنت من اثبات نفسها في القطاعات الخدمية واللوجستية والنقل، وذلك بسبب وجود ربوتات لها القدرة على فرز الطرود. والنقل هنا لا نعني به عمليات النقل من مكان إلى آخر داخل المصانع أو المتاجر، بل أيضًا النقل البرِّي؛ فهناك حاليًا سيارات أجرة ذاتية القيادة. ودون شكّ، فإنها تكتسب ثقة العملاء يومًا تلو الآخر؛ فهي تتمتَّع بالأمان التام والراحة المطلقة، حيث أنَّ قائد السيَّارة لا يمكن أن يضايق أو يتحرَّش بالراكب، وهو يعلم طريقه جيِّدًا. ناهيك عن ذلك، تتميَّز دائمًا السيَّارة بالنظافة والرَّائحة العطرة، مع وجود وسائط إعلامية متعددة للترفيه عن الرَّاكب طوال فترة الرحلة، وذلك حسب الرَّغبة دون فرض خيارات.
ولم يكتفي الذكاء الصناعي بالنقل البرِّي، فلقد اقتحم أيضًا مجال النقل الجوِّي بشدة، مع وجود طائرات بدون طيَّار ذاتية القيادة؛ وإن كانت تستخدم حاليًا في نطاق محدود سواء في أغراض عسكرية أو إعلامية، لكن من المنتظر قريبًا أن يتوافر منها طائرات لنقل الرُّكاب؛ حتى ولو تواجد العنصر البشري على متن المركبة الجوية، لسوف يكون دوره محدودًا.
واقتحمت أيضًا الروبوتيات المصانع، فأصبحت الماكينة الواحدة لها القدرة على أن تتبوأ مكان أكثر من مائة عامل، وإن كان ذلك متوقعًا لحد كبير؛ حيث أن الثورة الصناعية الأولى والثانية، أو ما تعرف بالثورات الميكانيكية، كان أساسها إحلال العنصر البشري بالآلة. لكن ما هو غير متوقَّع، اقتحام ربوتيات المجال الاصطناعي المجالات التي تتطلَّب ذكاء بشري أو قدرات إبداعية خاصة. فلقد أصبحت الآلة محاسب من الطراز الأول؛ فالآلة لها القدرة على مسك الدفاتر دون اقتراف أي خطأ، وكذلك يستلزم مسكها للدفاتر كبسة زر واحدة، بدلًا من المحاسب البشري الذي قد يعمل بالأسابيع أو حتى الشهور لتنفيذ مهمة واحدة على أكمل وجه.
وكان لاقتحام الروبوتيات مجال التسويق، وتبوأهم لوظائف مندوبي المبيعات أثرًا صادمًا على فئات عريضة من المشتغلين بهذا القطاع من كل الفئات؛ فالتسويق أصبح العصب الرئيسي لسوق العمل حاليًا والوسيلة الوحيدة لكسب رزق وفير في أقل وقت. ولم يكتفي القائمين على الذكاء الاصطناعي عند هذا الحد، فلقد أقحموا الروبوتيات في مجال تحليل الأبحاث بكافة أنواعها وخاصة العلمية والطبية منها. وفي المستقبل المنظور، لسوف تحلّ الروبوتيات محل الأطباء بشكل واسع؛ فهي حاليًا تبرع في مجال الجراحة واستئصال الأورام، لكن القادم ينبئ بالمزيد.
وأمَّا مجالات الفنّ والإبدع، فلم تسلم من الأتمتة، فالذكاء الاصطناعي يرسم لوحات، ويصمم إعلانات، ويكتب محتوى إعلاني أو صحفي جاذب ومحترف، وبكبسة زرّ واحدة؛ ولو كان ذلك متاحًا حاليًا على نطاق واسع ومجاني في كثير من الأحيان، فما بالك بما سوف يحدث في المستقبل. وكان إضراب جميع صنَّاع السينما والدراما في هوليوود أكبر دليل على هذا، فمع الذكاء الاصطناعي واسع ومتعدد المجالات لسوف يتلاشى دور الإنسان، وبالتالي وجوده.
ولتأخير ذلك، نادى العقلاء في اجتماع قمّة دافوس DAVOS الاقتصادية لعام 2024 بعمل "ثورة إعادة إحلال مهارات" على غرار ما حدث إبَّان الثورة الصناعية الأولى والثانية؛ وذلك حتى يجد الإنسان دورًا له وسط ذلك العالم المتطِّور والغريب الذي قد يحبس الإنسان في زاوية معزولة لا يمكن الفرار منها إلَّا بالموت والفناء.



#نعيمة_عبد_الجواد (هاشتاغ)       Naeema_Abdelgawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أعداءك ضمان النجاح والبقاء
- تاريخ الحجاز في العصر الأموي من خلال شعر الأحوص
- شرارة الضحك والسخرية: مارك توين
- ما بين التعاسة والسخرية ضحك ملوَّن
- المسرح الشعري وديونيسوس إله الممارسات الدنيوية
- هيفاستوس إله الابتكارات والرقمنة
- الهوية والتأريخ الشعبي
- -آلهة أمريكية- فلك أسطوري معاصر خلقه نيل جيمان
- الدولة الأموية والعرجي فارس الشعر
- الحضارة العربية وتاريخ من الواقعية السحرية
- الإعلام والنشطاء والصحافة الصفراء قديمًا: أبو فراس الحمداني
- عميد الشعر العربي ورائد حركة الحداثة: أبو تمَّام
- الحجاج: بلاغة الأديب ووحشية السفاح
- جيبوتي دولة عربية ذات إبداع أفريقي
- أبو العلاء المعري والتيار الوجودي
- -تونس والإبداع العربي- في لجنة العلاقات العربية بإتحاد كتاب ...
- دولة مالي ومماليك مصر: عصور من الانفتاح على إفريقيا
- العصر العباسي وأيدلوجيا الحداثة في شعر أبي نواس
- حياة اللهو والمجون مرادفها -عمر بن أبي ربيعة-
- -أبو العتاهية- رائد الشعر الشعبي يعشق جارية


المزيد.....




- الخارجية الروسية تستدعي السفيرة الأمريكية في موسكو وتكشف الس ...
- ??مباشر: صحة غزة تعلن ارتفاع حصيلة ضحايا الهجوم الإسرائيلي إ ...
- بعد موت رئيسي.. الإيرانيون يتجهون إلى صناديق الاقتراع لاختيا ...
- منطقة الساحل بعد الانقلابات - بين الإحباط والصحوة
- موسكو تحمل واشنطن مسؤولية هجوم دموي بالقرم وتتوعد بـ-عواقب- ...
- Hello world!
- موسكو: ضلوع واشنطن في اعتداء سيفاستوبول واضح ولن نترك هذه ال ...
- مشهد مروع لسقوط مساعدات إنسانية فوق خيمة للنازحين وتسويتها ب ...
- ارتفاع حصيلة ضحايا الهجوم الإرهابي في داغستان إلى 20 وإصابة ...
- -فتح- تحمّل -حماس- مسؤولية -إفشال- جميع الحوارات السابقة


المزيد.....

- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نعيمة عبد الجواد - الذكاء البشري أسير الخوف