أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أمل فؤاد عبيد - جيل دولوز بين الطبيعية والتجريبية وفقا لهيوم















المزيد.....


جيل دولوز بين الطبيعية والتجريبية وفقا لهيوم


أمل فؤاد عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 1757 - 2006 / 12 / 7 - 05:57
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يقدم لنا جيل دولوز قراءة نقدية لكتاب المبحث للفيلسوف التجريبي هيوم عن الطبيعة البشرية وسوف نتناول في هذا العرض صيغة التصور الفلسفي لطبيعة المعرفة والأخلاق ( المبادئ والقواعد العامة ) وكيفية تأثيرها في الفكر .. كما طرحها هيوم بشيء من التفصيل معتمدين على مقولاته كما جاءت في سياق الكتاب .
يرى هيوم أن الفكر يجب ان يكون متأثرا وهو الشرط الضروري لإمكان وجود معرفة على وجه العموم .. والفكر لا يتأثر إلا بشكلين لا ثالث لهما هو ( الانفعالي والاجتماعي ) وهما معا يشكلان جزءا من الطبيعة البشرية الممكنة وهي إلى جانب الفهم والتداعي انطلاقا من مفهوم السيكولوجية الممكنة وهي لدى هيوم سيكولوجية تأثرات الفكر .. وليس سيكولوجية الفكر بحد ذاته .. حيث أنها ممكنة التشكل والديمومة والثبات وذلك بفعل مبادئ التداعي والمبادئ التي يرى فيها هيوم الأصل في ـاثر الفكر وتأكيد الطبيعة البشرية ..
إن التأثر والفهم والتداعي هي الظواهر الرئيسية للطبيعة البشرية التي سيقدم لنا هيوم تحليلا لكيفية عملها من خلال نظرية ذات قطبين لا ثالث لهما هما التجريبية والذاتية .. أو الذرية والترابطية .. على أعتبار أن الذرية هي سيكولوجية للفكر .. سيكولوجية للفكرة .. للعناصر البسيطة أو الحدود الدنيا للأشياء التي لا تقبل القسمة هي تشغل بشكل أساسي الجزء الأول من منظومة الفهم ( فكرتي الحيز والزمن ) وبوصف العلاقات خارجية بالنسبة لأفكار .. أما الترابطية هي سيكولوجية الطبيعة البشرية .. سيكولوجية النزعات .. علم للممارسة وللأخلاق بوجه خاص .. وللسياسة والتاريخ .. وهي نقد حقيقي للسيكولوجيا لأنها تجد حقيقة موضوعها المعطى في كل التحديدات التي ليست معطاه في فكرة .. في كل الكيفيات التي تتجاوز الفكر .. كما تدرس العلاقات كشئ خارج الأفكار وهي العلاقات التي تقيمها وتدركها الذات انطلاقا من مبادئ التداعي .
أما الذاتية : فهي الذات بوصفها تتأمل .. تتحدد الذاتية كمعلول .. إنها انطباع انعكاس .. حيث يصبح الذهن ذاتا فيما تؤثر فيه المبادئ .
ويأتي جوهر التجريبية ومصيرها مرتبطان بالتداعي .. وهي من حيث الجوهر لا تطرح مشكلة أصل الفكر .. بل مشكلة تكوين للذات .. وهي تنظر لهذا التكوين في الفكر على أنه معلول مبادئ عليا لا ناتج تكُون .
إنه التجريبية الذاتية فلسفة تسبر غور الطبيعة البشرية لتقف على تلك المبادئ والقواعد أوالقوانين التي بها تكون هناك معرفة فهي تتكون في الفكر تحت تأثير المبادئ التي تؤثر فيه .
يتناول هيوم في كتابه ( المبحث ) موضوعات ذات أهمية كبيرة تتوزعها الأسئلة التالية : كيف يصبح الفكر طبيعة بشرية .. ؟ .. كيف يصبح الفكر ذاتا .. ؟ والخيال ملكة .. ؟ كيف تصبح مجموعة أفكار منظومة ..؟ إن مشروع هيوم الحقيقي هو البحث في مبادئ الطبيعة البشرية .. كيف تتكون الذات في المعطى ..؟ وعلاقة هذه بالثقافة .. ؟ أو علاقة النزعة بالمؤسسة ؟ ويبدأ مشروعه ذلك من خلال تحليل عميق لارتباط الفكرة والفكر والخيال وتطابقهما في الخيال .. وارتباط النزعة بالمؤسسة من خلال مبادئ الطبيعة البشرية .. والقواعد العامة التي يحددها بأنها منظومة لوسائل مخترعة أو مصطنعة .
يركز هيوم بداية على الخيال محددا إياه بأنه مكان يجب تحديد مكانه ولا شئ يفعل بواسطة الخيال .. بل كل شئ يفعل في الخيال .. والفكرة موجودة في الخيال .. حتى وإن تم إنتاجها في الخيال .. فما هذا الإنتاج إلا إعادة إنتاج انطباع في الخيال .. وله نشاط آخر لا يقل أهمية عن النشاط الأول ولكن بلا استدامة أو تشاكل.. أي أنه ( فنطاسي ) .. هو حركة الأفكار .. ومجموع أفعالها .. وردود فعلها .. ومبادئ الطبيعة ( مبادئ التداعي الثلاثة ) التي تعمل على تثبيته وإعطائه استدامة وتشاكل وهي ( الطريقة التي تتداعى بها الأفكار في الخيال ) لم يكن ليحصل عليها لولا فعل تلك المبادئ التي تشكل المعطى كمنظومة .. أي مجموعة الإدراكات أو مجموعة الأفكار أو التجربة .. من خلال إقامة علاقات هي الكيفيات الأصلية للطبيعة وليست سمة من سمات الفكرة أو الافكار .
إن هيوم يطرح مسألة الذات وكيفية تشكلها في المعطى .. في التجربة .. وضمن أي شروط ممكنة لذلك التشكل .
تتخذ التجربة لدى هيوم معنيين فقد تطلق تسمية تجربة على مجموعة الإدراكات المتميزة وقد تطلق على موضوعات كانت قد التقت في الماضي .. أوهي الملاحظات الماضية والتي يتولد عنها عقل خالص .. أفكار .
أما العلاقات فهي لا تشتق من التجربة بل هي معلول مبادئ التداعي .. مبادئ الطبيعة البشرية .. التي تكوُن ذاتا قادرة على تجاوز التجربة .. وهذه المبادئ لا تأتي من التجربة .. بل على العكس التجربة هي التي يجب فهمها كمبدأ .
هناك لدى هيوم .. إذن أفكار .. وعلاقات هي ناتج أو معلول المبادئ وهي لا ترتهن بالأفكار .. والمشكلة الحقيقية عند هيوم هي كيف تتكون الذات في المعطى ؟ .. أو كيف يصبح الخيال ملكة .. ؟ كيف يتكون قانون إعادة إنتاج التمثلات أي تأليف لإعادة الإنتاج تحت تأثير المبادئ .. ؟ فالتجريبية لا يمكن تعريفها إلا من منطلق ثنائية أو ازدواجية هي بين المعطى والذات .. الحدود والعلاقات .. أو بين قدرات الطبيعة المخفية ز. ومبادئ الطبيعة البشرية على اعتبار أن المعطى والذات والعلاقات هي أولية .. وبأن هناك اتفاق بين الطبيعة والطبيعة البشرية .. القدرات التي في أصل المعطى والمبادئ التي تكون ذاتا في المعطى .. مما ينتج عنه مشكلة ميتافيزيقية هي مشكلة الغائية . .. المرجع الوحيد الذي اعتمده هيوم لتأكيد ذلك الاتفاق .. أن لا يكون المعطى هو أيضا أولا خاضعا لذات المبادئ التي تنظم ربط التمثلات لذات تجريبية .. لن تتمكن الذات من مصادفة ذلك الاتفاق إلا عرضا أو بالمصادفة . ولن تستطيع ربط هذه التمثلات وفقا لما لدى ملكتها من قواعد .
وعند الحديث عن مشكلة الغائية . لا بد من تلخيص لحظات فعل المبادئ العامة في الفكر .. والبحث في كل لحظة من تلك للحظات عن وحدة مبادئ التداعي ومبادئ الانفعال .. الوحدة التي تمنح الذات بناها المتعاقبة والمتوالية .. وهذا ما سوف يتضح من خلال الحديث عن الأخلاق وعلاقة الذات بالمجتمع .. أو المؤسسة .
يقول هيوم أن الأخلاق لها طبيعة أصلية .. إنها ناتج التبصر في طبع على وجه العموم .. بما هو مفيد للغير أو للشخص بالذات .. من دون الرجوع إلى مصلحتنا الخاصة .. والذي يجعل من الممكن التخلي عن وجهة نظر خاصة بنا عند هيوم هو التعاطف .. إلا أن هذا التعاطف مرهون بالطبيعة البشرية ومبادئها فيكون عن طريق تحديدات المبادئ الثلاثة ( الاقتران والتشابه والسببية ) .. من نحبهم هم أقراننا وأشباهنا وأهلنا .. ومعنى ذلك أن للتعاطف امتداد لكنه مرهون بالظروف التي تحد من امتداده .. وهو ما يسميه هيوم بالتحيز .. ولكي يكون التعاطف أخلاقيا يجب أن يملك حالة من الامتداد لا ترتهن بالظروف السابقة .. واستبعاد الحالات التي لا تقدمه
فالإنسان من وجهة النظر هذه يكون أقل أنانية مما هو متحيز .. ( كنه المصلحة الخاصة ليس الأنانية بل التحيز ) .. إن تعددية التحيزات هي ما يجعل الناس يفتقدون للغة عاقلة بينهم مما يفضي إلى التناقض والعنف .. وهذا بدوره يفضي إلى حقيقة المشكلة الأخلاقية .. حيث أن المجتمع يجد في التحيز القدر ذاته من الإعاقة التي يجدها في الأنانية .. فأي أهمية تعزى لهيوم في تقديمه لملاحظته تلك .. بأن الإنسان ليس أنانيا بل تعاطف .. ؟ يرى هيوم أن بنية المجتمع تتغير حسبما ننظر إليه انطلاقا من الأنانية أو التعاطف .. فبالنسبة للأنانيات واجب عليها الحد من نفسها .. أما بالنسبة للتعاطفات ينبغي دمجها في جملة إيجابية .. فليس المجتمع .. حسب نظرية العقد الاجتماعي .. مجموعة من تقييدات الأنانيات والمصالح .. بل يجب فهم المجتمع على أنه منظومة إيجابية لمشاريع مخترعة .. غايات .. ولأن المجتمع ما هو إلا عائلات ( تحكمها الغريزة الجنسية والتعاطف ) وهذه العائلات هي الوحدات الاجتماعية حقا .. إلا أن المجتمع ليس اجتماعا عائليا بل اجتماع عائلات .. حيث أن هذه الوحدات لا تنجمع بل تستبعد بعضها بعضا .. يحكمها مبدأ التحيز .. أو أن هذه التعاطفات الطبيعية عاجزة بذاتها عن تشكيل عالم أخلاقي .. وهنا مكمن المشكلة الاجتماعية .. مشكلة دمج تلك الوحدات في وحدة متكاملة .. وليست تقييد أو وضع حدود .. اختراع كل تنجمل فيه المصالح الخاصة والتحيزات .. وهذا يعني أن يتخطى التعاطف تناقضه .. أو تحيزه الطبيعي .. وهذا يتطلب عالما أخلاقيا إيجابيا يتم اختراعه إيجابيا .
في هذا العالم الأخلاقي المخترع .. يتم الانتقال فيه من التعاطفات الفعلية .. التي يستبعد بعضها بعضا ..إلى كل فعلي يتضمن التعاطفات .. أي تمديد التعاطف بحيث يتجاوز حدوده الطبيعية .
إذن العالم الأخلاقي كما يرى هيوم لا يؤول إلى غريزة أخلاقية .. أو إلى ظروف التعاطف الطبيعية ( ليست طبيعتنا هي الأخلاقية .. بل أخلاقنا هي التي في طبيعتنا ) .. إذن الحس الأخلاقي .. لا يتأكد إلا بتجاوز التحيزات الخاصة بنا .. عندما ( نعطي الصفات الأخلاقية ذاتها التأييد ذاته .. على الرغم من تغير تعاطفنا .. سواء كانت هذه الثفات في الصين أو انجلترا ) .. باختصار شديد .. يتغير التعاطف من دون أن يتغير تقديرنا .
ولن يتحقق وجود هذا العالم الأخلاقي .. ( الجملة الاصطناعية التي تتكامل فيها وتنجمع الأهداف الخاصة ) .. ولن يتم إلا من خلال قواعد عامة تكون بدورها قانون بناء .. ينظم عناصر الطبيعة ومبادئها بالذات ..أو منظومة وسائل تتيح للمصالح فرصة تحققها .. دون أن يكون هناك تناقض أو عنف . والقاعدة العامة عند هيوم هي : منظومة وسائل موجهة .. مجموعا محددا أو هي معيارا عاماً غير قابل للتغيير .. ولها قطبان : شكل ومضمون .. محادثة وملكية .. منظومة الآداب الحسنة .. وثبات الحيازة .. مثلا : فكر الآخرين شريطة أن يتخطى تعاطفاته الخاصة .. وأن يتغلب على تحيزاته .. بكلام آخر .. يمكن أن يمارس التعاطف الطبيعي بصورة مصطنعة لكن خارج حدوده الطبيعية .. ووظيفة القاعدة العامة هي تحديد وجهة نظر ثابتة ومشتركة .. تكون حازمة وهادئة .. ومستقلة عن وضعنا الراهن . فكل ما ينتج في الأفعال البشرية مخالفا لرؤية عامة .. يسمى عيبا .. يتضح لنا أن الالتزام هنا منتج .. اصطناعي .. وبما أنه كذلك فهو يتميز عن الالتزام الطبيعي من حيث الجوهر .. وعن المصلحة الطبيعية والخاصة .. وعن الدوافع للفعل .. هو الالتزام الأخلاقي أو الحس الواجب .
هذا فيما يخص القطب الأول .. أما القطب الثاني .. الملكية أو ثبات الحيازة .. أو المضمون : فهي تفترض شروط مماثلة ( من مصلحتي أن أترك الغير يتمتع بممتلكاته شريطة أن يتصرف الغير بالطريقة ذاتها حيالي ) حيث تكون مصلحة الغير هنا .. مصلحة عامة . إن إصلاح الملكية هو الاصطناع الذي تتعلق عبره أفعال كل شخص بأفعال الآخرين هو إرساء رسم ذهني أو تأسيس مجموع رمزي أو كل . إن دور القاعدة العامة مزدوج .. امتدادي وتصحيحي في الوقت ذاته .. حيث تصحيح عواطفنا من خلال جعلنا أن ننسى وضعنا الراهن .. وأن نتجاوز تحيزاتنا .. فالامتدادية هي تجاوز التحيزات الطبيعية .. القاعدة العامة هي تضمن الاستثناء .. هي التعاطف مع الغير .
هنا يحضرنا سؤال في غاية الأهمية .. كيف يكون اختراع القاعدة ممكنا .. ؟ أي منظومة الوسائل تلك أو المجموعات التصحيحية والامتدادية في آن ؟ يحدد هيوم منطلق هذا الإمكان من خلال نظريته عن الاصطناع .. وتصوره الكامل للعلاقات بين الطبيعة والثقافة .. أوبين النزعة والمؤسسة .. يرى هيوم أن الطبيعة تشترط مماثلة المصالح الخاصة .. والتي في نفس الوقت من المستحيل تماثلها أو اندماجها بشكل طبيعي .. ليكون في الإمكان وجود قاعدة عامة .. أو إمكان وجود محادثة أو ملكية .
لذا يرى هيوم أن التعاطفات تجد نفسها في خيار هو التالي : الامتداد بواسطة الاصطناع أو تدمير الذات بواسطة التناقض .
وهي أيضا الانفعالات فهي إما أن تكفي نفسها بنفسها بصورة اصطناعية .. منحرفة أو أن تنفي نفسها بالعنف .. لذا وكما يقول بنثام .. أن الحاجة طبيعية لكن إرضاء هذه الحاجة لا يكون إلا اصطناعا أو ثقافيا .. فتلك المماثلة في المصالح التي تشترطها الطبيعة لا يمكن تحقيقها إلا اصطناعا .. وتعني هذه الاصطناعية بأن تلغي كل العوائق الطبيعية أمام المماثلة الطبيعية لهذه المصالح .. فالاصطناع يضمن للتعاطف والانفعال الطبيعيين امتداد خارج حدودها الطبيعية .. ومن ثم إمكان اختراع قاعدة عامة . فالعدالة مثلا : ليست مبدأ من مبادئ الطبيعة .. إنما هي اصطناع قاعدة أو وسيلة والتي بها ترجع المصالح الطبيعية إلى مقولة المجموع السياسية أو الجملة .. هي امتداد الانفعال أو المصلحة التي لا تقسر ولا تنفى إلا حركتها المتحيزة . وهذا الامتداد بدوره ما هو إلا تصحيحا أو انعكاسا بمعنى انعكاس المصلحة أي نوع من لي الانفعال بالذات .. في الذهن .. الذي يؤثر فيه ليصبح الانعكاس ما هو إلا عملية للنزعة التي تكبح ذاتها بذاتها . من هنا يظهر لنا أن الثنائية الحقيقية عند هيوم هي بين مجمل الطبيعة هذه متضمنة الحيلة أو مضمون القاعدة العامة كما سبق شرحه والفكر الذي تؤثر فيه .
بالنسبة للطبيعة البشرية .. فلها كيفيتين .. ضربين من نوع التأثر .. معلولات التداعي .. ومعلولات الانفعال .. وكل واحدة من هاتين الكيفيتين .. هي تحديد منظومة الفهم .. ومنظومة الانفعالات والأخلاق .. ويبدو لتوازي يقوم ويتواصل بينهما .. مثلما يحدد التداعي للفكر عمومية ضرورية .. قاعدة لا غمى لجهد المعرفة النظرية .. والذي يقوم به فإن الانفعال يقدم له مضمون استدامة .. يجعل من الممكن نشاطا عمليا وأخلاقيا .
بداية نقول أن هيوم يؤكد على أن الذات هي معلول المبادئ في الفكر .. ليست سوى الفكر مفعلا .. أي الفكر وقد فعلته المبادئ .. وبمقدار ما تعزز المبادئ معلولها في الفكر .. تصبح الذات وهي هذا المعلول بحد ذاته .. أكثر فأكثر فعالية ..وأقل فاقل انفعالية .. فقد كانت منفعلة وأصبحت فاعلة .. فالذات .. إذن سيرورة وواجب جرد شتى لحظات هذه السيرورة .. فالذات في البدء هي انطباع .. تتركه المبادئ لكنه يتحول تدريجيا .. إلى آلة قادرة على استخدام هذا الانطباع .
ومعلول المبدأ هو دائما انطباع .. انعكاس .. نزعة .. انفعال .. الذاتية إذن انطباع وانعكاس .. الذي بدوره يصدر عن انطباعات الاحساس .. هنا يتقدم سؤال مهم جدا .. كيف يتم اختيار انطباعات احساس من بين المجموعة أو الانطباعات الأخرى .. لأن تكون ما يصدر عنها من انطباعات انعكاس ؟
يقول هيوم أن المبدأ هي هذه وظيفته الرئيسية .. فمثلا لكي يتم صدور انطباعات متشابهة أو مقترنة يجب أن يكون التشابه أو الاقتران مبدأين .. بمعنى أنه لكي يصدر انطباعات انعكاس عن بعض انطباعات الاحساس .. ينبغي أن يكون للفكر ملكات مصوغة بطريقة مناسبة .. يجب أن يكون له طبيعة بنية لا يستمدها من ذاته .. فالمبدأ إّن يدخل بين الفكر والذات .. بين انطباعات الاحساس والانعكاس .. بحيث تصدر الثانية عن الأولى .. فالمبدأ قاعدة السيرورة .. العنصر المكون في بنية الذات في الفكر .. مبدأ طبيعتها .. لذا نلاحظ أن المبدأ له دورين :
الدور الأول هو انتقائي .. والدور الثاني هو دور مكون .
فهناك مبادئ الانفعال التي تختار انطباعات اللذة .. والألم .. من بين انطباعات الاحساس ليأتي دور مبادئ التداعي لتختار من جهتها الادراكات التي يجب أن تتحد في مركب هو انطباع انعكاس .. بحيث يكون في علاقة مع بعض انطباعات الاحساس .. إذن المبادئ ما هي إلا قوانين للطبيعة البشرية .. وتجعل علما للإنسان ممكنا . فمبادئ التداعي لها ثلاث معلولات : ( الأفكار العامة .. الجواهر .. العلاقات الطبيعية ) .. وفي هذه الحالات الثلاثة يتكون المعلول من انطباعات انعكاس .. من انفعال .. من تحديد يخضع له الفكر وهو ما يسميه هيوم نزعة أو عرف أو استعداد .
فالأفكار العامة مثلا .. يدل مبدأ التشابه على بعض الأفكار المتشابهة .. وتجمعها تحت اسم واحد .. وهذا الاسم عندما يشترك مع فكرة كان قد أيقظها الاسم في الفكر ينتج عرفا .. قوة .. قدرة على استرجاع انطباع انعكاس .. وكذلك بالنسبة لمبادئ الاقتران والسببية .. حيث تجمع بعض الافكار التي تكون فيما بينها مجموعة اتحاد .. وفي حالة العلاقات الطبيعية .. نجد أن كل من المبادئ الثلاثة تدل على بعض الأفكار والانتقال السهل من بعضها للبعض الآخر . إذن معنى مبادئ التداعي هو التالي : تكوين انطباع انعكاس .. انطلاقا من انطباعات إحساس مشار إليها .. إلى جانب مبادئ الإنفعال كمبادئ للطبيعة لها تأثيرها في الفكر .. تكيفه .. لكن على العكس يعكس الفكر انفعاله .. ـاثراته .. وبالنسبة لمعنى مبادئ الانفعال فلا يتغير عن مبادئ التداعي إلا أن الفرق بينهما هو أن الانفعال له معنيين فهو : إما انطباعات مختارة .. لذات وآلام .. لكن انطلاقا من اللذات والآلام .. فهي انفعالات مباشرة .. أو كإندفاع طبيعي .. كغريزة تنتج انطباع إنعكاس .. وهي الانفعالات غير المباشرة .. حيث تصدر عن المبادئ عينها لكن بإلتقاء كيفيات أخرى .. إذن الإنفعال له علة دائما أو فكرة تثيره .. انطباعا يصدر عنه يكمن في انطباع انعكاس دائما .. في ـاثير لذيذ أو كريه .. إذن هناك نوعان من انطباعات الانعكاس .. نوعان من الانفعالات العاطفية .. بعضها يحول الفكر نحو الخير .. او الشر . اللذة أو الالم اللذين يصدر عنهما .. والبعض الآخر نحو فكرة موضوع ينتجه الفكر ذاته .. أو بكلام آخر .. : هناك انفعالات مباشرة بمقدار ما للخير والشر من أشكال وجود .. والانفعالات غير المباشرة بمقدار ما هناك من انفعالات عاطفية تنتج فكرة موضوع .. إن الذات هي الفكر مفعلا لكن هذا التفعيل .. سوف يفهم كإنفعالية للفكر .. بالنسبة للمبادئ التي تنتجها .. كفاعلية بالنسبة للفكر الذي يخضع لها .. لذا نستطيع أن نقول : إن ارتباط التداعي والانفعال كما الرباط بين الحقيقي والممكن .. فالتداعي يعطي الذات بنية ممكنة .. والانفعال وحده الذي يعطيها كينونة ووجود .. أي أنه يجد معناه في العلاقة بين التداعي والانفعال .
هنا يتقدم هيوم بنا إلى أهم ما في فلسفته من خلال هذا التحليل : عرفنا أن المبادئ تثبت الفكر حيث تقيم مبادئ التداعي بين الأفكار علاقات طبيعية .. فليس صدفة أن يتم المرور من فكرة على فكرة لأخرى .. إن فكرة تشكل تمهيدا طبيعيا لأخرى
وفقا لمبدأ لقد بات الخيال عقلا خالصا .. تحت هذا التأثير وجدت الفنطاسيا استدامة .. لكن إذا كان الفكر مثبتا فقط بهذه الطريقة .. لما كانت هناك أخلاق .. حيث أن الأخلاق عند هيوم لا تشتق من العقل .. كما أن هناك اختلاف جذري بين الأخلاق والعقل .. إذن لابد من تثبيت الفكر بطريقة أخرى .. هذا دور مبادئ الانفعال .. حيث تدل على بعض الانطباعات التي يكونها الفكر على أنها غايات نشاطنا .. ففي الفكر انطباعات تسمى اللذات والآلام .. كلن أن تكون اللذة خيرا والألم شرا .. أن نميل للذة وننفر من الألم .. ليس هذا متضمنا في اللذة والألم بذايتهما .. هنا يأتي دور المبادئ .. وذلك تجعل مبادئ الانفعال من اللذة غاية .. وتعطي الفعل مبدأه وتجعل منه حافزا للفعل .
هنا يأتي دور القواعد بما أنها قانون بناء .. أن ينظم كل عناصر الطبيعة ومبادئها بالذات لكن بأي كيفية ؟ إن القاعدة هي امتداد للانفعال وانعكاس له في الخيال .. القاعدة العامة هي الانفعال المنعكس في الخيال .. ففي الانعكاس يتخيل الانفعال نفسه وينفعل الخيال .. فالتعريف الحقيقي للقاعدة هو انفعال الخيال .. إذن القاعدة ممكنة .. وإذا كان هيوم ينفي أن ترجع القواعد إلى غريزة مما ينتج عنه التزام اصطناعي .. إذا ان هذا لا يمنع من أن تكون هناك غريزة أخلاقية وبالتالي وجود إلتزام طبيعي للقواعد العامة .. خاصة بعد تشكلها .. فالتقدير مثلا نتاج التعاطفات الطبيعية الذي يجب أن لا يتغير بتغير هذه التعاطفات .. إذا أن ذلك لا يمنع من القول بأن التعاطف شرط التقدير .. فالتقدير يتم بواسطة التعاطف ليس غير .
من ناحية أخرى نجد أن هيوم بالرغم من أنه يتجاوز الطبيعة في تحديداته .. إلا أنها المصب النهائي له .. حيث يقرر أن العدالة هي اصطناع والاصطناع بحد ذاته طبيعة تعود على الفرد الذي اصطنعها .. هذا ما ينقلنا إلى الحديث عن النزعة والمؤسسة أو الطبيعة والثقافة .. من حيث وظيفة الثانية .. فالطبيعة لا تصل إلى غاياتها إلا بواسطة الثقافة .. ولا ترضى النزعة نفسها غلا عبر المؤسسة .. فالطبيعة والثقافة تشكلان معا كل أو مجموع مركب .. فالطبيعة ضمن شروط القواعد العامة التي قال بها هيوم عملت على تشكيل الثقافة .. التي بدروها تعيد صياغة هذه الطبيعة .. وكل نزعة لها وسائلها التي تنظم لإرضائها .. وليس معنى هذا أن النعة تفسر المؤسسة .. المؤسسة منظومة مخترعة لوسائل إيجابية .. غير مباشرة .. أو هي على أقل تقدير منحرفة مخترعة .. إنها باختصار ثقافية .. يحكمها مبدأ المنفعة .. الذي هو علاقة المؤسسة بالحاجة .. حيث أن النزعة تشفى غليلها في مؤسسة على اعتبار أن المؤسسة كما يقول هيوم : منظومة وسائل منحرفة غير مباشرة .. المؤسسة هي القاعدة .. إذ أنها لا ترضي النزعة من دون أن تقصرها في الوقت عينه .. الغريزة لا ترضي نفسها إلا ضمن إطار محدد مسبقا ومتفق عليه .. كالزواج مثلا .. وهنا يأتي دور العقل والعرف .. في تفسير المؤسسة .. خاصة وأن انعكاس النزعة هو الحركة التي تشكل العقل العملي .. والعقل ليس سوى لحظة محددة من تأثرات الفكر .
هناك تفسيرا آخر للمؤسسة انطلاقا من الخيال .. فلأن النزعة لا تفسر المؤسسة .. بل انعكاس النزعة في الخيال .. يرى هيوم أن التداعيات خاصة وهي تتغير وفقا للظروف ويتكشف الخيال كإنتاج حقيقي لمثالات متنوعة إلى أبعد الحدود .. فالمؤسسات تحدد الصور التي ترسمها النزعات وفقا للظروف حين تنعكس في خيال خاضع بطبيعته لمبادئ التداعي .. فيأتي إرضاء النزعة ليس على مقاس النزعة بالذات .. بل النزعة المنعكسة في الخيال .. وهذا هو معنى المؤسسة في اختلافها مع الغريزة ..
في الختام .. يمكننا القول بأن هيوم قد استطاع تقديم تحليل وافي لطبيعة النفس البشرية .. والنوازع ودور المؤسسة في تلبية احتياجات الفرد بعد انعكاسها في الخيال .



#أمل_فؤاد_عبيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جيل دولوز والسؤال الفلسفي
- تهويمات على صدى الحقيقة .. لديوان - أف - للشاعر الفلسطيني مو ...
- قراءة على هامش الأدب والنقد
- الفقد .. شرخ في ذاكرة فلسطينية
- -إدارة الأفكار وإرادة المعرفة - الرهان المعرفي عند الكاتب عل ...
- مكونات اليهودية من وجهة نظر غربية
- - إدارة الأفكار وإرادة المعرفة - الرهان المعرفي عند علي حرب


المزيد.....




- تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي ...
- الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ ...
- بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق ...
- مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو ...
- ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم ...
- إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات ...
- هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية ...
- مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض ...
- ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار ...
- العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أمل فؤاد عبيد - جيل دولوز بين الطبيعية والتجريبية وفقا لهيوم