|
الإصلاح السياسي في العالم العربي
صالح سليمان عبدالعظيم
الحوار المتمدن-العدد: 1760 - 2006 / 12 / 10 - 09:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تحاول العديد من الدول العربية البدء في ما أصبح معروفا باسم الإصلاح السياسي، بغض النظر عن مدى قناعتها وجديتها بما تقوم به، وبغض النظر عن حجم التدخل الخارجي في اجبار العديد من هذه الدول على البدء في مسيرة الإصلاح. لقد خلق الحديث عن الإصلاحات السياسية ومدى أهميتها وضرورتها بالنسبة للعالم العربي أجواء من التوتر والمواجهات والاستعداءات بين الكثير من النظم الحاكمة وبين جموع النشطاء السياسيين على مختلف مشاربهم وتوجهاتهم. ويمكن الإشارة هنا إلى ما يحدث الآن في العديد من الدول العربية مثل مصر وسوريا وتونس والمغرب والجزائر ولبنان والكويت والبحرين والسعودية، حيث شهدت هذه الدول أشكالا متفاوتة من المواجهات بين النظم الحاكمة وبين النشطاء السياسيين في هذه الدول، واضعين في الاعتبار الفروق الكمية والكيفية بين هذه الدول، ودرجة أهميتها في المنطقة، وطبيعة الخبرات السياسية والحركية التي مرت ومازالت تمر بها.
تثير مسألة الإصلاح جملة من المشكلات يجب وضعها في الاعتبار حتى لا ينساق البعض وراء المسمى دون الوقوف عند متطلبات هذا الإصلاح وآلياته. تأتي الدعوة إلى الإصلاح في ظروف الضغوط التي تتعرض لها المنطقة العربية الآن، من احتلال للعراق، وسيادة أمريكية إسرائيلية على كافة أرجاء المنطقة من المحيط إلى الخليج. من هنا يمكن القول بأن أجواء الإصلاح أجواء متوترة من البداية، فلا النظم العربية تهدف فعلاً إلى إصلاحات سياسية حقيقية، ولا النشطاء السياسيون يدركون طبيعة البنيات الاجتماعية التي يتعاملون معها، وحجم التحديات المفروضة عليهم. اللافت للنظر هنا أن طرفي المعادلة، النظم الحاكمة من ناحية والنشطاء السياسيون من ناحية أخرى، قد ركبوا موجة الإصلاح ودعوا إليه.
فالنظم الحاكمة تحاول أن تبرز نفسها بأنها ليست ضد الإصلاح، بل إنها تدعو إليه، وتعمل من أجله. حيث تجند في سبيل ذلك العديد من مفكريها الذين بدءوا في التنظير لنوع محدد من الإصلاح يمكن أن نطلق عليه إصلاح السلطة. أهم ما يلفت النظر في هذا النوع من الإصلاح أنه إصلاح تفصيل؛ فلأن السلطة تعلم مقاس شعوبها، ومقاس مجتمعاتها أكثر من أى حركة سياسية أخرى، فهى الأدرى بما يتناسب ومصالحهم، وما تمليه متطلبات هذه المرحلة من جوانب إصلاحية!! من وجهة نظر السلطة ومنظريها، لابد أن يأتي هذا الإصلاح متدرجاً وعقلانيا ورشيداً، حيث تلوح السلطة الحاكمة هنا بفزّاعة الإسلاميين وامكانية وصولهم إلى الحكم، مع ما يمكن أن يجلبه ذلك من كوراث خاصة بمسألة الحريات السياسية والمصالح الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة.
بالطبع تخشى النظم الحاكمة في العالم العربي أن تجرها مسألة الإصلاح هذه إلى ما لا يحمد عقباه، حيث تفقد سلطتها كلية لتجد نفسها في موقع المساءلة والحساب مثلما تقوم بذلك مع خصومها السياسيين. من هنا يمكن للمرء أن يتفهم تلك الشراسة الأمنية التي واجهت بها بعض النظم العربية المظاهرات والتجمعات التي اندلعت دفاعاً عن بعض النشطاء السياسيين الذين تم إلقاء القبض عليهم. فالسلطة السياسية في العالم العربي متوترة الآن أكثر من أي وقت مضى، فهى تحاول أن ترضي الخارج من ناحية، وتحاول أن تقنع الداخل من ناحية ثانية، وتحاول أن تحمي نفسها وتهيمن على قبضة كرسيها من ناحية ثالثة. والخوف هنا، أن تزيد هذه السلطة جرعة الاستبداد، مع ما يستتبع ذلك من ممارسات لقمع النشطاء السياسيين وتعذيبهم. وربما تصب الاتهامات المتبادلة هذه الأيام بخصوص القمع والتعذيب بين حركة كفاية والنظام المصري في هذا السياق.
والنشطاء السياسيون في العالم العربي، يجدونها فرصة ذهبية للضغط المتواصل على السلطات الحاكمة في العالم العربي من أجل التغيير. وفي هذا السياق يتفاوت هؤلاء النشطاء فيما بينهم، فالبعض منهم موتور أصلاً في علاقاته بالسلطة الحاكمة، يصفي حساباته الشخصية معها، لا يهمه أى شيئ سوى نقد هذه السلطات وفضحها في كل مكان وفي أي مناسبة. والبعض الآخر موتور أيضاً في علاقاته بالمجتمع والبشر والثقافة والعادات والتقاليد.
وتمنحنا العديد من الكتابات التي يطلقها البعض من أبناء الأقليات وأشباه الليبراليين أمثلة كثيرة على هذا النوع من النشطاء الجدد. إضافة إلى ذلك وجد البعض ضالته في اطلاق المواقع والكتابات المتواصلة التي تفضح ممارسات السلطات الحاكمة، وبشكل خاص ما يتعلق منها بمسألة التوريث في بعض الدول العربية، وما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان والتعذيب. ويتفاوت هؤلاء النشطاء السياسيون فيما بينهم أيضاً في اعتمادهم على الخارج، فالبعض منهم يذهب في ذلك مذهباً صريحاً حول ضرورة التدخل الأمريكي لتسريع التغيير مثلما حدث في العراق، والبعض الآخر يرفض هذه المسألة ويحمل شرعيته على أكتافه في مواجهة السلطة، ولعل ما قام به قضاة مصر في الآونة الأخيرة يمنحنا مثالاً ناصعاً على هذا التوجه.
ومثلما تبدأ السلطة السياسية الإصلاح الخاص بها وهى متوترة، فإن النشطاء السياسيين يحملون هذا التوتر أيضاً. فهم يواجهون سلطة متمرسة على القمع والمصادرة لعقود طويلة، وفي هذا السياق تأتي المقارنة المشروعة واللازمة بين نشطاء الخارج الذي يدعون إلى الإصلاح وهم في حماية البيت الأبيض وجنسياتهم المزدوجة، وبين نشطاء الداخل الذين يدعون إلى الإصلاح ولا توجههم سوى ضمائرهم، ورغباتهم الحقيقية في التغيير المجتمعي الشامل. كما أن حركة هؤلاء النشطاء الجدد مازالت حركة نخبوية لا تستند إلى فضاء مجتمعي حقيقي يوفر لها الحماية والسند وقت المواجهات مع السلطات الحاكمة.
فمن أسف أن حركة هؤلاء النشطاء الداعين إلى الإصلاح تبدأ من حيث انتهى إليه الآخرون؛ فهى تطلق شعاراتها ودعواتها وأفكارها السابقة التجهيز بدون أن تشكلها في رحم الشارع القادر على الفرز وتكوين الكتل الاجتماعية الحقيقية القادرة على تحقيق الإصلاح وصيانته. من هنا تنتفي غرابة أن ما يقوم به هؤلاء النشطاء السياسيون على أهميته يسير في واد والشارع العربي يسير في واد آخر. واللافت للنظر هنا أن هؤلاء النشطاء الجدد يتواصلون فيما بينهم بسهولة ويسر أكثر من تواصلهم مع القاعدة الشعبية العريضة؛ من هنا ينبع هذا التجاهل المتبلد والمتواصل من قبل الشارع العربي لما يقوم به هؤلاء النشطاء الجدد، وهو الأمر الذي يزيد من حدة توتر هؤلاء النشطاء، ويعمق من نخبويتهم الحركية.
ما بين الصراع الدائر الآن في العالم العربي بين السلطة الحاكمة من جانب، وبين النشطاء الجدد من جانب آخر تتواصل الدعوات المتوترة للإصلاح. ومن أسف أن المشاريع النهضوية في العالم العربي منذ نهايات القرن التاسع عشر وحتى الآن لم تتم بشكل عقلاني مستنير، قدر ما تم دفعنا نحوها وانخراطنا فيها، بدون أن تعبر عن قوى اجتماعية حقيقية، وهو الأمر الذي يجعل من هذه المشاريع مجرد هبات وقتية، ليس لها جذور حقيقية في الواقع العربي المهترئ. نتمنى من الله أن تجد هذه الدعوات الإصلاحية الجديدة جذوراً حقيقية لها، وألا تتحول إلى مجرد حركة نخبوية جديدة، تذوي وتندثر بمرور الوقت!!
#صالح_سليمان_عبدالعظيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خمسة وأربعون عاماً على رحيل فرانز فانون
-
صدام حسين، تاريخ الانقلابات
-
اختزال واقع المرأة العربية
-
-عراق على الوردي وثقافة -الكسار
-
أنماط معاصرة من المثقفين
-
ثقافة المفتاح العربية
-
كوندوليزا رايس والقيم البيضاء
-
هرمونات كرسي السلطة في العالم العربي
-
لماذا نكتب؟
-
أزمة الثقة في المجتمعات العربية
-
أزمة الثقة في المجتمعات العربية
-
قضاة يرفضون بيت الطاعة
-
الإنترنت مهد الكراهية
-
ليبراليون جدد أم مكارثيون جدد
-
تفعيل الكراهية
-
للمرأة الفلسطينية كل الإجلال
-
قراءة في بيان الليبرالية الجديدة
-
الشخصية العربية المعاصرة، قراءة أولية
-
11 سؤال عن 11 سبتمبر
-
إدوارد سعيد ونقد -الاستشراق-
المزيد.....
-
إيطاليا: اجتماع لمجموعة السبع يخيم عليه الصراع بالشرق الأوسط
...
-
إيران ترد على ادعاءات ضلوعها بمقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
بغداد.. إحباط بيع طفلة من قبل والدتها مقابل 80 ألف دولار
-
حريق ضخم يلتهم مجمعاً سكنياً في مانيلا ويشرد أكثر من 2000 عا
...
-
جروح حواف الورق أكثر ألمًا من السكين.. والسبب؟
-
الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 250 صاروخا على إسرائيل يوم
...
-
اللحظات الأولى بعد تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL قرب مطار ا
...
-
الشرطة الجورجية تغلق الشوارع المؤدية إلى البرلمان في تبليسي
...
-
مسؤول طبي شمال غزة: مستشفى -كمال عدوان- محاصر منذ 40 يوم ونن
...
-
إسرائيل تستولي على 52 ألف دونم بالضفة منذ بدء حرب غزة
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|