|
النظام القبلي في الدولة الثيوقراطية الإسلامية
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 7972 - 2024 / 5 / 9 - 12:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"هناك قناعة أساسية راسخة تولدت لدا معظم المفكرين المعتمدين للمنهج النموذجي ، هي ان النظام القبائلي ، القبلي ، هو أداة للسيطرة السياسية ، وللاستبداد بكل اشكاله القبيحة المقززة ، اوجده حكم الاستبداد والطغيان المطلق ، والقهر السياسي والقومي ، وهو لم يظهر الاّ كوسيلة بيد المحتلين الاستعماريين والطغاة ، لشق صفوف المحكومين ، والحيلولة دون إتّحادِهمْ ضد العدو المشترك . فعندما نتكلم عن النظام القبائلي الثيوقراطي ، فإننا لا نقصد العداء بين المنتسبين للأديان المختلفة ، ولا تفضيل الافراد لهذه القبيلة او تلك ، ولا ممارسة شعائر دينية معينة . فتلك قضايا تتعلق بالأفراد ، اكثر مما تتعلق بتكوين أنظمة الحكم السياسية . إنما نعني بالنظام القبلي ، نظاما معيّناً للحكم ، يقوم على هيمنة اقلية دينية ، او مذهبية على السلطة السياسية ، واحتكارها للامتيازات الاقتصادية ، والثروة ، والجاه ، والنفوذ ، والمال ، واحتكار المكانة الاجتماعية المُتأتّية من السيطرة على الحكم السياسي . وهنا ، غالبا ما تكون سلطة الأقلية القبائلية بحاجة الى دعم خارجي ، كقوة احتلال سابقة ، او نفوذ امبريالي ، بحكم كونها مهددة داخليا ، من ثورات القبائل الثائرة ، ضد حكم السلطة المركزية التقليدي ، فتلتمس المساندة الخارجية ، الامر الذي يوفر الأسس لقيام مصلحة مشتركة بين القوة الخارجية ، وبين الأقلية الحاكمة ، لقمع وكبت المحكومين ، والثائرين ، والاستئثار بالسلطة السياسية ، والثروات الاقتصادية . لذلك يقترن النظام القبائلي الثيوقراطي في اكثر الأحيان ، بالاحتلال الأجنبي ، والهيمنة الخارجية ، حتى إذا كان المحتلون ، لا يشاركون الحكام المحليين ، المعتقد الديني ، او المذهبي . فالاشتراك في الدين ، وفي المعتقد بينهما ، ليس ضروريا لقيام نظام قبائلي ، يشكل اقلية ويسيطر على البلد ... ومثال على ذلك ، معاهدة الحماية الموقعة مع فرنسا في سنة 1912 ، وتبني بريطانيا لليهود ، واختلاقها فكرة " الوطن القومي لليهود " ، رغم الاختلاف الديني بينهما . وبطبيعة الحال فإن الانتماء الديني او المذهبي المشترك ، يعزز من الترابط ، ويوفر أرضية واسعة لاستغلال النعرة القبائلية ، لأغراض التوسع الامبريالي الاستعماري ، كما يظهر في تبني فرنسا بلبنان للأقلية المارونية ، وإعادة القيصرية الروسية فيما سبق ، حماية الأرثودوكس في فلسطين . ومن جانب آخر ، فإن فوائد النظام القبلي للمحتلين ، لا تقتصر على ربط الأقلية الحاكمة بهم ، بل يشجع أيضا على خلق القبيلة المعاكسة بين المحكومين ، الذين يجدون انفسهم يُضطهدون ، بسبب انتماءاتهم الدينية والمذهبية ، إضافة الى أسباب أخرى ، ولذلك تثار النقمة القبائلية ، ويتسع الانقسام بين الشعب ، وتضعف قواه ، فتصبح كل قبيلة تبحث عن من يحميها ، ويوفر لها الامن والأمان ، والاستقرار ، وضمان الحقوق والامتيازات المتوفرة لدا القبيلة الأخرى . هكذا يتسع الانقسام بين الشعب ، وتتكتل كل قبيلة حول من يدعي حمايتها ، فيتعذر بذلك توحيد الجماهير ، في حركة موحدة ضد المحتلين ، وضد الحاكمين ، ويتهيأ لهؤلاء تعزيز قبضتهم على البلاد والعباد . ان مثل هذا الوضع المقصود ، والذي يعتمد سياسة فرق تسد ، يوفر للحكم فرصة الظهور بمظهر " حكم محايد " ، يتوسط بين جميع القبائل المتصارعة ، وهنا سنجد ان دساتير الأنظمة الثيوقراطية ، تمنع الحزب الوحيد ، وتشرّع لظهور الأحزاب لخلط الأوضاع وبعثرتها ، وتحويل الصراع ، من صراع ضد الأقلية الحاكمة المستبدة ، الى صراع بين احزب تدعي دفاعها عن كل قبيلة . ان نظام القبيلة هذا ، يوفر مزايا عديدة للمستعمرين، وللحاكمين المحتلين ، الذين كثيرا ما يجدون انفسهم ، عاجزين عن كبت الشعوب المستعمرة ، والمحتلة والمقموعة ، واكراهها على الطاعة والخضوع والسجود . ان النظام القبائلي يختلف عن النظام العنصري ، بكون الحاكمين والمحكومين في النظام القبلي ، ينتمون ظاهريا الى امة واحدة ، وبلد واحد ، لا تفرقهم سمات خارجية ، كاللون ، والملامح الجسدية ، او الانتماء القومي . لذك يتمتع نظام القبيلة ، بقابلية كبيرة على التمويه والثورية ، فقلما يمارس هذا النظام علنا ، او يتعرض الى الكشف والفضيحة الاّ في حالات غير معتادة ، او نتيجة التمحيص بانتساب الحاكمين ، وعلاقاتهم القبلية والمذهبية ، وهو امر لا يتهيأ لأكثر الناس .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدولة المزاجية . مغرب الاستثناءات
-
سورية تعترف بالجمهورية العربية الصحراوية ، ولقاء ثلاثي في اخ
...
-
الانقلابات في ظل الملك محمد السادس
-
حين تتر أس دولة بوليسية فاشية ومارقة مجلس حقوق الانسان بالام
...
-
في الثقافة والتثقيف السياسي ( الحلقة الثالثة )
-
الأمم المتحدة / الأمين العام للأمم المتحدة
-
رئيس الحكومة الاسبانية السيد بذرو سنشيز
-
الجنرال شنقريحة يهدد النظام المغربي ، بقرع طبول الحرب بالحدو
...
-
موقف إسبانيا وفرنسا من نزاع الصحراء الغربية
-
هل يجري التحضير لإعادة بناء اتحاد مغاربي ؟
-
حين يغير البوليس موضوع الدراسة
-
البوليس السياسي مصاب بالإسهال وفقدان البصيرة
-
حين يلعب الصغار مع الكبار يعتقدون انهم كبارا
-
هل لا يزال من يحلم بالدولة الفلسطينية ؟
-
الأمم المتحدة
-
العقلية المزاجية والعشوائية سبب ضياع الصحراء الغربية .
-
هل سيكون شهر ابريل حاسما للنظام المغربي
-
تتمة دراسة في الثقافة والتثقيف السياسي
-
في الثقافة والتثقيف السياسي
-
السجون السياسية
المزيد.....
-
إصابة العشرات بعد إطلاق صواريخ من لبنان على الجولان.. وبيان
...
-
السعودية: وزارة الداخلية تعدم الأكلبي قصاصا.. وتكشف كيف قتل
...
-
-كتائب القسام- تتصدى لجنود وآليات الجيش الإسرائيلي في محور ا
...
-
سترانا: إحراق مركبة عسكرية أخرى في كييف
-
-لقد ضربوا حلفاءهم-.. سيناتور أمريكي سابق يتحدث عن تفجير -ال
...
-
أولمبياد باريس 2024: خطأ فادح يخلط بين كوريا الجنوبية والشما
...
-
-سرايا القدس- تعرض مشاهد من استهداف جنود وآليات إسرائيلية شر
...
-
مصر تضغط.. نحو صفقة لإسرائيل مع حماس
-
مجموعة مستوطنين تعتدي على قرية برقا الفلسطينية بالضفة الغربي
...
-
ليتوانيا تعلن تسلمها أسلحة ثقيلة بقيمة 3 ملايين يورو قبل نها
...
المزيد.....
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
المزيد.....
|