أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - تأريخ الخرافة ح 11















المزيد.....

تأريخ الخرافة ح 11


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7971 - 2024 / 5 / 8 - 09:40
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


2. التنازعية والخرفنة والمعبدية

عندما أفترقت الجماعة البشرية الأولى وأنقسمت مكانيا لأسباب طبيعية التكاثر والمزاحمة على موارد المعيشة وأكتشاف أماكن جديدة، حملت المجموعة المنفصلة تأريخها معها على ظهرها كما حملت لغتها وعقيدتها وروابطها الأولى، الأنفصال كان موضعي وليس موضوعي وبقيت الذاتية الموضوعية هي ذاتها المشترك بين المجموعة الأم والمجموعة الجديدة، حتى في روابط الأسرة الكبيرة والزعامة بقيت هي ذاتها ما لم تتغير في بعض الجزئيات وفقا للحاجة الآنية، ومنها الكاهن والزعيم والرب وكل شيء كان منتظما بقي نظاميا في المجموعتين، لم يمضي الحال طويلا حتى رسمت المجموعة المنشقة لنفسها وجود أخر وحاولت أن تعطي لنفسها خصوصية حالية حسب المزاج البيئي والشخصي لأفرادها، لإضافة إلى أن العوامل الأقتصادية لعبت دورا مهما في رسم العوامل الأجتماعية، المنافسة والتزاحم والشعور الأنوي دفعت كلا المجموعتين للتمايز والمنافسة فيما بينهما، قد لا تصل لحد الأنفصال ولكن تعدد الانشقاقات وتكرارها أوجد جوا وبيئة صالحة لتتحول المنافسة الطبيعية إلى تنازع وخصومة وأختلاف متعدد الأوجه.
من عادة المجتمعات المنشقة والمتنافسة والمتنازعة أن يكون سبب كل ذلك عدى العامل الأقتصادي هو وجود أفكار مختلفة بينها، وكلما كانت الأفكار مهمة وعميقة تكون الخلافات أشد، في موضوع الزعامة ولكون الإنسان طائن يميل للتجمع على أساس رأسي وليس هرمي كونه يبدأ تنظيميا كعائلة زوج وزوجة وتستمر العائلة بعد تكاثرها أب وأبناء، يبقى الأب هو الزعيم وهو القائد دون أن يكون له منافس حتى لو ظهر بين الأبناء منافس، فالعائلة تستمد شخصيتها من الأب الأكبر، هكذا بدأت كل المجتمعات البشرية من ممالك وقبائل وعشائر وبيوتات من الأب وحده، الإنشقاق يبدأ من الفروع والتي في النهاية تأخذ نفس السياق التكاثري والشكلي، الأب هنا هو من يفرض على الجميع شكل العلائق والروابط التي يجب أن تسود تعبيرا عن مقولة "السلطة هي التشريع"، فحتى دين وعقيدة المجتمع هي دين وعقيدة الأب "الناس على دين ملوكها".
عندما تحدث الإنشقاقات بين المجموعات نتيجة تنافس زعمائي بالأساس هو تنافس قيم وسلوكيات، هذه القيم والسلوكيان نتاج معارف وأجتهادات وأفتراقات في مجالات كثيرة، يتبعها بالضرورة من هنا ومن هناك من يؤمن بالزعامة، ويبقى هوى الزعامة والسلطات التي تمنح له هدفا للكل ووسيلة للسيطرة عليهم، لذا دائما ما يميل الزعيم الطموح لمخاطبة هذه الميول والتوجهات ومحاولة الإيحاء بأنه يشارك هذه الميول وينتصر لها لجذب الأتباع، بالتأكيد العقيدة الدينية واحدة من الميول التي قد ينالها شيء من التنافس ومحاولة التغيير أو التبديل أو التخفيف، لاسيما إذا رافقها إلتزامات عامة أو فرض نوع من التكاليف النادية أو الجهدية، من هذه النقطة وليس كقانون عام شهدت بعض المجتمعات تبدلات مهمة أو طفيفة وحسب شدة الخلاف في الكثير من القيم ومنها الدين.
نجحت بعض المجتمعات المنشقة عن المجتمع الأم أن تتخذ لها طابعا عقديا دينيا مختلف قليلا أو كثيرا عن الأصل، وهذا بالضرورة يؤدي إلى سلسلة من التغيرات في بنية العقيدة ذاتها، ربما تحتاج إلى إيضاخات وتبريرات وقواعد جديدة، تحتاج إلى معلم ديني وتحتاج إلى أفكار منافسة ومزاحمة وقادرة على رسم الصورة الضدية أو المعدلة عن الفكرة الأم، هنا نحتاج إلى ما يشبه خلية النخل التي تعمل وفق هدف واحد ورؤية واحدة أستجابة للتغيرات والدوافع، وبما أن الزعامة هي السبب وراء هذه التغيرات فلا بد أن يكون لهذه الخلية الفكرية العبادية من دعم تخادمي مع الزعيم، هنا ولد درجة أخرى من التعاون والتقرب بين الزعيم ومؤسسة السلطة في المجتمع مع هذه الخلية ورمزها في يسط الفكرة الجديدة، في عملية تبادل مصالح وتوزيه قوى التأثير داخل المجموعة.
لقد برز رأس رمزي أخر داخل المجموعة وهو رمز الكاهن أو رجل الدين أو معلم الدين الجديد الذي يحمل صولجان القداسة، والذي كان في المراحل الأولى هو الرمز المجتمعي أيضا في ضل عملية إعادة نظام وأنتظام متطورة وبناء مجتمع قادر على تنويع وتوزيع المسئوليات داخله في عملية تخصص وتخصيص، لقد حظي معلم الدين في المراحل الأولى من التنظيم بأهتمام بسيط نتيجة قوة الزعامة الأجتماعية ومحدودية الموارد التي تركزت بيد الزعيم، لكن دوره تعاظم وأصبح أكثر خطورة وأهمية بعد أن ترسخ دوره أجتماعيا وأصبح يملك الكثير من الأسرار الدينية والقوة المالية، ويتصرف بالكثير من السلوكيات التي تنتهي دوما بمفهوم السلطة والقوة والقدرة الأستثنائية له، وأيضا من خلال علاقته بالرب وقدرته على التعامل المباشر أو سبه المباشر معه.
من هنا برزت أيضا دائرة المعبد الرمز المكاني والروحي والأعتباري للرب، وما يمثله لهم من قوة وعز وأمان لا سيما في ضل نسيج كامل ومجموعة من الأفكار التي تدور حوا علاقة الرب بهذه المجموعة، ودعمه لها في صراعها مع المجموعات الأخرى ومنها المجموعة الأم، ومن تولى نسج هذه الأفكار والحكايات هو الكائن الداعم للإنفصال والإنشقاق ونصير الزعيم المنشق، الكثير من هذه الأفكار لم تكن أصلا جزء من دين المجموعة السابقة والتي تنحاز بدورها للزعيم القديم، لكنها نشأت وأنتشرت لتعزز حال ووضع جديد، وبما أنها ليست من أصل الفكرة الدينية الأولى ولا من نفس مصدريتها فتكون بالتأكيد في تفاصيلها وصورها وأسسها تختلف عن الدين القديم، نحن الأن أمام عقيدتين دينيتين بينهما أختلاف وفوارق تبدأ صغيرة وغير مهمة، لكنها تتطور مع كل أختلاف أو تنازع أو تنافس لتستقل كل منهما في النهاية لصوب أخر مفارق ومختلف بالنتيجة.
إن العقل السياسي البراغماتي لمعلم الدين الجديد والزعيم الأخر ومنذ اليوم الاول لبرزهما في المجموعة بعد الأنفصال، تولدت معها الحساسية الفردية بين الانسان واخيه الانسان الذي كانا في مجموعة واحدة، وإن ظهور اوائل الغرائز الاقتصادية والاستغلال الفردية والمؤسساتية الجديدة التي قادها المعبد أولا، حاول فيها الطرف المهيمن اشاعة الخرافات والاوهام داخل المجموعة الجديدة وعند الطرف الاخر المستلَب من اجل السيطرة عليه وتوجيهه بالطريقة التي يريد وابتزازه والتسيد عليه في علاقة جديدة غير علاقة الأب وأبن، هنا علاقة المؤمن والمعبد علاقة العبد بالغيب في تطور في علاقات المجتمع التي ستتوسع لاحقا مع تطور المجتمع وأفكاره، الهدف الأساس من هذه الأفكار الخرافية كانت القمع الفكري المعنون بالقداسة والتعظيم وهدفه الطاعة المطلقة للبنيان السياسي والديني والأجتماعي للمجموعة الحديثة، وجعله اسيراً للتصورات الخرافية المنتجة قِبْليا كمقدسات للحاضر والمستقبل وتكبيله بالعقائد والممارسات المعبدية ورمزها معلم الدين، وهذا ما سيبعد الفرد الأجتماعي عن التأمل بحياته وبواقعه ومستقبله، فيعميه الجهل وضمان أن لا يبتعد عن دائرة الغرائز الأساسية الممثلة بالغذاء والجنس والخوف والشعور بالحاجة للأخر، مما يسهل معه توجيهه بالطريق التي يُشاء بها الكاهن والزعيم وتستلب حقوقه الانسانية وحريته، ويكون اداة طيّعة للنوايا التزاحمية والتنافسية، ولذلك لم ينقطع انتاج الخرافة حتى يومنا هذا لارتباطه بالواقع المرسوم قصديا كحاضنة مثلى للخرافة..



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأريخ الخرافة ح 9
- تأريخ الخرافة ح 10
- تأريخ الخرافة ح 8
- تأريخ الخرافة ح 7
- تأريخ الخرافة ح 6
- تأريخ الخرافة ح 5
- تأريخ الخرافة ح 4
- تأريخ الخرافة ح 3
- تأريخ الخرافة ح 2
- تأريخ الخرافة
- أثر الجغرافية البيئية والبيئة الجغرافية في صياغة الشخصية الف ...
- هل الشخصية العراقية علمانية الجذور والتكوين؟.
- العلماني جذور نفسية وتأريخية في الشخصيى الفردية والعامة
- التناقض بين العلمانية ومفهوم الطاعة للمقدس... الحرية معيار
- إعادة تأهيل الروابط المشتركة للشعب العراقي، مسئولية النخب أم ...
- في دور المال في تشكيل مفهوم السلطة في بعض أوجه الشخصية العرا ...
- الجانب الأخر من التاريخ....
- تحول الدين من ظاهرة إلى مظاهرة
- الدين والطبيعة وفهم العلاقة بين الإحساس والوجود.
- الدرس العشرون والاخير من دروس شهر رمضان لهذا العام


المزيد.....




- ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه ...
- هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
- مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي ...
- مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
- متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
- الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
- -القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من ...
- كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
- شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
- -أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - تأريخ الخرافة ح 11