أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد علي عبد الجليل - في معنى المُعجِزة















المزيد.....

في معنى المُعجِزة


محمد علي عبد الجليل

الحوار المتمدن-العدد: 7945 - 2024 / 4 / 12 - 17:23
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


المُعجِزة (الخارِقة، الأُعجوبة، العجيبة) تدلّ على شيء يَـتعجّب منه الناظرُ ويَصعُب عليه فَهمُه أو الإتيانُ بمثله، مِن الفعل «أَعجَزَ» : سَبقَ وفاتَ فَلَم يُدرَكْ، أو جَعلَه عاجزاً غيرَ قادِرٍ، وهو مِن الجَذر الثلاثي «ع.ج.ز» بمعنى : أخّرَ، فالفعل المُعجِز هو الّذي يُعجِزُكَِ، أي يؤخِّرُكَِ عن فَهمِه فلا تُدرِكُ/تُدرِكينَ كيف حَصلَ ويفوتُكَِ فَهمُه.

والمُعجِزة بالفرنسية (miracle) (وتُسمَّى أيضاً : merveille أو prodige) مشتَقَّة من اللاتينية (mirus) بمعنى : «مُدهِش غير اعتيادي يدعو للتعجُّب». فمفهومُ المُعجِزة يقوم على المفاجأة عند النظر أو على النظر بِدَهشة واستغراب. وسببُ المفاجأة هو قِلَّةُ الحدوث أو نُدرتُه، أيْ وصولُ صورةٍ جديدةٍ إلى الدماغ لم يكُنْ يألَفُها. فالمعجزة تتغير حسب الزمان والمكان والمُراقِب (أو الراصِد أو المُشاهِد).

المُعجِزة إِذاً ليست شيئاً مخالِفاً لقوانين الطبيعة، فنحن أصلاً لا نعرف قوانينَ الطبيعة، كما تَرَى الفيلسوفة سيمون فايل (Simone Weil) (1909 - 1943) في «التجذُّر» وفي «رسالة إلى رجل دين»، بل هي فِعلٌ غير اعتيادي يصعب القيامُ به بسهولة أو فهمُه بسرعة.

فأيُّ تحطيمٍ لرقمِ قياسي عند جماعة معيَّنة في زمان معيَّن هو مُعجِزة. وكلُّ شيء يُدهِشُكَِ هو معجِزة. وإذا وصلتَِ إلى حالةِ الدهشة من أي فِعلٍ أو مَنظَرٍ فدهشتُكَِ هذه هي مُعجِزة والفعلُ المدهِشُ هو معجزة. فأنْ تُدهَشَ/تُدهَشي فِعلاً لمجرَّد رؤية عنزة أو شجرة فهو أيضاً معجزة تكمن في تحرُّرِكَِ من رِبقة العادة.

وأنْ تَرَى/تَرَيْ عنزةً تطير أو شجرةً تتكلّم بكلام البشر فهذا إمّا هَلوَسة بصرية أو سمعية وإمّا خِداع وسِحر كأَنْ يوضَع في الشجرة شريحةٌ إلكترونية تُصدِرُ أصواتاً بشرية أو يُرَكَّبُ للعَنزَة جِهازاً متطوّراً يَسمح لها بالطيران. أمَّا أنْ تسمَعَ/تَسمَعي بطيران رَجُلٍ على بُراق إلى "السماء" وبولادة رَجُل من عَذراء فالأمر لا يتعدَّى الحكاية الرمزية أو الخُرافة.

ولهذا تشير سيمون فايل في «التجذُّر» إلى أنّ قيام الإنسان بثلاث خطوات بدافع المحبة الخالصة هو معجزة سواءً كانت هذه الخطواتُ على الماء أو على الأرض، لكنها عندما تتم على الأرض لا تبدو مُدهِشةً. وتوضح فايل في «رسالة إلى رجل دين» : « فالصَّدَقة التي تَتِمُّ ببِرٍّ أو إحسانٍ خالص هي معجزة عظيمة كمعجزة المشي على الماء. فالقديس الذي يمشي على الماء يشبه تماماً القديسَ الذي يبكي. في كلتا الحالتين هناك آلية نفسية-فيزيولوجية أحدُ عناصرها الإحسان – وهنا تكمن المعجزة، أنْ يكونَ الإحسانُ أحدَ عناصر مثل هذه الآلية – وأن تكون له نتائجُ مرئية. فالنتيجة المرئية هي المشي على الماء في إحدى الحالتين والدموع في الحالة الأخرى. الحالة الأولى نادرة. هذا هو الفرق الوحيد.»

وتَرَى سيمون فايل في «التجذُّر» أنَّ المُعجِزة هي القَداسة، وأنَّ الخير هو القداسة، وأنَّ الفعل الوحيد الخارق للطبيعة هو القداسة وما شابهها. وتشرح هي القداسةَ بأنها المَحَبَّة الخالصة أو الحُبّ المطلَق أو حُبّ الله الذي يعمل كوقود السيارة فيدفع الـمُحِبّ إلى الفعل الحقيقي وليس إلى رَدّ الفِعل الاستجابي الآلي. والمقصود هو غياب الغاية والمصلحة والأنا. فأيُّ عَمَلٍ يَقوم به الإنسانُ بدافع الحُبّ الخالص هو معجزة وقداسة.

المفهوم الفايلي [بحسب سيمون فايل] للقَداسة يتلاقى مع المفهوم البوذي للاستنارة. فالنقطة المشتركة بين القداسة الفايلية والاستنارة البوذية هي غياب الرغبة. فمِن منظور بوذي، يمكن فهمُ القداسة بمعنى اليقظة والاستنارة. هناك قِصّة بوذية تشرح الاستنارةَ بالانتباه إلى ما يحدث هُنا الآن. هذه القصة ذَكَرها الراهبُ اليسوعي أنتوني دو ميللو (Anthony De Mello) (1931 - 1987) بعنوان «أقطع الحطب» (بالإنكليزية : I chop wood) (بالفرنسية : Je fends du bois) في كتابه «أغنية الطائر» (بالإنكليزية : The Song of the Bird) (بالفرنسية : Comme un chant d’oiseau). تقول القصةُ إنَّ معلِّم الزِنْ كتبَ ما يلي بعدَ بلوغِه الاستنارة : «يا لَلروعة المُذهِلة ! أقطَعُ الحَطَبَ ! أَسحبُ الماءَ مِن البِئر !». والمقصود أنَّ الاستنارة هي رؤية مختلفة بعين الدهشة والجِدَّة. فالمشي فِعلٌ عاديٌّ عند أغلب البشر لكنه فِعلُ استنارة عند المستنير وفعلُ قداسة عند القِدّيس، لأن المستنير والقديس يدفعهما الحُبُّ الخالص والدهشةُ المذهلة وليس الأنانية والرغبات ولا رُدود الأفعال.

المعجزةُ، بحسب سيمون ڤايل، هي القداسة، والقداسةُ هي الاستنارة [أو اليقظة]، والاستنارةُ هي حُضورُ حَضرةِ الآنِ والانتباهُ والرصدُ بدون تدَخُّل الأنا وعدمُ الاعتياد بل رؤيةُ كلِّ شَيء جَديداً، أي أنْ يَكون بَصرُكَِ حَديداً حادّاً وَجَديداً جادّاً.

في الحقيقة، إنّ وجودكَِ معجِزةٌ، وإنَّ وجودَ كلِّ ما تراه/تَرَينَه معجِزةٌ أيضاً، لأنَّ دماغَكَِ يَعجَز عن فهمِه، وعن الإحاطة به، وعن إدراكِ كُنهِه. أنتَِ تَعجَز/تَعجَزين عن إدراك نفسِكَِ ووعيِكَِ. أنتَِ تظنُّ/تَظُنّين أنّكَِ أدرَكتَِ ما حولَكَِ لِمُجَرَّد رؤيته ولكنَّ دماغَكَِ الّذي لا يَهُمُّه سوى البقاء اعتاد وجودَ ما حولَكَِ لا أكثر، فَصنَّف الصورَ الّتي تكرَّرَ ورودُها إلَيهِ ضمن الأشياء الآمِنة التي لا خطرَ منها. وأنتَِ تَشعُرُ/تَشعُرين أنَّ هذه الأشياء الآمنة هي من ضِمن المعروف المُدرَكِ المفهوم المعلوم. إنَّ «التحرُّر من المعلوم» (التعبير لكريشنامورتي) هو الانتباه إلى أنَّ هذا المعلومَ هو غير معلوم في الحقيقة بل معتاد مألوف. أنتَِ تعتادُ/تعتادِين وتألَف/تألَفين المادَّةَ حولكَِ، ولكنْ لا تَفهَمُ/تَفهَمين سِرَّ هذه المادة.

لقد تمَّ اعتبارُ المُعجِزة (أو «الكرامة» بحسب الإسلام) على أنها كلُّ شيء استثنائي نادر الحدوث أو مُبهِر للدماغ أو غير مُفَسَّر عِلمياً . بل تمَّ حصرُ مفهوم المعجزة في معنىً ديني أُسطوري يشير إلى كل حَدَثٍ غير عادي وغير متوقّع وغير مفسَّر يُنسَب إلى نَبيّ أو وَليّ أو قِدّيس أو زعيم دينيّ بتدخُّلٍ إلهيّ. فالشفاء غير المألوف وغير المفسَّر معجزة وخاصةً إذا وضعوه ضِمن طقس ديني فظَنّوا أنه حصلَ في مَعبَد أو على يد زعيم روحي أو بعدَ صلاةٍ أو توسُّلٍ لرمز ديني. واختلقوا أحداثاً أسطورية نسبوها إلى شخصيات دينية وصنَّفوها ضمن المعجزة. فصارت المعجزة تشير إلى نوع من الأدب الديني للأحداث النادرة أو المتخيَّلة.

إذا كان جوهرُ المُعجِزة، بحسب التعريف اللغوي، يقوم على المفاجأة والنظر بِدَهشة فأساسُ المعجزة إذاً هو نفسي داخلي في الدماغ. أساسُ المعجزة هو موقف نفسي أو حالة نفسية ورؤية وبصيرة. كلّنا رأى رؤيةً اعتياديةً التفاحةَ تسقط، ولكنّ إسحاق نيوتن (1642 - 1727) رآها ورَصَدَها بعين مختلفة. هذه الرؤية هي معجزة واستنارة وقداسة. والشيء بالشيء يُذْكَر، الحِكايةُ التي تَروي سقوطَ تفاحةٍ على رأس نيوتن لتوضِحَ نشأةَ تفكيره بالجاذبية هي حِكاية غير مؤكَّدة وقد رواها ويليام ستوكلي (William Stukeley) (1687 - 1765)، صديقُ نيوتن، في السيرة الذاتية لنيوتن والتي نُشرت عام 1752، أي أي بعد مرور حوالَي ستين عاماً على الحادثة المفترضة. معَ ذلك فإنَّ رَصدَ نيوتن لسقوط التفاح ورَبْطَه بالجاذبيةِ والكتلةِ هو أمرٌ لا رَيبَ فيه.



#محمد_علي_عبد_الجليل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- «بارود ! اهرُبوا !» : خَطَـرُ الدِّينِ
- قراءة كريستوف لُكسنبرغ: ما لها وما عليها
- حكاية القرآن
- التاريخ البشري باختصار
- أثر العقائد والسياسات
- كلمة سريعة بخصوص اليوم العالمي للغة العربية
- المرشدية دين الحرية
- هجر جميل والراح المستعان
- أعاقر الراح
- ثقافة القطيع
- ظاهرة دافيد رجل الكهف
- من أين جاء نظام الكون؟
- شآم حبك في قلبي وفي الهدب
- أثر الدين (2)
- حاكم عربي يفتخر
- أثر الدين
- كلمة بخصوص نشأة الله
- لا أَخطاءَ في القُرآن: كلمة بخصوص كِتاب «أخطاء القرآن الكريم ...
- تشكُّل العربية وحركات الإعراب
- فرضية التضاد في تقاليب الفعل الثلاثي


المزيد.....




- انقطاع تام للكهرباء في الجزيرة بأكملها.. شاهد أزمة الطاقة ال ...
- حماس تقول إن إسرائيل تستخدم -التجويع كسلاح- بمنعها دخول المس ...
- هواتف محمولة موقتة وقفص فاراداي: الموظفون الأوروبيون مُلزمون ...
- ميلوني في واشنطن لمناقشة الرسوم الجمركية مع ترامب
- بحضور ممثل عن الحركة.. المحكمة الروسية العليا تعلق حظر أنشطة ...
- منظومة -أوراغان- الروسي تستهدف تجمعا للقوات الأوكرانية
- فستان متحدثة ترامب -صيني-
- الجيش الإسرائيلي يقول إنه قصف بنية تحتية لحزب الله جنوبي لبن ...
- -لعنة- هاري كين؟.. صحف أوروبية تعلق على إقصاء بايرن ميونيخ
- الطاقة وفلسطين وسوريا على طاولة بوتين وتميم في الكرملين.. أب ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد علي عبد الجليل - في معنى المُعجِزة